خبر في الذكرى الأولى لاستشهاده.. حسن شقورة في قلوب محبيه وللحبيبة أمل حديث آخر

الساعة 10:20 ص|16 مارس 2009

فلسطين اليوم- كتبت: زوجة الشهيد أمل الحجار

وسط الزغاريد والتهاليل وأنين الثكلى جاءوا بجثمان حسن الطاهر ليلقي ذويه وأحبائه نظرة الوداع عليه وتقول له والدته:"فتح عينك يما..هي أمل حبيبتك" ليفتح حسن عيناه ورائحة المسك تفوح من جسده المخضب بالدماء والنور يسطع من وجهه الملائكي وبسمة الحب ترتسم على شفتيه الممزوجة بالفرحة للقائه برب العزة وبما وعده الله فيه والحزن والألم لفراق أحبته..

فاقتربت منه أكثر فأكثر وأمسكت نفسي عن البكاء كي لا يحزن حسن لأشعر بأنفاسه الدافئة وهو مسجى على النعش حتى اعتقدت أنه ما زال حيا، ومر بي شريط الذكريات كلمح البصر وصارت الصور تقفز من رأسي مرة واحدة عندما كان حسن يرتشف الشاي ويحتسي الطعام ويجلس أمام الكمبيوتر يصمم لي التصاميم الفنية وسهره لمزاولة عمله من تصميم وبرمجة بعض المواقع الالكترونية ومتابعة أخبار المجاهدين، ويودعني بابتسامة ساحرة وقبلة رقيقة يطبعها على يدي أثناء ذهابه إلى العمل حيث كان لا يخرج إلا إذا خرجت إلى باب البيت كتوديع المسافر لحبيبته..

وبعد ذلك تراجعت إلى الوراء كي يودعه بقية أحبائه وعندما عدت لأودعه مرة أخرى تفاجأت بعيون حسن مسبلة وبمجرد رؤيتي مرة أخرى فتّح عينيه لي؛ لأسافر أنا وهو من لا مكان ولا زمان من نبع الحرمان دون أن يشعر بنا أحدا ويدور بيننا حوار خفي:

أمل:ها أنت يا حسن تغادرني وتتركني وحيدة في دنيا الآلام والمتاعب.

حسن: كلا حبيبتي.. لم أتركك.. سأبقى دوما معك كما عاهدتك ولن أتركك أبدا.. قد أكون غادرت بجسدي ولكنني سأبقي معك حيا بروحي.

يستعجل المشيعون في نقل جثمان حسن ويقطعون الحوار بيننا فيقول لي حسن: كم كنت أتمنى أن نكون في تلك اللحظات سويا لوحدنا، ثم يغامر حسن ويدفع جسده من فوق النعش بقوة سحرية لم يلحظها أحد، ويسقط بين ذراعي وتسيل دماء دافئة من أنفه ولم أعرف كيف حدث ذلك سوى أنني شعرت بطير الحسون يرفرف فوق يداي دون أن أشعر بثقل وزنه وكأنه يضمني ويقول حبيبتي.. حبيبتي لا أريد مفارقتك.

 

كم أوجع قلبي وأحرق دمي هذا المشهد وهز كياني وكأن روحي ذهبت مع حسن لتخونني عيناي وأنفجر في البكاء وأقول له وداعا وداعا يا حبيب الروح وحال لساني لا ينبض إلا بكلمتين "الحمد لله ولا إله إلا الله".

لحظات الوداع كانت نهاية الحكاية.. نهاية الحلم.. هاهم يرفعون النعش ويأخذونه من أمامي ليكون آخر مشهد بيني وبينه؛ واستفيق من حلم جميل لم يتجاوز العامين، حيث قصة حب أبدية أضاءها الوفاء والإخلاص والتفاهم والثقة.

لقيا الأرواح:

وتبدأ قصة أخرى عنوانها "لقيا الأرواح"، ففي هدأة الليل وسكونه جلست استذكر الحلم الذي جمع الأميرة أمل بالشاطر حسن بدءً من دخول اسمها قلبه الذي جذبه قبل أن يراها  عندما كان يتصفح صحيفة الاستقلال ويبدأ إعجابه بها، ليغامر بذكائه ويخطفها على حصانه الأبيض.

