خبر نسوة في جنين يبددن ظلام الأمية

الساعة 11:09 ص|22 مارس 2009

فلسطين اليوم- جنين

ما زالت الحاجة فتحية مصطفى قاسم مساد 57 عاماً، من بلدة برقين بمحافظة جنين شمال الضفة الغربية، تحلم بإنهاء تعليمها الإبتدائي الذي حرمت من استكماله قبل نحو ثلاثين عاماً، نتيجة لعوامل اجتماعية مختلفة.

فتحية مساد 'أم عامر' أم لخمسة أبناء أكبرهم حصل على شهادة الدكتوراه، وسبع بنات أنهت ثلاث منهن تعليمهن الجامعي، هي الآن إحدى طالبات صف محو الأمية في بلدة برقين، والذي جاء بمبادرة من النقابة العامة للعاملين في الزراعة والصناعات الغذائية، ضمن المشروع التثقيفي الفلسطيني الدنماركي.

هناك في غرفة صغيرة في روضة طلائع برقين، تواظب نحو خمسون امرأة من البلدة تتراوح أعمارهن ما بين (30 – 60)عاماً، على حضور دروس محو الأمية وكلهن أمل أن يحققن أحلامهن بتعلم القراءة والكتابة وذلك بعد أن فاتهن قطار التعليم في سنوات الصبا.

في غرفة الصف، نسوة يصغين بدقة وإمعان لكل صوت تنبس به شفاه المعلمة علهن يضفن لما تعلمنه حرفا جديدا من حروف الأبجدية.

وقالت 'أم عامر' إن دافعها للالتحاق بفصل محو الأمية في القرية، هو إنها حرمت من إكمال تعليمها الابتدائي بسبب زواجها المبكر ، مشيرة إلى أنها تزوجت في سن السادسة عشرة، ولم تكن حينها قد أنهت دراسة الصف الخامس في ذلك الوقت.

وأضافت، التحقت بالمدرسة في سن متأخرة، وذلك بعد أن تم افتتاح الصف الأول الابتدائي في مدرسة البلدة، وتذكر أن المدرسة قبلت في ذلك العام الفتيات من أعمار مختلفة وكانت هي من بين كبيرات السن اللواتي قبلن في الصف الأول بشكل استثنائي.

وتابعت: مرت الأيام والسنين ولم أكمل دراستي وبعد فترة نسيت ما تعلمته حتى الصف الخامس، ومع مرور الزمن بدأت المشاكل، فلم يكن باستطاعتي تدريس أبنائي.

وقالت بألم ظاهر 'عندما كنت أذهب إلى جنين لزيارة الطبيب أو للتبضع، كنت أمشي حائرة في الشوارع، لا استطيع أن أقرأ أسماء الأطباء على اليافطات أو الشوارع أو المحلات' وأضافت 'كان الأمر محرجاً، ففي كل خطوة يجب أن تسأل شخصا ما أين الدكتور فلان، وأين المحل الفلاني وأين وأين'..

وتابعت: بعد ذلك قررت أن أعود للتعلم، فتوجهت إلى الجمعية الخيرية في البلدة في ذلك الوقت، حيث كانت السيدة تمام الشلبي 'أم علاء' تعلم مجموعة من نساء البلدة يزيد عددهن عن ثلاثين امرأة، فالتحقت بالمجموعة وبدأت من جديد، ولكنني لم أتعلم الكثير لأسباب كثيرة منعتني من المتابعة.

وحول التحاقها في صف محو الأمية في برقين هذه الأيام قالت 'أم عامر': بعد انقطاع طويل عن التعليم نسيت معظم الأشياء التي تعلمتها، ولكن ما جعلني أعود مره أخرى للتعلم إحدى الحوادث الطريفة التي صادفتني بينما كنت ازور قريبتي المريضة في إحدى المستشفيات في جنين.

وتابعت: وصلت إلى المستشفى وكانت قريبتي في الطابق الثالث من المستشفى، ولكبر سني صعدت في 'المصعد الكهربائي'، بعد ذلك وبشكل مفاجئ أغلق باب المصعد وبدا يتحرك، مره إلى الأعلى ومره إلى الأسفل، ولم اعرف وقتها ماذا افعل، فأصبت بحالة من الذعر، وبدأت بالضغط بشكل عشوائي على الأرقام المكتوبة في محاولة للخروج من هذه الورطة.

