خبر المصالحة بين الأخوة كارامازوف: كيف ومتى؟ ..بقلم: د . محمد أيوب

الساعة 09:12 ص|14 مارس 2009

      

أخيرا اتفق الفلسطينيون بوساطة مصرية على تشكيل لجان الحوار الخمسة إضافة إلى لجنة المرجعية التي تتكون من الأمناء العامين للفصائل المشتركة في الحوار، ولعل هذه الخطوة تشكل بارقة أمل على طريق الخلاص الفلسطيني من كابوس الانقسام وإثبات بطلان تلك القاعدة التي تقول: إذا أردت أن تقتل أو تمَيِّع موضوعا شكل له لجان لمناقشته، ولعله كان من الأفضل لنا جميعا استبدال كلمة المصالحة بكلمة الوفاق، لأن المصالحة تحمل في طياتها مفهوم العداء والخصومة الشديدة بينما توحي كلمات الوفاق بوجود اجنهادات متباينة يمكن حلها بالتفاهم والتنازلات المتبادلة، ولما كان الهدف من لقاءات القاهرة هو ردم الهوة بين الفريقين الكبيرين، أجد لزاما علينا أن نتطرق إلى النقاط الحساسة بصدر رحب وبموضوعية دون أية حساسيات، فقد مرت في نهر العلاقات الفلسطينية الفلسطينية مياه كثيرة عكرتها التدخلات الإقليمية مع أو ضد هذا الطرف أو ذاك.

 

منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وقبل قيامها مرت المناطق المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بتطورات بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي، فقد وقعت أحداث عنف تعرض لها الكثيرون أثناء الانتفاضة الأولى سنة 1987م لأن الثورة الفلسطينية لم تستفد من تجربة الثورة الفيتنامية وتجارب الثورات الأخرى ولأن النزوات الفردية تحكمت في كثير من الأمور مما أدى إلى تعرض البعض للظلم لمجرد الشبهة دون أية ركائز منطقية.

 

إن من يريد تحقيق المصالحة الوطنية يجب أن ينزع صواعق المشاكل الكامنة منذ عام 1987م وحتى الآن كي لا تظل روح الانتقام كامنة في النفوس خصوصا وأن عقليتنا ما زالت أسيرة النزعة القبلية والعشائرية، إن قتل شخص ما بهذه الذريعة أو تلك يشوه سمعة أسرته ويمزق النسيج الاجتماعي للمجتمع، بل يزرع الحقد والكراهية في النفوس ويثير الرغبة في الانتقام، ولكي نطفئ نيران الثأر والكراهية لا بد من محاكمة كل من ارتكب أعمال عنف أو من أصدر أمرا بارتكاب أعمال عنف بدلا من الركون إلى مقولة عفا الله عما سلف وأنه من حق ولي الأمر أن يعفوا وأن يدفع الديات للقتلى والتعويضات للمعاقين وما أكثرهم، فقد اعتاد أصحاب العقلية القبلية أن يأخذوا الدية ويضعوها جانبا إلى حين الأخذ بالثأر ليعيدوا دفعها لأهل المقتول أخذا للثأر، لذلك فإن المحاكمات العادلة كفيلة بإخماد النيران المتأججة في النفوس على أن يترك لولي الدم حرية الاختيار بين الإصرار على تنفيذ حكم القضاء العادل  أو القبول بالدية والعفو عمن صدر ضده حكم قضائي مهما بلغت شدة هذا الحكم.

 

