خبر حكومة دولية لبعض بعض فلسطين؟؟ ..طلال سلمان

الساعة 07:46 ص|18 مارس 2009

 

يبدو واضحاً، الآن، أن الحوار بين الفصائل والقوى الفلسطينية المختلفة الجاري في القاهرة وبرعايتها ليس نهاية الطريق إلى استعادة «الوحدة» والتوافق على إعادة صياغة منظمة التحرير ومؤسسات «السلطة» التي يفترض أن تكون منبثقة عنها، بما في ذلك «حكومة الوحدة الوطنية».

فالحوار فلسطيني في العاصمة المصرية وبرعايتها المشروطة، أما القرار فيصاغ في العواصم الغربية البعيدة: للاتحاد الأوروبي حق الرفض أو القبول، ولواشنطن حق النقض.

لقد انتهى عصر فلسطين «القضية العربية المقدسة»، بغض النظر عن مدى التزام الدول العربية بالقضية، أي بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، أو بدولة له على بعض أرضه.

كذلك انتهى عصر «القرار الوطني المستقل» الذي كان يهرب «باستقلاله» دائماً من هذا المحور العربي إلى ذاك في رحلة طويلة بائسة انتهت بصفقة أوسلو التي استولدت «السلطة» على حساب «الثورة»، وارتضت بأن تقبل «بعض الأرض» بديلاً من «تحرير كامل التراب الفلسطيني» الذي تبدى لها شعاراً رناناً وجميلاً حتى الاستحالة!

... وكان الانشقاق الخطير الذي وضع «السلطة» التي لا تملك من أمرها شيئاً في مواجهة مفتوحة مع ورثة «الثورة» من القائلين بضرورة استمرار الكفاح المسلح حتى النصر أو الشهادة، مع وعيهم أنهم سيواجهون العالم بدوله جميعاً، أجنبية وعربية، والتي كانت قد افترضت أن قضية فلسطين باتت «شأناً إسرائيلياً داخلياً»، وإن ظلت مهمات تمويل «السلطة» وتدجينها مسألة تقع في اختصاص المجتمع الدولي..

اليوم يتولى هذا المجتمع الدولي، نيابة عن إسرائيل ومن أجلها، مهمة تدجين إضافية للعمل الوطني الفلسطيني ومن يواصل رعايته أو تأييده من الدول العربية، وهو قليل جداً، وذلك عبر الإشراف على إعادة تشكيل «السلطة»، وهي مهمة فرضتها حرب التدمير التي شنتها إسرائيل على غزة فهدمت بيوتها ومدارسها ومستشفياتها وقتلت وجرحت الآلاف من أطفالها ونسائها ورجالها، دون أن تستطيع القضاء على روح المقاومة فيها، بل لعلها قد أعطتها دافعاً هائلاً عندما أكدت بوحشيتها أن السلاح الوحيد والفعال الذي يملكه الفلسطيني هو دمه...

لقد أدارت دول العالم كلها، بما فيها معظم الدول العربية، وجهها إلى الجهة الأخرى، فلم تتدخل لوقف المذبحة، بل تركت إسرائيل تطارد بطائراتها ودباباتها وصواريخها وقنابل الفوسفور كل أبناء الحياة وكل أسباب الحياة في غزة، على امتداد اثنين وعشرين يوماً بلياليها.

... تماماً كما أدارت وجهها من قبل ومن بعد، عن استمرار إسرائيل في مصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، لبناء مزيد من المستعمرات تمهيداً لاستقدام المزيد من وحوش المستعمرين حتى قارب عددهم ـ حتى هذه اللحظة ـ المليون، إذا ما احتسبنا الذين صادروا بعض أحياء القدس وضواحيها والذين تتزايد أعدادهم يومياً.

ولقد كانت النتيجة السياسية في إسرائيل أن الناخبين قد اندفعوا إلى أقصى العنصرية فمهدوا لقيام أكثر الحكومات «يمينية» في تاريخ هذا الكيان، بالتحالف بين نتنياهو وليبرمان، وهي رسالة يفهمها الفلسطينيون جيداً: التحلل من جميع الاتفاقات والتفاهمات البائسة التي كانت قد توصلت إليها «السلطة» مع الحكومات الإسرائيلية السابقة، وتحت رعاية الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية وضمنها خريطة الطريق (التي تؤدي إلى التيه) والتعهدات بدولتين تمنع أولاهما ـ وهي القائمة وبقوة أسطورية ـ احتمال قيام الأخرى، ولو «رمزية» وعلى بعض البعض مما تبقى من أرض فلسطين بعد إنجاز مشروع المستعمرات الذي لا يستطيع أحد أن يحدد مداه وموعد إنجازه.

... إلا إذا افترضنا ما هو منطقي من أن المقصود به الاستيلاء الكامل على الضفة الغربية وحصر الفلسطينيين في قطاع غزة، ومن فاض منهم فإلى ديار الشتات..

وفي حين تفيد الأنباء بأن ممثلي الأطراف الفلسطينيين، قد قاربوا الوصول إلى توافق على صيغة «السلطة» مستقبلاً، فإن واقع الأمر أن القاهرة (وعواصم عربية أخرى) تسعى للحصول على موافقة أميركية صريحة وعلى عدم ممانعة أوروبية في قيام مثل هذه «السلطة».

... وإلا فلا مال، ولا اعتراف، ولا دعم، ولا مجال لإعادة إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية في غزة، ولا قدرة على منع إسرائيل من الاستمرار في نهش أراضي الضفة الغربية بمزيد من المستعمرات!

إن الحوار فلسطيني في القاهرة، أما القرار ففي العواصم البعيدة التي كلما ذكرت فلسطين تذكرت إسرائيل، وكيف يمكن تأمينها وتعزيزها بأسباب القوة المؤهلة لأن تسحق «الماضي» وحقوق أهل الأرض في أرضهم التاريخية: شعب فلسطين.

والتمني ألا يكون «العرب» شهود زور على هذه المذبحة الجديدة التي تنظم ضد حقوق الفلسطينيين في أرضهم، فيسلِّمون ـ مجدداً ـ بقيام «سلطة» عاجزة وتافهة لا هي قادرة على حماية الحاضر ولا هي مؤهلة على المساهمة في صنع المستقبل... حتى لو أغرقتها الدول بالدولارات التي تستهدف شراء التاريخ والجغرافيا ودماء آلاف آلاف الشهداء في آن معاً.