خبر جرائم الـ« حلال » لأولاد الـ« حرام »../ زهير اندراوس

الساعة 07:12 م|20 مارس 2009

20/03/2009  09:17 

 

استفاقت يوم الخميس (19.03.09) الصحافة العبرية، المتطوعة لصالح ما يُسمى في القاموس الإسرائيلي (الإجماع القومي الصهيوني)، من سباتها العميق ونشرت، طبعاً بعد موافقة الرقابة العسكرية، شهادات أدلى بها العديد من أفراد الجيش "الأكثر أخلاقياً في العالم، جيش الدفاع الإسرائيلي"!، حول الجرائم الفظيعة والمقززة التي ارتكبوها خلال العدوان الهمجي والبربري على أبناء شعبنا في قطاع غزة.

 

توقيت النشر والنشر نفسه يثيران الشكوك حول الهدف من ذلك، مع أننّا لم نكن بحاجة إلى هذه الشهادات لمعرفة مدى فظاعة هذا الجيش وإلى أيّ حد يصل بجرائمه التي تقشعر لها الأبدان، فقد شاهدنا المناظر المفزعة من على شاشات قنوات التلفزة العالمية، وهي المناظر التي امتنعت وسائل الإعلام العبرية عن نشرها، لأنّها عند الحرب تتحول إلى كتيبة خاصة تعمل وفق أوامر الناطق العسكري.

 

ويحق لنا أن نسأل بكل وضوح هل النشر مرده أنّ ستة بروفيسورات كبار في القانون الدستوري والدولي طالبو المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، المحامي، ميني مزوز، بتشكيل لجنة تحقيق خارجية تفحص إذا كان الجيش الإسرائيلي ارتكب جرائم في حرب غزة. وحسب أقوالهم، فإنّ التحقيق الخارجي وحده سيشل الدعاوى المستقبلية ضد إسرائيل في الموضوع ويُطّهر سمعة الجيش الإسرائيلي. وهؤلاء البروفيسورات شرحوا في عريضة رفعوها بأنّهم يطالبون بلجنة تحقيق خارجية لأنّ المستشار مزوز والنائب العسكري الرئيسي العميد افيحاي مندلبليت كانا مشاركين بأنفسهما في الأفعال، وأعطيا مصادقات على النشاطات وعليه فأنّهما لا يمكنهما أن يكونا ضمن طاقم المحققين، على حد تعبيرهم.

 

لهؤلاء يجب القول بصراحة منتهية: لن ينفعكم التحقيق الخارجي أو الداخلي، فلا يُعقل أن يقوم إسرائيلي، مهما كان لبرالياً، أن يدين دولته وجيش احتلاله، وكبار ضباطه، وإذا كنتم فعلاً تريدون التحقيق النزيه والموضوعي والذي لا تشوبه شائبة، فعليكم التوجه إلى المؤسسات الدولية المختصة في هذه الأمور، كما هدد رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو، بتقديم دعوى ضد الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، لأنّه صرح بأنّه يجب محو الدولة العبرية عن الخريطة.

 

علاوة على ما ذُكر أنفاً، نرى لزاماً على أنفسنا أن نسأل بصوت عال: أين المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، لويس مورينو أوكامبو، الذي أصدر أمر اعتقال ضد الرئيس السوداني، عمر حسن البشير، دون أن يتوجه إليه أحداً بشكوى عن الجرائم التي ارتكبها البشير في دارفور، على حد زعم أوكامبو.

 

في الحقيقة لم تقع علينا اعترافات الجنود كالصاعقة، ولا حتى من منطلق (وشهد شاهد من أهله)، ولكن مع هذا، ما أثار حفيظتنا هو التعصب الديني اليهودي في هذه الحرب الإجرامية على غزة، فالدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، طوّرت بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في أمريكا ما نسميه نحن (الإسلاموفوبيا)، أي الخوف من كل من يقول لا الله إلا الله، محمد رسول الله، وبات المسلمون في هذه الدول بمثابة إرهابيين، أو على الأقل إرهابيين مع وقف التنفيذ، واجتاز الغرب جميع الخطوط الحمراء في التعامل مع المسلمين، وباتت الرسومات المسيئة للنبي العربي الكريم تدخل في إطار حرية التعبير عن الرأي، وأصبح إنتاج وإخراج فيلم بذيء عن الرسول محمد (صلعم) أمراً عادياً يتقبله المجتمع الغربي الذي يعقد بمبادرة عربية مؤتمرات للحوار بين الأديان.

