خبر في الذكرى الخامسة لاستشهاده.. الشيخ « أحمد الياسين ».. قائد صنع من الضعف قوة

الساعة 06:18 ص|22 مارس 2009

فلسطين اليوم – غزة

"نحن لا نريد فقط أن يوقف الاحتلال عدوانه على شعبنا، بل نريد أن يزول تماما عن أرضنا وأن تزال المستوطنات، وأن يطلق سراح الأسرى، وأن يفك الحصار عن الرئيس عرفات، وكل هذا ضمن جدول زمني إذا التزم به العدو نلتزم نحن من جانبنا (..)لسنا عشاق قتل أو سفاكي دماء، إذا كان بالإمكان تحرير أرضنا دون أن تراق الدماء لماذا لا نفعل.. ؟".. تلك إحدى مقولات الإمام الراحل، رجل حماس الأول ومؤسسها، الشيخ أحمد ياسين، الذي عبر من خلالها عن مطالب الشعب الفلسطيني وعلى رأسه فصائل المقاومة.

 

المنشأ والتاريخ

استشهد الإمام المؤسس، في 22 مارس 2004م، عن عمر يناهز الـ (66) عاماً، إثر عملية اغتيال نفذها بحقه سلاح طيران الاحتلال الإسرائيلي، بإشراف مباشر من رئيس وزرائه حينذاك آرئيل شارون، ليحيل جسده الضعيف على كرسيه المتنقل إلى أشلاء يصعب جمعها.

 

ولد الشيخ أحمد ياسين، عام 1938م، في قرية "الجورة" من قضاء مدينة المجدل "عسقلان"، و مع حلول النكبة عام 1948م، هاجر مع أسرته الفقيرة إلى قطاع غزة،و لم يمكث طويلاً حتى تعرض عام 1952 لحادث أدى إلى شلل كامل في جسده، لم يثنه عن مواصلـة تعليمه و صولاً إلى العمل مدرساً للغة العربية و التربية الإسلامية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

 

بدأ نشاطه السياسي في العشرين من عمره عندما شارك في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956، حينها اظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، وكان يرفض الإشراف الدولي على غزة مؤكدا على ضرورة عودة الإقليم إلى الإدارة المصرية .

 

اعتقل عام 1965م، على يد السلطات المصرية، ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية، استهدفت جماعة الإخوان المسلمين، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان.

 

بعد هزيمة 1967 التي احتلت فيها (إسرائيل) كل الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة استمر الشيخ في إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباس الذي كان يخطب فيه لمقاومة المحتل، كما نشط في جمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين، ثم عمل بعد ذلك رئيسا للمجمع الإسلامي في غزة.

 

في عام 1987م، اتفق مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في القطاع، على تكوين تنظيم إسلامي بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم " حركة المقاومة الإسلامية " - "حماس"، بدأت عملها بـ"انتفاضة المساجد"، ومنذ ذلك الحين والشيخ الياسين يُعتبر الزعيم الروحي لحركة حماس.

 

اعتقلته سلطات الاحتلال يوم 18 مايو/أيار 1989م، مع المئات من أعضاء وكوادر وقيادات حركة حماس، و صدر حكم يقضي بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى، وذلك في يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 1991م، لتطلق سراحه في 1/10/1997 وابعد إلى الأردن بعد ثمانية أعوام ونصف من الاعتقال، بتدخل شخصي من العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال، والذي اعتبر إطلاق سراحه شرطاً لإطلاق الأردن سراح اثنين من عملاء الموساد الإسرائيليين الذين حاولوا اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ليعود إلى قطاع غزة فيما بعد، وبسبب معارضته للسلطة الفلسطينية في الكثير من القضايا ، كثيراً ما فرضت عليه الإقامة الجبرية داخل منزله، ومع ذلك كان من دعاة الوحدة وفك الحصار عن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

 

مأثورات للقائد

كان للمعلم الياسين، العديد من الأقوال المأثورة، التي اشتهر بها، فجعلت منه المعلم والقائد، من أبرزها قوله:" أنا أحب الحياة جداً، لكنني أرفض الذل والخنوع والعدوان على نفسي، عشت حياتي أملي واحد.. هو أن يرضى الله عني"، وقوله:" إن المؤمنين يستمدون زادهم من ربهم أولاً، ومن دينهم ثانيًا، ومن دعم أهلهم وإخوانهم ثالثًا وينتظرون النصر".

