خبر مناهج إسرائيل بعد 30 عاما.. الكراهية من كي جي1

الساعة 05:01 م|18 مارس 2009

رغم توقيعها أكثر من معاهدة سلام.. لا تزال مناهجها تنضح بكراهية العرب

مناهج إسرائيل بعد 30 عاما.. الكراهية من كي جي1

أحمد البهنسي

يا أطفال صور وصيدا.. أيها الإرهابيون الصغار.. إني أتهمكم وألعنكم.. ستنامون محطمي العظام.. في الحقول والطرقات.. لا تسألوا لماذا.. إنه العقاب.. والآن حان عقابكم.

أما الجنود المصريون "الجبناء" فيدهشون من بطولة جنود "جيش إسرائيل الذي لا يقهر" متسائلين في "شحوب وخوف": "كيف لنا أن ننتصر على شعب من الأبطال كهؤلاء؟!" ويجيبهم أسير إسرائيلي في "ثبات": "هل سمعتم في حياتكم عن إسرائيليين يستسلمون؟!".

 

هذه مقتطفات من نصوص لا يزال لليوم يدرسها طلاب وأطفال إسرائيل، وتمثل نموذجا لكيفية تطبيق الدولة العبرية لما ينص عليه البند 5 من المادة 3 باتفاقية السلام المصرية / الإسرائيلية التي تحين ذكراها الثلاثون في الـ26 من مارس الجاري؛ حيث ينص هذا البند على أن "يعمل الطرفان على تشجيع التفاهم المتبادل والتسامح، ويمتنع كل طرف عن الدعاية المعادية تجاه الطرف الآخر!"، وتضمنت اتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية الموقعة عام 1994 نصوصا مماثلة.

 

أما الجانب المصري من تطبيق الاتفاقية المعروفة باسم "كامب ديفيد" والتي من المفترض أنها وضعت حدا لحالة العداء والكراهية بين الشعبين عقب أكثر من 30 عاما من الصراع الذي شهد 4 حروب متتالية أعوام 1948، و1956، و1967، و1973، فعبرت عنه صحيفة "هيرالد تربيون" في عددها الصادر في 21 يونيو 1979؛ فقد كشفت الصحيفة الأمريكية عن تبني وزارة التربية والتعليم المصرية مشروعا باسم "ورقة تطوير التعليم"، يهدف لإدخال تعديلات على المناهج الدراسية لتهيئة النشء المصري لما بعد معاهدة السلام، بما يعني التركيز على قيم التسامح والسلام والتعاون المشترك، واستبعاد مفاهيم الكفاح والانتقام من العدو، وهو ما يتضمن عدم التطرق للنصوص الدينية المتعلقة بالجهاد وانتقاد اليهود وغيرها، وترسيخ مفهوم أن إسرائيل دولة مجاورة لها وجود طبيعي تقوم بينها وبين مصر علاقات طبيعية تشمل كل ميادين الحياة.

 

وانتقد عدد من الباحثين والخبراء الإسرائيليين توجهات دولتهم التي صعدت - بحسب رؤيتهم - منذ اتفاقية السلام من عسكرة مناهجها التعليمية التي تؤصل لكراهية العرب، وتكرس استمرار حالة العداء والحرب معهم كأمر حتمي لا مناص منه، واصفين هذه المناهج بـ"المنحرفة".

 

"حمقى جبناء"

 

الاستهزاء والسخرية من العرب والمصريين ووصفهم بـ"الوحشية والحماقة والجبن"، كان محور العديد من الكتب التعليمية الإسرائيلية وفي مقدمتها كتاب "جيبوري وداني دين"، الذي جاء في أحد نصوصه بعنوان "جيش إسرائيل الذي لا يقهر"، ما يلي:

 

"يقول المصريون: كيف يمكن أن نستمر بالحرب والإسرائيليون يستعملون ضدنا أجهزة شيطانية كهذه، ثم قال جنرال مصري، وقد دهش من بطولة الطيارين الإسرائيليين: كيف يمكن لنا أن ننتصر على شعب من الأبطال كهؤلاء؟!".

 

وفي فقرة أخرى: "يقول ضابط إسرائيلي أسير بثبات للضابط المصري: هل سمعت في حياتك عن إسرائيليين يستسلمون؟! فتلون وجه القائد المصري، وأصبح أكثر شحوبا من شدة الخوف، وأخذ يتمتم وهو يرتجف: هل سيقتلنا الإسرائيليون عندما يروننا؟!"

 

"أتهمكم وألعنكم"

 

وفي السياق ذاته، حملت نصوص شعرية مقررة على طلاب إسرائيل في مختلف المراحل الدراسية معاني تتعلق بزرع الروح العنصرية والكراهية تجاه العرب أطفالا وكبارا، وتدعو لاستمرار الحرب ضدهم.