 

على أيّة حال، يتبين من شهادات جنود الاحتلال الإسرائيلي أنّ حاخامات الدين اليهودي، من أمثال عوفاديا يوسيف، الذي قال إنّ العرب والمسلمين هم أفاع سامة، أقنعوا الجنود بأنّ الحرب على غزة هي حرب دينية بين المسلمين وبين اليهود، وبالتالي على الجندي اليهودي أن يقتل أكبر عدد من المسلمين، وعملياً يمكن القول الفصل إننّا عدنا إلى الحروب الصليبية، ولكن على نسق الحروب اليهودية، وهذا الأمر يؤكد بشكل غير قابل للتأويل بأنّ الإيحاء للإسرائيليين بأنّهم يحاربون المسلمين، سيشجعهم على ارتكاب المزيد من جرائم القتل، وتحويل المقولة العنصرية من العربي الجيد هو العربي الميت، إلى مقولة أشد عنصرية: المسلم الجيد هو المسلم الميت. ونعتقد أنّ تحويل الحرب إلى حرب دينية يدخل في إطار ما يُسمى بصراع الحضارات، بين المتنورين والمحضرين، أي الغرب، وبين المتخلفين والإرهابيين، أي العرب والمسلمين، وبالتالي في هذا التأطير تكمن خطورة الاعترافات، التي كشف عنها جنود الاحتلال.

 

مضافاً إلى ما ذُكر أعلاه، يجب الالتفات إلى نقطة مهمة جداً: تفشي الجريمة داخل المجتمع الإسرائيلي وازديادها بشكل كبير بات يقض مضاجع السلطات ذات الصلة في الدولة العبرية، ولكنّ هذا الأمر لا يأتي في فراغ ولا يدور في فراغ: فالجندي الذي يقتل بدم بارد الأطفال والنساء الفلسطينيين الأبرياء، كسر عملياً حاجز القتل، وبالتالي، حسب نظريات علم النفس، فإنّ هذا الجندي عندما يتم تسريحه وعودته إلى الحياة المدنية، سيتحول إلى قاتل مدني، ولن يتورع عن الانضمام إلى عصابات الإجرام في إسرائيل، كما أنّ وجهة نظره العدوانية التي طبقّها في جيش الاحتلال، ستنتقل معه إلى محيطه الصغير، أي البيت، وإلى محيطه الكبير، أي إلى المجتمع اليهودي الإسرائيلي.

 

وللتذكير فقط فإنّ هذه الجرائم الفظيعة كانت قد ارتكبت في عهد الثلاثي أولمرت، ليفني وباراك، والآن نحن قادمون على حكومة يمنية متطرفة للغاية، حيث يقف على رأس الدبلوماسية الإسرائيلية، الفاشي المأفون، أفيغدور ليبرمان، الذي طالب خلال العدوان البربري على غزة، أن تستعمل الدولة العبرية القنابل النووية، كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب العالمية الثانية، عندما ألقت القنابل النووية على مدينتي ناغازاكي وهيروشيما في اليابان. العنصرية الإسرائيلية وصلت إلى حد لا يطاق، وباعتقادنا فاقت جميع أشكال ومظاهر العنصرية، والخطر يكمن في أن يقوم نتانياهو وليبرمان وباقي أعضاء الحكومة بترجمة هذه العنصرية إلى أعمال ضد الفلسطينيين من طرفي ما يُسمى بالخط الأخضر، وضد العرب والمسلمين في المنطقة، ويجب الالتفات إلى أنّ الاتفاق الذي وُقّع بين حزبي الليكود وإسرائيل بيتنا يتضمن بنداً واضحاً وهو القضاء على حماس وسلطتها في قطاع غزة، وقوننة الولاء للدولة العبرية اليهودية الصهيونية من قبل فلسطينيي الداخل، أصحاب الأرض الأصليين.

 

قلناها، وها نحن نعيد مرّة أخرى: الفلسطينيون في الدولة العبرية بحاجة ماسة إلى التعاضد والتماسك لمواجهة الفاشية الإسرائيلية، والأسرة الدولية ملزمة بإرسال قوات لحمايتهم من تفشي الفاشية في إسرائيل، قيادةً وشعباً.