وبينما أنا جالسة على حاسوبنا أقلب في صور وتصاميم وأعمال حسن، أحدث نفسي قائلةً:"هكذا فارقتني يا حسن ودموعي لم تفارقني ..أصبحت وحيدة في هذه الدنيا ...لا أملك سوى ذكريات أتنفس منها بقية حياتي"..

حضر حسن بروحه المعطرة برائحة المسك وجلس أمامي مبتسما قائلا:"كلا حبيبتي لا تخافي.. لن أتركك أبدا، سأكون معك دائما، ومنذ لحظة استهدافي بأول صاروخ طائرة استطلاع صهيونية بمساعدة الموساد وجراحي الخطيرة في ظهري لم أكن أفكر في غيرك وكنتِ همي الوحيد، لتأتي الضربة الثانية ويستهدفوني بصاروخ آخر لأصاب في رأسي وتصعد روحي إلى بارئها، و بالرغم من فرحتي التي لم تسعني إلا أنه كم يؤلمني فراقك حبيبتي، فإن كل همي هو أنت حبيبيتي.

 أمل: يااااااااااه يا حسن.. ليت روحي صعدت معك، ولكن قل لي "كيف أنت والحور"؟

 حسن:هههه إنهن أجمل ما يكون .. ولكنهن "زعلانات" مني؟

 أمل: ولماذا يا حسن؟

 حسن:لأني لا أريد سواك أميرتي.

 أمل: يا لوفائك وإخلاصك لزوجتك يا حسن.. وكما وعدتك بوفائي لك سأبقى على عهدي ورغم الآلام والجراح سأتخطى الصعاب.

 حسن:نعم حبيبتي ستواجهين العديد من المشاكل والمتاعب من بعدي ولكنه تذكري أنك بعين الله، وأن الله سيخرجك من كل ضيق بأمره، وسأوصيكِ بالصبر "وما الصبر إلا ساعة" وحذاري من كلام الناس" فإنه يأوي إلى الهلاك.

 أمل: ماذا عسانى أن أقول ففي القلب مشاعر تعجز عن نقلها السطور، لقد اغتال العدو الصهيوني حلمنا في العيش سويا في بيت جميل يحفه أسرة صغيرة سعيدة ملؤها الإيمان وحفظ القرآن، يصنعون المجد والحياة، يجاهدون في سبيل الله، ولكن القدر لم يشأ.

 حسن:لا عليك حبيبتي، لقد حجزت لك قصرا في الجنة أنت أميرته، ولنا أطفال جمال لم أرى لهم مثيل من قبل وجميعنا ننتظرك، هذا غير عرسنا الذي سيكون أجمل بكثير من زفتنا في الدنيا والحور العين من حولنا تزفنا بحضور والديّ العزيزين الذين سألبسهما تاج الوقار.

 صدق الله فصدقه:

 أمل: "أبا إسلام" ما أجمل يوم كان في حياتك؟

 حسن:أبصرت النور في مشروع بيت لاهيا بعدما اغتصب العدو الصهيوني أرضي وطرد عائلتي من مدينة المجدل المحتلة عام 48، وعانقتني الحياة المتلاطم بأوجاعها وكبرت وكبر في قلبي مأساة وطني المشرد وقضيتي حيث العدوان الصهيوني المتواصل بحق أبناء شعبني ونهب مقداستنا وسفك دماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا وقصف بيوتنا وتجريف أشجارنا، إضافة إلى الحفريات تحت المسجد الأقصى ليلا نهارا والجميع غافلا عنها، ناهيك عن طفولتي التي اغتالها العدو وأحلامي وطموحاتي التي حطمها فكيف أغفو عن فلسطين إزاء ذلك!!!! فحاربت بكل ما أملك.

