خبر الخلط بين الحزبي والسياسي في إسرائيل يثير الغموض حول حكومة نتنياهو الجديدة

الساعة 03:43 ص|16 مارس 2009

حلمي موسى

في إسرائيل أكثر من أي مكان آخر تختلط السياسة العليا بالشأن الحزبي في مزيج فريد ليس بالضرورة أن يتمتع بصدقية عالية. فالمداولات بين الليكود وكديما تركزت في الأسابيع الأخيرة على الموقف من فكرة «دولتين لشعبين». وبدا أن زعيمة كديما تسيبي ليفني, لموقف مبدئي, تصرّ على هذه الفكرة قبل أن تبدأ النقاش في الجوانب الأخرى كالوزراء وما شابه.

ويعلم كل مبتدئ في السياسة في إسرائيل أن هذه الفكرة ليست حجر الرحى في الخلاف وإنما قضية المناوبة على رئاسة الحكومة. وقد ثبت في اليومين الأخيرين أن الحياة عادت ودبت في المداولات بين كديما والليكود من أجل الانضمام للحكومة، وكانت قضية المناوبة على رئاسة الحكومة هي القضية المركزية.

ومن الطبيعي أن إسرائيل التي تعاني من مشاكل مختلفة تمنح البعد السياسي ـ الأمني فيها أولوية على أي بعد آخر. ولذلك فإنها ترى في كل ما يتعلق بهذه المسائل شأناً وجودياً لا سبيل للتهاون فيه. غير أن وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي يعرض صورة مغايرة تبين أن هناك قضايا أخرى ذات أهمية لم يلحظها اليسار الإسرائيلي الذي كان يمارس نوعاً من التعالي عن الشأن الداخلي.

وفي نظر بن عامي فإن اليسار الإسرائيلي الذي مني بهزيمة كبيرة في الانتخابات الأخيرة تجنب رؤية الواقع المتغير ولم يطور نفسه قاعدة اجتماعية جديدة. فالمجتمع الإسرائيلي لم يعد مجتمع الأشكيناز وصار اليوم أكثر سفارادية وروسية وحريدية. ولكن بن عامي يرى أن هذا التغيير حمل معه أيضاً نهاية لمفاهيم وآمال تتعلق بالعملية السياسية أو السلمية. وهو يشدّد على أن العملية السلمية ماتت، وكذلك فكرة دولتين لشعبين. ويعتقد أن كل كلام خلاف ذلك ليس أكثر من تلاعب في الألفاظ.

وهكذا فإن الخلاف الدائر اليوم في إسرائيل حول تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو هو في الجوهر خلاف حزبي أكثر مما هو خلاف سياسي. فدولتان لشعبين ليستا برنامج عمل يومي لكديما أو لحزب العمل مثلما لن تكون برنامج عمل لحكومة يمين ضاقت أم اتسعت. والأهم أن الفارق الفعلي هو أي من الحزبين سيدير مفاوضات لا طائل منها مع الفلسطينيين. وهنا بوسع تسيبي ليفني أن تتقدم على بنيامين نتنياهو.

ومن الجائز أن عودة الليكود وكديما إلى التباحث من جديد في تشكيل حكومة وحدة بعد أن شارف نتنياهو على إبرام اتفاقاته الائتلافية مع «إسرائيل بيتنا» وشاس يدلل على أن هناك أرضية مشتركة بين الحزبين. ولا ريب أن شيئاً لم يتطور في موقف الليكود من مسألة دولتين لشعبين لكن قد يكون ما تطور هو الموقف من المناوبة في رئاسة الحكومة. وهناك في الحلبة الإسرائيلية من يشير إلى أن نتنياهو في سعيه لعدم حبس نفسه في حكومة يمينية قد يكون أكثر استعداداً لمنح كديما مناوبة جزئية قصيرة في نهاية ولايته.

وفي كل الأحوال فإن الاتصالات بين كديما والليكود استكمال لاتصالات لا تزال تجري بين الليكود وحزب العمل. ويتمثل التداخل بين الأمرين في حقيقة أن حزب العمل لا يستطيع البقاء خارج حكومة نتنياهو إذا تشكلت على أساس أنها حكومة وحدة. فمن دون ذلك بدا أن زعيم الحزب باراك يزحف للبقاء في الحكومة وزيراً للدفاع. والواضح أن حكومة اليمين الضيقة تقلق جدا ليس قادة الليكود وإنما قادة كديما وحزب العمل أيضاً. ففي الليكود يخشون من حكومة غير مستقرة تكرر صورة الماضي وفي كديما يخافون جداً من اختبار أنفسهم في مقاعد المعارضة.

ويلعب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز دوراً في تذليل العقبات أمام تشكيل حكومة كهذه. ومع ذلك ليس من المستبعد أن تكون المداولات السرية الأخيرة بين كديما والليكود مجرد محاولة إعلامية تهدف لإظهار كديما كحزب غير مبدئي يغلف مواقفه الحزبية بمثالية سياسية.

ومن المقرر أن يلتقي نتنياهو في الأيام القريبة بالرئيس الإسرائيلي كي يطلب منه مهلة الأسبوعين الإضافيين لإنجاز ائتلافه الحكومي.

وتستمر الألاعيب، حيث إن المقرّبين من ليفني يؤكدون على أن شيئاً لم يتغير في موقف كديما من الحكومة. غير أن المطلعين على بواطن الأمور يشيرون إلى أن وجود تساحي هنغبي في صلب المفاوضات يعني أن ليفني غيّرت شيئاً ما في موقفها من الحكومة وجوانبها السياسية. وهذا يعني أنه مع اقتراب انتهاء المهلة القانونية لتشكيل الحكومة تظهر المخاوف لدى كديما من البقاء في المعارضة.

ولهذا يُقال إن ما يجري نقاشه بين الطرفين هو مناوبة «غير متساوية». وتتمثل هذه الفكرة بمنح نتنياهو الحق في رئاسة الحكومة في السنوات الثلاث الأولى من ولايتها ومنح ليفني الحق في سنتين أخريين. ويبدو من استمرار معارضة نتنياهو لفكرة المناوبة أن الاقتراح جاء إما من كديما وإما من مقربين لهذا الحزب في الحلبة السياسية.

والخلاصة أن نتنياهو حتى اللحظة الأخيرة سيدير مفاوضاته الائتلافية بشكل يجعل كل التقديرات الأولية سابقة لأوانها. فحكومة نتنياهو في الغالب لن تتحدد صورتها النهائية قبل أن تقدم للرئيس الإسرائيلي. وحتى ذلك الحين ستظل الصورة تتراوح بين حكومة اليمين الضيقة بمكوناتها المعلومة والحكومة الموسعة التي قد تضم كديما و/أو حزب العمل.