خبر إستراتيجية عربية جديدة لمواجهة الفاشية الإسرائيلية ..زهير حليم أندراوس

الساعة 04:11 ص|16 مارس 2009

 

من نوافل القول إن الدولة العبرية دولة مارقة بامتياز، ومن نوافل القول إن الإدارة الأميركية تقدم لها الدعم المادي والمعنوي بغض النظر عن ممارساتها العدوانية وجرائمها الوحشية، وأخر مثال على ذلك إعلان واشنطن مقاطعتها مؤتمر ديربان الثاني في جنيف لأن مسودة الاقتراح النهائي تساوي بين الصهيونية والعنصرية.

 

ومن نوافل القول الفصل إن دول الاتحاد الأوروبي تتصرف بمكيالين في التعامل مع إسرائيل ومع الفلسطينيين، فكمية الرياء والنفاق الأوروبي لتل أبيب سجّلت مؤخراً ارتفاعاً حاداً للغاية، وخصوصاً بعد الانتخابات العامة في إسرائيل، والتي أسفرت عن فوز اليمين واليمين المتطرف بالضربة القاضية، أمام تراجع ما يسمى إسرائيلياً قوى المركز واليسار.

 

لا نريد الخوض في تشكيلة الحكومة القادمة، فهي بحسب جميع الدلائل والمؤشرات ستكون يمينية متطرفة للغاية، ولكن قبل أن نهاجمها علينا أن نتذكر أن حكومة الثلاثي أولمرت-ليفني-باراك لم تأل جهداً في تبني المواقف العدوانية ضد الفلسطينيين من طرفي ما يسمى بالخط الأخضر.

 

فالعنصرية داخل مناطق الـ48 تنامت بشكل مقلق للغاية، وبات كره العرب هو القاعدة وليس الاستثناء، أما على الصعيد الخارجي فالحكومة المنصرفة مع ستين ألف سلامة، خاضت حربين ضد حزب الله في لبنان وضد حركة حماس في فلسطين، وأحرقت الأخضر واليابس في المنطقتين، واستخدمت السلاح المحظور دولياً والقادم من قائدة محور الشر في العالم، الولايات المتحدة الأميركية.

 

وبعدما أعلنت وقف إطلاق النار في حربها الإجرامية على شعبنا الفلسطيني في غزة، قام عدد من الزعماء الأوروبيين بقيادة الرئيس الفرنسي ساركوزي والمستشارة الألمانية ميركل بزيارة إلى القدس الغربية، حيث عبّروا لأولمرت المتهم بالعديد من قضايا الفساد -ناهيك عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية- عن إعجابهم بالعملية العسكرية الإسرائيلية التي أسفرت عن قتل وجرح الآلاف من أطفال ورجال ونساء وشيوخ فلسطين.

 

ووصل الأمر في الدولة العبرية حدا لا يطاق، حيث رأى العديد من المحللين أن صورة الزعماء الأوروبيين مع أولمرت هي صورة النصر التي لم تتمكن إسرائيل من التقاطها في غزة، لافتين إلى أن هذه "العصابة من المنافقين" وصلت إلى الدولة العبرية بعد اجتماع في منتجع شرم الشيخ مع الرئيس المصري محمد حسني مبارك، المتهم من قبل أوساط مصرية وعربية واسعة بالتواطؤ مع إسرائيل قبل وخلال العدوان على غزة.

 

لا ننكر بالمرة أن الانتخابات في إسرائيل جرت بصورة ديمقراطية للغاية، ولكن نجزم أن نتائجها عكست ما يفكر به المجتمع الإسرائيلي على مختلف شرائحه، فحزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة الفاشي أفيغدور ليبرمان المستجلب من روسيا، حصل على 15 مقعداً وتحّول إلى الحزب الثالث في إسرائيل بسبب مواقفه العدائية المعلنة ضد الناطقين بالضاد.

 

فهو يريد من فلسطينيي الداخل أن يعلنوا الولاء للدولة العبرية، الأمر المرفوض من السواد الأعظم من فلسطينيي الداخل، إذ إن الدولة العبرية ملزمة بإعلان الولاء لفلسطينيي الـ48 أصحاب الأرض الأصليين، وعدم النظر إليهم من منظار المخابرات والتهديد الديمغرافي.

 

من ناحية أخرى يهدد ليبرمان بقصف سد أسوان المصري، ويطالب باستعمال الأسلحة النووية ضد غزة، كما فعلت الولايات المتحدة عندما ألقت القنابل النووية على هيروشيما وناغازاكي في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية.

 

من خلال متابعتنا للخارطة السياسية في الدولة العبرية فإن حزب ليبرمان ليس حزباً موسمياً يربح في هذه الجولة ويخسر في الثانية، كما حصل مع العديد من الأحزاب الإسرائيلية التي اندثرت عن المشهد بعد فوزها في أول جولة مثل حزب شينوي وداش وغيرهما.