 وبالرغم من معاناتي مع الاحتلال إلا أنه كنتِ أنت أملي في الحياة ودفعة أكثر للنجاح في حياتي العملية والمهنية، ويوم عرفتك وارتبط بك كان أجمل أيامي... كنتِ بالنسبة لي كل شيء..كم تتصوري فرحتي وقتها لدرجة أنني صليت ركعتين شكر لله. ...

 أمل:لقد حقق الله أمنياتك في الزواج بمن دخل قلبك والشهادة في سبيله يا"أبا إسلام" لأنك صدقت الله فصدقك وكان رحيلك رحيل مستقبل زاهر.

حسن الخلق:

 حسن:"أميرتي" أريد أن أسألك سؤال لطيف.. ما أكثر شيء كان يعجبك فيّ؟

 أمل:لا اعرف بماذا أوصفك يا حسن، والله إن الكلمات لتعجز وتذوب عن وصفك.. فأصفك بالمخ الالكتروني أم المهندس الطموح أم المبرمج المبدع أم المصمم المرهف أم المصور البارع أم الرجل المتواضع الذي ربى على يديه قادة ولكنه لم يكن في يوم ما يحب المناصب.

 لقد كنت حسن الخُلق والخَلق والمظهر، طموحا لحد الإصرار، فكانت لا تغمض لك جفن قبل أداء عملك والانتهاء منه، ذكيا لحد الإبداع، مرهف الحس.. دقيق الإدراك، شجاعتك وقوة شخصيتك، عقلك الذي يفوق سنك بكثييير، مقداماً واثقاً بنفسك، ابتسامتك الحالمة التي لا تفارق شفتاك ومداعبتك للجميع بها، خفة الظل التي كنت تتمتع بها، كرمك وعطائك المتناهي بلا حدود دون أن تنتظر مقابل من أي أحد، أمعاملتك الطيبة لزوجتك وحنانك ومفاجئاتك الجميلة لها بمناسبة وبدون مناسبة، برك بوالديك "تخفض لهما جناح الذل من الرحمة"، ودَك لأخواتك وعطفك على الأطفال والأيتام وزوجات الشهداء، جرأتك وحياءك وتدينك، ذكائك الالكتروني وطموحك الرفيع..

 

كنت رافضا للظلم تتصدى للمواقف المتخاذلة وتقول الحق "لا تخاف في الله لومة لائم"، أدبك في كل شيء، غيرتك "الحرورية" على دينك ووطنك وعرضك، كنت رجل الوحدة في زمن الانقسام تتعامل من حركة الجهاد الإسلامي وفتح وحماس ولجان المقاومة الشعبية...

"أبا إسلام" كنت الرقم الصعب في كل شيء، وخسرتك المقاومة بالفعل لا سيما دورك في تطوير منظومة صواريخ المقاومة ولو تم استغلالك أكثر لأبدعت أكثر وطورت الصواريخ أكثر، ولن أنسى كلمتك لي يأن العدو الصهيوني لا يمكن له تحصين نفسه وصنع مضادات لصواريخ المقاومة ولن ينجح أبدا، والواقع يؤكد بالفعل صحة كلامك، كما لن أنسى حرقة دمك وغضبك وإصرارك على الرد لدماء ثلاثة من مجاهدي سرايا القدس اللذين اغتالتهم قوات العدو الصهيوني في الخليل وبيت لحم، وكلماتك في أيامك الأخير:"إن لم نرد على دماء الشهداء والمجاهدين فمن سينصرهم".

 حسن..إن لم يكرمك الله بالشهادة لأنك كنت في ساحة المعركة تعمل فإن الله كان سيكرمك بها لحسن أخلاقك ورفعتها.

 

كل ذلك جعلك محبوبا عند الجميع و هذا ما بدا ظاهراً خلال تشييع جثمانك الطاهر، وذكراك الخالدة المعلقة في قلوب كل محبيك وكل من عرفك ومن لم يعرفك.

 وفائه لزوجته حتى بعد استشهاده:

 حسن: كم كنت أتمنى أن تنجبي مني طفلا حتى يبقى الرابط بيننا بعد استشهادي وتكوني لي وحدي.

 أمل: سأظل على عهدي ووعدي لك يا حسن وأسأل الله أن يجمعنا سويا في جنان الفردوس الأعلى بصحبة النبي عليه الصلاة والصلاة والصديقين والشهداء.

