خبر على هامش الشروع بعمل لجان الحوار: حذارِ من الهروب من مواجهة المشاكل ..بقلم: هاني المصري

الساعة 07:27 م|10 مارس 2009

من المقرر أن تبدأ اليوم في القاهرة اللجان، التي شكلت في جلسة الحوار المنعقدة في السادس والعشرين من الشهر الماضي، العمل على أن تنتهي من عملها وترفع توصياتها مع نهاية الشهر الجاري كحد أقصى.

 

في هذا السياق حسناً فعل الدكتور سلام فياض رئيس حكومة تسيير الأعمال بتقديم استقالته عشية بدء اجتماعات اللجان، من أجل تسهيل نجاح الحوار والضغط باتجاه تشكيل حكومة وفاق وطني. ويا حبذا لو يفعل اسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة الشيء ذاته. رغم أن الاستقالة لهذه الحكومة أو تلك، لا تعني عمليا الشيء الكثير، ففي الضفة حكومة تسيير أعمال وفي غزة حكومة مقالة، ولكنها خطوة تنطوي على مسؤولية وحنكة سياسية وتعطي إشارة إيجابية تساعد على إنجاح الحوار وبأسرع وقت ممكن.

 

هناك خشية يلمسها المرء في عدة ظواهر، تتمثل في أن هناك من يدفع الى تجنب الاقتراب من مواجهة العقبات والمشاكل التي أدت الى حدوث الانقسام، ولا تزال تؤدي الى استمراره وتحول دون إنهائه واستعادة الوحدة.

 

إن هذه الطريقة ساهمت في السابق، ويمكن أن تساهم الآن في عدم التوصل الى حلول حقيقية، وتعتبر وصفة مؤكدة لانهيار أي حل يتم الاتفاق حوله.

 

لا بديل عن مواجهة العقبات الحقيقية، وهي: البرنامج الوطني، الأساس الديمقراطي للنظام السياسي الفلسطيني ووحدته خصوصا وحدة السلطة والمنظمة، وأشكال النضال والعمل خصوصا فيما يتعلق بالمفاوضات والمقاومة، ومسألة الشراكة الوطنية بعيدا عن المحاصصة الفصائلية، وأخيرا التداخلات والمؤثرات الاسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية.

 

لا يحل شيئا القول إن الحكومة القادمة انتقالية وعلى جدول أعمالها مهمات محددة مثل توحيد الوطن، وإعادة إعمار غزة ورفع الحصار، والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، وإن البرنامج السياسي من مهمات م.ت.ف، هذا يؤدي الى تجنب المشاكل الكبرى لا حلها، بحيث تظهر أمامنا وهي أصبحت أكبر.

 

فكيف يمكن تحقيق برنامج هذه الحكومة المذكور إذا لم يجمع مكوناتها والفصائل والأحزاب التي تشارك بها أو تدعمها من الخارج رؤية واحدة، وبرنامج واحد، وأهداف واحدة وأشكال نضال وعمل واحدة. لا نريد حكومة تكون مجرد غطاء لاستمرار الانقسام. وكيف يمكن لحكومة في سلطة تحت الاحتلال أن تعزل نفسها عن السياسة، فالسياسة تدخل إليها من كل الأبواب والنوافذ حتى لو كانت حكومة تكنوقراط فنحن في منطقة يتداخل فيها الأمن مع الاقتصاد مع السياسة بصورة لا مهرب من الترابط فيما بينها على الإطلاق.

 

وهناك من يقول إن الحكومة القادمة مهما كان شكلها، هي حكومة الرئيس ويجب أن تلتزم بالتزاماته وبرنامج م.ت.ف ونقطة على السطر.

