الأسيرات الفلسطـينـيّات "أنـسَـنَة" القـضـيّة والبُعد المُقَاوِم 

الساعة 12:58 م|17 ابريل 2021

فلسطين اليوم | هيثم أبو الغزلان

بقلم : هيثم محمد أبو الغزلان

يُلامس موضوع "الأسيرات الفلسطينيات عند العدو الإسرائيلي، الخط الأحمر للمجتمع الفلسطيني بشكل عام، والأسرة الفلسطينية بشكل خاص. وما ينتج عنه من أمور تطال الفتاة (أمّا، أو أختًا، أو زوجة).

ورغم وجود التأثيرات السلبية على الأسيرة داخل المعتقل وخارجه، لكونها إنسانة بالدرجة الأولى، إلا أن ذلك لم يمنع الأسيرات بعد خروجهن من المعتقل من الاستمرار في المقاومة ضد الاحتلال بما يُثبت أن القضية اللاتي يحملنها قد طغت على كل ما عداها.

وهذا لا ينفي وجود معاناة شديدة تعيشها الأسيرة عند قيام قوات الاحتلال باعتقالها، وفي مراكز التحقيق، وفي المعتقل، وتعرُّضهن للتعذيب وسوء المعاملة، وانعكاس ذلك معاناة جسدية ونفسية شديدة، وذلك في مخالفة واضحة للقوانين. وهذا يستوجب من الجميع العمل لإطلاق سراح الأسرى والأسيرات، وعمل كل ما يلزم في سبيل حفظ مقاومتهن وجهادهن وكفاحهن. وتكثيف الزيارات للأسرى والأسيرات للإطلاع على الظروف الصعبة والقاسية التي يعيشونها ـ أسرى وأسيرات ـ، بخاصة على صعيد النقل والتفتيشات والعزل والغرامات والاستهتار الطبي وسوء الطعام، وعدم انتظام الزيارات، والضغط على الاحتلال لحماية المعتقلين الفلسطينيين من ممارسات تلك الوحدات الخاصة وانتهاكاتها اللحظية واليومية والتفصيلية بحقهم.

دور المرأة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال

لم يبخل الفلسطينيون بدمائهم لمنع احتلال أرضهم وإفشال المشروع الاستعماري من السيطرة على أرضهم، وبذلوا في سبيل ذلك دماءهم في سبيل أرضهم منذ بداية مرحلة الانتداب البريطاني لفلسطين. وفي المقابل مارس الانتداب كافة صنوف الاعتقالات والاضطهاد والقتل لإخماد الهبّات والتحركات حيث تم إعدام مجاهدين من أبطال ثورة البراق: عطا الزير، ومحمد جمجوم، وفؤاد حجازي في (17 حزيران /يونيو1930)، وإعدام الشيخ المجاهد فرحان السعدي (في 17 نيسان /أبريل 1936). وخلال تلك التّحرّكات شاركت المرأة الفلسطينية في المظاهرات الاحتجاجية، وتم عقد أول مؤتمر نسائي في القدس، شاركت فيه 300 امرأة من جميع أنحاء فلسطين، حيث ناقشن قضيتي الهجرة اليهودية وتملك اليهود للأراضي الفلسطينية، وطالبن عبر عريضة بإلغاء وعد بلفور ومنع الهجرة اليهودية.

 كما شاركت المرأة بثورة الشهيد الشيخ عز الدين القسام وبعد استشهاده في أحراش يعبد (20-11-1935)، وصولًا إلى المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، والتي رافقتها حملات اعتقالات ومجازر بحق المواطنين الفلسطينيين في العام (1948) بهدف تفريغ الأرض من سكّانها الأصليين وإقامة "إسرائيل".

وإثر أحداث النكبة في العام 1948، أسّست نساء فلسطينيات "جمعيّة التّضامن النسائي" ومن ثم وبشكل سرّي "جمعية زهرة الأقحوان"، التي كانت مسؤولة عن نقل الأسلحة والطعام للمقاومين. وكان مركز الجمعية في مدينة يافا حيث تُقدّم هذه المنظمة السلاح للمقاومين حين يخوضون اشتباكات ضد المستوطنين، ويجمعون التبرعات لهم ويهتمون بهم طبيًا.

وفي عام 1965 تأسّست جمعيات ومنظمات كثيرة برئاسة النساء الفلسطينيات منها "الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية" و"جمعية أصدقاء القدس" و"جمعية إنعاش المخيم الفلسطيني" و"جمعية الخامس من حزيران".

ولجأت سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" عقب احتلالها الأراضي الفلسطينية عام 1967، وفرض سيطرتها الكاملة على تلك الأراضي إلى اعتماد سياسة الاعتقالات الجماعية للمواطنين الفلسطينيين، مُكرّسة بذلك همجية "إسرائيلية" واضحة في عدم الإلتزام بالقوانين الدولية أو الأعراف الإنسانية. ولم يُميز الاحتلال في اعتقالاته بين صبي، وامرأة، وشيخ، وعجوز، وشاب،  وقد بلغت عمليات الاعتقالات أكثر من مليون فلسطيني بحسب ما أشارت إليه التقارير الحقوقية من أنه قد جرى اعتقالهم، أو جرى توقيفهم منذ العام 1967، بكافة المناطق الفلسطينية المحتلة. ووفق تقرير صادر عن مركز الإحصاء الفلسطيني فإن من بين المعتقلين منذ العام 1967، يوجد أكثر من 12 ألف مواطنة وعشرات الآلاف من الأطفال. ووفق التقرير ذاته فإنه منذ بدء انتفاضة الأقصى في 28 أيلول / سبتمبر 2000، سُجلت أكثر من 70 ألف حالة اعتقال، من بينهم 850 مواطنة منهن أربع أسيرات وضعن مولودهن داخل السجن خلال انتفاضة الأقصى، وجميعهن تحررن من الأسر.. ولم تقتصر الاعتقالات على الأحياء فقط، وإنما شملت الأموات، حيث لا تزال سلطات الاحتلال تحتجز عشرات الجثامين لشهداء وشهيدات استشهدوا خلال انتفاضة الأقصى ولمئات الجثامين لشهداء استشهدوا في السنوات التي سبقت ذلك.(1)

لم تثن سياسات الاحتلال "الإسرائيلي" وجرائمه التي استمرّت ضد الشعب الفلسطيني، لم يثن ذلك الفلسطينيين عن الاستمرار في المقاومة، وخوض المعتقَلين الفلسطينيين معارك عديدة ضد الاحتلال لتبقى هذه القضية جرحاً مفتوحاً لن يغلقه إلا زوال الاحتلال عن الأرض الفلسطينية كلها.

ولعبت المرأة الفلسطينية على مدار الصراع دورًا أساسيًا في مقاومة الاحتلال "الإسرائيلي"؛ فكانت شهيدة، أو أسيرة، أو جريحة، أو أمّا لأسير، أو أمًّا لجريح، ولاقت من صنوف العذاب والتنكيل ما لاقاه الرجال؛ ورغم الاعتداءات "الإسرائيلية" صمدت المرأة الفلسطينية وقدّمت نموذجًا للعالم لناحية صبرها ومقاومتها وصمودها في داخل المعتقلات وخارجها.

وسجّلت الحركة النسوية الفلسطينية عبر مسيرتها التاريخية مواقف أسطورية كما حصل عام 1996، عندما رفضت الأسيرات الإفراج المجزوء عنهن على إثر اتفاق طابا، وطالبن بالإفراج الجماعي عنهنّ ودون ذلك فضّلن البقاء في السجن واستطعن أن يفرضن موقفهن في النهاية. (2)

 

دور المرأة في انتفاضة الحجارة

شاركت المرأة الفلسطينية خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) التي انطلقت في العام (1987)، بفعالية كبيرة عن طريق رمي الحجارة أو تنظيم مظاهرات، وساهمن ببلوغ الاكتفاء الذاتي إذ قمن بإنشاء تعاونيات من أجل توفير كل المواد التي شحّ وجودها بسبب العقوبات الإسرائيلية. ولعبن دوراً بارزاً في الانتفاضة حيث مثّلن ثلث ضحاياها. وقمن بدور مهم في تخليص الأطفال والشباب في القرى والمخيمات والمدن من أيدي جنود الاحتلال.

وكان لها دور فاعل في تشكيل اللجان الشعبية على مستوى الأحياء التي كانت تقدّم للجمهور الخدمات المختلفة في مجال الصحة والتعليم، والرعاية الاجتماعية، وكذلك في أشكال النضال المختلفة المباشرة وغير المباشرة لمواجهة الاحتلال، وأدّت المواجهات التي خضنها ضد الاحتلال إلى اعتقال 433 امرأة ما بين الأعوام 1967-1990 لفترة ما بين شهر ومؤبد. (3)

وذكرت "وزارة شؤون الأسرى والمحرّرين الفلسطينيين" في تقرير صادر عنها في (18-10-2017) " أن أكبر حملة اعتقالات شنّتها سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" استهدفت خلالها المرأة الفلسطينية جرت خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، حيث وصل عدد المعتقلات إلى 3000 إمرأة فلسطينية، مقابل 9000 إمرأة في الفترة بين العام 2000 ونهاية العام 2009".

