ايران و(اسرائيل) ...المواجهة ما بعد ترامب/ بقلم: الأسير عبد عبيد

الساعة 09:55 م|24 فبراير 2021

فلسطين اليوم

يقدم رئيس الحكومة الصهيونية نفسه للجمهور الصهيوني بأن رسالته في الحياة تتمثل في إنهاء الخطر الوجودي الإيراني على كيانه. وإذا كان نتنياهو يقدّم نفسه بهذه الطريقة في خطابه السياسيّ الداخليّ، فلا ريب في أنه يمارس على أرض الواقع ما يقوله ويؤمن به على المستوى الخارجي، والمتابع للسياسة الخارجية الصهيونية يلاحظ بشكل جليّ أن محورها يتمثل في التحريض على إيران والترويج لخطرها الاستراتيجي، ليس على الكيان الصهيوني فحسب، وإنما على الدول العربية والعالم أجمع أيضاً.

وخلال حكم ترامب الذي اعتبرته "إسرائيل" هبة الرب لها، استطاعت الأخيرة أن تسيّر وتجيّر السياسة الخارجية الأميركية وما تمتلكه من نفوذ لصالحها. ولعل أكبر إنجازاتها التي تحققت خلال الحقبة الترامبية يتمثل في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أُبرم مع طهران في العام 2015، والذي لطالما عارضته وحاولت إفشاله بشتى الوسائل والطرق، إلا أن ذلك لم يتحقق لها قبل دخول ترامب أروقة البيت الأبيض.

إن اعتلاء بايدن كرسي الحكم، وتصريحاته التي تشير إلى نيته إصلاح ما أفسدته "البلطجة الترامبية" على مستوى السياسة الخارجية الأميركية، ومن ضمنها العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران، إذا التزمت الأخيرة بكل بنوده، كانا بمثابة كابوس لـ"إسرائيل"، إذ إنها تعتبر ذلك انتكاسة وعودة إلى نقطة الصفر التي لطالما خشيت الرجوع إليها. هذا الموقف سيدفعها إلى رسم سياسة خاصة للتعامل مع هذا الملف، تكون اللاعب الأساسي فيها بدلاً من الولايات المتحدة

وإذا افترضنا أن الخيار العسكري ضد إيران هو خيار مُستبعد وبعيد من الواقعية، ولا يحقق الأهداف الاستراتيجية التي تصبو "إسرائيل" إلى تحقيقها لأكثر من سبب، فإن الخيار الآخر الذي ستتبعه مبنيّ على التحالف الذي عُقد مع بعض دول الخليج.

أولى ملامح السياسة الإسرائيلية الجديدة بدأت بالظهور، فنشر منظومة "القبة الحديدية"، إضافة إلى صواريخ "حيتس" الإسرائيلية، في السعودية، يأتي في إطار إيصال رسالة، لا إلى طهران فحسب، بل إلى الولايات المتحدة أيضاً، ومفادها أن التحالف "الإسراخليجي" لن يتوانى عن القيام بعمل عسكري ضد إيران، ولو من دون مشاركة الولايات المتحدة أو مباركتها، إذا ما نفذ بايدن ما يعد به من عودة إلى الاتفاق النووي مع طهران. وعلى الأخيرة أن لا تستخف بقدرة هذا التحالف على الضغط على السياسة الأميركية وتوجيهها في المنطقة إلى الوجهة التي تخدم المصالح الإسرائيلية .

ستعمل "إسرائيل" خلال المرحلة القادمة على تكثيف عمليات الموساد التي تستهدف البرنامج النووي الإيراني والقائمين عليه، سواء كان ذلك من خلال الاغتيالات الفردية أو من خلال العمليات الإلكترونية. وما سيسهل على الموساد عمله هذا هو تواجده للمرة الأولى بشكل علنيّ على الحدود الإيرانية.

 ومن أجل تحقيق هذا الهدف، سيعمل وفق خطين متوازيين؛ يتمثل الأول في العمل على تجنيد أكبر عدد ممكن من رجال الأعمال والنافذين داخل النظام الإيراني في دول الخليج المجاورة، ويتمثل الآخر في استخدام التكنولوجيا المتطورة في عمليات التجسس وتحديد الأهداف المهمة، مستغلاً بذلك تفوقه التكنولوجي في هذا المجال. وفي هذه المرحلة، ستقدم دول الخليج الأرض، وستستغلها "إسرائيل" لتشكل مركز نشاط لأجهزتها الأمنية في مواجهة إيران.

وإذا كان الأمر كذلك، فعلى إيران اتباع استراتيجية جديدة للمواجهة، إذ إن الاستعراضات العسكرية والمناورات لن تكون كافية لمواجهة ما ينتظرها. هذه الحرب ستكون حرباً قذرة وغير معلنة، ولن تصل إلى المواجهة العسكرية الشاملة والمباشرة. وبما أن الحرب النفسية ستكون جزءاً مهماً منها، فلا بد من أن تغير إيران قواعد اللعبة وتستثمر جزءاً مهماً من إمكانياتها في العمل الاستخباراتي المضاد، فالترسانة الصاروخية على أهميتها، ورغم ما تشكّله من قوة ردع مهمة، لن تستخدم في هذه الحرب المُنتظرة.

وحتى تجتاز هذه الحرب بنجاح، عليها أن تعمل على تطوير عملها الاستخباراتي، واستنفار أجهزتها الأمنية في المنطقة، ورصد أهداف إسرائيلية عسكرية وغير عسكرية، بحيث تستطيع في النهاية وقف حرب الاستخفاف الأمنية التي تشنّها "إسرائيل" عليها، وهو ما لن يتحقق إلا إذا أدركت الأخيرة أن خسارتها تساوي المكاسب التي يمكن أن تحققها أو تتجاوزها، فعالم بعالم، وضابط بضابط، ومواطن بمواطن، وتفجير بتفجير، وتجنيد بتجنيد مضاد، هو المعادلة التي ستحافظ إيران من خلالها على تفوقها في هذه الحرب، وستكون كفيلة بالمحافظة على الجبهة الداخلية موحدة وعصيّة على الاختراق.

أما إذا تعايشت مع عمليات الموساد، كما تعايشت مع الحصار، واستمرت في اتباع سياستها التقليدية، فإن ذلك سيدفع الكثير من النافذين فيها إلى الإحباط الذي سيقودهم في النهاية إلى مكاتب الموساد ومراكزه في دول الخليج

كلمات دلالية