 

إنه الحزب الذي يعبّر أكثر من أي حزب آخر عن تطرف المجتمع الإسرائيلي ولهاثه وراء شخصية قوية تهدد العرب باللغة التي يفهمونها، لغة القوة، وفق المحللين الإسرائيليين، هذا المجتمع الذي يسير بخطى حثيثة نحو سياسة الأبرتهايد التي كانت سائدة في عهد سيطرة الأقلية البيضاء على جنوب أفريقيا. ولا نبالغ إذا قلنا إن الليبرمانية الجديدة تشكل خطراً على ما تبقى من شراذم الديمقراطية الإسرائيلية، ونعتقد جازمين بأنه في رأس كل يهودي إسرائيلي يعشعش ليبرمان صغير.

 

إضافة إلى ما ذُكر، فإن جميع الأحزاب الإسرائيلية، من أقصى اليمين المتطرف حتى أقصى ما يسمى باليسار الصهيوني (حزب ميرتس الذي تراجع إلى ثلاثة مقاعد فقط)، أيدت العدوان البربري على غزة، كما أن جميع الأحزاب بدون استثناء ترفض الانسحاب إلى حدود ما قبل عدوان 5 يونيو/حزيران 1967 لإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.. هاتين المنطقتين اللتين تشكلان 20% من أرض فلسطين التاريخية.

 

بالإضافة إلى ذلك، هناك إجماع إسرائيلي صهيوني على رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين شُردوا من أرضهم في النكبة المشؤومة، ناهيك عن رفضهم التنازل عن القدس الشرقية المحتلة، أي أن اللاءات الإسرائيلية المشهورة: لا للانسحاب إلى حدود 1967، لا لحق العودة، ولا لاعتبار القدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة.. تُشكل القاسم المشترك الأعظم لجميع الأحزاب الإسرائيلية.

 

ومن هنا نرى لزاماً على أنفسنا أن نحذّر العرب قبل العجم من خطورة الوقوع في مطب اليسار الإسرائيلي أو المركز أو اليمين الإسرائيلي أو اليمين المتطرف، فجميعهم متفقون على اللاءات الإسرائيلية التي تمنع أيّ حل لقضية العرب الأولى.. قضية فلسطين. وبالمناسبة ما يُسمى باليسار الصهيوني الإسرائيلي يؤيد إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع مع ترتيبات أمنية جديدة، من منطلق حرصه الكامل للحفاظ على الدولة العبرية كبيت للشعب اليهودي، أي أن اعتباراتهم صهيونية بغيضة،لا أكثر.

 

ولكن مع ذلك نريد أن نذّكر أنفسنا أولاً والعالم ثانياً أنه في فبراير/شباط 2006، أي قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال، جرت في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية وبإشراف دولي قاده الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر.

 

الانتخابات التشريعية الفلسطينية أسفرت عن فوز كاسح لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أي أن الحركة وصلت إلى الحكم بصورة ديمقراطية عبر صناديق الاقتراع وباعتراف دولي. الشعب الفلسطيني وجّه للعالم برمته عبر هذه الانتخابات رسالتين: الأولى أنه سئم من الفساد الذي ميّز السلطة الفلسطينية ومفاوضات قادتها العبثية مع دولة الاحتلال، والثانية أنّه خلافاً للعديد من الشعوب العربية فهو يمارس الديمقراطية على أحسن وجه.

 

ولكن بما أن النفاق بات سيد الموقف في العلاقات الدولية -وليس موازين القوى- فإن إسرائيل بمساعدة العديد من قادة سلطة رام الله المنقوصة المعروفين بتخاذلهم، أقامت الدنيا ولم تُقعدها، وأقنعت العالم -المسمى العالم الحر زوراً وبهتاناً- أنه لا يمكن الاعتراف بحركة حماس لأنها لا تقبل شروط الرباعية الدولية، ومنها الاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها سلطة رام الله بقيادة الرئيس المنتهية ولايته محمود عباس. وفعلاً أعلنت أميركا وأوروبا الحرب على حماس وأدرجتها ضمن التنظيمات الإرهابية، ورفضت عملياً نتائج الانتخابات الديمقراطية في فلسطين، التي طالب بها نفس المجتمع الدولي.

 

والشيء بالشيء يذكر: زعيم حزب الليكود والمكلف تشكيل الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو رفض خلال اللقاء مع زعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني الاعتراف بمبدأ "دولتين لشعبين" الذي أقرّه لقاء أنابوليس المنعقد في الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 بحضور الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وممثلين عن جميع الدول العربية بدون استثناء.