وأفشلت المرأة الفلسطينية خلال الانتفاضة سياسة الاحتلال الإسرائيلي في فرض الحصار الاقتصادي على القرى والمخيمات حينما كانت تحمل هذه المرأة كميات كبيرة من الحليب وتتسلل مخترقة الحصار لمساعدة أهالي القرية أو المخيم المحاصر. وكان لذلك أثر كبير في رفع معنويات الأهالي المحاصرين ومساعدتهم على الاستمرار في النضال اليومي، ومن خلال توفير كميات كبيرة من الخبز عندما كانت وعلى مدار العشرين ساعة جالسة وهي تخبز وحينما لجأ الاحتلال إلى قطع الكهرباء ومنع الغاز لجأت المرأة الفلسطينية إلى استخدام الطابون الفرن الطبيعي وقهرت الاحتلال ووفّرت الخبز والحليب لأبناء الشعب الفلسطيني وفي تأسيس الاقتصاد المنزلي من أجل الاكتفاء الذاتي .(4)

وكان للمرأة الفلسطينية دورًا وطنيًا ونضاليًا مميّزًا خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 1987-1993، حيث انخرطت في العملية الانتفاضية في كافة مظاهرها وأشكالها ووسائلها ومجالاتها.. وقد تعرّضت خلال الانتفاضة الأولى إلى القمع والقتل والاعتقال والتعذيب مثلها مثل الرجل تماماً، ورصد تقرير لدائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية "أن الإناث شكّلن 7% من عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا خلال الفترة 1987-1997، (ويصل إلى نحو 1500 شهيد تقريباً)، ويشكّلن 9% من عدد حالات الجرحى البالغ نحو 70 ألف جريح، إضافة إلى اعتقال ما لا يقلّ عن 500 امرأة خلال الانتفاضة الأولى، فضلاً عن "اعتقال أكثر من (12) ألف إمرأة فلسطينية منذ عام 1967"، وأكثر من (1700) حالة إجهاض خلال الفترة ذاتها جرّاء استنشاق الغازات السامّة والضرب المُبرح للنساء". (5)

لم يسكت الفلسطينيون على الجرائم الإسرائيلية بحقهم، بل زادوا من فعالياتهم الاحتجاجية، وحاولت المجاهدة عطاف عليان في شهر آب/أغسطس 1988، تنفيذ عملية استشهادية مستهدفة مباني حكومة الاحتلال ومركز الشرطة الإسرائيليّ في حيّ الشيخ جراح بالقدس المحتلة. وشاء الله أن تُعتقل المجاهدة عطاف عليان لما يزيد عن 14 سنة في سجون الاحتلال على مرّات متقطّعة. وفي إحداها ظلّت في مرحلة التحقيق لأكثر من 40 يومًا. وحاول المُحققون استغلال كونها "متديّنة وملتزمة بالحجاب"، وفي إحدى المرّات حاول أحدهم خلع حجابها، فأعلنت الإضراب عن الطعام والكلام. ولم تُفلح محاولات المحققين لفكّ إضرابها على مدار 12 يومًا، إلّا بعد أن تعهّدوا بعدم المساس بحجابها مرة أخرى.

حكمت محكمة إسرائيليّة على عطاف بالسجن خمس سنوات، رغم عدم اعترافها بمحاولة تفجير مباني حكومة الاحتلال ومركز الشرطة الإسرائيليّ في حيّ الشيخ جراح، ولم تمض سنة على الحُكم حتى أُضيف إليه عشر سنوات بعد اتهامها بمحاولة خنق إحدى السجّانات بالاشتراك مع إحدى الأسيرات. (6)

وواصلت المرأة الفلسطينية تأدية واجبها تجاه وطنها من خلال نشاطها الواضح في الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى (2000))، وظهر ذلك من خلال حملات الاعتقال الجماعي التي تعرّضت لها، وفي بعض الأحيان كانت المرأة الفلسطينية تسجن كوسيلة للضغط على الأزواج.(7)

وشهدت سنوات انتفاضتي 1987 و2000 أعلى نسبة اعتقالات في صفوف المرأة، أما في العام 2017 فقد تم اعتقال 156 امرأة، و164 امرأة خلال العام 2016، و200 امرأة خلال العام 2015.

وفي محاولة من سلطات الاحتلال لكسر شوكة المرأة الفلسطينية، استخدمت معها كل أساليب التّعذيب والتّنكيل المتمثّلة بإطلاق الرصاص عليهن أثناء عمليات الاعتقال، واحتجازهن داخل زنازين لا تصلح للعيش، وإخضاعهن للتحقيق ولمدد طويلة، إضافة إلى سياسة الإهمال الطبي التي تتّبعها إدارة معتقلات الاحتلال بحق الأسيرات بعد اعتقالهن، كما تحرم بعض الأسيرات من زيارة عائلاتهن.(8)

ويمكن تلخيص أساليب التعذيب التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى والأسيرات بما فيهم الأطفال خلال فترة التحقيق:

عدم الاتصال بالعائلة للإبلاغ عن مكان احتجاز الأسيرة أو الأسير أو نقله، وعدم الاتصال بالمحامي. وعدم تقديم وجبة طعام مناسبة، والقيام بانتهاك الحق الإنساني بالنظافة وتغيير الملابس الداخلية. واستخدام الضرب المبرح، وهو عملية مستمرة منذ لحظة الاعتقال حتى دخول السجن، وغالباً ما يمتد الضرب ليشمل جميع أنحاء الجسم، خاصة في المناطق العليا والرأس. والحرق بأعقاب السجائر. واستخدام الهزّ العنيف خصوصًا مع الأطفال، بحيث يتم حمل الطفل وهزّه بشكل متكرر، الأمر الذي يُعرّضه لفقدان الوعي فى بعض الأحيان. والتهديد بإبعاد العائلة، ونسف المنزل. وتقييد الأيدي والأرجل وعصب الأعين. وسكب الماء البارد على المعتقل في فصل الشتاء، والماء الساخن في الصيف. والزج به في غرف العملاء (غرف العصافير)، من أجل الحصول على اعترافات بطريقة مخادعة. والضغط عليهم وابتزازهم للارتباط مع الاحتلال، والحرمان من النوم من أجل الضغط على المعتقل وتحطيم معنوياته.

ومن أبرز أساليب التعذيب أثناء فترة الاعتقال:

الزّجُّ بالمعتقلين في زنازين وغرف لا تصلح للحياة الآدمية، وتفتقر إلى الحد الأدنى من شروط الحياة الصحية.. وتعمّد الإهمال الطبي للمرضى منهم. والحرمان من التعليم، ومن زيارة الأهل والمحامي. والعزل والحبس الانفرادي، والضغط النفسي. وحشر عدد كبير من الأسرى في غرف صغيرة، وحرمانهم من الأغطيه الكافية والملابس والفرشات للنوم. والسب والشتم، بأقذع الألفاظ والشتائم للأطفال والأسيرات، أثناء التنقل والخروج للفورة. والإذلال والإهانة: حيث يُجبر الطفل على سب الذات الإلهية، أو على الأقارب كالآباء والأمهات، أو البصق على السجناء الآخرين. والحرمان من الطعام المناسب. والبقاء في زنازين معتمة طوال اليوم، دون وجود وسائل إناره مما يؤثر على النظر. والحرمان من النظافة وتغيير الملابس. وعدم السماح باستخدام المراحيض، إلاّ بعد ساعات طويلة.

ويقول الدكتور رأفت حمدونة (الباحث في قضية الأسرى، والمدير العام بهيئة شؤون الأسرى والمحررين‏ لدى ‏Palestinian National Authority‎‏)، في تصريح صحفي صادر عنه (21-10-2018) إن إدارة السجون تقوم بعشرات الانتهاكات التي لا تعد ولا تحصى بهدف التضييق على الأسيرات كسياسة الاستهتار الطبي، والتفتيشات والاقتحامات، وعدم السماح بإدخال احتياجاتهن من الخارج مع الأهالي، والمعاملة السيئة من قبل إدارة السجون خلال الاعتقال والتحقيق وفي السجون وأثناء النقل في البوسطة.

