خبر أخي محمود وجلعاد شاليت ..بقلم: نائلة خليل

الساعة 08:39 م|17 مارس 2009

      

من الـمؤكد أنه لا توجد أيّة علاقة بين أخي محمود والجندي الأسير جلعاد شاليت، لأسباب كثيرة ليس أولها أننا نسكن مخيم بلاطة وعندنا (كرت مؤن)، وشاليت يسكن الجليل الـمحتل ومعه جنسيتان إسرائيلية وفرنسية، وهو من معسكر الاحتلال، ونحن من الـذين يرزحون تحت الاحتلال.

 

شاليت اعتقل في عملية الوهم الـمتبدّد التي قامت بها حركة حماس، فيما اعتقل أخي محمود في عمليات الكابوس الـمتجدد التي تقوم بها إسرائيل يومياً في حارات مخيمنا.

 

لكننا في البيت وجدنا علاقة غريبة بين الاثنين تثير سخريتنا أحياناً، وأصبحنا نستخدمها مثل حبة الأسبرين الـمسكنة لأمي، العلاقة هي أن أخي محمود اعتقل في اليوم نفسه الذي أسرت فيه حركة حماس شاليت، أي يوم الأحد 25 حزيران 2006، وهما يبلغان العمر نفسه.

 

وفي أول زيارة لأمي لسجن (مجدو) منذ عام مازح محمود أمي قائلاً: "يمة ادعي لشاليت عشان أطلع أنا، هيك حكالي الضابط في التحقيق" وضحك الاثنان بطريقة أثارت حفيظة الجنود والأسرى معاً، فما معنى أن تضحك أم وابنها اللذان يفصلهما زجاج سميك في أول زيارة لابنها الأسير.

 

محمود أخبر أمي في زيارتها الأولى "أن ضابط التحقيق أخبره صبيحة يوم الاثنين 26 حزيران 2006 ساخراً "شوف إمبارح أنتو أخذتو شاليت، والفجر إحنا أخدناك، بنروحك لـما يروح شاليت".

من يومها ونحن نقول لأمي سيخرج محمود مع شاليت، الكلـمة التي بدأت بسخرية ضابط التحقيق، أصبحت مثل نكتة يومية في بيتنا، عندما نسمع أي خبر عن صفقة شاليت نقول "قرّب الفرج يا محمود" ونضحك، لكن أمي أخذت الـموضوع بجدية، لذلك لا يجوز أن يمزح أحد مع أمهات الأسرى وتحديداً في موضوع الفرج القريب!!.

 

عندما أريد أن أهون على أمي اعتقال شقيقيّ أحمد ومحمود أقول لها "على الأقل أنت وضعك أحسن من وضع أم شاليت، عندك اثنين في السجن بديروا بالهم على بعض، مش زي هديك الحزينة (أفيفا) ابنها عند أهل غزة لحاله، أكيد زهق من أكل الشطة والدقة، ولـما يطلع راح يحكي غزاوي"، تضحك أمي وفي الوقت نفسه تمسح دموعها.

 

وأحياناً أقول لها: "احمدي الله؛ لأنك انجبت سبعة أولاد وأربع بنات، مش زي أم شاليت ما فيه غير هالولدين والبنت، واحد منهم عند حماس كمان".

 

السخرية أصبحت سلاحنا الوحيد في البيت حتى نحتمل اعتقال أحمد ومحمود اللذين أصبحا صورا على الجدار، نسخر حتى من ألـمنا حين نفتقدهما على طعام أو في لـمة عائلية، أو عندما نبدأ تخيل كيف تغيرا خلال العامين الـماضيين، وأيضاً لا نملك غير السخرية الـمرة، نسخر من أحمد وحظه العاثر فبعد ثلاث سنوات من مطاردته وسبع إصابات، اعتقل يوم عيد ميلاده في 20 شباط 2006 بعد اجتياح البلدة القديمة في نابلس واستشهاد صديقه أحمد أبو شرخ، نحن حالياً نحتفل بعيد ميلاده وذكرى اعتقاله في اليوم نفسه، والأسوأ أنهم حكموه بالسجن أربعة عشر عاماً في عيد الأم 2007.