 

ومن بين هذه النصوص نص بعنوان: "انهضوا أيها التائهون في الصحراء" للشاعر القومي اليهودي الأبرز داخل إسرائيل "حاييم نحمان بياليك" الذي تقرر معظم قصائده على المرحلة الأساسية من التعليم العبري ويحفظها معظم التلاميذ اليهود، جاء فيه:

 

اخرجوا

فما زال الطريق طويلا

وما زالت الحرب طويلة

وها نحن ننهض

إلى السلاح إلى السلاح

إني أعرف قدر إسرائيل

فلسوف تقهر الأمة المنبعثة (إسرائيل) العمالقة.

 

ويعرف التراث الديني اليهودي (العمالقة) بأنهم قوم كانوا يعيشون في فلسطين منذ عدة قرون، وكلف (الرب) بني إسرائيل بشن حرب لا هوادة فيها ضدهم قائلا (بحسب معتقداتهم): "اقضوا على عملاق من البداية حتى النهاية.. اقتلوهم وجردوهم من ممتلكاتهم، لا تأخذكم بهم رأفة، فليكن القتل متواصلا.. شخص يتبعه شخص، لا تتركوا طفلا.. لا تتركوا زرعا أو شجرا.. اقتلوا بهائمهم من الجمل حتى الحمار".

وفضلا عن قصيدة "بياليك"، يقدم الشاعر الإسرائيلي "أفريم سيدوم" نصا لطلاب المدارس يكرس لكراهية أطفال العرب يقول فيه:

 

يا أطفال صور وصيدا

أيها الإرهابيون الصغار

يا من تحملون الآر بي جي

بدل الحقائب والكتب

إني أتهمكم وألعنكم

ستنامون محطمي العظام

في الحقول والطرقات

لا تسألوا لماذا

إنه العقاب

والآن حان عقابكم

 

مناهج معسكرة.. ويبقى العداء

 

"إسرائيل نقطة في بحر من العداء العربي الذي يطوقها".. هذا المفهوم الذي لا تفتأ تردده الحكومات ووسائل الإعلام الإسرائيلية على العالم مبررة به ترسانتها النووية واعتداءاتها المتكررة على الشعب الفلسطيني، والتي كان آخرها حرب الـ22 يوما، عمدت الدولة العبرية كذلك لتأصيله في نفوس أبنائها عبر المناهج الدراسية في كل مراحل التعليم قبل الجامعي، مكرسة لما وصفه باحثون إسرائيليون بـ"عسكرة المناهج"، واستمرار العداء للعرب.

 

فقد شهدت المنظومة التعليمية الإسرائيلية عملية "عسكرة" ممنهجة ومتصاعدة، عبرت عنها الباحثة والكاتبة الصحفية الإسرائيلية "إرنا كازين" قائلة: إنه "منذ توقيع اتفاقية السلام مع المصريين، فمن يطلع على مناهج التعليم في مدارس إسرائيل بجميع مراحلها لابد أن يلفت انتباهه التوجه العام القائم على التنشئة التربوية على روح العسكرة والتطوع للجيش، وإعداد الطفل حين يكبر ليصبح مقاتلا، لتكريس الروح الإسبارطية (أحد الشعوب اليونانية القديمة التي كانت تعتمد القتال الدائم منهاجا لها)".

 

وفي دراسة أعدها الباحث الإسرائيلي "إيلي بوديا" المحاضر بجامعة حيفا فإن "كتب التعليم في إسرائيل ساهمت طيلة نصف القرن الماضي في إشعال جذوة الصراع الفلسطيني العربي، وكرست حالة الحرب، وحالت دون التوصل للسلام بين العرب واليهود".

 

ووصف بوديا مناهج التدريس الإسرائيلية بـ"المنحرفة"، منوها إلى أن "هذه المناهج تتميز بطغيان الصورة النمطية والأفكار المقولبة حيال العرب، وزرع كراهيتهم في نفوس التلاميذ الإسرائيليين".

 

الحرب في "كي جي1"

 

وتبدأ عسكرة المناهج التعليمية في إسرائيل منذ مرحلة رياض الأطفال، وهي المرحلة التي تتكون فيها البنية الفكرية الأساسية لدى الإنسان؛ حيث تقوم إدارات الروضات بتنظيم رحلات للأطفال لقواعد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتحرص على أخذ صور تذكارية لكل طفل وهو يقف فوق دبابة، وبعدها توزع رايات ألوية الجيش المختلفة على الأطفال ليقوموا بتثبيتها في فصولهم.

