خبر حوارات القاهرة.. مواقف غير مقبولة « 2 » .. عريب الرنتاوي

الساعة 03:26 م|15 مارس 2009

بقلم: عريب الرنتاوي

تضع فتح نفسها في غير المكان اللائق بها وهي تستمسك بشروط الرباعية الدولية الثلاثة ، لتأليف الحكومة حينا ، ولإعادة هيكلة منظمة التحرير أحيانا ، بل وللمشاركة في أي انتخابات مقبلة وفقا لبعض التصريحات المتسرعة التي تصدر عن هذا المسؤول الفتحاوي أو ذاك. ويزداد وضع فتح حرجا وهي تعرض لهذه المواقف و"الشروط المسبقة" لسببين اثنين:

الأول ، أن أحدا بمن في ذلك المفاوض الفتحاوي ذاته ، لم يعد مؤمنا بإمكانية إحياء عملية السلام ، ناهيك عن وصولها إلى ضفاف استرداد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

والثانية: أن الحكومة الإسرائيلية التي يجري تشكيلها من القوى "المنتصرة" في انتخابات الكنيست الأخيرة تضم في صفوفها قوى وأحزابا رئيسية ، يمينية ، عنصرية وإرهابية ، لا تعترف بالشعب الفلسطيني ولا بحقوقه المشروعة ، لا تؤمن بالسلام وليس على أجندتها سوى القتل والحروب والتهجير والعقوبات الجماعية نازية الطراز ، فلماذا هذا الإصرار إذن ، على شروط الرباعية التي يجري تمريرها تحت عناوين شتى؟.

في ظني وليس كل الظن إثم ، أن الاتكاء إلى المجتمع الدولي ومطالباته وضغوطه وشروطه ، وهو تكتيك تتبعه فتح والسلطة ، يراد به تحقيق مكاسب في مواجهة حماس ومطالباتها المستندة إلى نتائج الانتخابات الفلسطينية الأخيرة ، ففي كل مرة تريد حماس أن توسع حصتها في كعكة الحكومة أو السلطة أو المنظمة ، تشهر في وجهها هذه الشروط ، وستستحضر إلى مائدة المفاوضات قضايا من نوع: رفع الحصار وحكومة يقبل بها العالم ، وفتح المعابر وإعادة الإعمار.

هو كلام حق ، يراد به حق وباطل في الوقت ذاته ، فالحكومة أي حكومة يجب أن تلحظ حاجة غزة وأبنائها للخروج من شرنقة الحصار والإغلاق ، وثمة "مخارج" وسيناريوهات عدة يمكن أن توصل إلى هذا الغرض ، وفي ظني أن حكومة تكنوقراط مطعمة بسياسيين ، يمكن أن توفر مخرجا من هذا النوع ، على أن جهودا يجب أن تبذل لإقناع المجتمع الدولي والضغط عليه ، للقبل بما يتوافق عليه الفلسطينييون من مخارج واقعية لأزمة الحكومة والوحدة الوطنية ، لكن الاستناد دائما إلى "فزاعة الحصار" واستخدامها كوسيلة للابتزاز السياسي ، فيما الأهداف الحقيقية تكمن في "مطرح آخر" ، وتتعلق حصرا بالسلطة والصراع عليها ، فتلكم حكاية أخرى ، تنم عن ضعف في المسؤولية الوطنية وتضخم للنزعة الفصائلية.

في الصراع على "إعادة الإعمار" وأمواله ، قيل أن فتح وحماس تقتتلان على جلد الدب قبل اصطياده ، وفي الصراع على الموقف من "الاتفاقيات السابقة" نقول: أن الحركتين تقتتلان على لحم الدب بعد أن تحلل وفاحت منه روائح كريهة ، فعن أية اتفاقيات يتحدثون ، ومتى كانت آخر مرة ينطق بها إسرائيلي واحد بكلمة أوسلو ، ألم يحن الوقت لتأسيس مرجعية جديدة للسلطة ، حتى وإن جاءت من جانب واحد ، ما الذي يمكن أن تفعله إسرائيل غير ما فعلت: إعادة احتلال الضفة (هي جاثمة الآن على صدرها) وإعادة احتلال غزة (ألم تجرب في الرصاص المصهور).

ثم أن التصرف على قاعدة أن ما لكم لنا ولكم ، وما لنا لنا وحدنا ، لا يمكن أن يكون طريقا لاستعادة الوحدة وردم الفجوة وترميم الشرخ ، نقول ذلك ونحن نرى مسعى فتحاويا ، لفتح ملفات "أجهزة غزة ومؤسساتها" لإعادة الهيكلة والبناء ، لكأن ما شيّد في الضفة الغربية من أجهزة أمنية ومؤسسات سلطة وحكومة ، قد بني على أسس مهنية ووطنية محايدة ونزيهة ، وليس على أضيق الحسابات ، وغالبا أبعدها عن "روح الوحدة الوطنية" ، بدلالة ما أثارته ممارسات تلك الأجهزة من جدل ومناقشات ، وما شهدناه في حوارات القاهرة من خلاف وتباينات حول عقيدة الأجهزة ومرجعيتها وعلاقتها بالفصائل والمقاومة وغير ذلك من أسئلة وتساؤلات.

أعجب في الحقيقة ، كيف يمكن الحديث عن "بسط السلطة" و"سيادة القانون" لشعب تحت الاحتلال ، أية سلطة ستبسط وأي قانون سيسود ، إذا كانت السلطة ذاتها في عرف المحاكم الإسرائيلية ليست سلطة ، وإذا كان رجال حفظ الأمن وبسط سيادة القانون ، لا يتحركون إلا بتنسيق أمني مسبق ، وإذا كانت مشاركة رئيس السلطة في اجتماع عربي متعذرة من دون هذا التنسيق كما انفضح الحال زمن قمة الدوحة الطارئة.

آن الأوان لقليل من الواقعية ، من حماس بالجنوح لمتطلبات الخروج من قبضة الحصار وعنق الزجاجة ، ومن حماس بالهبوط الواثق عن قمة شجرة الأوهام والرهانات المتكسرة تحت ضربات الرصاص المصهور وصناديق اقتراع الكنيست الثامن عشر.