الموت القادم من الشرق/ بقلم الأسير المجاهد: ماهر حمدي الهشلمون

الساعة 09:20 ص|18 فبراير 2021

فلسطين اليوم

سجن "ريمون" الصحراوي

لا تتعجبوا إن علمتم بأن كورونا التي تعانون منها في الخارج نعاني منها نحن معشر الأسرى منذ عشرات السنين، ففترة العزل التي لم تطيقونها لمدة 14 يومًا فقط قد عشناها وعانيناها منذ زمن بعيد، وسنبقى نعاني منها حتى يقضي الله عز وجل أمرًا كان مفعولا، وأما معاناة البعد المؤقت عن الأهل والأحبة الذي عانيتم منه بسبب هذا الفيروس لقد تعودنا عليه حتى نسينا صور أحبتنا في الخارج، ولم نتعرف على أولادنا وأهلنا إلا من خلال الصوت إن توفرت لنا وسيلة تواصل، وأما الأعراض التي تعانون منها في هذا المرض فهي أعراض أبت إلا أن ترافقنا في رحلتنا داخل هذه السجون، فسجن ريمون الصحراوي في فصل الشتاء لا ماء ولا خضراء، وكلما ظننا بأنه عارضًا ممطرنا وجدناها رياحًا صحراوية رملية صفراء عاتية تعصف وتعشعش في عظامنا فتنخرها نخرا وتذرها وكأنها أعجاز نخل خاوية، فترانا نعاني من القشعريرة والسخونة والأنفلونزا والرشح وضيق التنفس، ومنا من تسوء حالتُه ويواجه الموت تمامًا كما تواجهونه في الخارج، وفي هذه الأيام جاءت كورونا تنفش ريشها وتكشر عن أنيابها لتجتاح أسوار وقلاع الأسر، ولكن شتان شتان بين كورونا خارج السجون وكورونا داخل السجون.

كورونا داخل الأسر تعني بأن تتذوق الموت آلاف المرات ولا تبلغه، وإن تم شفاءك منها تعود لتحيا بصحبة كورونا التي لم تتحملوها والتي تعودنا عليها منذ عشرات السنين.

كورونا داخل الأسر تعني بأن تبقى تتلوى وتتعذب ولا أحد يسمع آهاتك وأناتك سوى تلك الأبراش الحديدية والجدران الباردة.

كورونا داخل الأسر تعني بأنه سيتم دفنك في عزل قسم (8) في أسوء ظروف عرفتها البشرية، وعندما تنتهي فترة العزل هذه لن يتسنى لك أن تحضن زوجتك وأولادك وأهلك بل ستعود إلى العزل الأبدي في إحدى سجون الاحتلال الظالمة.

كورونا داخل الأسر تعني بأن تصل حرارتك إلى درجة مئوية لا يتحملها ميزان، ولا تجد حينها أي يد حنونة تربت على كتفك وتمسح على جبينك، بل ستجد السجان الذي جلب لك هذا الفيروس يأتي لينكل بك.

كورونا داخل الأسر تعني بأنه لا يوجد هنالك هواء نقي تستنشقه أو زهورات دافئة تشربها أو غذاء صحي تأكله، القسم الذي تعيش فيه مليء في الكورونا، وفي كل يوم يأتي إلينا مرضى جدد يحملون الفيروس، ولا ندري هل هو نفس الفيروس الذي حملناه أو من النوع الجديد الذي سيشكل خطورة جديدة علينا، كما أنه لا يوجد عندنا أي شيء نقوم بغليه في محاولة لتفادي نزول هذا الفيروس إلى الرئتين فتجدنا نُكثر من شرب الماء الساخن فقط.

كورونا داخل الأسر تعني بأنك لم تكتفي بمرارة الحياة التي تذوقتها منذ زمن بعيد، بل ستتذوق أيضًا مرارة الطعام الذي يشبه كل شيء إلا الطعام.

كورونا داخل الأسر تعني بأن يبدأ الأسرى يتساقطون من شدة المرض واحدًا تلو الآخر ولا أحد يكترث بهم، وعندما يصلون إلى سكرات الموت وتأتي إليهم قوات القمع الصهيونية لنقلهم إلى المشفى سيخرجون مكفنون باللباس الأبيض وهم يناشدون إخوانهم الأسر ويقولون أرجوكم لا تخبروا أهلي، لا أريدهم أن يقلقوا.

وإن سألتم عنا فبالرغم من كل هذه الظلمات وكل هذه المعاناة إلا إننا شامخون صابرون مؤمنون محتسبون، يأتي إلينا جبل الجرم بكل شموخه ليتأسى من كبرياء الروح فينا، لا يهمنا مرض أو بعد أو عذاب أو قهر، فقد خاطبنا ود ربنا وأنسنا به سبحانه وتعالى في هذه الظلمات، فكل هذه المعاناة تزول في أول دمعة تسيح على خدنا في ظلمة الليل ونحن منكسرون بين يدي الله سبحانه وتعالى نشكو بثنا وحزننا وألمنا إليه سبحانه وتعالى، نناجيه ونقول له افعل بنا ما تشاء، وأختر لنا ما تشاء، خذ من أعمارنا وصحتنا حتى ترضى، فنحن مالك ولك أن تحكم في مالك ما تشاء، فمن حكم في ماله ما ظلم، ولن نقول إلا ما يرضيك عنا، إنا لله وإنا إليه راجعون.

وأرجو ألا تفهموا يا إخوتي هذه الكلمات شكوى لأحد، فشكوانا لا تتحرر إلا لله عز وجل، وإنما هي كلمات صادقة خرجت من غياهب هذه الزنازين؛ لتشرح لكم حال أولادكم المنسيين وراء هذه القضبان وتذكركم بأننا اشتقنا للحرية والحياة.