 ففي مرايا ذاكرتي يرتجف قلبي بين الضلوع أغفو على حلم وأصحو على حلم..ألقاك كل لحظة والثانية أتنفس حنينا ولوعة اشتياق..أناديك وأقول كم أنني فخورة بك وبحبك لي يا حسن، ولن أنسى تصاميمك التي غلب عليها اللون الأزرق بعدما عرفت أنني أحبه فصممت موقع سرايا القدس والأسرى للدراسات وإذاعة القدس ونداء القدس والاستقلال وفلسطين اليوم والعديد العديد من المواقع التي صممتها باللون الأزرق.

 ولم ينته الحب الشديد الذي كنت تخص به زوجتك بعد رحيلك بل على العكس، فكنت أنا أول من شمّ رائحة المسك بعد مواراة الثرى عليك بعد ما يقارب الثلاث أو الأربع ساعات.

 ولن أنسى يا حسن تعاوننا الشديد في العمل لدرجة تواصل العمل الصحفي بيننا حتى بعد رحيلك، عندما استهدفت طائرات الغدر الصهيونية صديقك نضال شقورة قبل حفل تأبينك وقبل أن يعلن عن الخبر لا أعرف كيف جاءني إحساس بأن هو المستهدف نضال، فأسرعت إلى متابعة إذاعة صوت القدس لتأكد من صدق إحساسي ليبدأ كل ما هوا في داخلي يتحقق، حيث قالوا في البداية أن المستهدف مجموعة من سرايا القدس وبعد ما يقارب الربع ساعة قالوا بأن المستهدف نضال، وأنه أصيب بجراح خطيرة، وحينها شعرت بك يا حسن بأنك ما زلت حيا وتواصل معي العمل الصحفي ونشر الحقيقة بروحك رغم أنف العدو الذي اغتالك وأنت تمتشق كاميرتك الرقمية.

 ليتواصل هذا الإحساس يوم استشهاد نضال، حيث كنت أتحدث مع إحدى أقربائك وكنت أقول لها نضال لن يطول عمره وسيتشهد اليوم أو غدا أبو بعد غدا ثم أواصل حديثي لها وأقول:"نضال سيستشهد اليوم وما هي إلا ساعة أو ساعتين أسمع بعدها نبأ استشهاده متأثرا بجراحه التي أصيب بها في الغارة الصهيونية".

 هذا غير الرؤى التي أتيت بها لأحبائك ومن عرفتهم ومن لا تعرفهم، فتارة تخبر أحدهم بأنك ستأتي لكل من يعرف أمل حتى لو كانت معرفة سطحية وتارة ترسل لي السلامات، وتارة تخبرهم بمدى حبك الشديد لزوجتك وأنك ستتابع كل ما يحدث لها، وغضبك من كل من يؤذي زوجتك وسعادتك لكل من وقف بجانبها، إضافة لاحتفاظك بصورتي عندك في جنات الفردوس..

وما أكد لي ذلك أن الصورة نفسها التي تحتفظ بها تفاجئت بعد استشهادك بأيام بتفكيكها ولم أعرف ما السبب واستغربت من ذلك، إلا أنني أتفاجئ بعد أيام بأحد أحبائك يخبرني أن تلك الصورة أخذها حسن عنده في جنات الفردوس الأعلى، وقد شاهد تلك الصورة أكثر من شخص، هذا غير الكثير من حبك ووفائك لزوجتك بعد استشهادك والذي سأتحفظ عن ذكره أيضا.

 كرامات عديدة:

 حسن: آه يا أمل لو تعرفي بما أكرمني الله واه كم أتمنى أن تكوني معي بما أتنعم.

 أمل:آآآآه.. لم يبرد نار قلبي سوى كراماتك الكثيرة والتي سأتحفظ على ذكر بعض منها، والتي كانت منها:

 * إشاعة النور من وجهك ونومتك الملائكية، حيث قال الطبيب الذي أشرف عليك في المستشفى:"إنني لم أرى في حياتي شهيدا يخرج من بين عينيه شعاع نور، ورجعت للوراء تلقائي من شدة النور الذي خرج من الشهيد حسن شقورة".

