خبر جولة الحوار الفلسطيني الأولى.. انطلاقة واعدة ..صالح النعامي

الساعة 08:24 م|19 مارس 2009

رغم القضايا العالقة، أو تلك التي لم تُبْحَثْ بعد، فإنه يمكن القول أنّ جولة الحوار التي شهدتها القاهرة مُؤَخَّرًا تُشَكِّلُ أولَ جهدٍ فلسطيني جَدِّيٍّ لمعالجة القضايا التي تعوق العمل الوطني الفلسطيني، وتكرس الانقسام الداخلي.

 

ومع أنه من السابق لأوانه الإعلان عن اختراقاتٍ في الحوار، في ظل الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على قيادة السلطة الفلسطينية؛ لمنعها من التوصل لاتفاق تاريخي يُؤَسِّسُ لمرحلة جديدة في العمل الوطني الفلسطيني، إلا أن ما أُنْجِزَ في القاهرة يُشَكِّلُ بحد ذاته انطلاقةً لمسيرة المصالحة والوفاق.

 

ولعلَّ أَهَمَّ ما أُنْجِزَ في هذا الجانب، هو الِاتِّفَاقُ المتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية؛ إذْ تَمَّ الاتفاق على تشكيل لجنة من الأمناء العامِّين للفصائل الفلسطينية؛ لتحديد آلية انتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، الذي سيتولى مُهِمَّةَ صياغة البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، والذي من المفترض أن تلتزم به السلطة الفلسطينية، على اعتبار أن منظمة التحرير تُمَثِّلُ مرجعيةَ السلطة الفلسطينية.

 

وتكمن أهمية هذا الاتفاق في أنَّهُ يسمح – في حال تطبيقه – بإصلاحِ كُلِّ مكامن الخَلَلِ في المسيرة الوطنية الفلسطينية التي أصابتِ العمل الوطني الفلسطيني منذ عقود من الزمن.

 

فإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني يعني إفساحَ المجال أمام الفلسطينيين في جميع مناطق تواجدهم؛ للمشاركة في تحديد الجهات التي ستتولى اتخاذ القرار الوطني الفلسطيني.

 

ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، فإن إجراء هذه الانتخابات يعني إضفاءَ شرعيةٍ على مؤسسات منظمة التحرير لأول مرة؛ لأن المؤسسات القائمة لم تُفْرَزْ بشكل ديمقراطي، بل فُرِضَتْ على الشعب الفلسطيني.

 

ولعل الأَهَمَّ من كل ذلك هو أن هذه الانتخاباتِ تسمح بحسم الجدل والخلاف الحالي بين أنصار التسوية بأي ثمن، والْمُتَشَبِّثِين بخيار المقاومة، علاوةً على أنه يسمح بإعادة رسم موازين القوى في الساحة الفلسطينية؛ لأنه سيضمن دخولَ حركاتٍ إلى المنظمة لأول مرة، مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

 

لكنّ نقطة الخلاف الوحيدة التي ظلتْ حتى هذه اللحظة عالقةً، تتمثَّلُ في الخلاف حول مطالبة العديد من الفصائل ومن بينها حماس، بتشكيل قيادةٍ وطنيةٍ مُؤَقَّتَةٍ للشعب الفلسطيني، تَبُتُّ في القضايا الهامة، حتى تَتِمَّ إجراء انتخابات المجلس الوطني، بحيث تسمَحُ لِكُلٍّ من حركَتَيْ حماس والجهاد الإسلامي بالاندماج في دائرة صنع القرار الوطني الفلسطيني، إلى جانب القوى الأخرى.

 

ويُعْتَبَرُ هذا المطلب عادلًا؛ لأنه يعني نزع الشرعية عن أيّ دورٍ تقوم به اللجنة التنفيذية الحالية للمنظمة، على اعتبار أنها لا تُمَثِّلُ الشعب الفلسطيني، وفي كثيرٍ من الأحيان تَدْفَعُ نحو اتخاذ قراراتٍ تُنَاقِضُ المصلحة الوطنية الفلسطينية.

 

فهل يُعْقَلُ أن يُسْمَحَ لياسر عبد ربه، بتولي منصبِ أمينِ سِرِّ منظمة التحرير، وهو الشخص الذي تَوَصَّلَ لتفاهُمٍ مع أكثر من جهة إسرائيلية، تنازَلَ فيه عن حق العودة للاجئين.

