خبر أحد قادة الإخوان المسلمين في غزة يروي رحلته مع الشيخ ياسين منذ 50 عاماً

الساعة 08:32 ص|22 مارس 2009

فلسطين اليوم-غزة

"لم يكن الشيخ أحمد ياسين إنساناً عادياً، كان رجلاً قوياً رغم ضعف بنيته، وصاحب رأي سديد رغم قلة الإمكانيات التي لديه، وبما أنه كان رجلاً ربانياً؛ فقد أودعه الله سبحانه وتعالى تلك القوة التي عجز عنها الأصحاء ذوي الأجسام القوية وثبت ذلك على مر السنين، حيث إنه لم يترك الدنيا مستشهداً إلا وقد ترك أثراً كبيراً في مجتمعنا الفلسطيني، بل في المجتمع المسلم عامة، ولا يزال أثره وفكره يسيطر على عقول الملايين من أبناء أمتنا العربية والإسلامية".

هذه الشهادة، أدلى بها الشيخ حماد الحسنات، عن حياته الحافلة التي عاشها برفقة الشهيد الشيخ أحمد ياسين مؤسسة حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

ويعتبر الشيخ الحسنات أحد أقدم قيادات جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، وأحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وواحد من مبعدي "حماس" إلى مرج الزهور جنوب لبنان عام 1992.

استشهد نجله ياسر، وهو قائد بارز في المقاومة، ومن مؤسسي كتائب القسام، بتاريخ 24/5/1992 في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال في حي الصبرة وسط مدينة غزة، وأسفر الاشتباك كذلك عن استشهاد القائدين القساميين مروان الزايغ ومحمد قنديل.

الشيخ الحسنات (74 عاماً)، تحدث حديثاً امتزج بالدموع عن الشيخ ياسين والدور الكبير الذي لعبه في بناء الجيل الذي بهر العالم كله في الانتفاضة الأولى والثانية وفي الحروب المتكررة بل وبهر الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي عبر فترة من الزمن، لا زالت مستمرة.

يوافق اليوم الأحد (22/3)، الذكرى السنوية الخامسة لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين، الذي قضى شهيداً عندما استهدفته الطائرات الإسرائيلية بعدة صواريخ وهو خارج من صلاة الفجر قبالة مسجد المجمع الإسلامي بمدينة غزة عام 2004.

وكان الحسنات تعرف على الشيخ ياسين في بداية الستينيات من القرن الماضي وهو طالب في المدرسة، في ذات المرحلة التي أصيب فيها بالشلل الذي عايشه من بداية شبابه الذي أصيب به نتيجة ممارسته للرياضة البدنية مع زملاءه.

ويقول الحسنات أخذت تلك الإصابة تعيش مع الشيخ ياسين كل حياته وتطورت معه، فكان في آخر حياته لا يتحرك فيه غير لسانه وبصره وعقله لكن الله سبحانه وتعالى أكرمه بأن جعل ذلك الضعف سبباً في قوته وتميزه عن غيره من الرجال، فقد عرفته وهو يسير على القدمين، لكن ليس بطريقة طبيعية والتف حوله الشباب الصغار يتعلمون منه الكثير من الأمور.

وأشار إلى بعض ما تميز به الشيخ ياسين قائلاً "هناك أشياء تميز بها الشيخ (ياسين) في حياته، لمستها شخصيا فيه، منها قوة التأثير بالشباب، تعلق تلاميذه به، عمق الإيمان الذي كان يتميز به عن غيره من إخوانه، قوة إيمانه بالحركة التي اعتقدها بالإضافة إلى أنه كان قوي العقيدة والإيمان هادئ التفكير والحركة ثاقب البصيرة ورغم أنه لم يتمكن من إكمال التعليم الجامعي إلا أنه جمع كثيرا من العلوم وخاصة العلوم الدينية التي جعلت منه أستاذا للأساتذة".

وعمل الحسنات مع الشيخ ياسين منذ عرفه في أوائل الستينيات تقريباً، ربطتهما الفكرة الإسلامية سوياً وأصبحت بينهما كثير من الزيارات والأعمال من أجل الدعوة الإسلامية، كان من أبرزها اللقاءات الخاصة التي لم تكن بصورة علنية ثم الرحلات مع بعض الشباب إلى ساحل البحر، وإقامة بعض المعسكرات التي تأخذ الطابع الاجتماعي.

وأوضح أن الحركة الإسلامية كانت في ذلك الوقت مطاردة من الحكومة المصرية التي كانت تحكم القطاع، الأمر الذي منع الحركة من العمل بصورة واضحة، رغم أن الحركة استمرت تعمل في الخفاء والشيخ ياسين من أحد أبناءها المربين.