وأضاف د. حمدونة أن "هناك إجراءات عقابية مشددة بحقّ الأسيرات لم تنقطع، كالغرامات ومنع الزيارات، بالإضافة للتفتيشات المستمرة والأحكام الردعية، والتحقيقات بوسائل وأساليب وحشية، وفي بعض الأحيان عزل الأسيرات بالقرب من الجنائيات اليهوديات اللواتي لا يكففن عن أعمال الاستفزاز المستمر، بالاضافة للاكتظاظ لقلّة مواد التنظيف، ومنع الأسيرات من تقديم امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) والجامعة وعدم إدخال الكتب، وحرمان الأهل من إدخال الملابس والاحتياجات، والشكوى المستمرة من عدم وجود مياه ساخنة، فقط مياه فاترة وبأوقات محددة، وترفض الإدارة استقبال أي طلب أو رسالة باللغة العربية بطلباتهن المرسلة إلى مصلحة السجون، وهناك تقليص كبير في كمية الطعام والخضار، كما وإدارة سجن "الشارون" ما زالت ترفض الاستجابة لطلبهن بإزالة الكاميرات من ساحة السجن، وهن ما زلن يرفضن الخروج للفورة حتى الاستجابة لطلبهن المشروع بنزع الكاميرات.

وزاد حمدونة إن "إدارة مصلحة السجون قامت بتدريب عدد من الوحدات الخاصة كوحدة "اليمار واليماز والمتسادا ودرور والناحشون وكيتر وغيرها" لإجراء التفتيشات والاقتحامات الليلية المفاجئة، وتعزز سياسة عدم الاستقرار والإرهاق بحق الأسرى وذويهم، وذلك عبر نقل الأسرى المفاجىء من سجن إلى سجن، والنقل الجماعي للأسرى والأسيرات بهدف الارباك".

وأضاف أن تلك الوحدات تدخل الأقسام مُقنّعة ومُسلّحة وتمارس الإرهاب من صراخ وتقييد وضرب الأسرى ومصادرة الممتلكات الخاصة، وأحياناً تدخل الأقسام بالسلاح الحي، وقد تقوم بإطلاق النار على المعتقلين في بعض الظروف كما حدث مع الشهيد محمد الأشقر في معتقل النقب.

من الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهج سياسة الاعتقالات الممنهجة واليومية بهدف السيطرة على الشعب الفلسطيني، وكأداة للقمع والإذلال والترهيب والعقاب الجماعي، خاصة أنها تطال كافة شرائح وفئات المجتمع الفلسطيني، بحيث قد سُجّل منذ العام 1967 أكثر من مليون حالة اعتقال. ورغم كل ذلك لم يستطع الاحتلال تحقيق هدفه في إخماد صوت الحق الفلسطيني.

الأسرى والأسيرات خلال الفترة (1987-2018)

واصل الاحتلال الإسرائيلي استهداف النساء والفتيات الفلسطينيات بالاعتقال والاستدعاءات، والأحكام المرتفعة ولم تستثن القاصرات منهن، وكبار السن، والمريضات، حيث رصد "مركز أسرى فلسطين" (84) حالة اعتقال لنساء وفتيات خلال النصف الأول من العام 2018، فيما سُجّل (170) حالة اعتقال لنساء وفتيات في العام 2017.

وأوضح الباحث رياض الأشقر الناطق الإعلامي في "مركز أسرى فلسطين" أن "الاحتلال يستهدف النساء والفتيات الفلسطينيات، وذلك بهدف ردعهن عن المشاركة في مقاومة الاحتلال حتى لو كانت بشكل سلمي، لذلك صعّد الاحتلال في استهداف النساء بالاعتقال التعسفي لمجرد الشبهة، أو الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ارتفع عدد الأسيرات في سجون الاحتلال خلال الفترة الماضية إلى (62) أسيرة". (9)

و"نفذت الاحتلال (84) حالة اعتقال خلال النصف الأول من العام 2018 بحق نساء وفتيات بينهن (6) قاصرات أصغرهن الطفلة "رزان أبوسل" 14 عاما التي أمضت 45 يومًا في السجون وأطلق سراحها، والطفلة "سارة نظمي شماسنه" 14 عامًا واعتقلت مع والدتها "رسيلة شماسنه" من القدس، وأطلق سراحها، والفتاة "مي بسام عسيلة"  14 عامًا من مخيم شعفاط، بحجة حيازة سكين وزجاجة غاز، وأطلق سراحها بعد التحقيق لساعات. كما اعتقل الجريحة خولة صبيح" (43 عاما) من القدس بعد إطلاق النار عليها وإصابتها بجراح متوسطة في القدمين، واعتقال المسنة " فرحة عبد دعنا" 67 عاما، من القدس القديمة. (10)

ومن بين حالات الاعتقال (10) حالات استهدفت أهالي الشهداء والأسرى من الدرجة الأولى حيث اعتقل الاحتلال "نيفين صلاح" (32 عامًا) وهي زوجة الأسير "عبد المنعم صلاح"، والسيدة "معزوزة أبو جودة" (53 عاما)، وهي والدة الأسير "خالد أبو جودة" و"نهى عبد الله شواهنة" (52 عامًا)، من قلقيلية وهي والدة الأسيرين "عروة وشرحبيل طاهر شواهنة"، و"صفاء عطاطره" من جنين زوجة الأسير "ماجد نزار" خلال زيارته بسجن النقب، ووالدة الأسيرين "محمد ومحمود البدن"، ووالدة الأسير "زيد البدن" من بيت لحم السيدة "إبتسام عبيد" من قرية العيساوية وهي والدة الفتى الأسير "نايف وسيم عبيد" (15 عامًا)، كما تم اعتقال "حنان ردايدة" شقيقة الأسير "جمال ردايدة" من بلدة العبيدية شرق بيت لحم خلال زيارتها له في سجن النقب. (11)

وأصدرت محاكم الاحتلال خلال العام 2017 العديد من الأحكام القاسية والانتقامية بحق الأسيرات؛ فحكمت على الأسيرة الطفلة ملك محمد سلمان (16 عامًا) من القدس، بالسجن الفعلي لمدة 10 سنوات، وحكمت على الأسيرة القاصر الجريحة، مرح جودت بكير (17 عامًا)، حكمًا بالسّجن الفعلي لـ 8 أعوام ونصف، وغرامة مالية بقيمة 10 آلاف شيكل، وعلى الأسيرة شاتيلا سليمان أبو عيادة (24 عامًا) من مدينة كفر قاسم بالسجن الفعلي لمدة 16 عامًا، إضافة إلى غرامة مالية بقيمة 100 ألف شيكل، وبالسجن لمدة 6 سنوات بحق الفتاة منار مجدي الشويكي (16 عامًا) من القدس، وبالسجن 5 سنوات بحق الأسيرة أنسام عبد الناصر شواهنة (20 عامًا) من قلقيلية، وبالسجن  لمدة 39 شهرًا بحق الطفلة الأسيرة الجريحة لمى منذر البكري (17 عامًا) من الخليل، وبالسجن لمدة عامين بحق الأسيرة إستبرق يحيى التميمي (22 عامًا) من القدس، وبالسجن لمدة عامين بحق الأسيرة المسنة ابتسام موسى (59 عامًا) من مدينة  قطاع غزة. (12)

وذكرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين في تقرير صدر عنها، (13-1-2019)، جُملة من الحقائق اليومية التي يعشنها أسيرات معتقل (الدامون)، الذي يقع شمالي فلسطين على سفوح جبل الكرمل بمدينة حيفا، والذي أُقيم منذ زمن الانتداب البريطاني كمستودع للدخان، وعند بنائه تم مراعاة توفير الرطوبة لحفظ أوراق الدخان، وكانت الأرض تعود ملكيتها لعائلة قرمان من حيفا، وبعد عام 1948 وضعت "إسرائيل" يدها على المبنى وحولته إلى سجن، حيث أن البنية التحتية للسجن رديئة وسيئة جداً وكان هناك أمر بإغلاقه لأنه لا يصلح للعيش به، ولكن مع اندلاع انتفاضة الأقصى وازدياد أعداد المعتقلين الفلسطينيين، أعادت "إسرائيل" فتحه وهو يستوعب حاليًا 500 أسير أغلبهم معتقلين على خلفية الدخول لأراضي الداخل المحتل بطريقة غير قانونية، وهناك قسم للأسيرات يضم حوالي 53 أسيرة. وفي سجن (الدامون) يتوضّح حجم الانتهاكات والخروقات التي يتعرضن لها الأسيرات بشكل يومي، والتي تُخالف بشكل صريح كافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان، ففي شهر كانون أول/نوفمبر عام 2018 تم ضم الأسيرات السياسيات اللواتي يقبعن في سجن "الشارون" إلى أسيرات الدامون ليصبح معتقل "الدامون" يضم جميع الأسيرات السياسيات.(13)

وقُبيل نقل الأسيرات من سجن الشارون للدامون، تم أيضاً نقل أسيرات سجن الدامون من قسمهن، حيث كُن يقبعن بقسم 6 وتم نقلهن إلى قسم 3، كما تم نقل أسيرات الشارون إلى القسم ذاته، وقد جرى نقل أسيرات الشارون على 6 دفعات، من تاريخ (31-10 حتى 7-11-2018). (14)

وتُحتجز الأسيرات الفلسطينيات في قسم يحتوي على 13 غرفة، في كل غرفة توجد ما بين 4-8 أسيرات، هناك غرفة عزل مع كاميرات، كذلك يوجد غرفة تُستخدم كصف لتعليم للقاصرات ويتم فتحها يومًا بالأسبوع فقط، وقد طالبن الأسيرات باستخدام هذا الصف وفتحه يومياً للتعليم والجلسات الثقافية وأن يكون به مكتبة وغرفة قراءة لجميع الأسيرات، ولكن للآن لم يسمح لهن بذلك، مع ذلك نجحت الأسيرات بتخصيص غرفة للقاصرات وأخرى للأسيرة الجريحة المقدسية "إسراء جعابيص" (32 عامًا)، والمحكومة بالسجن الفعلي لمدة 11 عامًا، نظراً لخصوصية حالتها حيث ترافقها عادة الأسيرة "عائشة الأفغاني" لتساعدها بمتطلباتها اليومية.