 

أيضاً كان يركز كثيراً في حديثه على المقاومة مشدداً على أنها قامت من أجل أن تعطي وتقدّم لا أن تأخذ، وأنها تزيد المؤمنين صلابة، كالنار عندما يوضع عليها الذهب تزيده لمعانًا، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني على مدار التاريخ أثبت أنه الأقوى شكيمة والأصلب إرادة بين شعوب العالم قاطبة.

 

وعن نفسه وطريقه الدعوى كان يقول:"أنا كرست حياتي للعمل وليس للكتابة، فان تعلمت آية أو حديثاً قمت وعلمته للناس (..) إننا طلاب شهادة، لسنا نحرص على هذه الحياة، بل نسعى إلى الحياة الأبدية".

 

وقفات مع الإمام

ويُذكر للإمام رفضه الاعتراف بـ(إسرائيل) تحت أي ذريعة، وكذلك رفضه وقف الدفاع عن النفس (المقاومة)، واستهتاره بقوة الاحتلال الإسرائيلي وتنبؤه بانهيار هذا الاقتصاد قريباً، مؤكداً أن إرادة الشعوب تمنحها القدرة والصلابة على خوض معارك طويلة الأمد.

 

وعن التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي كان يشدد على أنها مرهونة بمصلحة الشعب الفلسطيني، ومن مقولاته الشهيرة بهذا الخصوص قوله:"يهمنا السلام فأنا لا أحارب اليهودي لأنه يهودي أو لأنه يعيش في فلسطين ففي مصر يعيش اليهود والنصارى مع المسلمين ولم يحاربوهم، لكن لو أخي أخذ بيتي سأقاتله فأنا أقاتله من أجل حقي الذي أخذه مني وليس لأنه يهودي".

 

أما عن التهديدات المستمرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي بتصفية قيادات حماس، وهو الأمر الذي نفذه بكثافة جيش الاحتلال خلال العامين 2003م، و2004م، قال:" إن التهديدات الإسرائيلية بتصفية قياديي حماس تعبير عن حالة الفشل والإفلاس التي تعيشها (إسرائيل) فالإسرائيليون ليسوا بحاجة إلى مبرر لارتكاب المجازر ولا يحتاجون إلى مبررات للاستمرار في القتل والتدمير فالعدو الإسرائيلي لا يعيش إلا على القتل والدماء.

 

وعن جدار الفصل العنصري الذي مزق الضفة الغربية وقضم أراضيها، قال:"أما قضية السور فهي هامشية ولا يرفع منها إلا الإعلام الغربي الذي وقف ضد هذا السور، علما أنه يقف إلى جانب العدو الصهيوني ويدافع عنه ويعطيه حق الهجوم على شعبنا مع بقاء الاحتلال، وهذه من تناقضات الغرب والحرية التي يُنادون بها"، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية هي قضية تحرير شعب ووطن، وأن الأقصى في خطر سيما وأن محاولة هدمه وبناء الهيكل مكانه مستمرة.

 

على خطى الياسين

رحل الإمام ليختلف بعده المظهر العام لخط سير حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، كبرى حركات المقاومة الفلسطينية والأكثر شعبية في الشارع الفلسطيني- وهو ما أثبتته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة- إذ كانت تحشر نفسها في مربع المقاومة فقط، رافضة المشاركة في الحياة السياسية الفلسطينية.