 * تصبب العرق من جسدك وخاصة كتفيك ومن وراء ظهرك.

 * رائحة المسك التي فاحت من جسدك أثناء تشييع جثمانك الطاهر وتوديعك، والتي دخلت عدد من البيوت التي مر جثمانك من شارعها، والتي كانت تخرج من زوجتك ووالدتك الحبيبة وجدتك الصابرة وأختك.

 * رائحة علم الجهاد الإسلامي الذي لف به جثمانك التي ما تزال مليئة برائحة المسك بقوة حادة.

 * رائحة المسك القوية التي شمها كل من شاهد مواراة الثرى عليك بالرغم من بعد المسافة نسبيا.

 * تحليق عدد من الحمامات بيضاء اللون في السماء أثناء تشييع جنازتك.

 * استمرار رائحة المسك في يدي وعباءتي اللتان خضبتا بالدماء أثناء سقوطك بين ذراعي مدة طويلة، لتخبرني إحدى زميلاتي وزميلاتك باستمرار رائحة المسك في يداها التي لمست عباءتي لمدة ثلاثة أيام بالرغم من غسلها عدة مرات.

 * استمرار فوحان رائحة المسك والعنبر والبخور بالرغم من مرور عام على استشهادك.

 * خروج رائحة المسك من الأماكن التي كنت تجلس فيها كثيرا برفقة صديقك الشهيد محمد الشاعر ونضال شقورة ومحمد نافذ الهندي ومن بيت بعض أحبائك وثيابهم وثياب.

 * فوحان رائحة المسك من ثياب زوجتك وخزانتها.

 * فوحان رائحة العطر التي كنت تحبها، وانبعاث رائحة المأكولات التي كنت تبحها كالكعك وبعض أنواع الحلويات.

 * رؤية حسن في الجنة مع الرسول عليه الصلاة والسلام.

 * تفتيح عينيه لزوجتك وتحريكها لأصدقائك وأحبائك وزملائك في المسجد أثناء الصلاة عليك لترى أصدقائك الذين أتوا لتوديعك.

 * دمك الذي ما زال ينزف من رأسك وظهرك  حتى آخر لحظة من مواراة الثرى عليك.

 * رجوع النعش للخلف أثناء خروج جثمانك الطاهر من باب المنزل لكي تودع وتلقي النظرة الأخيرة على إحدى أحبائك، والجميع لفت انتباهه ولاحظ هذا المشهد في شريط فيدو تصوير تشييع جثمانك.

 * فوحان رائحة المسك من دمائك الزكية التي غسلت الجاكت التي كنت ترتديها أثناء استشهادك.

  إرهاصات الشهادة:

 أمل: أتذكر يا حسن الأيام الصعبة التي مررت بها في أيامك الأخيرة من تعب وإعياء وضيق، وكنت أعتقد في البداية أن سبب ذلك هو تأثري بمحرقة جباليا وتغطيتي لها ليلا نهارا، وبالرغم من وقوفك بجانبي ومحاولاتك معي بكل الأساليب كي أتغلب على حالتي لكنه دون جدوى من ذلك، ولم أكن أعرف ما الذي أصابني وكأن قلبي يشعر برحيلك وروحي تريد أن تصعد مع روحك ولكنني لم أكن أعرف ذلك. ولا أعرف لماذا كان ينتابني شعور وأفكار غريبة فتارة أتخيل بيت عزاء في البيت لك ومثلما تخيلت تماما حدث، وتخيلت إصاباتك في إحدى قدميك وبالفعل كسرت رجلك اليمنى خلال اغتيالك، وكنت ألقى إليك نظرات طويلة وأحدث فيها نفسي قد تكون الأخيرة.