وكانت اعتقلت جعابيص بعد إصابتها بحروق شديدة نتيجة اشتعال سيارتها بعد إطلاق النار عليها قرب حاجز "الزعيم" العسكري وكانت حالتها خطيرة حينها، ومكثت في المستشفى 3 أشهر نظرًا لصعوبة حالتها، قبل نقلها إلى سجن الشارون، وتعاني من حروق بنسبة 60 % من الدرجة الأولى والثالثة في منطقة الوجه واليدين والظهر والصدر، كما تم بتر 8 من أصابعها، وتعاني الأسيرة "جعابيص" من تدهور في حالتها الصحية وتحتاج إلى إجراء عمليات جراحية بعد إصابة يديها بالتهابات شديدة، وتخشى إذا لم يقدم لها علاج مناسب أن يتم بترها.

وأحصى "مركز النادي الفلسطيني" في الفترة الواقعة بين الهبّة الشعبية في تشرين الأول /أكتوبر 2015 ونيسان /أبريل 2017 وجود 57 أسيرة في سجون الاحتلال، من بينهن 13 قاصرة، وأسيرات أمهات (19)، والنائب في المجلس التشريعي سميرة الحلايقة.

وذكر بيان صادر عن "مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان" (آذار 2018) "أن قوات الاحتلال اعتقلت خلال العام 2017 (156) سيدة وفتاة فلسطينية، و164 في العام 2016، فيما اعتقلت حوالى  106 امرأة فلسطينية خلال العام 2015 مما يُشكّل زيادة بنسبة 70% عن عام 2013 و60% عن عام 2014. وطالت الاعتقالات مختلف القطاعات الاجتماعية والفئات العمرية، فشملت أمهات وصحافيات وثلاثة أسيرات محررات ضمن صفقة "وفاء الأحرار"، كما طالت الاعتقالات على وجه الخصوص طالبات مصاطب المسجد الأقصى".

وفي انتهاك واضح لحقوق المرأة الفلسطينية، ذكر بيان "مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان" أن قوات الاحتلال "تحتجز (6) طفلات، (9) مصابات و(3) نساء رهن الاعتقال الإداري دون تهمة أو محاكمة، كما وتمارس بحقهن مختلف أنواع التعذيب الجسدي والنفسي".

وأضاف البيان "تقبع حالياً في سجون الاحتلال 35 أسيرة في سجن هشارون، و25 أسيرة في سجن الدامون، وواحدة في سجن الرملة وأخرى لم نستطع تحديد مكان احتجازها، وتقع هذه السجون داخل الأراضي المحتلة عام 1948، أي بما يخالف اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل السكان من الأراضي المحتلة".

وذكر "مركز النادي الفلسطيني" في بيان صادر عنه أن الأسيرة "لينا الجربوني"، من بلدة عرابة في الداخل الفلسطيني، تُعدُّ أقدم الأسيرات، إذ اعتقلت في يوم 18 نيسان/أبريل 2002 وحكم عليها بالسجن 17 عامًا، وأفرج عنها يوم 16 نيسان/أبريل 2017.

وهناك أيضًا أحلام التميمي، والتي قضت في السجون الإسرائيلية عشر سنوات بعد أن حكم عليها بالسجن المؤبد 16 مرة، على خلفية المشاركة في تنفيذ عملية استشهادية عام 2001، وأفرج عنها في صفقة تبادل الأسرى عام 2011".

ولا تستثني سلطات الاحتلال القاصرات من عمليات الاعتقال ومن تعريضهن للانتهاكات، فقد حكمت المحكمة المركزية في القدس المحتلة يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 على نورهان عوّاد (17 عاما) بالسجن الفعلي لمدة 13 عامًا ونصف العام بتهمة محاولة القتل، وذلك بعد أن "أدينت" بتنفيذ عملية طعن بمقصّات في القدس قبل عام من ذلك مع قريبتها الشهيدة هديل عوّاد.

كما حكمت محكمة "إسرائيلية" يوم 9 كانون الثاني/ يناير 2017 بحبس منار الشويكي (16 عاما) من بلدة سلوان في القدس المحتلة لمدة ست سنوات، وذلك بعد اعتقالها يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر 2015 عقب مغادرتها مدرستها بذريعة العثور على سكين في حقيبتها المدرسية.

ولم تسلم تسنيم حلبي (15 عاما) من السجن الفعلي لمدة عام ونصف العام بتهمة محاولة الطعن، وذلك بعد اعتقالها مع صديقتها نتالي شوخة (14عاما) في نيسان/ أبريل 2015 عند حاجز عسكري غرب رام الله بدعوى محاولتهما طعن مجندة هناك، وأطلق الجنود الرصاص على نتالي ما أدى إلى إصابتها.

وتشهد سجون الاحتلال شتّى صنوف العذاب والقهر والمعاقبة الجماعية بحق الأسرى، من خلال رشّهم بالغاز، والتكسير، والتعرية، وإخضاعهم لكل صنوف الإهانة والتحقير، وتقييد أيديهم، وشبحهم لأيام عديدة في زنازين ضيّقة مغمورة أرضياتها بالمياه النتـنة، أو حتى في المراحيض، وتدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض والحشرات، ورداءة الطعام، وقلّته، وحرمانهم من تلقي العلاج، خاصة مصابي وجرحى الانتفاضة، والحرمان من النوم، وحرمانهم من زيارة ذويهم، والازدحام الشديد واستمرار العزل في زنازين انفرادية، في عملية قتل للأسير الفلسطيني قتلاً بطيئًا ومنظماً ومدروساً بعناية فائقة.

دور المرأة الفلسطينية في المقاومة (ما قبل الاعتقال، وأثناءه، وما بعده، ونماذج)

تنتهك سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" حقوق الأسرى وبخاصة الأسيرات الفلسطينيات، وتمارس بحقهن كل أشكال التعذيب والإهانة، وأساليب التحقيق المتعددة، وكل أشكال الضغط النفسي بغية إرهاقهن لانتزاع الاعترافات التي تتوافق مع ما يريده المحقق "الإسرائيلي" في انتهاك واضح للمادة الـ (14) من اتفاقية جنيف حول معاملة أسرى الحرب الداعية إلى معاملة النساء الأسيرات بكل اعتبار الواجب لجنسهن، ووجوب أن يلقين معاملة لا تقل ملائمة عن المعاملة التي يلقاها الرجال. (15)

تتعرّض الأسيرات الفلسطينيات إلى انتهاكات عديدة، منها التحقيقات القاسية والعزل الانفرادي، علاوة على الاقتحامات الليلية لغرف الأسيرات، وضربهن أثناء نقلهن للمحاكم على أيدي قوات "النحشون" المتخصصة بعملية النقل، وشتمهن بألفاظ بذيئة، إضافة إلى وجود كاميرات مراقبة تنتهك خصوصيّاتهن.

