خبر عدالة السيد أوكامبو.. الأميركية ! ..ماهر رجا

الساعة 11:21 ص|10 مارس 2009

 

السودان في مرصاد بندقية الاستهداف الغربي مجدداً .. والحكاية تذكر بماض له صلة:

ذات يوم ، بعد هجمات الحادي عشر من أيلول، قاطع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش جلسة لهيئة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض.. وبعد ان استمع منهم إلى مسار الأمور، توجه إليهم قائلاً فيما كان يهم بالمغادرة: (جيد ما فعلتموه حتى الآن.. لكن أنا لا أرى العراق في تقيماتكم.. ابحثوا ما إذا كان العراق قد فعل الأمر.. نريد صلة ما بالعراق..)...

ويذكر المستشار السابق لشؤون مكافحة الإرهاب في إدارة بوش ريتشارد كلارك في كتاب حمل عنوان "ضد الأعداء جميعاً  ان الرئيس  ظل يكرر اسم العراق وهو يغادر مكان الاجتماع.... استقال كلارك لأسباب متعددة ، لكن كان لبوش ما أراد في النهاية، فقد تواجد من يتلهفون لإيجاد الصلة التي أرادها بين العراق وأحداث أيلول..

واليوم ، يتكرر أمر مماثل في مواجهة السودان .. يتكرر بصيغة مختلفة.  ومع أن  البيت الأبيض الأميركي يحاول أن يبدو  خارج الصورة هذه المرة،  فإن اللعبة الجهنمية هي ذاتها.. هنا، وكما حدث للعراق،  تتوفر تهمة دولية يمكنها أن تجيش الامبراطوريات الاستعمارية ضد بلد عربي وحيد، ويتوفر أيضاً رجل يريد أن يصل سريعاً ..

السيد  أوكامبو مدعي عام محكمة الجنايات الدولية، يبدو الشخص المناسب لفهم الإشارات الأميركية والصهيونية عن معنى العدالة الدولية حين يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين.. ولعله قرأ سير سابقين مشابهين له من أمثال الإسترالي ريتشارد باتلر الذي تولى تزوير الحقائق بشأن ما سمي ملف العراق النووي حين كان مديراً للجنة التفتيش الدولية.

 مهمة السيد أوكامبو لم تكن صعبة.. العدالة عمياء أصلاً،  وكان عليه فقط أن يقوم بالبحث في السودان عن شيء يجب أن تبحث محكمته عنه في الكيان الصهيوني، فهو يعلم جيداً أن مجرمي الحرب يختبئون هناك وليس في السودان.. لكن المهمة تقضي إجراء تعديلات على الأماكن وعلى مواقع الجناة والضحايا...

تلك هي العدالة الدولية في فصل آخر.. إنها تملك عيوناً ترى كل شيء ولكنها لا ترى إسرائيل وجرائمها..  لم يفكر محلفو المحكمة الدولية ، مجرد التفكير، بإصدار مذكرة اعتقال بحق  باراك أو أولمرت أو ليفني أو أشكنازي.. لم يروا أفران غاز الفسفور في غزة... محكمة السيد أوكامبو لم تر 1450 شهيداً فلسطينياً جلهم من الأطفال حصدتهم آلة القتل الصهيونية في بضعة أيام.. لم تر تلك المحكمة 6000 جريح في غزة، ووعدداً ممائلاً ممن بترت أطرافهم أو شوهت أجسادهم وأصبحوا من ذوي العاهات المستديمة في القطاع... ، لم ير واضعو لوائح الاتهام  اللاجئين الفلسطينيين في غزة الذين شردوا مرتين وهم يستترون من البرد بخيام لا تقف في وجه الريح والمطر، ويتقون الجوع بكسرات من الخبز لا تتوفر دائماً، ويدفنون شهداءهم بما تبقى من الدموع...  لم تر محكمة الجنايات إثني عشر ألف أسير فلسطيني من رجال وأطفال ونساء في السجون الإسرائيلية، ولا أقلقها أن  يسجن الاحتلال شعباً كاملاً، ويمارس ضده يومياً إبادة جماعية لا تتوقف فصولها..

كل ذلك كان عنوانه بالنسبة للسيد أوكامبو ومحكمته ومن يقف وراءهما ، بلداً واحداً هو السودان.. ذلك البلد الذي مازال يحاول أن يقود حواراً وطنياً داخلياً ، ويجهد في ذلك في محافل مختلفة آخرها في الدوحة، عله يجنب البلاد  سكاكين التقسيم التي يعملها الغرب الاستعماري في جسده جنوباً وشرقاً وغرباً..

على أن الحكاية تروي نفسها ولا حاجة إلى الرواة.. إنه مجدداً مشهد آخر من مشاهد إذلال أمة العرب.. الأمة التي قبل فيها البعض أدوار الخنوع .. ثم فتحوا أبواب القلعة أمام جحافل الغزاة.