 

ولفتت الدكتورة "حجيت جور" الأستاذة الزائرة بمركز الديمقراطية والسلام الإسرائيلي في بحث لها تحت عنوان: "تعليم متعسكر في سن بضة" إلى وجود زاوية خاصة تسمى "أرض إسرائيل خاصتي" في العديد من رياض الأطفال بإسرائيل.

 

 وتحتوي هذه الزاوية - بحسب د. جور - على خرائط جغرافية، ومناظر طبيعية لإسرائيل على أنها أرض فلسطين الممتدة من البحر للنهر، وتربط هذه الخرائط بين الحروب التي خاضها بنو إسرائيل المذكورة في التوراة، وبين الحروب التي خاضتها دولتهم مع العرب منذ عام 1948.

 

وتحت عنوان: "مظاهر الحرب والسلام في أدب الأطفال الإسرائيلي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ20" تؤكد الباحثة الإسرائيلية في مجال التربية "تامار هاجار" أن "أدب الأطفال الذي يدرس في المرحلة الابتدائية يعكس إلى أي مدى تغلغلت مظاهر العسكرة في هذه المرحلة التعليمية".

 

واستشهدت هاجار على ذلك بنص أدبي مقرر على طلاب الصف الرابع الابتدائي، وهو عبارة عن خطاب من طفلة إلى أبيها الذي يؤدي خدمة الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، جاء فيه: "خطاب إلى أبي الذي ذهب إلى الجندية.. حكت لي أمي أن الحرب شيء سيئ.. هي تقول إنك ذهبت إلى هناك كي تنتهي كل الحروب في العالم.. أنا لا أفهم إذا ما كانت الحرب شيئا سيئا أم لا؟!".

 

وتعلق "هاجار" على النص موضحة أن "الرسالة الإيديولوجية المنطوية على تدريس هذا النص تحمل معاني مزدوجة؛ فهي تؤيد الموقف الرسمي القائل بأن الحرب حتمية، وتشير إلى التسليم بوجودها من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على ترسيخ ذلك في نفوس الأطفال بمرحلة تعليمية مبكرة".

 

مناورات حية في الثانوية

 

"الجيل القادم" منهج يدرسه طلاب المرحلة الثانوية بإسرائيل لمدة 3 سنوات منذ أطلقته وزارة التعليم بالتعاون مع كبير ضباط التعليم بالجيش الإسرائيلي عام 2004، ويعنى بتدريس الوحدات العسكرية، وأهمية الخدمة العسكرية، وزيادة الدافع للتجنيد، ويقوم بتدريسه ضباط من الجيش برتبة مقدم على الأقل.

 

ودأبت إدارات المدارس الثانوية كذلك على تنظيم رحلات لطلابها إلى مواقع الجيش؛ حيث يشاهد الطلاب مناورات وتدريبات بالنار الحية، كما تنظم رحلات أخرى إلى مواقع المعارك بين جيش الاحتلال والجيوش العربية.

 

وتتضمن برامج الإذاعة المدرسية أيضا فقرات يقوم طلاب خلالها باستضافة جنرالات وكبار الضباط في الجيش والمخابرات، وإجراء مقابلات معهم، ويترك لبقية الطلاب توجيه أسئلة لهم.

 

عسكرة الحساب والتاريخ

 

ومن بين المناهج التي يتجلى فيها نهج العسكرة الإسرائيلية كتاب الرياضيات (الحساب) للصف الخامس الابتدائي الذي ألفه "مردخاي فاشستوم"، وتدور مسائله الحسابية حول الجيش وألويته، مثل "من بين 6340 جنديا مدربا، طلب من 2070 الانضمام إلى وحدة المظليات، و1745 إلى سلاح المشاة، فكم بقي من الجنود؟".

 

أما مناهج التاريخ في المراحل التعليمية المختلفة بإسرائيل فتركز على حروب دولة الاحتلال مع العرب، وسير أبرز القادة الإسرائيليين في تلك الحروب، وهو ما علقت عليه الباحثة الإسرائيلية "إستير بوجيف" رئيسة قسم التاريخ في كلية دار المعلمين قائلة إنه "يعكس التصور التعبوي اليهودي حول مفاهيم الإثنية اليهودية، فتدريس التاريخ نظريا وعمليا، ابتداء من اختيار المضامين وترتيب العصور التاريخية، وحتى صياغة الأحداث، يعكس قيم التحريض على العنف".

 

وشددت "بوجيف" على أن "منهج التاريخ الأساسي الأول الذي وضع عام 1954 كبعد نموذجي واسع تم العمل به حتى عقب توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، حيث لا يزال التاريخ يدرس بكامله لخدمة المشروع القومي الإسرائيلي، وبناء المجتمع المجند".