تقول الأسيرة المحررة منى قعدان من جنين (اعتقلت 5 مرات): "تجربة الاعتقال الخاصة تبدأ من الدقيقة الأولى مع الاقتحام للمنزل في الليل، وتفتيش وتدمير محتوياته لإنزال الرعب في قلب الأسيرة وكسر إرادتها قبل نقلها في "البوسطة" المزدحمة بالجنود والكلاب المتوحشة، يترافق ذلك مع الصراخ ومصادرة أشياء من خصوصيات الأسيرة التي تحتفظ بها منذ كانت طفلة كجزء من حياتها، ولكن يأخذها الجنود كعقاب وتهديد لها في فترة التحقيق.. ولا يقل ذلك رعبًا عن الاعتقال للأسيرة على الحواجز وما يرافق ذلك من خوف ورعب وعدم توديع للأهل أو إخبارهم مع ما يرافق ذلك من حالة قلق لدى الجانبين وتحسّب ردّات الفعل على صحتهم ونفسيّاتهم حيث تبقى الأسئلة بلا أجوبة".(16)

وتضيف الأسيرة قعدان: "بمجرد وصول الأسيرة إلى مكان الاعتقال يتم وضعها في زنزانة تحت الأرض لا تصلح أن تكون إسطبلًا؛ صغيرة الحجم، داكنة اللون، خافتة الضوء، وعادة لا تكون فيها مياه، ولا يوجد فيها أغطية كافية، بل أغطية خفيفة ذات روائح كريهة للغاية، لا يستطيع البشر تحمّل رائحتها، فضلًا أن يتغطّى بها! وفي تلك الأوقات يتعمّد الاحتلال بثّ الأصوات العالية التي تمنع الأسيرة من النوم. عند اعتقال الأسيرة في المرة الأولى لا تعلم ماذا سيحدث لها؟! فتكون بين الخوف والثبات. بعدها تبدأ مرحلة التحقيق ليتم نقلها من الزنزانة إلى غرفة التحقيق معصوبة العينين لا تعرف من أين خرجت؟ ولا إلى أين دخلت؟!". (17)

وتضيف: "في هذه المرحلة يبدأون بالصراخ في وجه الأسيرة لإرعابها، وحرمانها من النوم، ومنعها من مقابلة محاميها لأيام أو شهور. ولا تتوقف المعاناة مع انتهاء التحقيق الذي ينهك الأسيرة نفسيًا وجسديًا. وبعدها يتم نقل الأسيرة إلى غرفة العصافير لإشعار الأسيرة بالراحة النفسية أنها بين بنات شعبها، فتُعامل بهدوء وحنان فتتكلم بما لم تبح به للمحققين، فتستدعى مجددًا إلى غرف التحقيق في رحلة عذاب جديدة تتسم بالروتين القاتل والعدّ من 3 إلى 4 مرات في اليوم، والتفتيش المستمر (جسديًا وللغرف)، وبعض ذلك يحدث في الليل، وفي ظروف مختلفة (صيفًا أو شتاء)، وبأوقات مفاجئة، أو في أوقات لا يراعى فيها أن الأسيرة مريضة، أو صغيرة، أو كبيرة في العمر، فيجب عليها أن تنصاع لأوامر الجنود، وإلا ستعاقب بالعزل الإنفرادي، أو حرمانها من زيارة الأهل أو المحامي". (18)

وذكرت "مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان" أن قوات الاحتلال اعتقلت الطفلة (ر. ل) التي تبلغ من العمر 17 عاماً من القدس بتاريخ (5/2/2016) وهي في طريقها الى منزلها، وقام جنود الاحتلال بضربها ضربًا مبرحًا قبل نقلها الى مركز تحقيق المسكوبية، وكانت مكبلة اليدين ومعصوبة العينين طوال فترة النقل، كما قام الجنود بإهانتها وضربها داخل الجيب العسكري. لم تكن تعلم (ر. ل) إلى أين يتم نقلها ولم يتم إعلام أهلها، قام ثلاث محققين بالتحقيق معها لمدة ثلاثة أيام وهي مكبلة اليدين والرجلين، ولم يتم السماح لها بلقاء محامي. تعرّضت (ر. ل) للتعذيب طوال فترة التحقيق، حيث عانت من الشبح والضرب والحرمان من النوم والطعام. إدّعى المحققون بأنها كانت تحمل سكينًا وتم الإفراج عنها بكفالة قدرها 2500 شيكل بعد (4) أيام من الاعتقال، وبشرط الحبس المنزلي والإبعاد القسري عن منزل عائلتها إلى قرية أخرى في القدس. ثم أعيد اعتقالها مرة أخرى بتاريخ (5/2/2018)، وحُكم عليها بالسجن الفعلي لمدة (14) شهراً، وخُفّض الحكم إلى 8 شهور في الاستئناف..(19)

وقالت الأسيرة الفلسطينية المحررة بشرى الطويل (طالبة إعلام) التي أمضت أكثر من عشرة شهور في سجن "هشارون" العسكري الإسرائيلي، وأُفرج عنها عام 2015، إنها "قيّدت فور اعتقالها من منزلها بمدينة البيرة وسط الضفة الغربية، وألقيت لساعات في مركبة عسكرية ثم أخضعت للتحقيق لمدة قصيرة في سجن "عوفر" غربي رام الله، قبل أن تنقل إلى سجن "هشارون" العسكري المخصص للفلسطينيات. وقد منعت من لقاء والدها المعتقل، رغم أن القانون الإسرائيلي يتيح ذلك".

وشرحت الأسيرة المحررة أحلام التميمي عن تجربتها المريرة مع الأسر الذي استمر أكثر من عشر سنوات، وقالت إنها تعرضت للعزل الانفرادي، وأن الإسرائيليين لا يسمحون للأسير المعزول إلا بساعة واحدة للخروج من الغرفة كل 24 ساعة وهو مكبّل اليدين والرجلين، كما يوضع في مهاجع الأسرى الجنائيين، ما يسبب معاناة إضافية خاصة للأسيرات.(20)

وتصف الأسيرة المحررة منى قعدان بدء محاكمة الأسيرة بقصة لها معاناة؛ تبدأ من خروجها من الزنزانة عند الساعة الثالثة فجرًا، والتفتيش العاري قبل الخروج، وبعد عودتها وهي منهكة بعدما ذاقت ويلات يوم وليلة في رحلة العذاب تلك فيتم إخراجها إلى ساحة السجن وتبقى في البرد القارس وتحت المطر حتى يخرج جميع الأسرى الذين سيحاكمون ولديهم محكمة في اليوم نفسه؛ سواء أكانوا سجناء أمنيين أم سجناء جنائيين! ويتم وضعهم جميعًا في بوسطة واحدة عبارة عن قطعة حديدية تمشي على الأرض. وهي مقسّمة على غرف صغيرة؛ يتّسع بعضها لشخص واحد، وبعضها يتّسع لشخصين. في غرفها لا تستطيع الأسيرة مدّ رجليها لترتاح، أو الوقوف أيام الشتاء لأن حديدها يكون عبارة عن لوح من الثلج، ومهما ارتديت من ملابس فهي لن تفعل فعلها! أما في الصيف فتتحوّل إلى قطعة من النار! ويضعون الأسرى والأسيرات مع السجناء الجنائيين الذين يُوجّهون لهم وللأسيرات الكلام البذيء الذي لا يقبله إنسان حر. وبعد ساعات عدة يستقر المقام في سجن "الرملة" ليتم بعدها توزيع الأسرى والأسيرات إلى المحاكم المختلفة "عوفر".. وإذا كانت المحاكم في "بئر السبع" أو "سالم" واحتاجت الأسيرة الذهاب إلى المرحاض، فيمكن الموافقة بعد مماطلات، ويسمحون لها الذهاب إلى مرحاض مكشوف وبلا باب، مما يجعلها ترفض ذلك، لتبقى بعدها تعاني ساعات عدة قبل وصولها إلى زنزانة في المحكمة، وتكون عفنة وفيها المياه النجسة، فتجد الأسيرة نفسها مضطرة لأن ترتاح بعد ساعات طوال في رحلة العذاب المستمرة، وعلى أمل الدخول إلى المحكمة ورؤية أهلها قليلًا، وإن كان ذلك عن بُعد. وبعض الأسيرات حُرمن من رؤية ذويهم سنوات طوال بحجة الرفض الأمني.. مما يسبب لهن معاناة لا يمكن وصفها، والأصعب عندما تفقد الأسيرة أحد والديها، فيصبح الجرح الأليم أكثر ألمًا. وقد فقدت والدتي وأنا في التحقيق ولا يمكن وصف الألم ذاك حين علمت بموتها".(21)

وتضيف قعدان: من أصعب ما تواجهه الأسيرة أن تعود من محاكمتها ويكون لزامًا عليها أن تعود إلى المحاكمة في اليوم التالي، فتعيش المعاناة ذاتها وتتمنى لو أنها تُحكم بالمؤبد لكي ترتاح من عذابات التنقّل من وإلى المحكمة. أما الطامة الكبرى إذا كانت المحاكمة للأسيرة يوم الأحد، فعندئذ يتم نقلها من يوم الخميس، ولا تعود إلى زنزانتها إلا يوم الإثنين.(22)

وتعتقل سلطات الاحتلال 22 أمًّا فلسطينية لـ 86 ابنًا وابنة من بين أسيرات يقبعن في معتقل "الدامون"، وتحرم إدارة معتقلات الاحتلال بعض الأسيرات الأمّهات من زيارة أبنائهنّ، ومن الزيارات المفتوحة، ومن تمكينهنّ من احتضان أبنائهن، إضافة إلى منع التواصل الهاتفي معهم، وتمنعهنّ من لقاء أبنائهنّ الأسرى.

