خبر طي الحوار بأي ثمن تكرار للتجارب الفاشلة ..د. حسن أبو حشيش

الساعة 08:27 م|14 مارس 2009

ما نسمعه في الإعلام  وما يصل لنا من غرف وصالات الحوار في القاهرة شيء عجيب ,وفيه ملامح إصرار أمام بعض الأمور التي من شأنها أن تنسف كل الجهود , والتي تندرج تحت بند فرض الرؤى السياسية والإجراءات الفنية على الآخرين بحجة مصلحة الناس والقضية ولفك الحصار عن الشعب الفلسطيني .

فعلى سبيل المثال حتى اللحظة لم تتمكن حركة فتح من وقف نزيف الاعتقال السياسي في الضفة الغربية , وهذا بشهادة كل الجميع بما فيها فتح, والكلام هنا ليس على إطلاق سراح المعتقلين فقط بل وقف هذه الاعتقالات حيث لم تتوقف , ويتم استخدام سياسة الباب الدوار معهم و فمازال مئات المعتقلين في سجون فياض , ومازال مبدأ الاعتقال هو سيد الموقف في الضفة الغربية , فهل من المعقول طي الحوار في ظل وجود هذه الظاهرة , وعلى ماذا نتفاوض ونتحاور إذا كرامة وحرية الإنسان مهدورة ؟!

مثال آخر هو عنصر الزمن واستخدامه كسيف مسلط على رقاب المتحاورين ,فمنذ اليوم الأول قالوا لهم معكم ثلاثة أيام , ثم أسبوع ثم عشرة أيام , وكل يوم ينتهي زمنه يخرج علينا الإعلام وقالوا تم التمديد , وبات الزمن بالقطعة , كمن يُشغل مُحرك السيارة ويقول للركاب معكم دقيقة أو ساعة للركوب بأي ثمن أو هيئة وإلا تركتكم ومشيت ؟! فهل هذا يُعقل ؟! وهل هذه طريقة للحل الهادئ الناضج الواعي بحقوق العباد والبلاد ؟! في العُرف والعادة حل أقل مشكلة بين عائلتين على شيء بسيط جدا لا حقوق فيه يسترق  ثلاثة أيام  , ويتم التجديد والتمديد للوجهاء وأهل الخير والإصلاح حسب المشكلة وطبيعتها ... فما بالك بأزمة بلد وفكر وممارسة , وحقوق آدميين وحقوق فلسطين ومصيرها ومستقبلها..!!! فكل المواضيع الخمسة العريضة مُتجذرة في التاريخ ومُعقدة في تفاصيلها , فمنظمة التحرير تعيش في أزمتها منذ أربعة عقود , والأجهزة الأمنية عمر أزمتها  مصاحب لتأسيس السلطة وهو خمس عشرة سنة , والمصالحة وإعادة الحقوق للمواطنين كذلك عمره خمسة عشر عاما , والانتخابات والحكومة كذلك ... فكيف سيتم تفكيك عقدها , وتذويب الجليد المتراكم عبر السنوات , من خلال لقاءات استعراضية أو ماراثونية ؟!

 

إن اللقاء والحوار يحمل في طياته بعدا استراتيجيا , ويسعى إلى صياغة واقعية جديدة للخارطة السياسية الفلسطينية , تنصف الجميع , فلا يُعقل إنجاز ذلك على طاولة إفطار أو غداء أو عشاء ... صحيح أننا لا نرغب بالحوار كهدف بل وسيلة للوفاق والاتفاق , وصحيح لا نُريد حوار طرشان ومفتوح بلا هدف وبلا بوصلة ... لكن في نفس الوقت لا نريد حوارا محصورا ومأزوما ومحكوما بأجندات محددة لا يجوز له الخروج عنها .

 

 كذلك موضوع الحكومة الفلسطينية وبرنامجها السياسي , غريب المطروح هو برنامج ترضى عنه الرباعية , وهذا إعادة للوراء , وتعارض فظ مع طبيعة الحوار وهدفه , وهو اشتراطات وفرض رؤى , لا ينبغي طرحه في الحوار لأنه يتخاصم معه تخاصما واضحا.فالفلسطينيون قبل ذلك ناقشوا برنامجا سياسيا يتفق عليه الجميع بالحد الأدنى , وتبلور ذلك في وثيقة الاتفاق الوطني , وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية التي تشاركت به كل الكتل البرلمانية باستثناء الشعبية, فعودة الحديث عن برنامج يرضى عنه الاحتلال والرباعية هو مهزلة وعار وعيب وغير لائق , وهو محاولة لتحقيق مكاسب على حساب ثوابت الشعب الفلسطيني عجزوا عن تحقيقه بكل السبل الخبيثة بما فيها الحرب المدمرة على مدار ثلاث سنوات. هذا الموقف لا ترفضه حماس لوحدها بل غالبية الفصائل بما فيها بعض فصائل منظمة التحرير ولكن فتح تُصر عليه .

 

هذه الأمور هي نماذج لما يجري , فنحن نقول إذا الانتخابات نريدها حسب موقف عباس وفتح , وإذا المنظمة نريدها كما هي لا تغير في فلسفتها ولا تغير في بنيتها , وإذا برنامج وشكل الحكومة نريدها على مزاج الرباعية , وإذا الأجهزة الأمنية لا نريد أي تغير جوهري في عقيدتها وهدفها وبنائها ؟!.. فعلى ماذا نُحاور ؟! ولماذا الحوار ؟! والسؤال الأكثر إلحاحا لماذا تحاصرنا , ؟! ولماذا شُنت علينا حربا غير مسبوقة ؟! فهذا الحديث بهذه الهيئة والمضمون لم تراع التطورات , وفشل كل الأساليب في ثني حماس عن مواقفها ؟!

 

إن فتح تنطلق من عقلية الإستقواء والشرعية ,ومازالت تقف على الأطلال وتُفكر أنها الوحيدة التي تتحكم في القضية الفلسطينية , لذا نجدها أسيرة نفس طرحها القديم ووكأن شيئا لم يتغير ووكأن صفها موحد , وموقفها موحد , وكأن شعبيتها كاسحة , وكأنها تملك زمام الأمور في الضفة والقطاع والخارج!!!

 

إننا نؤكد على واقعية الحوار و موضوعيته , وأن يُعطى الفرصة الكافية ,ويكون واضحا ووطنيا , ومنسجما مع التضحيات والصمود والصبر , ومنسجما مع تطلعات وتوجهات الشعب الفلسطيني ... ويرفض الشعب رفضا قاطعا حوارا لإنتاج الماضي الأليم الأسود , ويكرس الفساد والمفسدين , ويستخدم الابتزاز وحاجة المواطن للضغط وجلب مواقف سيئة.