خبر رصاص مشروخ .. التحقيق كما ينبغي .. يديعوت

الساعة 11:53 ص|22 مارس 2009

بقلم: تالي نير

محامية في جمعية حقوق المواطن مختصة في القانون الدولي

الكبت هو آلية ناجعة جدا. فهو يسمح لنا بمواصلة حياتنا رغم الاوضاع الصعبة وبالتالي يسمح لنا بالبقاء على قيد الحياة. ولكن احيانا يؤدي الكبت الى عدم التصدي للواقع. في حالات عديدة، هذا سيتفجر لنا في الوجه.

في دولة مثل اسرائيل، المحملة بالاوضاع الصعبة، الكبت هو موضوع عادي – سواء على المستوى الشخصي أم الوطني. وعليه، ليس مفاجئا على الاطلاق ان يأتي التحقيق في القتال في غزة على مستوى منخفض في الشهرين اللذين مرا منذ انتهت حملة "رصاص مصهور". حتى الايام الاخيرة اجريت في الجيش الاسرائيلي تحقيقات عملياتية، ولكن لم يشرع بتحقيقات حقيقية حول الشبهات في الجرائم التي يحتمل أن تكون ارتكبت.

مثلما في حالات عديدة في الماضي، نحن نفضل الكبت. رغم الشهادات الصعبة عن قتل مدنيين ابرياء، اضرار بمبان مدنية، هدم املاك خاصة وغيرها، اختارت اسرائيل الا تجري تحقيقا حقيقيا في ما جرى هناك. الخطاب الجماهيري حتى الان كرر المرة تلو الاخرى بان الجيش الاسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم، والشهادات من غزة اعتبرت كمحاولة اخرى للتشهير بنا.

الان فقط، بعد ان بدأ جنودنا يتحدثون عن اعمال يشتبه بها كغير قانونية، يبدأ زخم قد يؤدي الى تحقيق اكثر جدية. هذه الشهادات، على السنة من شاركوا في القتال بانفسهم، تضع امامنا مرآة لا تسمح لنا بمزيد من الكبت.

محافل فلسطينية ودولية عديدة تجمع في هذه الايام شهادات من غزة ولم يبعد اليوم الذي ترفع فيه دعاوى دولية لتقديم قادة وجنود شاركوا في القتال الى المحاكمة. والمفارقة هي أن المخرج الوحيد من هذه الورطة هو اجراء تحقيق ذاتي في اسرائيل.

القانون الدولي لا يسمح بالتقديم الى المحاكمة في الخارج في المكان الذي فعلت فيه الدولة نفسها ما يسمى "تحقيق مناسب". ولكن مثل هذا التحقيق يجب أن يتم من هيئة مستقلة وغير مرتبطة، ليس من قبل الجيش الاسرائيلي نفسه، ويفترض أن يكون هذا فوريا، علنيا وناجعا.

على حكومة اسرائيل أن تتخذ بشكل عاجل للغاية قرارا شجاعا وان تعين هيئة غير متعلقة للتحقيق في الشبهات. على التحقيق ان يركز على الاوامر والتعليمات، التي صدرت قبل الحملة وفي اثنائها، وعلى من اصدروها. هذا لا ينبغي أن يكون تحقيقا في احداث موضعية، اساسها تطبيق الاوامر على الارض.

من شهادات الجنود التي تكشفت في الايام الاخيرة يبدو ظاهرا انه كانت هناك مشكلة منظوماتية. من الرسالة التي نقلت الى الجنود بان كل شيء مسموح. وعليه، فان التحقيق لا يجب أن يركز على الجندي الصغير، بل على من بعث الجنود.

التحقيق لا يمكن ان يجريه الجيش او كل من كان ضالعا في اتخاذ القرارات في اثناء الحملة، وذلك لان من الواضح ان الهيئة التي تحقق مع نفسها لا يمكن ان تعتبر مستقلة. التحقيقات العملياتية الحالية او تحقيقات الشرطة العسكرية لا يمكنها أن تمنع تقديم مسؤولين الى المحاكمة في الخارج. فقط التحقيق الذي تديره هيئة خبراء ومستقلة، وتكون شفافة، وتفي بالمطالب الدولية وتحمي جنودنا.

ولكن اهم من الحاجة الى منع المحاكمات في الخارج هو الواجب تجاه أنفسنا: اسيضاح ما حصل لنا هناك في غزة. من شهادات الجنود يتبين أن شكوكا بالنسبة لطهارة السلاح او الاوامر التي تبدو غير قانونية على نحو ظاهر لم تطرح على الاطلاق في اثناء القتال. لقد مرت سنوات طويلة الى أن بات مقبولا في اسرائيل التفكير بانه جدير احيانا التشكيك بالنسبة لاوامر معينة، والان من المهم الاستيضاح اذا لم نكن قد تراجعنا الى الوراء.

الكبت بالنسبة لكل هذا يجب أن نوقفه على عجل. فقط تحقيق مستقل ومستنفد الغاية سيؤدي بنا الى ان نتمكن من العيش بسلام مع انفسنا، وفي المستقبل ربما ايضا مع الفلسطينيين.