ومن بين الأسيرات أمّهاتٌ لأطفال رضّع اعتقلهن الاحتلال وحكم عليهنّ بالاعتقال لسنوات طويلة، كالأسيرة نسرين حسن من حيفا، المحكومة لست سنوات، والتي يقبع زوجها وأطفالها السبعة في قطاع غزة، وتحرمها سلطات الاحتلال من زيارتهم، إلى جانب حرمان إخوتها - القابعين في حيفا-من زيارتها أيضًا، منذ اعتقالها بتاريخ 18 تشرين أول/أكتوبر 2015. وأصغر أطفال الأسيرة حسن كان حين اعتقال والدته بعمر ثمانية أشهر، وأكبرهم فتاة كانت بعمر (11 عامًا)، ما تزال ترعى أشقاءها إلى جانب والدها.

أما الأسيرة  فدوى حمادة من القدس، فهي معتقلة منذ العام 2017، ومحكومة لـ (10) سنوات، وهي أم لخمسة أطفال، أصغرهم كان يبلغ من العمر أربعة أشهر عند اعتقالها، والأسيرة الموقوفة لمى خاطر من الخليل، الأمّ لخمسة، والتي لم يبلغ أصغرهم العامين عند اعتقالها، والأسيرة الموقوفة بلسم شرايعة من الرملة، الأم لثلاثة، أصغرهم بعمر سنة ونصف.

وتعتقل سلطات الاحتلال الأسيرة أمينة محمود ـ عودة، من القدس، منذ العام 2017، وتحرمها من لقاء ابنها الوحيد محمد أحمد هلسة المعتقل في "ريمون"، والذي كان يبلغ من العمر (17 عامًا) عند اعتقاله عام 2016 والمحكوم عليه بالاعتقال لـ(18) عامًا.

كما يستهدف الاحتلال عائلات وأمّهات الشهداء كاستمرار لسياسة العقوبات الجماعية بحقّ عائلة الأسير والشّهيد، كاعتقال سوزان أبو غنام، من القدس، وهي والدة الشّهيد محمد أبو غنام، بادّعاء التحريض، واعتقال وفاء مهداوي، من طولكرم، والدة الشّهيد أشرف نعالوة. (23)

ووصفت الأسيرة المحررة الطفلة "سلوى جمال طقاقطة" (13 عاماً)، من بيت لحم فترة اعتقالها لثلاثة شهور في سجن الاحتلال بأنها "أيام صعبة للغاية".

وروت الطفلة المحررة "طقاطقه" أنها تعرضت لحظة اعتقالها للضرب والسحل على الأرض والشتم من قبل جنود الاحتلال، وذلك بعد اعتقالها قرب دوار مجمع مستوطنات "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم، واتهامها بمحاولة تنفيذ عملية طعن.

وأضافت "طقاطقه" بأن القصة بدأت معها بتاريخ (23/3/2016)، وكانت تدرس في الصف السابع الأساسي بإحدى مدارس بلدتها بيت فجار جنوب بيت لحم، عندما تم اعتقالها بعد أن كانت تقف قرب دوار مجمع مستوطنات غوش عتصيون، حيث هاجمها جندي من جيش الاحتلال، وطرحها أرضًا، وضربها مع جنود آخرين، قبل نقلها إلى التحقيق في معسكر"عصيون" وسط استمرار شتمها وضربها وإهانتها.

وعن الأوضاع في السجون، تقول الطفلة المحررة طقاقطة: "إن السجن مليء بالحشرات، وكانت الحياة التي تعيشها الأسيرات صعبة جدا، من انتهاكات لحقوقهن الإنسانية، إضافة إلى شوقهن لأهلن، وانتظار لحظة الإفراج عنهن". (24)

كما تعاني الأسيرات من الإهمال الطبي، وهو حال الأسيرة المحررة رانيا جبارين التي أصيبت بمرض السرطان خلال اعتقالها، وقضت ثلاث سنوات ونصف السنة قبل أن يفرج عنها عام 2009 بعد تدهور وضعها الصحي.

وتقول الأسيرة المحرر منى قعدان حول الأسيرات المصابات: "عند وصول أسيرة جريحة، تحتاج إلى رعاية طبية خاصة تمنعها سلطات الاحتلال عنها، فتقوم الأسيرات بالمهمة قدر المستطاع وبما امتلكن من أدوات متوفرة وهي قليلة بطبيعة الحال. فالأسيرة "ياسمينة الزرو" عندما أحضرت إلى الزنزانة كانت مصابة في الأمعاء والفخذ، ولم يقدموا لها العلاج اللازم، بل وضعوا لها كيس البراز إلى جانبها، رغم أنها بحاجة إلى التغيير لجرحها في اليوم ثلاث مرات. فوجدت الأسيرات أنفسهن أمام خيارات الاحتجاج، وإرجاع وجبات الطعام، وعدم الخروج إلى الفورة، ووصل الأمر أحيانًا إلى الإضراب عن الطعام من أجل علاج أسيرة، أو من أجل إخراجها إلى المستشفى". (25)

وتتحدث الأسيرة المحررة (س.أ) عن تجربتها في التحقيق في مركز تحقيق المسكوبية الاحتلالي، وأشارت إلى ظروف اعتقالها فقالت: "اعتُقلت من منزلي في قرية أبو ديس بعد اقتحامه فجراً، وتعرضت خلال جلسات التحقيق الطويلة،  للشتم والتخويف بالشبح والصراخ والتهديد بالقتل، وترويعي باعتقال أفراد أسرتي، وحرماني من النوم، كما مُنعت من مقابلة المحامي لمدة 18 يوماً".

وتابعت: "أثناء تخويفي بالشبح الليلي، أي أكون جالسة على كرسي الشبح ومغمضة العينين، كان المحقق "رينو" يضرب على الطاولة أو يصرخ بأعلى صوته طوال الليل. وفي الصباح كانوا يعيدونني الى الزنزانة وأمضي فيها ثلاث ساعات أعود بعدها الى التحقيق الذي يستمر طوال الليل".(26)

وخلال زيارة المحامية "منى ندّاف" سجن "الدامون" لمقابلة الصبية مرح بكير (16 عاماً)، من مدينة القدس، والتي لا تزال معتقلة في سجون الاحتلال، اطّلعت منها على ظروف الأسر فقالت: "اعتُقلت بعد أن أصابني جندي الاحتلال بالرصاص الحي. حوالى 10 رصاصات اخترقت يدي اليسرى من الأعلى إلى الأسفل. ورغم أنني لم أكن أحمل شيئاً بيدي، لكن عندما أمرني الجندي برفع يدي نفّذت أمره، فدفعني ورماني أرضاً، وبعدما وصلت شرطة الاحتلال إلى الموقع، قام شرطي بركلي، مما أدى إلى ارتطام رأسي بالأرض".

وتابعت: "بقيت على هذه الحال إلى أن نُقلت بسيارة إسعاف إلى مستشفى هداسا عين كارم، من دون مراعاة لأدنى الشروط الطبية، وخلال تلك الفترة بدأ المحقق في استجوابي من دون أن يكترث لجسدي الذي ينزف دماً، وسألني ما إذا كنت قد طعنت جندياً فأنكرت، ثم أدخلوني إلى غرفة العمليات من دون أن يكشفوا لي شيئاً عن حقيقة وضعي الصحي. وبعد العملية نُقلت إلى غرفة، حيث أبقوني لوحدي، مقيّدة بالسرير، ومن حولي سجّانون ذكور يراقبونني، وكانوا يشتمونني ويشتمون والدتي على الدوام، وفي إحدى المرات قال لي أحدهم "موتي"، وآخر التقط صورة "سيلفي" معي".