 وفي أيامك الأخيرة عندما التزمت بصلاة الفجر في المسجد بدأ الخوف ينتابني عليك أكثر وأكثر، وأيقنت بقرب رحيلك، حيث الرؤية التي قصصتها عليّا عندما كنت طفلا في العاشرة من عمرك ورأيت في منامك الشهيدين أنور الشبراوي وعلاء الكحلوت -الذي أخبرك بالرغم من صغر سنك بأنه سينفذ عملية قبل استشهاده بيوم وتفاجأت بتنفيذها بالفعل ثاني يوم- وأخبروك أنهما في الجنة فسألتهم وكيف أذهب مثلكما إلى الجنة فقالا لك التزم بصلاة الفجر في المسجد وستلحق بنا بإذن الله.

 وتلك الرؤية لم تفارقني أثناء التزامك في الفترة الأخيرة صلاة الفجر في المسجد..وفي إحدى المرات عندما صليت الفجر قبلك..في البداية خشيت من إيقاظك لتصلي صلاة الفجر في المسجد بسبب تراود الرؤية في ذاكرتي في كل يوم صليت فيه صلاة الفجر في المسجد، ولكنه خشيتي من الله منعتني من ذلك وقلت في نفسي:"إن العمر واحد وإن الرب واحد".

 إضافة إلى قلقي من الحلم الذي رأته والدك قبل استشهادك بما يقارب الأسبوع، حيث رأتك أنت ومحمد الشاعر وشاب آخر لم تعرفه وسمعت صوت يقول:"وأخيرا حسن وقع واقدرنا نمسكو". وبالفعل يا حسن كان اغتيالك عن طريق الموساد عندما كنت برفقة محمد الشاعر وباسل شابط الذي لم يحدد في الحلم نظرا لأنها لم تعرفه.

 ولن أنسى الرائحة الجميلة التي كانت تفوح منك وأنت نائم قبل أيام قليلة من رحيلك وكنت مستغربة جدا من ذلك، والنور الذي كان يسطع من وجهك والذي لاحظه كل من رآك في تلك الفترة، ولكنني لاحظت أنا ذلك أكثر فأكثر عندما كان جبينك ووجنتيك يسرجوا شعاعا منيرا؛ أتذكر يا حسن في الليلة الأخيرة عندما كان والدك برفقتنا وقلت لك :"أريد طفلا مثلك جميلا"، لأنني أيامها لم أرى جمالا مثلك".

 حسن: "أمولتي" لقد أكرمني الله بأطفال جدا حسان ومن شدة فرحتي أدمعت عيناي ، كم ننتظر مجيئك أنا وأطفالي".

 يبكي حسن ثم يتابع:"لقد حرمني الله منك يا أمل في الدنيا ولكن لقائنا في الآخرة سيكون أجمل وأعظم بإذن الله تعالى".

 قالوا عن حسن:

 أمل: لا عليك حبيبي....ما رأيك أن نسمع سويا ماذا قال عنك أحبائك وذويك؟

 حسن:هيا حبيبتي...

 والدك:رحيل حسن خسارة كبيرة ليس لديّ فقط بل لحركة الجهاد الإسلامي والشعب والقضية الفلسطينية، فكان يعمل ليلا نهار ولا يكل ولا يمل من خدمة شعبه ووطنه، في النهار يعمل في إذاعة القدس ويكمل عمله في البيت لخدمة الإعلام المقاوم، وكان يمتلك عدة مهارات لم تتوفر في أي شخص آخر جمعاء من برمجة وهندسة حاسوب وصيانة جوالات والتصميم بأنواعه وتصنيع صواريخ المقاومة والعديد من المهارات.

 والدتك: منذ نعومة أظفاره كان حسن الطفل ذكيا ذو عقلية خيالية واسعة، تشعر أنه رجل في أفعاله وتصرفات، لا يشاهد الرسوم المتحركة كبقية إخوته ، وكان يصفها بالتافهة.

 تميز حسن منذ صغره بذكائه الشديد ونشاطه وجرأته وترتيبه ونظافته وخفة ظله ومرحه ومداعبته للآخرين وحس الخلق وثقته بنفسه، وكان متفوقا في دراسته يحصل على شهادات تقدير من مدرسته لحصوله على المراتب الأولى ولنظافته وترتيبه.