وعن مرحلة السجن يروي الحسنات أنه بعد استشهاد سيد قطب وإخوانه في مصر على يد حكومة جمال عبد الناصر عام 1965 وضرب الحركة الإسلامية في مصر، نظمت حملة اعتقال كبيرة طالت قطاع غزة، فاعتقلت مجموعة من القطاع ثم رحلت إلي مصر ثم اعتقلت مجموعة ثانية "فكنت أنا والشيخ أحمد ياسين مع هذه المجموعة وبعض الأخوة مكثنا في السجن فترة وعندما فكروا في ترحيلنا قالت الحكومة المصرية أن القطاع لا يحتمل أكثر ممن أخذنا منه فبقينا في سجن بغزة حوالي شهر ثم أفرج عنا".

ولفت النظر إلى أن حركته واجهت مضايقات كبيرة من قبل الحكومة المصرية، موضحاً "بعد خروجنا من السجن وضع لنا نظام مراقبة عنيف جدا بحيث أصبح كل واحد منا مكلف به أحد رجال المباحث يرافقه في خروجه وفي عمله وفي أي تحرك".

وأضاف "واستمر هذا الوضع حتى عام 1967 فقطعت حبال الاتصالات بيننا من 1965 إلى 1967 ولم نتمكن من رؤية بعضنا نحن وبقية الإخوة، وكان في هذه الفترة مضايقات شديدة جدا منعنا خلالها السفر خارج القطاع واستمرت المباحث تلاحقنا حتى 1967 فقامت الحرب وسقط القطاع تحت يد اليهود".

وأكمل قائلاً: "تغيرت حياة الناس، وقد يستغرب البعض أننا تحررنا بتلك الحرب رغم أننا أكثر الناس ألما منها ولكن الذي وصلنا إليه هو أننا أصبحنا كبقية الناس لا مراقبة ولا متابعة علينا، وما يحدث للناس يحدث لنا وبعد أن انتهت الحرب وعادت الحياة إلي الوضع الطبيعي أخذنا نتلمس الوسيلة لإعادة العمل الدعوي وإعادة النظام للقطاع بعد أن تقطعت الخيوط بسبب الملاحقة من قبل المباحث المصرية قبل 67".

وذكر أن هذه المرحلة التي تلونت بأصناف المعاناة، لم تثنِ الشيخ عن متابعة جهوده لإحياء العمل الدعوي من جديد، فقد أخذ الشيخ برفقة إخوانه بالاتصال بالإخوة المعروفين قبل 1965 وحددوا مكاناً، والتقت مجموعة من الإخوة لأول مرة بعد الحرب في بيت أحدهم بغزة، "وفي تلك الجلسة اخترنا مجموعة من بيننا لتدير العمل الدعوي في القطاع وكان على رأس هذه المجموعة الشيخ أحمد ياسين فأخذ يرتب الشيخ وإخوانه المختارين أمور الدعوة بإعادة النظام والعمل الفردي والجماعي بين الأفراد والتركيز التام على التربية لإعادة الروح الإسلامية عند الشباب التي فقدت طيلة عهد الحكم المصري".

وتابع الحسنات: "استفدنا من نظام الحياة لدى الكيان الإسرائيلي إذ انه كان لديهم قانون ينص على حرية الأديان بمعنى أن كل إنسان حر في العمل من أجل دينه، وهذا المفهوم لم يكن لدينا قبل 67 فانطلقنا إلى جميع الجهات من أجل الدعوة وعلى رأسها المجموعة المختارة التي يرأسها الشيخ أحمد وبدأت تنتشر الدعوة وأصبح بيت الشيخ ياسين مزارا للشباب فبدأ يرتفع ذكر هذا الشيخ وصوته في المساجد والمدرسة واللقاءات مع العامة وأصبح له تلاميذ يقومون بكل المخططات التي يكون رأيه فيها بارزا وعمله فيها واضحا وأدائه فيها يعلوا في كل مكان، فليست شخصية الشيخ أحمد ياسين الجسدية التي تعمل وإنما فكره، فرأي الشيخ وشخصيته مجسدة في تلاميذه الذين يقومون بنشر فكرته ودعوته مما جعل هذه الدعوة لم تمكث طويلا حتى أصبح يشعر فيها كل إنسان".

إن من عايش الشيخ ياسين أو قرأ عنه، يعرف عنه اتجاهه لتكوين المؤسسات الاجتماعية والخيرية، وفي هذا يشير الحسنات إلى أن الشيخ ياسين كان يمتلك شخصية بعيدة وثاقبة، فأدرك أن لا بد أن يكون للحركة مؤسسات رسمية تقوم بدورها في المجتمع فكان أول ما فكر به إقامة المجمع الإسلامي وكان الصورة الأولى لعمل مؤسساتي إسلامي حتى الفترة التي سبقت الانتفاضة كان يسمي الشباب المسلم بـ "المجمعيون" أي أتباع المجمع الذي يرأسه الشيخ أحمد ياسين".