وأكدت مرح أنها لم تكن تنوي القيام بأي عملية، الأمر الذي يوثّقه فيديو تم تسجيله أثناء وقوع الحادثة. وعلى الرغم من ذلك، أصدرت محكمة الاحتلال في كانون الثاني/يناير 2017 في حق مرح حكماً بالسجن الفعلي لمدة ثماني سنوات ونصف السنة.(27)

وتؤكد منسّقة وحدة التوثيق والدراسات في "مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، احترام غزاونة، أن قوات الاحتلال لا تزال تواصل انتهاك حقوق الأسيرات والمعتقلات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، بما يخالف اتفاقية مناهضة التعذيب التي حظّرت المعاملة غير الإنسانية وهدر الكرامة. كما تحرمهنّ من حقوقهن الأساسية، بما فيها الخدمات الصحية، الطعام والماء. كما يتعرضن للتفتيش العاري كإجراء عقابي، ويُحتجزن في ظروف غير صحية، إضافة إلى تعرضهنّ للاعتداء الجسدي والنفسي.(28)

وردًّا على تردّى ظروف اعتقالهن السيئة في سجن "نيفي تريستا" أضربت الأسيرات الفلسطينيات بتاريخ (26-6-2001)، عن الطعام لمدة ثمانية أيام متواصلة، كما أضربن مع الأسرى في العام 2004، في سجن "هداريم"، و"عسقلان"، و"جلبوع"، و"أوهلي كيدار"، و"نفحة"، و"إيشل"..(29)

وخاضت المحررة التي أبعدتها سلطات الاحتلال إلى قطاع غزة "هناء شلبي" أطول اضراب عن الطعام في تاريخ الأسيرات واستمر 44 يوماً، وذلك على خطى الإضراب الشهير الذي خاضه الشيخ المجاهد "خضر عدنان". واعتقلت هناء في أيلول/سبتمبر 2009 وأودعت رهن الإعتقال الإداري لمدة 25 شهرًا قبل الإفراج عنها في صفقة تبادل الأسرى بين حماس و"إسرائيل" في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وهي من بين خمسة فلسطينيين أعادت قوات الاحتلال اعتقالها وإبعادها إلى قطاع غزة.. كما أنها اعتقلت إداريًا لمدة ستة أشهر في 23 شباط/فبراير 2012 ولم تُوجّه لها اتهامات.

من الواضح أن استمرار سلطات الاحتلال في عمليات اعتقال الفلسطينيات واستمرار استخدام سياسة التعذيب بخقّهن، وبعضها بشكل منهجي، يشير إلى المحاولات "الإسرائيلية" لكسر إرادة الفلسطينيين، ومنع استمرار المقاومة بكافة أشكالها ضد الاحتلال الجاثم على الأرض الفلسطينية.

تأثيرات الاعتقال وما بعده الاعتقال

تُشكل فترة اعتقال الأسيرة مرحلة نضالية وكفاحية في حياتها تُكسبها المزيد من القوة باتجاه الثبات على مواقفها وتعطيها دفعات من الإيمان بقضيتها التي قدّمت في سبيلها سني عمرها ويمكن أن نعطي أسماء كأمثلة عن الأسيرات اللواتي ضحّين وواصلن مسيرتهن الكفاحية "منى قعدان، وفاطمة الزق، ومريم أبو دقة، والنائب خالدة الجرار، وأحلام التميمي وغيرهن كثيرات"... وكما هو متوقع من العدو فإنه يسعى دائمًا إلى تحطيم الروح المعنوية للأسيرة، وبطبيعة الحال فإن الأسيرة هي إنسانة تتأثّر باعتقالها سواء أثناء الاعتقال أو بعده، وذلك بسبب ظروف الاحتجاز والمعاملة غير الإنسانية التي تتعرض لها، وهذه التأثيرات أيضًا تمتد ببعضها لتشمل أسرتها. كما أن اعتقال الزوج له تأثيرات على الزوجة، ولكن هناك تأثيرات تلحق بالأسيرة أثناء الاعتقال وبعده، وأخرى بأسرتها وما يترتب على ذلك من ضغوط نفسية واجتماعية، لأن الأسرة في مجتمعاتنا هي اللّبنَة الأساسية التي تتشكّل منها مجتمعاتنا وهي المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي، يُضاف إلى دورها في التربية والتنشئة الاجتماعية دور المحرّض والمضحي في سبيل تحرير الوطن، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تمر بها الأسرة الفلسطينية بخاصة.

وأظهرت نتائج دراسة (الآثار الاجتماعية والنفسية لتجربة الاعتقال على أسر الأسيرات الفلسطينيات المحررات في محافظات شمال الضفة الغربية) أن هنالك أثارًا اجتماعية يخلفها الاعتقال على أسر الأسيرات الفلسطينيات المحررات، أهمها أن الأزواج يجدون صعوبة في تقبّل فكرة اعتقال زوجاتهم، وأن خبرة الأسر تزيد من مكانة الأسيرة بين أفراد المجتمع، وأن تقبّل المجتمع اعتقال المرأة مقرون بأسباب وظروف اعتقالها، وأنهم يشعرون بالألم نتيجة وجود أسيرة من أفراد عائلتهم، بالإضافة إلى أن أفراد العينة لا يرون أن خبرة الاعتقال التي تعرضت لها الفتاة جراء الأسر تؤدي إلى تدنّي سمعة العائلة اجتماعيًا، وأن هناك أثارًا نفسية للأسر على أسر الأسيرات الفلسطينيات المحررات، من أبرزها أن أفراد العينة يرون بأن أسر الأسيرات يعانون من ضغوط نفسية واضطرابات في النوم، وعدم الشعور بالأمن النفسي. (30)

ويمكن تقسيم الآثار النفسية التي تتركها هذه الأساليب إلى قسمين من حيث استمراريتها وظهورها، أما القسم الأول فيتمثل في الآثار قصيرة المدى التي تحدث للأسيرة أثناء الوجود في السجن أو بعد الحروج منه، ويرافقه أراض متفاوته في حدتها كالإجهاد النفسي الحاد والقلق والتوتر، وقد تستمر لأسابيع، ويتمثل القسم الثاني في الآثار طويلة المدى، حيث تظهر على الأسيرة المحررة نتيجة تعرضها للصدمة النفسية. وهي أكثر شيوعًا لدى ضحايا التعذيب، وتتمثل بالخوف الشديد والرعب والشعور بالعجز أثناء الحديث، إضافة إلى تكرار الأحداث المؤلمة على شكل أفكار وهواجس وأحاسيس، وصعوبة التركيز والحذر الشديد والجمود العاطفي والشعور بالانفصال والاستغراب، والنظرة المتشائمة للمستقبل، وقد تستمر لفترات طويلة تؤثر على الحياة اليومية للأسيرة المحررة، وتخص أداءها وقراراتها وشخصيتها ونظرتها لنفسها ومجتمعها (31)

أما طبيعة الآثار الاجتماعية والنفسية الناجمة عن وسائل التعذيب على حالة الأسيرة، فتلعب دورًا هامًا في التأثير عليها من خلال تفاعلها مع محيطها الاجتماعي وفي مختلف مناحي حياتها، بيد أن فترة الأسر وما رافقها من مممارسات تنعكس حسب آراء الخبراء في سلوكها وتفاعلاتها الاجتماعية. إذ أن معاناة الأسيرة وتأثّرها بالإعتقال لا تنتهي مع نهاية الاعتقال، حيث تبدأ رحلة جديدة من المشاعر تنعكس على سلوكها لتؤثر بدورها على أسرتها والمجتمع المحيط بها، ومن جانب آخر، تواجه صعوبات في التكيف واستيعاب التغير الحاصل في المجتمع خلال فترة أسرها. (32)

ومن أبرز تلك الآثار الاجتماعية، العزلة وعدم الرغبة في الاختلاط بالآخرين، واللجوء لاستخدام العنف الجسدي واللفظي تجاه المقربين لها، تقليدًا أو ممارسة لما عانته خلال فترة اعتقالها وكذلك الشعور بالاغتراب عن الأهل والزوج والأطفال والأصدقاء، إضافة إلى فقدان الدور الاجتماعي في الأسرة مما ينتج عنه صراعات داخلية تفضي إلى ظهور الفجوة الاجتماعية في حياتها، وفقدان الشعور بالأمان في العالم المحيط. (33)

كما أظهرت نتائج دراسة أبو دقة والسراج (2010) بعنوان الآثار النفسية والجسدية بعيدة المدى للتعذيب لدى الأسيرات الفلسطينيات المحررات أن بعض الأسيرات أصبحن يعشن في عزلة عن الاندماج الحقيقي في المجتمع ويعانين من حالة اغتراب داخل أسرهن والمجتمع المحيط بهن، وأن التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرضن له الأسيرات ترك آثارًا بعيدة المدى نتيجة التعذيب وتوابعه، وأن هنالك علاقة ارتباطية قوية، وواضحة بين التعرض للتعذيب الجسدي والنفسي والتعرض للصدمة النفسية وأمراض نفسية مثل الخوف والقلق والإكتئاب والوسواس والعداوة والحساسية وضطرابات ما بعد الصدمة. (34)

وفي دراسة أعدتها مريم أبو دقة حول "واقع الحياة الاجتماعية للأسيرات الفلسطينيات المحررات وأثر اعتقال الأسيرات على أزواجهن" أظهرت أن بعض الأسيرات تزوجن من شباب أسرى عاشوا تجربة وحياة مشتركة من النضال، ومنهن من تزوج أزواجهن بإمرأة أخرى بسبب أسرهن، ومنهم من ترك زوجته الأسيرة وسافر إلى خارج الوطن هروبًا من معاناة ملاحقة الاحتلال له، كما أظهرت معاناة بعض الأسيرات من أزواجهن الذين لم يُقدّروا نضالهن الوطني. إلا أن بعضهم تقبّل فكرة اعتقال زوجاتهم وقدروا الجهود النضالية لهن. كما أظهرت دراسة حول "الواقع الاجتماعي للأسيرات المحررات من منظور الزواج" بأن المجتمع لا يتقبل فكرة تزويج أبنائهم من الأسيرات المحررات نتيجة للنظرة السلبية تجاه اعتقال الفتاة، وخوفًا من مطارة الاحتلال لهم.(35)

وفي الحديث عن المشكلات الاجتماعية للأسيرات المحررات فقد واجهت أغلبهن مشكلات ذات طابع اجتماعي مرتبطة بالزواج ومشاكل داخل أسرهن وعائلاتهن، وأخرى مرتبطة بقدراتهن على التوافق مع طبيعة المجتمع الجديد. (36)

وهدفت دراسة بعنوان "الآثار النفسية والجسمية بعيدة المدى للتعذيب لدى الأسيرات الفلسطينيات المحررات بقطاع غزة وعلاقتها ببعض المتغيرات"، أعدّها الدكتور سمير زقوت، التعرّف إلى الآثار النفسية والجسمية التي يتركها التعذيب على الأسيرات، واستندت الدراسة إلى أسلوب البحث الميداني، حيث تكونت عينة الدراسة من (48) أسيرة محررة من أصل (70) أسيرة محررة في قطاع غزة تم اختيارهن بطريقة قصدية..