 *خالد منصور أحد أبرز قادة سرايا القدس في قطاع غزة: في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد ثلاثة من أقمار سرايا القدس حسن و محمد وباسل ، فكم هو شرف عظيم ، أن أكتب اليوم هذه الكلمات التي لا تفي بحق من كتبوا بدمهم عز و كرامة الوطن.

 هؤلاء المخلصين المجاهدين، الذين عبدوا بدمهم الزكي الطاهر لدينهم و لأمتهم و وطنهم طريق المجد و الانتصار .

 

*صالح المصري "المدير العام في إذاعة القدس وشبكة فلسطين اليوم": حسن كان بمثابة الأخ والصديق والموظف الخلوق والمجاهد العنيد ... وبصراحة شديدة أنا لم أبكي على أي من أهلي وأصدقائي الشهداء كما بكيت على فراق حسن خسارة حسن بالنسبة لنا في إذاعة القدس خسارة كبيرة ولم نستطع حتى الآن أن نعوضها ...

 *رأفت حمدونة "مدير مركز الأسرى للدراسات" الذي بكاك كثيرا ولم يصمد عن الانفجار بالبكاء والذي وصفك بفارس الكلمة واللمسة الفنية الراقية:أعترف أن ما قدمه حسن للأسرى بانجاز موقع الأسرى للدراسات فاق المؤسسات الضخمة ذات الميزانيات اللامحدودة وبعشرات الموظفين، وأن لحسن في رقاب محبي الأسرى دين لن يجازيه بحجمه إلا الله عز وجل .

 *أبو أحمد الناطق باسم سرايا القدس: الشهيد حسن كان مجاهدا من الطراز الأول وجمع بين الكثير من المميزات التي جعلت منه نموذجا يحتذى،و يتمتع بخبرات ومواهب كثيرة في المجال التقني العسكري ، ولولا الدواعي الأمنية لذكرت كثيرا مما قام الشهيد بالمساهمة فيه من تصنيع وتطوير أفاد كثيرا العمل العسكري، وشكل رحيل حسن علامة فارقة في حياتي، حيث كانت تجمعني بالشهيد علاقة مميزة وكنت أشعر باني اعرفه من عشرات السنين مع أن علاقتي به كانت قصيرة للأسف الشديد ولكنه كانت غنية بكل معاني الوفاء والحب في الله والإخلاص، أما رحيل الشهيد بالنسبة للسرايا فكان أيضا علامة فارقة وإن كانت سرايا القدس لا تتوقف على رحيل شهيد هنا او شهيد هناك لكن أبا إسلام بما كان يملكه من علاقات وقدرات منقطعة النظير ترك فراغا كبيرا سواء على المستوى النفسي لمن عرفه وتعامل معه أو على المستوى التقني الذي كان له دور كبير في تطويره وتحسينه .

 *أبو حمزة الناطق باسم سرايا القدس:حسن الخير والصدق والبراءة  عمل علي الدوام معي في هذه التجارة التي لا يمكن أن يكون فيها خسارة، لقد كان حسن قمة في الأخلاق والمثابرة في العمل حيث عمل في جهاز الإعلام الحربي التابع لسرايا القدس ليظهر الحقيقة للعالم اجمع ويوضح جهاد المجاهدين وفي المقابل يفضح إجرام المجرمين من اليهود الحاقدين فلم يكتفي حسن بهذا العمل بل كان يشارك في عمليات قصف المغتصبات الإسرائيلية فلم يركن إلى الدنيا وزينتها بل كان لسان حاله يقول ( وعجلت إليك ربي لترضي).

 *أبو مجاهد "المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية":كان للشهيد حسن دور ريادي في تطوير منظومة الإعلام الحر المقاوم والذي يتحرك للقضايا الهامة والمصيرية ويعمل على نصرتها، وكان لا يكل ولا يمل في هذه الطريق الذي تفترشها الأشواك في إطار فهم الشهيد وإدراكه بان الإعلام له الدور البارز في تحريك الجماهير وتحريضها على الالتفاف حول مشروع الأمة في مقاومة المحتل والصمود أمام مخططاته، حيث كان على الدوام يطور موقع لجان المقاومة الشعبية (قاوم) ويشرف عليه فنياً دون أن يتقاضى فلساً واحداً مقابل ذلك.

