في مخاطر التطبيع العربي (الخليجي): أربع هشاشات.. بقلم: خالد الحروب

الساعة 01:20 م|19 ديسمبر 2020

فلسطين اليوم

ثمة زوايا عديدة بالإمكان النظر من خلالها لمحاولة فهم اندفاعة التطبيع الخليجي مع إسرائيل وتحليلها والتفكير فيما يمكن عمله لمقاومة ما ينتج عنها. تتأمل هذه الأسطر إحدى هذه الزوايا، ومن خلالها تركز الضوء على ما يمكن وصفه بـ «الهشاشات العربية الأربع الممُهدة للتطبيع»، بأمل أن تساهم في تعميق فهمنا للمشهد، وبالتالي اجتراح الأدوات والسياسات الفعالة لمواجهة الخراب والتخريب المرافق لهذا التطبيع.

والهشاشات المقصودة هنا هي: هشاشة غياب الحرية، والهشاشة الأيديولوجية والثقافية، والهشاشة الديموغرافية، وهشاشة المسوغ الإقليمي. ليست هذه الهشاشات حصرية، إذ قد تُضاف إليها هشاشات أخرى مهمة، كما أنها تنطبق على الدول والمجتمعات العربية بتفاوت في الدرجة والعمق أو الاتساع. بعضها، مثلاً، يبرز بوضوح في دول الخليج العربي أكثر من غيرها، وبعضها الآخر يتشابه ويتقارب تأثيره في معظم الدول العربية وربما غيرها. والمهم هنا هو الانتباه إلى آلية اشتغال هذه الهشاشات في البنى التحتية السياسية والاجتماعية والثقافية في الدول المنُدرجة في التطبيع، وبالتالي استكناه كيفية مواجهتها وأخذها في الحسبان في إستراتيجيات المواجهة والتفكيك.

تتجمع الهشاشات بعضها مع بعض وتقدم عدداً من المجتمعات والأنظمة العربية فريسة سهلة للاختراق من قبل أيديولوجية صهيونية ويهودية صلبة ومتماسكة ولها أهداف واضحة، متمثلة في المشروع الصهيوني الشرق أوسطي الثلاثي الذي يقول إن ازدهار المنطقة مرهون بتحالف بين العقل الإسرائيلي، والمال الخليجي، والأيدي العاملة العربية الرخيصة.

أولاً: هشاشة غياب الحرية

معظم البلدان والمجتمعات العربية تعيش تحت وطأة استبدادات سياسية متنوعة الدرجة، وتغيب فيها الحريات المختلفة، وعلى رأسها الحرية السياسية وحرية التعبير عن الرأي. هذا يعني أن الشعوب العربية التي تعيش في دول قمعية تقرر التطبيع مع إسرائيل، لن تستطيع أن تعبر عن رأيها المعُارض، وتواجه الأصوات التي تعلو في وجه هذا التطبيع الاعتقال الفوري وكتم الصوت.

تاريخيّاً، هناك علاقة عضوية وطفيلية بين نشوء الاستبداد العربي وقيام المشروع الصهيوني منذ عهد الاستعمار البريطاني في فلسطين، واستمرت هذه العلاقة وتوطدت مع تجذر واستقواء الاستبداد العربي. جزء كبير من الأنظمة التسلطية الخائفة من شعوبها والفاقدة لشرعية داخلية بحثت دوماً، ولا تزال، عن حليف خارجي يعزز من سيطرتها، ومن تمكنها من بلدانها وشعوبها وثروات أوطانها. وجزء آخر من تلك الأنظمة وظف فلسطين و«المعركة مع العدو» من أجل تخليق شرعية للحكم القائم وإدامته. في كل الحالات، كانت الضحية المباشرة لهذا الاستبداد بتنويعاته الشعوب نفسها ومصالحها وحريتها في التعبير عن إرادتها المستقلة بشأن حاضر ومستقبل بلدها وثرواتها، بما في ذلك القرارات الكبرى والتوجهات الإستراتيجية مثل التطبيع مع إسرائيل.