استطاع الشيخ ياسين أن يحصل على ترخيص للمجمع الإسلامي على أنه جمعية عثمانية، وبدأ بالعمل ثم انشأ الجمعية الإسلامية وكان اسمها في البداية الجمعية الإسلامية بالشاطئ وجعل رئيسها الشيخ خليل القوقا وكان ذلك في عام 1976 وبدأت هذه الجمعية تعمل وأخذ العمل الإسلامي ينتشر في القطاع بشكل واضح، فبدأت الخلافات بين هذا التيار الجديد وبين الأحزاب العلمانية فبرزت الحركة أكثر وأكثر".

وذكر بأن الجمعية الإسلامية بالشاطئ قامت بعد ذلك بفتح فروع لها ببقية القطاع كان من ضمنها الجمعية الإسلامية في النصيرات التي افتتحت عام 1979 وكان الشيخ الحسنات شخصيا على رأسها، ثم فتحت بعض الجمعيات الأخرى لكنها قليلة وعندما بدأت تظهر الجمعية وبعض فروعها أوقفت إسرائيل ترخيص الجمعيات الإسلامية، "ولكننا كنا قائمين كجمعيات بلا ترخيص وبدأنا نفكر كيف نجعل من وجودنا وجوداً قانونياً فالتقينا وقررنا أن نعمل جمعية عمومية للجمعيات الموجودة بوضع كلمة في القانون الأساسي بحيث تعطي الجمعية الإسلامية حق فتح فروع أخرى، فأتينا بالقانون الأساسي بالجمعية وأدخلنا عليه عبارة قصيرة "الجمعية الإسلامية في الشاطئ يحق لها فتح فروع" وقدمنا القانون الأساسي للداخلية ووافقت عليه، وبذلك أصبحنا فروع رسمية وأصبح اسم الجمعية الإسلامية بغزة وأصبح هو ترخيص لكل الفروع، وبذلك اتسع العمل الإسلامي حيث فتح في كل منطقة بالقطاع جمعية حتى أصبح عددها الآن إحدى عشر جمعية تقريبا".

وتطرق الحسنات إلى دور الشيخ ياسين في الإصلاح وفض النزاعات قائلا "بعد العام 1980 اشتهر الشيخ ياسين بين الناس، وأصبح له قوة شبابية في المجتمع فأخذ الناس يتجهون إليه في حل مشاكلهم، ونجح نجاحاً كبيراً في هذا الأمر حتى أصبح كل إنسان لديه مشكلة يذهب إلى الشيخ، فكان لا يرد إنساناً، وإذا ما قضى في أمر ينفذ، واستمر في هذا الأمر حتى أيامه الأخيرة من حياته، فكان لا يخلوا بيته من الناس الذين يريدون حل مشاكلهم وممن يطلبون المساعدة".

رغم كل ذلك، عاش الشيخ أحمد ياسين حياة لا تخلوا من المتاعب، فكان منها المعتقلات والمرض، بالإضافة لتحمل عبء حركة عالمية يمثلها في قطاع غزة، فاعتقل عدة مرات في عهد المصرين وفي عهد الاحتلال، فضلا عن الإقامة الجبرية التي فرضت عليه في عهد السلطة الفلسطينية، وفي كل مرة اعتقل فيها كان يخرج قبل نهاية فترة الحكم المفروضة عليه، فكان قدر لله يلعب دورا كبيرا في هذا، كما أنه رفض خروجا مشروطا من السجن كما أنه رفض أن يخرج بدون الأخ الذي يعمل على خدمته".

أما الأمنية التي كان يرجوها الشيخ فكانت "أن تعود فلسطين حرة عزيزة"، وأهم أمنية له قبيل استشهاده كانت "الشهادة"، وفي هذا يقول الحسنات: "عندما كان مريضاً زاره الإخوة وقالوا له الحمد الله على سلامتك، فأخذ يردد الشهادة، فهذه الشهادة تحققت، وعودة فلسطين لم تتحقق بعد، "سوى أن أمرا كبيرا طرأ بعد استشهاده، يبشر بعودة فلسطين، وهو ارتقاء الحركة الإسلامية في القطاع ووصولها لسدة الحكم".

يشار إلى أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" خاضت الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وفازت فيها بالأغلبية، شكلت على إثرها الحكومة الفلسطينية العاشرة.