وتوصّلت الدراسة إلى نتائج: أن 41.7% من الأسيرات يعانين من اضطرابات ضغوط ما بعد الصدمة، حيث أشارت الدراسة إلى أن أعلى نسبة سجّلت كانت للأعراض النفسجسمانية، فقد احتلت المرتبة الأولى بنسبة 40.5%، يليها أعرض الوسواس القهري 33.5%، ثم أعراض الاكتئاب والقلق، وأعراض العداوة والبارانويا التخيلية. كما أظهرت النتائج إلى وجود علاقة طردية بين التعرض للتعذيب النفسي والجسدي والآثار بعيدة المدى الناجمة عنهما، وجود علاقة طردية ذات دلالة إحصائية بين التعذيب النفسي والجسدي والمتغيرات التالية (القلق، الأعراض الجسمانية). (37)

ودعا الدكتور سمير زقوت كل المسؤولين الفلسطينيين للاهتمام بالأسيرات في سجون الاحتلال، وأيضاً الأسيرات المحررات، مؤكداً أن الدراسة الأكاديمية التي أنجزها بعنوان: "التعذيب وعلاقته ببعض المتغيرات النفسية والاجتماعية والجسمية لدى الأسيرات الفلسطينيات المحررات بقطاع غزة"، بأنها الأولى التي تتحدث عن الأسيرات المحررات وتبرز معاناتهم جراء التعذيب الذي تعرضن له في سجون الاحتلال. وقال زقوت إنه يجب وضع خطط علاجية تساعد الأسيرات المحررات من ناحية نفسية على تجاوز خبرة الأسر والتعذيب، بالإضافة إلى وضع برامج إرشادية تقلل من الآثار النفسية والاجتماعية والجسدية للتعذيب. وأوصى بإنشاء مركز متخصص لبحوث التعذيب بالإضافة لتحريم استخدام التعذيب في المجتمع الفلسطيني لأنه أكثر شعب في العالم عانى ولا يزال يعاني من تعذيب الاحتلال الإسرائيلي، كما أوصى بتطوير جمعيات للعمل مع الأسيرات المحررات، وتطوير برامج ارشادية وتأهيلية تساهم في تطوير مهارات التوافق لدى الأسيرات المحررات.(38)

الخاتمة

بعد استعراضنا لموضوعة الأسيرات، نورد بعض الملاحظات الختامية:

- ورد في دراسات متعددة وجود تأثيرات على الأسيرة بعد خروجها من المعتقل، وهذا الأمر من الطبيعي أن يحصل لكون الأسيرة إنسانة بالدرجة الأولى، تتأثّر بما يحصل لها، ولكن ما سجّلته الأسيرات من وقائع بعد خروجهن من المعتقل واستمرار أكثرهن في متابعة مقاومتهن ونضالهن وكفاحهن ضد الاحتلال يُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن القضية اللاتي يحملنها قد تغلغلت في نفوسهن ما جعلهن أكثر إقدامًا على التضحية في سبيلها، سواء أكنّ معتقلات، أو خارج المعتقل. ويمكن الإشارة إلى أدوار مهمة تقوم بها بعض الأسيرات المحررات اللواتي واصلن درب الكفاح ضد الاحتلال مثل: أحلام التميمي، ومنى قعدان، وفاطمة الزق، وقاهرة السعدي، وعطاف عليان، وخالدة جرار، وعهد التميمي.. وغيرهن كثيرات ما يُثبت أن قضيتهنّ هي قضية تحرر وطني من الاحتلال، وأن ما يقوم به المحتل هو إرهاب يمسّ الكينونة الإنسانية ويخالف المعايير الإنسانية وقواعد القوانين الدولية..

- يتّضح لنا أن الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال يعانين ظروفًا سيّئة وصعبة للغاية.

- رغم المعاناة التي تعانينها الأسيرات، إلا أنّهّن يُسَطّرن صفحات من البطولة والفداء يكشفن من خلالها الوجه البشع للاحتلال "الإسرائيلي" الذي يستهدف الأرض والإنسان الفلسطيني.

- يتّضح من خلال بحثنا أن موضوع الأسيرات الفلسطينيات عند العدو الإسرائيلي يلامس الخط الأحمر للمجتمع الفلسطيني بشكل عام، والأسرة الفلسطينية بشكل خاص. وما ينتج عنه من أمور تطال الفتاة (أمّا، أو أختًا، أو زوجة). ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعدّاه إلى نتائج تطال الأسيرة ذاتها في الأسر، وفي أُسرَتها، وبعد خروجها من الأسر.

- يتّضح أن مقاومة وجهاد المرأة الفلسطينية ومنها الأسيرة تُضيف قيمة كبرى لمقاومة الشعب الفلسطيني وجهاده ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، ويُوحّد كل قطاعات وشرائح المجتمع الفلسطيني في هذه المقاومة ضد المحتل.

- تعاني الأسيرات منذ قيام الجنود الإسرائيليين باعتقالهن، وعند نقلهنّ إلى مراكز التحقيق أو الاعتقال، ومن منعهنّ من التحري عن أسباب اعتقالهن، وغالباً ما يُحرمن من حقهن في لقاء محامٍ، ويحتجزن أياماً أو أشهراً "على ذمة التحقيق"، ويتعرضن طوال هذه المدة للتعذيب وسوء المعاملة، مما ينعكس معاناة جسدية ونفسية شديدة.

- يتّضح من خلال البحث المخالفة الواضحة التي ترتكبها سلطات الاحتلال التي ينتهج محققوها سياسة تحقيق وتعذيب بطرق مُحرّمة وممنوعة دولياً، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصبح التعذيب عندهم قانوناً مشرعاً من قبل حكومة إسرائيل، رغم المكانة الشرعية والقانونية، وحق الأسرى المشروع بمقاومة الاحتلال وفق اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة وقرارات الأمم المتحدة.

التوصيات

- دعوة المقاومة الفلسطينية إلى تكثيف جهودها ومحاولاتها لأسر جنود "إسرائيليين" وإجراء عمليات تبادل يتحرّر بموجبها الأسرى والأسيرات من سجون الاحتلال.

- نوصي أن يتم إنشاء بنك معلومات خاص بالأسيرات الفلسطينيات المعتَقَلات والمحررات لما في ذلك من حفظٍ لجهادهن ومقاومتهن وتاريخهنّ وما تعرّضن له في معتقلات الاحتلال.

- نوصي بإنشاء جمعية أو تكتّل أو منظمة نسائية عالمية مؤلفة من محاميات فلسطينيات وعربيات وأجنبيات من جنسيات مختلفة يتبنّين قضية الأسيرات ويعملن على تشكيل رأي عام ضاغط على الاحتلال لإطلاق سراحهن، والعمل على محاكمة قادته ومعاقبتهم على جرائمهم ومخالفاتهم للقانون الدولي...

- نوصي بالمزيد من التحركات الضاغطة على المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس حقوق الإنسان، واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الإنسانية والحقوقية من أجل استمرار جهودها وتكثيف الزيارات للأسرى والأسيرات للإطلاع على الظروف الصعبة والقاسية التي يعيشونها ـ أسرى وأسيرات ـ، بخاصة على صعيد النقل والتفتيشات والعزل والغرامات والاستهتار الطبي وسوء الطعام، وعدم انتظام الزيارات، والضغط على الاحتلال لحماية المعتقلين الفلسطينيين من ممارسات تلك الوحدات الخاصة وانتهاكاتها اللحظية واليومية والتفصيلية بحقهم.

كلمات دلالية