في ذاك اليوم خرجت أمي لـمحكمة سالـم في الرابعة صباحا، وانتظرت ساعات على البوابة قبل أن يخضعها جندي تافه لتحقيق تافه حول اسمها وعلاقتها بالجهاد الإسلامي، لأن اسم أمي هو "جهاد"، وهي ترد عليه "بقلك هاد اسم زي ها الأسماء" وهو من كل عقله يريد إجابة "يعني جهاد إسلامي؟"، حتى جاء أحد الجنود الدروز وحل الـموضوع وهو يضحك بسماجة، الـمهم دخلت أمي الـمحكمة وهي تتمتم بكل ما تحفظ من قرآن، لدرجة أنني اعتقدت بأنها ختمت الـمصحف، وبعد حكي كتير باللغة العبرية بين الـمحامية والقاضي حكمو عليه بالسجن، وخرجت أمي تشهق بالبكاء.

 

أما محمود المصاب بـ(دمدم متفجر) بقدمه اليمنى ولا يزال يحتاج الى اكثر من عملية جراحية، فبعد اعتقاله الـمتزامن مع شاليت، حكم بالسجن في يوم عيد العمال 1 أيار، ومنذ ذلك اليوم وأنا أقول لأمي "أولادك عبارة عن مجموعة صدف مش سعيدة".

 

الـمهم أكثر ما أغاظني من يومين هو عندما حدثتني صديقتي الحيفاوية هبة كيف أصبح شاليت بطلا في إسرائيل، وقضية قومية وصوره في كل مكان، قلت لها "إذا ع الصور في عنا ألوف في السجن، وألوف في القبور بس ما حدا بتحرك عشان حدا، وبطلنا نعرف وين القضية".

 

أكثر ما يغيظني هو تصريحات والد شاليت ناعوم الذي قارن بين السجون الإسرائيلية التي تسمح بالزيارة وتعطي الـمعتقلين الفلسطينيين حقوقهم، وبين ابنه الذي لا يستطيع زيارته ومحروم من حقوقه كمعتقل ــ يعني أهل شاليت ممنوعون أمنيا من زيارة ابنهم ــ أكيد السيد ناعوم ما بيعرف أن أي أم أسير يلزمها ع الأقل 19 ساعة لتزور ابنها وتخضع لتفتيش مهين يبدأ بالشعر ولا ينتهي بالـملابس الداخلية وأن الحجة أم شاليت لا تحتمل كل هذه الـمعاناة، هذا ناهيك عن الوقفة ساعات في طابور الصليب الأحمر التي تنتهي غالبا بـ "ممنوع من الزيارة لأسباب أمنية"، وبعدها تنهار أعصاب الأمهات ويبدأن بصب غضبهن على أول شخص يرينه وعادة يكون موظف الصليب أو سواق التاكسي أو أحد الأولاد الـمرافقين لها، يعني كل واحد وحظه.

 

وأنا لا ألوم أم شاليت عندما تبكي شباب ابنها على تلفزيون إسرائيل وتطالب الحكومة الإسرائيلية بكل قوة "أريده في البيت اليوم، اليوم"، بل أحسدها لأن جارتنا أم أمير ذوقان الذي حكم ابنها أمير بـ"كمشة" مؤبدات ربما خمسة، وابنها عرابي الـمحكوم بـ (18 عاما) لا تستطيع أن تقول مثلها لأنه ببساطة يمكن يفكروها فقدت عقلها، حتى جارتنا أم جبر "خالتي نعمة" القوية والجميلة لـم تعد كذلك عندما اعتقلوا ابنها أحمد (20 عاما) العام الـماضي، وحكموا عليه بالسجن عشر سنوات، قال لأمه في الـمحكمة "خدي رجعي الدبلة لخطيبتي حرام تنتظر كل هالـمدة"، روحت خالتي نعمة عالبيت وقبل ما ترجع الدبلة أجتها جلطة ع الدماغ.

 

قلت أحسدها أقصد أم شاليت لأن هناك من يسمعها، ولأن ابنها بات أغلى جندي في العالـم، قتلوا غزة ودمروها لأجل عينيه، اليوم حكومة بأكملها لا تغمض لها جفن تفاوض لتعيده لحضن أمه.

 

نحن اليوم ننتظر خروج محمود من السجن ليس في بادرة حسن نوايا أو صفقة مع "حماس"، ننتظره في 26 نيسان 2010، لأننا مثل عائلات آلاف الأسرى تعلـمنا الدرس "أمل جهيض ... جنازة في القلب".

 

* صحافية فلسطينية- رام الله.