خبر متى تعترف أمريكا بالفلسطينيين؟ .. عصام نعمان

الساعة 03:25 م|15 مارس 2009

بقلم: عصام نعمان

بات واضحاً أن شعار “التغيير” الذي رفعه باراك أوباما في حملته الانتخابية الرئاسية كان يتعلق بالداخل الأمريكي وليس بالخارج العالمي، لاسيما ما له صلة بفلسطين والفلسطينيين. من يعوزه الدليل، فليقرأ ما صرح به أخيراً الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس. فقد دعا، في معرض تأكيد حرص رئيسه على “المشاركة بقوة في سلام دائم للشرق الأوسط”، “حماس” و”حزب الله” إلى “أن يعترفا ب”إسرائيل” ويتخليا عن العنف قبل أن توافق الحكومة الأمريكية على محاورتهما”. سلفه جورج دبليو بوش كان سبقه إلى عدم الاعتراف بحركة “حماس” بعد فوزها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني سنة ،2006 بل ربما بسبب فوزها، كما لم تعترف إدارته بحكومة الوحدة الوطنية التي أعقبت مؤتمر مكة المكرمة لمجرد أن رئيسها إسماعيل هنية هو أحد أركان “حماس”. موقف بوش وأوباما هذا يؤكد مدى نفاق أمريكا في مسألة الديمقراطية. ف”حماس” فازت في انتخابات ديمقراطية شهد بصحتها العالم أجمع. وحكومة هنية كانت تألفت نتيجة اتفاق جميع الفصائل الفلسطينية عقب مؤتمر مكة المكرمة. إن إصرار إدارة أوباما على عدم الاعتراف ب”حماس”، خصوصاً بعد نجاحها في دحر هجمة “إسرائيل” الوحشية الأخيرة على غزة، يلقي ظلالاً من الشك على مدى دعمها “عملية السلام” في المنطقة والتزامها شعار “دولتين لشعبين”. الغريب أن إصرار إدارة أوباما على عدم الاعتراف ب”حماس” و”حزب الله” جاء مباشرة بعد إعلان بريطانيا اعترافها بإجراء اتصالات مع الجناح السياسي ل”حزب الله” وجنوحها نحو التعامل مع أي حكومة ائتلافية تتفق الفصائل الفلسطينية على تأليفها. أكثر من ذلك: مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق في عهد جورج بوش الأب الجنرال برنت سكوكروفت قال أخيراً إن “مفتاح تغيير المناخ النفسي في المنطقة هو من خلال تحريك المسار الفلسطيني “الإسرائيلي” قبل أي شيء آخر”، وأن على مبعوث إدارة أوباما إلى المنطقة السناتور السابق جورج ميتشل ان “يضع توصياته في وقت مبكر، وأن يخرج بمبادرة متكاملة للحل وهو ما لم تفعله الولايات المتحدة سابقاً. وأكد أن “الأولوية هي للدفع بعملية السلام لأن “حماس” لا تريد أن تكون وحيدة اذا أحرزنا تقدماً. وعندما تعطي “حماس” إشارة إلى انها تريد دوراً في المفاوضات، يجب أن نكون مستعدين للانخراط معها”. ثم، إذا كان أوباما جاداً في تحريك “عملية السلام” وتحقيق حل دولتين لشعبين، فما معنى رفضه الاعتراف ب”حماس” حتى بعد أن تتوصل الفصائل الفلسطينية كافة، برعاية مصر، إلى اتفاق متكامل حول مختلف القضايا العالقة بما فيها مسألة تأليف حكومة وطنية لإدارة المفاوضات حول حل الدولتين؟ كان الأمر ليهون (في نظر بعض الفصائل الفلسطينية والدول العربية المعتدلة) لو أن اشتراط الاعتراف ب”إسرائيل” ونبذ العنف جاء مترافقاً مع اعتراف “إسرائيل” ب”حماس” أو مصحوباً، على الأقل، بموافقة حكومة بنيامين نتنياهو المقبلة على “مبادرة السلام العربية”، وحل “دولتين لشعبين”، ووقف الاستيطان والتفاوض على القدس. أما وان نتنياهو يرفض البحث في كل هذه الأمور ويعلن جهاراً نهاراً أن ليس في جعبته إلا مبادرة واحدة هي “تنمية الضفة الغربية”، فكيف تريد إدارة أوباما من “حماس” وغيرها ان تعترف ب”إسرائيل” وتسلّم بكل شروطها كي تتحنن هذه الأخيرة فترضى بمفاوضتها على طرائق “تنمية” ما يكون قد تبقّى من الضفة الغربية التي يفترسها الاستيطان بلا هوادة وعلى مرأى من العالم أجمع؟ الفلسطينيون، شعباً وفصائل، باتوا مقتنعين بلا جدوى الاعتراف ب”إسرائيل” ونبذ العنف كشرط لمعاودة المفاوضات. حتى محمود عباس أصبح يشترط وقف الاستيطان كمقدمة لمعاودة التفاوض. ولكن هل اقتنعت بعض الدول العربية بذلك؟ لنفترض أن نتنياهو عدّل موقفه ووافق على العودة إلى المفاوضات بلا شروط مسبقة مع حكومة ترأسها شخصية فلسطينية مستقلة، فهل هذا كافٍ لمطالبة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وغيرها بالاعتراف ب”إسرائيل” ونبذ العنف، أي نبذ المقاومة؟ مع المقاومة أو من دونها، هل توصلت الفصائل المسالمة بعد اتفاقات اوسلو سنة 1993 إلى أي نتيجة إيجابية جراء تفاوضها مع “إسرائيل”؟ سكوكروفت يعترف في حديثه الصحافي الأخير “ان أحد الأشياء التي يجب أن نتذكرها هو أنه على مدى عقود مضت، كان الفارق ضئيلاً بين الحكومات اليمينية واليسارية في “إسرائيل” حيال عملية السلام”. فاته أن يقول أيضاً إن الفارق كان ضئيلاً بين الإدارات الجمهورية والديمقراطية في الولايات المتحدة حيال “إسرائيل” واعتداءاتها التوسعية. الحقيقة أن لا سبيل إلى دفع أمريكا و”إسرائيل” إلى الاعتراف بالفلسطينيين وبحقوقهم غير القابلة للتصرف، وبالتالي إلى مفاوضتهم من دون شروط تعجيزية، إلا إذا تبدلت موازين القوى في المنطقة على نحوٍ تشعر معه واشنطن وتل أبيب بأنهما ستخسران الكثير إذا لم توافقا سلفاً على التضحية بالقليل قبل أن تضطر إلى خسارة الأكثر.