خبر أوروبا تبحث عن حل لفلسطين ..د. عبد الستار قاسم

الساعة 09:01 م|17 مارس 2009

صحيفة الخليج الإماراتية

 

لم تنجح بعد كل الحلول التي طُرحت بشأن القضية الفلسطينية، والأفكار الكثيرة والمتنوعة حول المقاربات والحلول لم تفلح. حاول الأوروبيون الدخول على خطوط البحث عن حل، لكن دورهم، أو أدوارهم، بقيت محدودة الأثر، واقتصرت مهامهم في الغالب على تسديد الفواتير من خلال أموالهم أو أموال غيرهم. لم يغب الأوروبيون عن الساحة، لكن رؤاهم المستقلة بقيت مكبوتة أو غائبة عن طاولة المداولات السياسية الجادة.

 

ربما يظن الأوروبيون الآن أن غياب بوش يعطيهم فرصة للململة وطرح أفكار جديدة قد تؤدي إلى إنهاء النزاع العربي "الإسرائيلي"، هذا إن اتفقوا جميعاً على رأي واحد. وكما يبدو وفق ما أستطيع أن أستشف من أكاديميين ونشطاء أوروبيين أن الاتحاد الأوروبي يناقش الآن فكرة إلصاق "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية بالاتحاد الأوروبي أو قبولهما عضوين في الاتحاد. الفكرة لم تتبلور بعد، لكنها لا تزال تخضع للنقاش والجدل.

 

هناك من الأوروبيين من يقول إن قبول "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية عضوين في الاتحاد الأوروبي سيحل عدداً من القضايا المختلف عليها بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" مثل:

 

1- تطمئن "إسرائيل" إلى أن رقابة الاتحاد الأوروبي لما يدخل ويخرج إلى أراضي السلطة الفلسطينية بخاصة في ما يتعلق بالأسلحة والمواد التي تدخل في تصنيع المتفجرات. أي أن الاتحاد الأوروبي سيفرض نوعاً من الوصاية (ما فوق الترتيبات الأوروبية البينية) على حركة البضائع إلى السلطة الفلسطينية.

 

2- يطمئن الفلسطينيون إلى حرية الحركة على اعتبار أن الحركة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ليست مقيدة، مما يعني أن الحواجز العسكرية "الإسرائيلية" ستزول، وسيصبح بإمكان الفلسطيني أن يتحرك بسهولة داخل أراضي السلطة الفلسطينية وخارجها.

 

3- "إسرائيل" ستحظى باعتراف الأمر الواقع الذي يفرضه الاتحاد، ولن تكون عندئذ مسألة الاعتراف القانوني من جانب كل الفلسطينيين مسألة ضرورية.

 

4- الاتحاد الأوروبي سيصبح جسماً واحداً في مواجهة ما يسمى "الإرهاب"، وأن أوروبا ستكون مع "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية في مواجهة "حماس" وغيرها من الفصائل الفلسطينية الرافضة للاعتراف ب"إسرائيل".

 

5- وضع الفلسطينيين الاقتصادي سيتحسن نتيجة الانفتاح الاقتصادي، وسيتمكن فلسطينيون عاطلون عن العمل من الحصول على عمل في الدول الأوروبية، وهذا من شأنه أن يحشد مزيداً من الفلسطينيين ضد فصائل المقاومة، ويقوي دعائم سلطة حركة فتح والحكومة الفلسطينية.

 

6- سيرى الفلسطينيون علمهم يرفرف في العواصم الأوروبية، وهذا بحد ذاته تعبير عن سيادة معترف بها دولياً.

 

هذه بعض الأفكار التي يجادل بها أوروبيون الآن، والتي يمكن أن تشكل حلاً يقبله الطرفان العربي و"الإسرائيلي". لكن هذا ينطوي على عقبات سيثيرها الجانبان المعنيان بالحل. من ناحية "إسرائيل"، المشكلة الأولى في أنها لا يمكن أن تعهد بأمنها إلى أحد خارج ذاتها. "إسرائيل" ممكن أن تقبل مساعدة أمنية خارجية، إنما تحت إشرافها هي ووفق ترتيباتها ورؤيتها، والمعايير الأوروبية في تحقيق الأمن تختلف كثيراً عن المعايير "الإسرائيلية" التي تتبنى دائماً فكرة العقاب الجماعي. "إسرائيل" لا تطمئن للرقابة الأجنبية والعقوبات التي يمكن أن تفرضها حتى لو كانت أمريكية خالصة، وهذا كان واضحاً في ترتيبات معبر رفح حيث أصر "الإسرائيليون" على الوقوف على تفاصيل ما يدور على المعبر من خلال أجهزة الرقابة الإلكترونية مع وجود أوروبي.

 

وبالنسبة للفلسطينيين، هناك النقاط التالية:

 

1- يضع هذا التصور الفلسطينيين تحت وصاية أوروبية دائمة لأن الأفكار المطروحة لا تتعامل معهم كما يتم التعامل مع دول الاتحاد الأوروبي. مطلوب أن يخضع الفلسطينيون للرقابة المستمرة، وأن تجتمع دول عديدة لحماية إجراءات الرقابة وتطبيقها.

 

2- هذه الأفكار لا تأتي على ذكر اللاجئين الفلسطينيين. ومن المداولات التي علمتها، يتجاهل الأوروبيون حق اللاجئين في العودة، ولا يذكرون مشكلتهم على أنها جزء من حل شامل للقضية الفلسطينية. وقد سألت فيما إذا كان بإمكان اللاجئ الفلسطيني أن يحصل على جواز سفر فلسطيني، ويتحرك بحرية في دول الاتحاد الأوروبي كما يتحرك الفلسطيني المقيم في غزة والضفة، وجاءني الجواب بالنفي.

 

3- هذا حل اقتصادي في مختلف أبعاده، وهو لا يحل المشاكل المتعلقة بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني وهي حق العودة وحق تقرير المصير. الحل يعالج لقمة الخبز فقط، لكنه لا يعالج قضايا أخرى متعلقة بحق تقرير المصير مثل الحدود المفتوحة مع الدول العربية، والتمثيل الدبلوماسي الحر، والمناهج الدراسية الحرة، والجيش الذي يدافع عن الأمن الوطني.. إلخ.

 

4- التصور لا يأتي على ذكر المعالجة القانونية للحقوق الفلسطينية في الأرض المحتلة عام 1948. فمثلاً أنا من الذين لهم ملكيات في تلك الأرض، وأملك الوثائق التي تثبت ملكيتي، فهل سيكون لي الحق بالمطالبة بحقوقي ضمن إطار الاتحاد الأوروبي؟ وإذا ثارت هذه المسألة، هل ستوافق "إسرائيل"؟

 

5- هل سيحترم الأوروبيون قواعد الديمقراطية، وسيقبلون بنتائج أي انتخابات يمكن أن تحصل على الساحة الفلسطينية؟ الأوروبيون لم يحترموا نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية. ومن المحتمل أن تأتي انتخابات قادمة في ظل رؤيتهم بأناس يتمردون على الترتيبات الموضوعة، فهل سيكون لإرادة الناخب الفلسطيني شأن؟

 

الأفكار المطروحة لا تجيب عن الكثير من الأسئلة، لكن يبدو أن همها الأكبر هو ترسيخ فكرة الاعتراف ب"إسرائيل"، وتحويل الشعب الفلسطيني إلى مجرد أفراد يبحثون عن لقمة الخبز.