 

نعم هذا صحيح ولكن يجب ألا ننسى أن الانقسام حدث بسبب وجود خلافات لا يمكن حسمها دون اتفاق، وهنا لا يكفي القول فلتلتزم الحكومة القادمة بالتزامات الرئيس، بل يجدر بنا جميعا أن نقف أمام برنامج المنظمة والالتزامات التي تلتزم بها، بعد مرور أكثر من 15 عاما على توقيع اتفاق أوسلو، فقد جرت مياه كثيرة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن أبرزها أن اسرائيل لم تعد عمليا تلتزم باتفاق أوسلو. واسرائيل تتجه الآن لتشكيل حكومة يمينية متطرفة لا تؤمن حتى من حيث الشكل والاسم بإقامة دولة فلسطينية. ومع وجود الالتزامات قال الرئيس أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، إنه لن يتعامل مع أية حكومة إسرائيلية لا تلتزم بالاتفاقات ومبادئ عملية السلام وحل الدولتين ولا توقف الاستيطان. فلنضع على الأقل شرطا للوفاء بالالتزامات الفلسطينية أن تفي اسرائيل بالتزاماتها، ولتتذكر أولا وأساسا أن هناك أزمة في العمل الوطني، ولا يمكن تجاوزها دون وضع رؤية استراتيجية قادرة على تجاوزها.

 

لا مهرب من البرنامج السياسي، وإذا تم القفز عنه في الحكومة سنجده أمامنا في المنظمة. ولا نستطيع أن نذهب الى انتخابات، ولا الى إعادة توحيد وإصلاح الأجهزة الأمنية وتحويلها الى أجهزة مهنية بعيدا عن الحزبية، ولا الى المصالحة، وتوحيد شطري الوطن حقا وليس قولا، دون أن نجري مراجعة جريئة وعميقة لتجربتنا فيما يتعلق بمسيرتنا السياسية واستخلاص الدروس والعبر التي أهمها:

 

أولاً: ضرورة الاتفاق على ركائز للمصلحة الوطنية العليا، يتفق عليها الجميع بغض النظر عن الخلافات السياسية والبرامج الحزبية والفصائلية، بحيث تكون فوق المصالح الفئوية والفردية والفصائلية.

 

ثانياً: لكي نلعب لعبة الانتخابات معا، يجب أن تكون هناك مرجعية عليا نستند اليها، ويجب أن يكون هناك اتفاق على قواعد اللعبة الديمقراطية، من حيث الابتعاد عن العنف والإقصاء والتكفير والتخوين واستخدام الأساليب السلمية والقانونية لحل الخلافات، واللجوء الى الانتخابات على كافة المستويات والأصعدة بشكل دوري ومنتظم.

 

ثالثا: وحتى يكون نظامنا السياسي ديمقراطيا حقا، وصلبا وقادرا على مواجهة التحديات يجب أن يؤمن الشراكة الوطنية الحقيقية على أساس سيادة القانون وتداول السلطة وفصل السلطات واستقلالها وحرية الإعلام والمساواة وتكافؤ الفرص ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب على أساس معايير تجسد الانتماء الوطني والتأهيل والكفاءة والخبرة والإنتاجية.

 

إذا واجهنا العقبات يمكن أن نتوصل الى اتفاق وأن نجد حلا قابلا للصمود والانتصار. فهل نجرؤ على ذلك؟ أما إذا تهربنا من العزم على إزالة العقبات يمكن أن نفشل، أو نصل الى حل ضعيف جدا، معرض للانهيار. صحيح أن أي حل أفضل من لا شيء، وأفضل من الوضع الراهن، ولكن صحيح أن على الجميع أن ينظر الى الأمام... الى المستقبل، وينسى الماضي الأسود الدامي، ولكن على الجميع أن يطل إطلالة واحدة، بين الفينة والأخرى، على الماضي القريب الذي لا يزال حاضرا ويتذكر الى ماذا أدى تجنب مواجهة المشاكل، وما عانيناه من اقتتال وانقسام، وما كان مصير اتفاق مكة، وحكومة الوحدة الوطنية!!

 

رابعاً: حتى نقطع الطريق على التدخلات الخارجية الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية لا بد من اعتبار المصلحة الوطنية والبرنامج الوطني البوصلة التي تهدي كل خطواتنا، فإسرائيل مصلحتها استمرار الانقسام وتعميقه وتحويله الى انفصال دائم، وهناك محاور عربية وإقليمية ودولية تستخدم القضية الفلسطينية في مصلحتها، في حين يجب على القضية أن تستخدم الجميع لمصلحتها، فالقضية الفلسطينية عادلة، وقادرة إذا أتقن أهلها اتباع المواقف والخطوات المناسبة على الحصول على دعم الجميع في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه الرامية لتصفية القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها وأبعادها!!

 

·        كاتب ومحلل سياسي فلسطيني.