وأضافت: بعد هذه الحادثة والكثير من الأمور الأخرى، قررت أن التحق من جديد بصف محو الأمية، والآن وبحمد الله فإنني استطيع قراءة معظم الكلمات واستطيع فهمها وكتابتها، وهذا ما ساعدني على قراءة القران الكريم، وحفظ الآيات القصيرة، كما إنني أحفظ جدول الضرب واستطيع أن اجمع واطرح الأرقام بسهولة.

وقالت: أولادي كثيرا ما يشجعونني على الاستمرار والمواصلة في التعلم، وأنا أيضا عندي إصرار كبير على مواصلة التعلم في هذا الصف، أو في بيتي، فانا غالبا ما أقرأ أي ورقة أو فاتورة كهرباء أجدها أمامي في المنزل، وعندما لا استطيع فلا أخجل من سؤال أولادي.

وأضافت: معرفة عنوان الطبيب لم يعد يمثّل أزمة بالنسبة لي، لم أعد بحاجة لمساعدة المارة في شوارع المدينة لإرشادي إلى مقصدي، اليوم أقوم بتهجئة الكلمات ببطء حتى يتضح معناها ولم اعد بحاجة لمساعدة احد.

ودعت 'أم عامر' كافة النساء سواء المتقدمات بالسن أو الشابات اللواتي لم تسمح لهن ظروفهن الاجتماعية أو الاقتصادية من استكمال تعليمهن إلى الالتحاق بصف محو الأمية، أو التوجه إلى أي مؤسسة أو مركز يساعدهن في تعليم القراءة والكتابة، وقالت 'التعليم شيء مهم ولا يمكن الاستغناء عنه في أي زمان أو مكان'.

بدورها روت 'أم خالد' 42 عاما، قصتها مع الأمية: فقالت 'ولدت لعائلة محافظة تحكمها العادات والتقاليد، ومنذ وعيت على هذه الدنيا وأنا أعرف أنني سأكون في المستقبل زوجة لأبن عمي، وتابعت ' كنت قبل الزواج طالبة مجتهدة وأحب مدرستي، ولكن عندما بلغت الصف السابع، وهو سن الزواج في ذلك الوقت، وبدون أي أسباب أخرجني والدي من المدرسة وتزوجت ابن عمي، ومع مرور الأيام نسيت كل ما تعلمته في الفترة التي قضيتها بالمدرسة.

وأضافت: ما زلت اذكر هذه الحادثة حتى اليوم، لأنها سلبتني مدرستي، وتابعت 'مع هذا لم اصب باليأس، وعندما سمعت بصف محو الأمية توجهت فورا إلى هناك، وبدأت أتعلم من جديد، ولن أضيع الفرصة هذه المرة'.

سعاد نافع 35 عاما التحقت أيضاً بدورات محو الأمية، تقول 'لا شيء يُفرحني أكثر من قيامي بمساعدة طفلتي على حل وظائفها البيتية، أصبحت أشعر بأن ثقتي بنفسي زادت'

وأضافت 'كنت أحتاج لمساعدة الآخرين لتدريس طفلتي وحل واجباتها، والآن أسعى للالتحاق بدورة لتعلم اللغة الإنكليزية.

ورأت أن من أصعب الأمور التي قد تواجه الأم هي عدم قدرتها على تدريس ابنتها أو ابنها، وخاصة عندما يكون الأب أمياً أيضا، وقالت عندما كانت تسألني ابنتي كيف تقرأ أو تكتب هذه الكلمة، أو ماذا يساوي مجموع هذه الأرقام، وكيف تحل هذه المسألة، كانت الدنيا تظلم في وجهي، وأبدأ بالبكاء، لأنني لا استطيع أن أجيبها على أي من أسالتها'.

وتابعت 'عندما سمعت بوجود صف محو الأمية سارعت إلي الالتحاق به، وفي بداية الأمر، تعرضت لسخرية من جاراتي، وكنت اسمع الكثير من التعليقات 'بعد ما شاب ودوه الكتّاب'، ولكني تعودت على الأمر، وبقيت مصرة على التعليم، وبفضل الله تحسنت كثيرا، وأصبحت أجمل اللحظات بالنسبة لي عندما أساعد ابنتي على الكتابة أو القراءة.