 

وبعد عامين من استشهاد المؤسس، خاضت حماس غمار الانتخابات التشريعية، لتحظى بأغلبية مقاعد المجلس، الأمر الذي فاجأ الجميع، مشكلاً مدخلاً واسعاً لحماس التي كانت "مرفوضة" من قبل السلطة الفلسطينية في بداية عمرها وتعرضت قياداتها للتعذيب في سجون السلطة سيما عام 1996م، لتتربع على عرش السلطة فيما بعد، سائرة على بساط الانتخابات، ما جعل بعض المراقبين يرون أن الحركة حادت عن دربها بعد استشهاد المؤسس، إلا أن من يقرأ مواقف الياسين، يجد أن حماس صانت العهد مع إمامها، والتزمت الدرب وإن كان التكتيك اختلف.

 

قالوا عن الإمام

حادثة اغتيال المؤسس، لم تمر مر الكرام، إذ علق عليها العديد من الشخصيات الاعتبارية في العالم، وأولها، ما قاله خلفه الشهيد القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، حينما قال:"لم يخبرنا التاريخ عن قائد صنع من الضعف قوة كما فعل هذا العالم المجاهد"، وكذلك ما قاله أسامة حمدان ممثل حماس في لبنان:" إن الجريمة تدل على عجز العدو وعدم قدرته على إنهاء وتصفية الانتفاضة".

 

وبدوره رأى عصام أحمد البشير وزير الأوقاف السوداني، أن (الشيخ أحمد ياسين كان مشروع شهادة و كان شهيدًا يمشي على الأرض)، بينما رأى الصحفي المصري المعروف أحمد عبد القدوس أن (رجلاً قعيداً أقوى من الرجال الأشداء ، دوّخ عدوًا يملك أقوى جيش بمنطقة الشرق الأوسط).

أما المفكر والداعية الإسلامي الشيخ يوسف القرضاوي، فقال عن الإمام:"إن الشيخ ياسين حقق أمنية طالما طلبها من ربه، كان يستطيع أن يتخفى، ولكنه عرض نفسه ليد (إسرائيل) وهذه الجريمة تعطينا درسًا وهو أن مسيرة السلام لم يعد لها مكان ومن يتصور ذلك فهو واهم.

 

وصرح نائب وزير الجيش الإسرائيلي، عقب حادثة الاغتيال قائلاً:" ياسين كان يستحق الموت بسبب العمليات (الإرهابية) التي ارتكبتها حماس".

 

أما الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش والذي عُرف بدعمه المطلق لـ (إسرائيل) وسياساتها، فقال:" إن من حق (إسرائيل) الدفاع عن نفسها"، لتخرج وزيرة خارجيته، كونداليزا رايس تعلن أن حماس (منظمة إرهابية وأحمد ياسين إرهابي).

 

الشيخ في عيون الأحبة

الحاج شحدة ياسين، شقيق الإمام الأكبر، تحدث في تصريحات له عن الشيخ قبيل استشهاده، قائلاً:"عرضت على الشهيد قبل عدة أيام من استشهاده أن يختبئ عندي خوفًا على حياته بعدما تردد أن الصهاينة يعتزمون اغتياله لكن الشهيد الشيخ رفض ذلك بشدة و قال أنا لا أخاف الموت وأحب الشهادة ليتني أنعم بهذه الشهادة و أنال شرفها، و كانت له.

 

أما ابنته المفضلة سمية، فقالت عن والدها الشهيد:"جمعنا والدي رحمه الله على غير عادته أنا و جميع إخوتي وأخواتي قبل استشهاده بيوم واحد و أحسست حينها أن شيئًا كبيرًا و خطيرًا سيلم بالأسرة .. كان قد اعتاد أن يجمعنا و نجلس معه و نتبادل معه الحديث لكن هذه المرة كانت تختلف تمامًا حيث أصر والدي رحمه الله أن نجتمع كلنا معه، فكانت أشبه بجلسة مودع و أكد لنا خلال الجلسة أنه يشعر بأنه سوف يستشهد قريبًا و انه يطلب الشهادة".

 

وبدورها قالت زوجته أم محمد:"إن الشيخ الشهيد كان في أيامه الأخيرة دائم الحديث عن قرب استشهاده و كان يشعر أنه اقترب من هذا الموعد وأكد ذلك عدة مرات بطريقة غير مباشرة حيث كان يردد لأهل البيت أنه يطلب الشهادة و يبحث عن الآخرة و لا يريد الدنيا".