 

أي بكلمات أخرى، وفق منطق الأوروبيين والأميركيين فإن زعيم الليكود رفض التسليم باتفاقيات قبلتها الحكومة الحالية، أي أنه مثل حركة حماس. علاوة على ذلك، رفض نتنياهو مواصلة المفاوضات مع الفلسطينيين التي بدأتها الحكومة المنصرفة، وتوعد إيران، وأكد أنه لن ينسحب من هضبة الجولان العربية السورية المحتلة، واقترح على الفلسطينيين السلام الاقتصادي، وعرض على الفاشي أفيغدور ليبرمان حقيبة الخارجية أو المالية، مع أن الشرطة الإسرائيلية تجري تحقيقاً مكثفاً ضد ليبرمان بتهمة غسيل الأموال وإخفاء مبلغ 2.5 مليار شيكل عن سلطات الضرائب (595 مليون دولار).

 

ورغم كل هذه التصرفات والتطورات لم نسمع تصريحاً أوروبياً يدين هذه التصرفات، ولم نسمع حتى عن تهديد أوروبي بتجميد تحسين العلاقات مع إسرائيل بسبب هذه المواقف المتطرفة، وإذا لم يكن هذا نفاقاً، فبالله عليكم أبلغوني ما هو النفاق؟

 

أما نتنياهو نفسه، فقد هدد قبل فترة وجيزة بالتوجه إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بسبب تصريحاته المعادية للدولة العبرية. واستغل زعيم حزب الليكود هذا التهديد كرافعة للحصول على أكبر عدد من أصوات الإسرائيليين الذين باتوا على اقتناع بأن الجمهورية الإسلامية تشكل خطراً وجودياً على دولتهم. وهذه الخطوة انطلت على ما يُسمى المجتمع الغربي المتنور والديمقراطي، وهو نفس المجتمع الذي حافظ على صمت أهل الكهف عندما قررت المحكمة الدولية نفسها أن جدار العزل العنصري الذي تقيمه الدولة العبرية على أراضي الضفة الغربية المحتلة خطوة غير قانونية، وأمرت المحكمة إسرائيل بهدم الجدار فوراً وإعادة الأراضي المسلوبة من الفلسطينيين إلى أصحابها ودفع التعويضات لهم، بطبيعة الحال.

 

إسرائيل لم تُنفذ قرار المحكمة، بل واصلت إقامة الجدار، وكأنّنا نعيش في عالم تحكمه قوانين الغاب، ولم تحرك أميركا ولا أوروبا ساكناً إزاء هذه العنجهية والعربدة الإسرائيلية، وتواصلت العلاقات وكأن أمراً لم يكن.

 

والسؤال الذي يجب طرحه على العالم الحر: لماذا تكون المحكمة الدولية ملزمة (بكسر الزين) عندما يتعلق الأمر بشأن ضد العرب؟ وما الذي دفع المدعي العام لإصدار مذكرة اعتقال ضد الرئيس السوداني عمر البشير دون أن يطلب منه أحد؟ وبموازاة ذلك، عندما يكون قرار المحكمة ضد إسرائيل يتحول إلى قرار لا يساوي الحبر الذي كُتب فيه. وللسيد نتنياهو نقول: كيف يمكن أن تُفسر لنا هذا التناقض، من جهة ترفضون قرار المحكمة الدولية في مسألة الجدار، ومن ناحية أخرى تريدون استغلال المحكمة لأهدافكم المبيتة ضد إيران وضد رئيسها؟

 

عربياً، أمام النظم العربية المتخاصمة مع شعوبها فرصة ذهبية لوضع حد للعربدة والهيمنة الإسرائيلية، وعلى الأمة العربية الانتقال من مرحلة التلقي إلى مرحلة المبادرة، إذ لا يُعقل أن تواصل هذه الأمة تلقي الإملاءات الأميركية والإسرائيلية ومحاولة الالتفاف عليها، ولا يُعقل أن تطغى الخلافات العربية على الخلاف الرئيسي بين العرب والدولة العبرية.

 

لقد بلغ السيل الزبى، وعلى هذه الأمة أن تتحمل مسؤولياتها وتعمل على بلورة إستراتيجية جديدة حكيمة للتعامل مع أميركا ومع ربيبتها إسرائيل.. فقط في هذه الحالة يمكن القول الفصل إن الجديد دخل إلى الأجندة العربية.

 

ولا غضاضة في هذه العجالة توجيه اقتراح إلى الزعماء العرب أن يضعوا على جدول أعمال القمة العربية التي ستُعقد في العاصمة القطرية الدوحة أواخر الشهر الحالي, بنداً يتعلق بمقاطعة حكومة اليمين واليمين الفاشي في الدولة العبرية، لأن قراراً من هذا القبيل قد يعيد إلى العرب شيئاً من الكرامة -التي باتت نادرة في عالمنا العربي- ويدفع بالأسرة الدولية إلى الضغط على إسرائيل.

 

أما إذا قرر الزعماء العرب غير ذلك، ونحن نميل إلى الترجيح بأن الموضوع لن يُطرح على جدول أعمال القمة العربية، فلنستعمل من منطلق "مكره أخاك لا بطل" ما قاله ليبرمان للرئيس المصري من على منصة البرلمان الصهيوني: فلتذهب إلى الجحيم.