واعتبر عبد الحكيم الشيباني سكرتير المجلس العمالي بالاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في جنين: القدرة على الكتابة والقراءة حق إنساني ومورد لتخطي الفقر وتحسين الصحة والحد من انتهاكات حقوق الإنسان، وسلاحا لحماية الإنسان الأمي من الأمراض التي تهدد حياته أو عائلته بشكل فاعل، وتجعله أكثر قدرة على اتخاذ دور فاعل في مجتمعه.

وقال: إن فكرة دورات محو الأمية، جاءت بعد دراسة أعدتها النقابة العامة للعاملين في الزراعة والصناعات الغذائية التابعة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، والتي أظهرت أن نسبة الأمية بين العاملات في قطاع الزراعة والصناعات الغذائية تصل إلى نحو 65%.

وأضاف الشيباني، إلى أن النقابة وبناء على هذه الدراسة، قدمت اقتراحا، للمشروع التثقيفي الفلسطيني الدنمركي، لتمويل دورات محو الأمية، تستهدف العاملات في قطاع الزراعة والتصنيع الغذائي في محافظة جنين.

وأشار إلى أنه وبعد الحصول على تمويل دورات محو الأمية، افتتحت أول دورة في بلدة برقين في السابع عشر من شهر كانون الثاني/يناير 2009، فيما افتتحت دورة أخرى في بلدة كفرراعي، وتجري التحضيرات الآن لفتح دورات مماثلة في مدينة جنين، وبلدة عرابة، وقرية جلقموس.

وأوضح الشيباني، انه يتم استهداف القرى التي يعتمد سكانها بشكل أساسي على العمل في قطاع الزراعية والصناعات الغذائية، مشيرا إلى أن النقابة تلقت العديد من الدعوات من قرى وبلدات محافظة جنين لإقامة دورات محو الأمية فيها.

ولفت إلى أن هذه الدورات التي ستستمر لمدة ستة أشهر، تهدف إلى إكساب المشاركات مهارات القراءة والكتابة والحساب والتثقيف حول المواضيع المختلفة من خلال تشجيع القراءة والكتابة في تطوير المهارات على الصعيد الذاتي لهن.

وأشاد الشيباني بالدور الكبير الذي تقوم به إدارة المشروع التثقيفي الفلسطيني الدنمركي لتطوير النقابات والنقابيين الأعضاء في الاتحاد من خلال الإشراف والمتابعة المستمرة، وعقد دورات التثقيف والتدريب لهم في أمور مختلفة تتعلق بقوانين العمل والضمان الاجتماعي وشروط الصحة والسلامة المهنية في العمل.

واعتبر أن الاستمرار في المتابعة والاهتمام بالنقابات الأعضاء في الاتحاد وخاصة نقابة العاملين في الزراعة والصناعات الغذائية خطوة فاعلة للنهوض بها في شتى مجالات العمل النقابي من اجل تقديم الخدمات اللازمة والضرورية للعاملين في هذا القطاع بصورة ملموسة وظاهرة في أماكن العمل المختلفة.

ويشير تقرير جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني لعام 2007/2008 إلى أن هناك 124 ألف أمي فلسطيني يتوزعون إلى 82.719 أمي في الضفة الغربية و41.115 أمي في قطاع غزة، أما حسب الجنس فيتوزعون 28.216 من الذكور، ز95.618 من الإناث.

فيما أظهر التقرير أن نسب الأمية بين أفراد كبار السن 65 سنة فأكثر كانت الأعلى مقارنة مع الفئات العمرية الأخرى، فقد بلغت 58.0% في العام 2007، في حين بلغت بين الشباب 15-24 سنة 0.9 لنفس العام.

أما على مستوى المحافظات فأشار التقرير إلى أن أعلى نسبة أمية في محافظة طوباس، حيث بلغت 8.4%، تليها محافظاتي أريحا والأغوار، ورام الله والبيرة ونسبة الأمية في كل منها 7.5%، وان اقل نسبة أمية كانت في محافظة شمال غزة حيث بلغت 5.1%