في ذات الوقت، ظل الخوف من حرية الشعوب العربية هاجساً صهيونيّاً وإسرائيليّاً دائماً، لأن التعامل مع أنظمة فردية مُستبدة هو الأسهل فعلاً والمطلوب دوماً، سواء إسرائيليّاً أو أميركيّاً. على ذلك، لعب الاستبداد العربي الحاجز الواقي والحامي لأمن إسرائيل، وعزل الشعوب العربية وإرادتها عن الانخراط عمليّاً في الصراع والتأثير في القرار السياسي. لهذا السبب، بلغ القلق الإسرائيلي مداه خلال الربيع العربي الذي حمل معه احتمالات انفلات الشعوب نحو حريتها، ولإنهاء احتكار قرار السياسة والمصائر الكبرى من قبل نخب مستبدة وفاسدة. وتنفست إسرائيل براحة وعمق عندما تعثر الربيع العربي وعاد الاستبداد إلى العواصم العربية، بشكل أكثر تسلطاً وقمعية. ما نستنتجه من هشاشة الحرية وفي ضوء اندفاعة التطبيع الخليجية الحالية هو التأكيد على أن إسرائيل لا تستطيع أن تعتاش إلا على الاستبداد العربي وأنظمته التسلطية والتحالف العضوي معه.

لذلك، وفي المواجهة الإستراتيجية طويلة المدى مع المشروع الصهيوني، على الفلسطينيين أن يقفوا بكل قواهم مع مشروع الحرية والديمقراطية في المنطقة العربية ولكل الشعوب العربية، لأن هذا المشروع هو الذي يحرر إرادة الشعوب، ويتركها لتختار مواقفها من دون قمع الأنظمة المسُتبدة المتحالفة موضوعيّاً مع إسرائيل والولايات المتحدة.

ثانياً: الهشاشة الأيديولوجية والثقافية

في عصر ما بعد الأيديولوجيا عالميّاً وتمثلاته عربيّاً، وتأمل واقع الأجيال الشابة العربية الحالية، نلحظ أن هذه الأجيال لم تنخرط في تجارب أيديولوجية صلبة، تعمق من الفكر والفهم وتعزز روح الرفض والمجابهة. الجيل الشاب اليوم ممزق بين ضغوط إيجاد فرص عمل في بلدان تعاني اقتصاداتها من ضعف بنيوي متواصل، وضغوطات الحياة الاستهلاكية التي عملت على تشويه منظومات القيم وقلب الأولويات، في ظل ضخ إعلامي وسينمائي بالغ التسطيح. وتتفاقم الظواهر الاستهلاكية هذه في المجتمعات الثرية، خاصة في الخليج، حيث تصعد إلى سطح المجتمعات طبقة شبابية مشتتة في بوصلتها القيمية، ولم تمر في تجارب سياسية عميقة تصهر الأفراد والجماعات، وهمها الأساسي هو المنصب والثراء. إضافة إلى ذلك، وفي السياق الخليجي، لم تمر معظم بلدان الخليج وشعوبها في مراحل الانخراط الطويل في أيديولوجيات عميقة وصلبة إزاء القضايا الكبرى مثل القومية العربية، والماركسية، والإسلام السياسي. هذه الأيديولوجيات الصلبة اختلفت فيما بينها في الكثير من القضايا وإلى درجة الاقتتال، كما أنها عانت من الكثير من الاختلالات، لكنها اتفقت نظريّاً وسياسيّاً على أولوية وأهمية قضية فلسطين. وأنتجت ثقافة وإعلاماً ووجداناً شعبيّاً عميقاً لا يُهادن في هذه المسألة في المجتمعات التي ولدت وتجذرت فيها. وبقيت آثار ما أنتجته حتى يومنا هذا متمثلة في جوانب ثقافية وإعلامية ودينية عديدة، وصاغت الخطابات التي تسيدت مجتمعاتها في هذا الشأن. هناك استثناءات مهمة في الخليج بطبيعة الحال، فعلى الصعيد الماركسي، برزت مثلا ثورة ظفار في الستينيات وبعض امتداداتها في الخليج، وثمة استثناءات مُقدرة أخرى قومية عربية متمثلة في حضور التيار القومي العربي في الكويت والبحرين في مراحل تاريخية معينة، لكن الشرائح الأعرض من المجتمعات ظلت بعيدة عن تأثير هذه الاستثناءات. أما على مستوى الإسلام السياسي، فإن النسخة التي سادت المنطقة الخليجية هي نسخة الإسلام السلفي - الوهابي بتنويعاته المختلفة، لكن المتفقة في تياراتها الرئيسية على مركزية مسألة طاعة ولي الأمر، وهي المسألة المركزية التي ينظر لها علماء الساطين ويؤولون ويفسرون كل المواقف السياسية للأنظمة من منظورها الديني، ويبررون بها كل ما تقوم به الأنظمة، كما تشهد شواهد كثيرة.