 

وفيما يتعلق بملف الانتخابات، فقد حققتْ جلسات الحوار اختراقًا هامًّا؛ إذْ تَمَّ الاتفاق على إجراء انتخاباتٍ متزامنةٍ، لكلٍّ من المجلس التشريعي والرئاسة، والمجلس الوطني، علاوةً على تشكيل اللجنة المركزية للانتخابات. وتعتبر طريقة الانتخابات، إحدى القضايا التي لا زالتْ عالِقَةً، فحركة " فتح "، ومعها فصائل اليسار الصغيرة تُطَالِبُ بأن يتم اعتماد طريقة الانتخاب النسبي، أيْ أنْ يَتِمَّ انتخاب جميع أعضاء المجلس التشريعي مباشرةً من كل الناخبين، في حين تُصِرُّ حماس على ضرورة اعتماد النظام الانتخابي الْمُخْتَلَطِ، الذي يجمع بين النظام النسبي ونظام الدوائر.

 

ومِمَّا لا شك فيه أن الفصائل التي تطالب بالنظام النسبي تعي أنه ليس لديها زعاماتٌ ذاتُ حضورٍ شعبِيٍّ يمكن أن تنافس مرشحي حماس في الدوائر.

 

وفيما يتعلق بالحكومة التي ستُشَكَّلُ بعد انتهاء الحوار، فإنّ المشكلة الأساسية تتمثَّلُ في برنامج هذه الحكومة، فحتى الآن يُصِرُّ أبو مازن على ضرورة التزام هذه الحكومة بشروط اللجنة الرباعية، وهي الاعترافُ بإسرائيل، ونَبْذُ المقاومة، والالتزام بالاتفاقيات التي وقَّعْتَها السلطة مع إسرائيل.

 

ومِمَّا لا شك فيه أن موقف أبو مازن غير موضوعي وغير منطقي؛ لأنه يطالب الفصائل الفلسطينية بالتنازل عن قناعاتها السياسية، في الوقت الذي يُضْفِي مسحةً من العصمة على مواقفه السياسية التي تَبَيَّنَ بالدليل القاطع أنها لن تُؤَدِّيَ بالشعب الفلسطيني إلا لمزيدٍ من التراجع.

 

في نفس الوقت، فإنه يَجْدُرُ بعباس ألَّا يتجاهل حقيقةَ أن إسرائيل ستقودها في الآونة القريبة حكومةٌ يمينيةٌ متطرفةٌ، تتنَكَّرُ لأبسط الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

 

للأسف، فإنه لا يمكن قراءةُ محاولةِ أبو مازن إملاءَ شروط اللجنة الرباعية على الحكومة الجديدة، إلا كمكافأةٍ لإسرائيل على تَطَرُّفِهَا، وقد كان حريًّا بأبو مازن، الذي يُفْتَرَضُ أنْ يُمَثِّلَ الفلسطينيين جميعًا، أنْ يسأل الدول الغربية، وتحديدًا الولايات المتحدة: لماذا حَرَصَتْ هذه الدولة على التأكيد أنها ستتعاون مع الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، رغم مواقفها الفاشية والعنصرية، في الوقت الذي تَرْفُضُ حَقَّ الشعب الفلسطيني في اختيار مُرَشَّحِيهِ بشكل حُرٍّ، وضمن ذلك تأييد البرامج السياسية التي يرى هذا الشعب أنها تُلَبِّي طموحه الوطني.

 

ورغم كل الملاحظات السابقة، فإنه يجب التشديدُ على أنّ ما تَحَقَّقَ حتى الآن في جلسات الحوار إنجازٌ مهم، يتوَجَّبُ مراكمته؛ حتى يتم التوصل لاتفاق نهائيٍّ، يَضَعُ حدًّا لمسيرة التيه التي يغرق فيها الفلسطينيون.

 

ومِمَّا لا شك فيه أنّ المصالحات في العالم العربي ستُعَزِّزُ من فُرَصِ التوصل لاتفاقٍ فلسطينِيٍّ داخلي. وعلى الأنظمة العربية أنْ تعي أن وحدة الصف الفلسطيني هي مصلحةٌ استراتيجِيَّةٌ عربيةٌ من الطراز الأول، في ظل اندفاع اليمين المتطرف لِسُدَّةِ الحكم في إسرائيل.