خبر تركيا بين عاملين.. يديعوت

الساعة 09:19 ص|18 مارس 2009

بقلم: شلومو بن عامي

وزير الخارجية الاسبق

منذ أن اصبحت تركيا جمهورية وهي تتنقل بين الميل نحو الغرب لمؤسسها كمال أتاترك، وبين تراثها العثماني الشرقي. أزمة الهوية، التي لم تحل، تهز التحالفات الاستراتيجية لتركيا الحديثة.

التغييرات في فهم تركيا لنفسها صممت دافعها لان تشكل وسيطا في محادثات السلام بين اسرائيل واعدائها. حماسة رئيس الوزراء التركي اردوغان لاحتلال مكان مصر كوسيط مركزي في المنطقة وخطاباته ضد سلوك اسرائيل في غزة، تبدو لكثيرين كمحاولة لان تستعيد تركيا مكانتها من فترة الحكم العثماني كمن ضمن السلام والامن في المنطقة.

وبالفعل، مؤهلاتها لهذا الدور ليست هامشية بالتأكيد. فتركيا هي قوة عظمى اقليمية، مع احد الجيوش الاكبر في العالم. ومع انها تخاف (ليس اقل من اسرائيل) من التطلعات النووية الايرانية، فتوجد بينهما علاقات اقتصادية وسياسية ممتازة. تأثير الدبلوماسية التركية في المنطقة واضح ايضا في توقيع تحالف الصداقة بينها وبين السعودية، بينما هي تقيم علاقات ممتازة مع الباكستان والعراق.

اصرار اوروبا على رفض انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، تعاظم العنف المناهض للغرب بعد اندلاع حرب العراق والعلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة – في بعضها بسبب موقفها من مذبحة الارمن – هي الاسباب الاساس لتغيير الميل في تركيا.

المساعي الثقافية لثورة أتاترك والتي جاءت لتغيير المجتمع من الداخل وفصله عن العالم العربي والاسلامي، يعاد النظر فيها من جديد. تركيا أردوغان تبدو كمن تبحث عن مهمة اقليمية جديدة، حيث يوفر الشرق الاوسط وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق لها آفاقا جديدة.

التحدي الذي تقف امامه تركيا هو ضمان الدور الجديد في المنطقة دون خيانة التراث الديمقراطي لاتاترك. اذا واصلت الاثبات بان الاسلام والديمقراطية يمكنهما أن يتعايشا تحت سقف واحد، فان بوسعها ان تشكل نموذجا لدول الشرق الاوسط.

في الستينيات، التشاؤم الفتاك لدافيد بن غوريون دفعه لان يقيم "تحالف المحيط" مع دول غير عربية في الدائرة الخارجية للشرق الاوسط – ايران، اثيوبيا وتركيا (كما حلم بضم الطائفة المارونية في لبنان). لهذه الدول لم يكن هناك مواجهة مباشرة مع اسرائيل ولجميعها، بهذا القدر او ذاك، كانت علاقات متوترة مع جاراتها العربيات.

الفكرة بشأن تفوق اسرائيل في المجال العسكرين ابداعيتها في المجالات الاقتصادية والزراعية، مثلما في المفهوم المبالغ فيه عن القدرة المميزة لها في التأثير على السياسة الامريكية، جعلت العلاقات مع اسرائيل جذابة على نحو خاص بالنسبة لهذه الدول.

"تحالف المحيط" كانت محاولة للهروب من آثار المواجهة الاسرائيلية – العربية، ولكن الامن الذي كان يفترض بهذه الخطة ان توفره كان متعذر التحقق. فلم يكن ممكنا التقليل من مركزية النزاع الاسرائيلي – العربي. قدرة العرب على الابقاء على ضغط دائم على اسرائيل وتوجيه الاهتمام العالمي نحو معاناة الفلسطينيين جعلت محاولة اسرائيل تجاهل اثار النزاع مهمة عديمة الفرصة.

الثورة الاسلامية في ايران، التغييرات في اثيوبيا مع نهاية عصر مملكة هيلا سيلاسي، انهيار الطائفة المارونية وصعود حزب الله في لبنان، جعلت تركيا العضو الاخير في "تحالف المحيط". الجيش التركي عظيم القوة، يريد، ربما، الحفاظ على علاقات وثيقة مع اسرائيل، ولكن التغييرات في سلم الاولويات في السياسة الخارجية التركية، الى جانب أزمة الهوية الشديد في الدولة تبعث برسالة واضحة تقول ان هذا التحالف لم يعد بوسعه أن يشكل بديلا عن السلام مع العالم العربي.