 *أبو إسلام "صديق مقرب من حسن":أقل كلمة أتحدث بها عن حسن أنه كان يمثل مشروع جهادي متكامل للأمة الإسلامية، حيث كان له بصمات واضحة ومتميزة في كل مجالات العمل التقني الذي تخصص فيه خلال انتفاضة الأقصى المباركة والإعلامي والفكري والثقافي، وكان لحسن انجازات في مجال الكهرباء والالكترونيات في العمل التقني والهندسي وتطوير العبوات الموجه، كما كان حسن مع إخوانه اللذين أسسوا واشرفوا عملية تطوير الصواريخ منذ البداية، وكان أحد مؤسسي عملية تصنيع صواريخ القدس في انتفاضة الأقصى المباركة وكان له بصمات حقيقية على المستوى العلمي والعملي لذلك، وكان له جهد حثيث في هذا المستوى للارتقاء لخدمة العمل الجهادي.وفي يوم استشهاد القائد حسن قد نرى صورة واضحة له، حيث خرج كمسئول إعلامي ومصور في تلك العملية وخرج كمراقب عملية تطوير صواريخ القدس وهو أحد مصنعيها وتطويرها.

 *خالد صادق مدير تحرير صحيفة الاستقلال: لم تستغرق رحلة التعارف بيني وبينه أكثر من دقائق قليلة .. وكأني اعرفه من زمن بعيد .. ما أن صافحته حتى بادرني بابتسامة جميله صافية كزرقة السماء في ربيع يوم دافئ .. كان يجلس أمام شاشة الكمبيوتر وتتحرك أنامله على مفاتحها بخفة وسرعة وسلاسة .. أدركت انه مبدع ومتمكن ولم يخب ظني به بل كان أفضل مما كنت أتصور في هندسة الكمبيوتر .. رغم صغر سنه إلا انه كان يفرض احترامه على الجميع بتواضعه الجم.

 حسن شقورة الإنسان والفنان والمبدع كانت عواطفه جياشه ودموعه قريبة  ويتدفق قلبه بالحب لكل زملاءه, لا يبخل بوقته وجهده عليهم, وكان قلبه الرحيم يخفق بالحب والأمل .. كان رحمه الله معطاء يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا, ويعمل لأخرته كأنه يموت غدا.    

صديقك محمود: بعد استشهادك يا حسن .. افتقدت لأحن صديق و أخ و حبيب ، ذلك الأخ الذي تصفه الدنيا بجود الأخلاق بل منبعها .

 

هو نفسه الذي أنا أوصفه بالإخلاص مثله ما لقيت ،، تلك المدرسة التي علمتني معنى الثبات ، ذلك الجبل الأشم الذي إن تعالت فوقه الغيوم  ما انكسرت هامته ..

فوق كل ضغط يزداد حسن إصرارا ً وثباتا ولا يستهين له خاطر إلا في النجاح ..كان حسن يدهشني بذلك الصمود الأشم ، بذلك الصمت الرهيب الذي يلاقي كل المصائب بحيث لا يشكو همه إلا لله ، كان يعجبني فيه.

فيما عبّرت كتائب المجاهدين, و كتائب شهداء الأقصى "مجموعات الشهيد ياسر عرفات" الذين سهرت لهم حتى ساعات الفجر لمتابعة أخبارهم وخدمتهم، عن حزنهما الشديد باستشهادك مقدمةً التعازي و المباركة لذويك وزملاءك، وأشارت الكتائب إلى دورك الكبير في تطوير منظومة الإعلام الحر المقاوم بدورها.

 حسن: شكرا لكل من قدم وفاءه لي..وإلى كل من تألم لفراقي فموعدنا الجنة إن شاء الله، وأوصيكم بتقوى الله الجهاد في سبيله وأن تهبوا نصرة للمسجد الأقصى والأسرى خلف الأسلاك الشائكة في سجون الاحتلال الصهيوني.