جدل بعد تلاوة مطربة سودانية القرآن في حفل تأبين محمود محمد طه

الساعة 06:47 م|23 يناير 2021

فلسطين اليوم- وكالات

أثارت مطربة سودانيّة موجة غضب عارمة لتلاوتها القرآن الكريم بطريقة مختلفة

وانتشر قبل أيام فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ للمطربة السودانيّة آمنة حيدر، وهي تتلو آيات من سورة "النبأ"، بأسلوب ملحّن مثل الأغاني

اعتاد الناس على سماع التلاوات بالمقامات المعروفة، كمقام الحجاز، أو البيات، أو الرسيت. لذا بدت قراءة آمنة للكثيرين غربية، ومستهجنة

وقد انقسم المعلّقون بين معارض وغاضب لفكرة "تلحين القرآن، أو التغنيّ بالآيات"، وآخر مؤيّد "لإدخال مقامات موسيقيّة جديدة في التلاوة ، أو الإنشاد الدينيّ"

ينطلق المعارضون في موقفهم، من أن تلحين القرآن فكرة مُحرّمة، لما يحمله من قدسية، ومكانة خاصة. ويستدلون بأحاديث لشيوخ حول أحكام ترتيل القرآن، وأصول التجويد

ومن هذا المنطلق، يرى قطاع واسع من المعلّقين في ما أقدمت عليه الفنانة السودانيّة فكرة مذمومة، وتشويها للقرآن

كما استغرب آخرون تجاوزها لحدّ الآيات، وطالبوا بالقبض عليها، وبوضع حد لهذه التصرفات "المستفزّة، التي لا تراعي مشاعر المسلمين، وتهدف إلى صرف السودانيين عن قضاياهم الأساسية" وفق قولهم

كذلك أشار آخرون إلى "الفرق الكبير بين تلحين الآيات، وبين التغنيّ بها، وهو تحسين الصوت"

وفي هذا الإطار علّق الداعية السودانيّ، عاصم محمد السيد، قائلا: "هناك نوع يسمى التغني بالقرآن، وهو أن يعطي الشخص القرآن حقّه ومستحقه، وأن يقيم حروفه كما هي، ويرتّل ترتيلا"، مضيفا أن "هذا التغنّي يختلف عن الغناء الذي قدّمته آمنة"

وشبّه الداعية ما أقدمت عليه الفنانة بـ"ترانيم الكنائس"

على الجهة الأخرى، يقف المدافعون عن آمنة حيدر. فهم يعتبرون قراءتها مقبولة، طالما أنها التزمت بالنص القرآنيّ، ولم تدخل عليه الآلات الموسيقية، أو تحرف كلامه

ولا يعارض هؤلاء فكرة إدخال مقامات موسيقيّة جديدة على قراءات القرآن المعروفة، أو حتى تلحينه

وذكر البعض بأن شيخ الملحنين (زكريا أحمد)، والموسيقار محمد عبد الوهاب كانت لهما محاولات لتلحين القرآن، لكن تلك المحاولات لم تر النور، خلافا لما يعتقد البعض، كما أن عبد الوهاب أكد أن تلحين القرآن الكريم لا يعني إدخال فرقة موسيقية، أو الإخلال بأحكام قراءة القرآن أو تجويده، بحسب ما جاء في مؤلف: "تلحين القرآن بين أهل الفن ورجال الدين" ، للصحفيّ المصريّ الراحل ضياء الدين بيبرس

وقد قابل مشايخ الأزهر، ودار الإفتاء المصريّة آنذاك الأمر بالرفض، ولا تزال دار الإفتاء المصريّة ملتزمة بموقفها ذاك، إذ اعتبرت أن "قراءة القرآن ملحنًا تلحينًا موسيقيًّا، وسماعه مصحوبًا بآلات موسيقية، أمر محرّم شرعا"

جاء ذلك في تدوينة نشرتها في ٢٠١٨ تعقيبا على مقطع فيديو، أظهر منشدا يتلو آيات قرآنية على أنغام الموسيقى

من جهة أخرى، يرى فريق من المعلقين، أن الجدل حول فيديو آمنة حيدر، له أبعاد سياسيّة وجندريّة

ويعترض المغرد (صدّيق محمد) على الفيديو المنتشر لعدة أسباب، أهمّها "أن القارئة امرأة لم تلزم بالخشوع، وخالفت أحكام التجويد والتلاوة، التي يجب ألا تكون ملحّنة، خصوصا أن بعض الشيوخ حرّموا الموسيقى والغناء"

بينما ترى مغردة أخرى، أن الجدل حول الموضوع متعلّق بكون القارئ امرأة، تتميّز برقّة صوتها، فتكتب: هذا لا يعتبر تلحينا للقرآن، وهو يشبه إلى حد كبير تلاوة نورين محمد صديق (أحد أشهر مقرئي القرآن الكريم في السودان)"

كذلك، وصف آخرون الضجّة المثارة بالحيلة السياسيّة

وكانت آمنة حيدر قد تلت آيات قرآنيّة خلال مشاركتها في حفل تأبين مؤسّس الحزب الجمهوريّ، محمود محمد طه، الذي أُعدم سنة 1985، بسبب أفكاره المثيرة للجدل

وبنى محمود محمد طه أفكاره على ضرورة العودة إلى "الآيات المكية باعتبارها الأصل في الإسلام، في حين أن الآيات المدنية نزلت على الرسول ليحكم من خلاله في الزمن الذي كان يعيش فيه."

جرت عليه أفكاره انتقادات لاذعة من داخل والسودان وخارجه، حتى أصدر قرار بإعدامه بتهمة الردة

كما صدر قرار آنذاك بمصادرة أمواله، وحرق كتبه، ومنع الصلاة عليه، وعدم دفنه في مقابر المسلمين

والغريب أنه بعد عام تقريباً من وفاته، صدر حكم بإلغاء إعدامه

ولحد الآن، لا يزال الاختلاف قائما حول أفكاره. فأنصاره يعتقدون أنه قدّم رؤية حقيقيّة ومعاصرة للإسلام، تتماشى مع المواثيق الحقوقية، في حين يتّهمه معارضوه بالدعوة إلى دين جديد، وبالمساس بأصول الدين

ثمّة من يرى في الجدل الأخير حول تلاوة آمنة حيدر، محاولة للترويج لأفكار (طه)، بعد أن طمست لعقود من قبل الحكومات المتعاقبة على حكم السودان

ومرّة اشتدّ النقاش حول إرث المفكّر السوادنيّ. يعارض فريق من المعلقين الأول فكرة استدعاء شخصيات مثيرة للجدل، ويعدّها خطوة تهدف لتغيير هويّة المجتمع السودانيّ المسلم، وفريق ثان يرحب بما أقدمت عليه المطربة السودانيّة، ويعتبرها محاولة للردّ الاعتبار لفكر (طه)، ودعوة إلى الاجتهاد الفكري، على قولهم

فيما يحذر فريق ثالت من "المفاصلات الإيدلوجية الحزبيّة التقليدية التي من شأنها تشويه النقاش الفكريّ، وتحويله إلى مصدرٍ للتقاتل ، بدل التكامل"

كلمات دلالية