ولكي تتحقق العدالة ويتحقق السلام والاستقرار في المجتمع الفلسطيني لا بد من إعادة النظر في كافة التعيينات  في سلك القضاء بحيث يكون المعيار الوحيد للتعيين هو مبدأ الكفاءة والنزاهة والموضوعية لا الولاء الحزبي، كما يجب إعادة النظر في كافة الترقيات في سلك التعليم والصحة استنادا إلى المبدأ السابق نفسه حتى يشعر جميع أفراد المجتمع بوجود العدالة وتكافؤ الفرص في مجال التوظيف والترقيات التي تتم هنا وهناك على أسس غير محكومة بالمنطق أو النزاهة، كما يجب بناء المؤسسة الأمنية على أسس مهنية بحتة بعيدا عن المعايير الحزبية الضيقة وبدلا من المحاصصة التي جرت علينا الويلات التي كنا في غنى عنها، إن منطق المحاصصة يشكل قنبلة موقوته قابلة للانفجار في أية لحظة لتصيب بشظاياها جميع شرائح المجتمع الفلسطيني، إن الوطن ليس ملكا لفتح أو حماس أو لهما معا، الوطن للشعب الفلسطيني، والشعب في غالبيته يعاني من حالة الانقسام، وقد مل الصراعات الحزبية التي لم تحقق إلا مزيدا من الويلات والمعاناة، فقد تبخرت آمال الشعب الفلسطيني أو كادت في قدرة فصائله على إنجاز حلم الدولة، إن على الفصائل الأخرى أن تتشبث بالموضوعية والجرأة في طرح المواقف التي تعكس مصالح الشعب الفلسطيني حتى لا يتحول الحوار إلى حوار بين الفصيلين الكبيرين، وحتى لا تصبح هذه الفصائل مثل شهود الزور الذين يذهبون راكبين ويعودون سيرا على الأقدام بعد أدائهم شهادة الزور لصالح هذا الطرف أو ذاك، من واجب المتحاورين في القاهرة أن يستخلصوا العبر من أحداث الماضي لتصحيح المسار كما يفعل الطرف المقابل الذي يشكل اللجان لاستخلاص العبر من الأحداث التي يتعرض لها كما حدث بعد حرب أكتوبر  وحرب تموز في جنوب لبنان( لجنة غرانات ولجنة همخدال)، كما يجب على الجميع الالتزام بمبدأ النقد والنقد الذاتي لأن الاعتراف بالخطأ يقطع الطريق على من يريدون عرقلة المسيرة الوطنية، ومن حقنا أن نطالب الجميع بترسيخ مبدأ سيادة القانون وتطبيقه على الجميع دون تمييز، أما أن يطبق القانون على البعض بينما يظل الآخرون فوق القانون فهذا أمر غير مقبول، أولمرت رئيس وزراء إسرائيل يخضع للتحقيق وسيقد للمحاكمة، وقد حوكم رابين لأن زوجته كانت تحمل ألف دولار مخالفة بذلك أوامر منع خروج العملة الصعبة من إسرائيل، كما تعرض نتنياهو للمحاكمة بسبب تلقيه هدايا، فهل رأينا مسئولا عربيا يسائله شعبه وتحقق شرطة بلده معه حتى تثبت براءته أو إدانته.

 

أما بالنسبة للإعلام فقد مل الشعب الفلسطيني فضائيات الردح الحزبي التي تغرس الأحقاد وتنميها، إننا نطالب جميع المتحاورين بتشكيل لجنة إعلامية وطنية عليا تستند إلى برنامج يتساوق مع الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني وأن تغلق الدكاكين الإعلامية الحزبية من فضائيات أو إذاعات، على أن يحترم الجميع حرية الرأي وألا يمنع الآخر من التعبير عن رأيه في حدود عدم المس بكرامة أو حقوق الآخرين، إن تعدد الآراء والاجتهادات علامة من علامات الوعي ودليل على سلامة المجتمع من الأمراض الاجتماعية القاتلة كالنفاق والمداهنة السياسية، كما يجب التأكيد على أهمية احترام كرامة المواطن وعدم الاعتداء عليه لأتفه الأسباب، إن كلمة احتجاج من مواطن بسيط تعرضه للضرب المبرح دون أن يجد من ينصفه، بل تتم عملية لملمة للموضوع تنتهي بسكوت المواطن خشية أن يتعرض لأذى أكبر، إن المواطن المقهور لا يحقق النصر ولا يبني المجتمع، يسكت خوفا أو طمعا ولكنه ينتقم حين تتاح له فرصة الانتقام سواء أكان الانتقام عن طريق صندوق الاقتراع أو عن طريق العنف إذا فاض به الكيل، وهذا يقودنا إلى الحديث عن حكومة التوافق والانتخابات.

 

إن من أهم واجبات حكومة التوافق الإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة حتى نخرج من مصيدة الانقسام، ولا مجال للحديث عن التوافق بين الفصيلين الكبيرين على تأجيل الانتخابات، لأن هذا التأجيل يحمل في طياته قنبلة موقوتة قابلة للانفجار وبعثرة جهود المصالحة من جديد، حذار من أن تعمينا المصالح الحزبية وأن تبعدنا عن رؤية المصلحة الوطنية العليا في تجاوز حالة الانقسام وليفز  في الانتخابات من يمنحه الشعب ثقته وعلينا وعلى العالم أجمع أن يحترم خيار الشعب الفلسطيني إن كان هذا العالم الذي يدعي بأنه حر يحترم الديمقراطية وحق الشعب أي شعب في اختيار من يدير شئونه لفترة محدود وأن يجدد ثقته أو يحجبها بناء على مدى التزام من فاز بالدفاع عن مصالح الشعب بدلا من اضطهاده والاستهانة بكرامته.

 

* كاتب وأكاديمي فلسطيني يقيم في قطاع غزة.