في ظل غياب تلك الأبعاد الأيديولوجية الرافضة، ومع الرفاه والثروة اللتين جلبتهما الوفرة النفطية منذ سبعينيات القرن الماضي، فإن المجتمعات الخليجية سرعان ما وقعت فريسة النمط الاستهلاكي في الحياة، الذي تفاقم مع الانفجار الإعلامي والدعائي الذي صاحب العولمة الاقتصادية والإعلامية منذ التسعينيات إلى الآن. أما الأنظمة نفسها، فقد وجدت نفسها أمام مهمة الحفاظ على الثروة النفطية والتحكم بها بكل الوسائل، وأهمها التحالف مع الولايات المتحدة خارجيّاً، واعتماد نمط الدولة الريعية داخليّاً، الذي بموجبه يحظى المواطن بامتيازات ومنح كبيرة تحوله إلى مجرد متلقٍّ وتابع للدولة وسياساتها، وتتذرى بالتالي قدرته على الرفض والمعارضة، وهو ما يفسر جزئيّاً - وليس بالضرورة كليّاً - السكوت الشعبي في الخليج على التطبيع.

في ضوء ذلك، تشير المقارنة بين التطبيع الإسرائيلي مع مصر والأردن من ناحية والتطبيع مع الإمارات من ناحية أخرى، إلى أن عمق الصلابة الأيديولوجية والثقافية الشعبية والنخبوية والإعلامية في الحالتين المصرية والأردنية، حشرت التطبيع في الحيز الرسمي والأمني الضيق. بينما في الحالة الإماراتية وإلى درجة أقل البحرينية، نجد اندفاعة تطبيعية هائلة تقودها الدولة، لكن لا تلقى أية جدران صلبة داخليّاً للوقوف في وجهها، وجزء من تفسير ذلك يعود إلى الهشاشة الأيديولوجية والإرث الغائب والفعال للأفكار الكبرى، بالإضافة إلى تسيّد «النمط الاستهلاكي والتفاخري» في الحياة كشبه أيديولوجية بديلة.

ثالثاً: الهشاشة الديموغرافية

تبرز هذه الهشاشة بوضوح في بعض دول الخليج، خاصة الصغيرة منها مثل الإمارات، وقطر، والبحرين والكويت. في البلدين الأولين، تبلغ نسبة عدد السكان للوافدين والأجانب في حدود الـ10%. وهي تعكس خللاً ديموغرافيّاً يراه كثير من المحللين والخبراء الخليجين خطراً إستراتيجيّاً حقيقيّاً في بنية هذه البلدان، خاصة في ظل غياب حلول حقيقية بعيدة المدى له. في الحالة الإماراتية على وجه التحديد، ولكونها الأكثر اندفاعاً للتطبيع «الدافئ» ومتعدد المجالات، يبلغ تعداد السكان الإجمالي حوالي العشرة ملاين، منهم مليون إماراتي أو أكثر قلياً. يُضاف إلى هؤلاء، من ضمن الوافدين العرب والأجانب، نصف مليون غربي تقريباً (بريطاني، وأميركي، وأوروبي، وكندي... إلخ)، ومعظم هؤلاء يشتغلون في مناصب إدارية وتقنية عُليا، وهناك أيضاً مليونان ونصف المليون هندي، ومليون ونصف المليون باكستاني، وثلاثة أرباع المليون بنغالي. إذا ركزنا على الإماراتيين من زاوية القدرة على إدارة العشرة ملاين الموجودين في البلد، وحسب التركيبة السكانية التي تغلب عليها سمة الشباب، فلنا أن نقول إن نصف مليون تقريباً من الإماراتيين هم تحت سن العشرين، وبالتالي خارج معادلة الإدارة والقيادة. يتبقى نصف مليون آخر هم في سن يمكن الاعتماد عليهم في الإدارة العامة لموارد البلد واقتصاده وسياسته. من النصف مليون المتبقي، ينبغي حسم ما بين الثلث إلى النصف تقريباً، وهي فئة النساء غير العاملات، بما في ذلك الأمهات وربات البيوت والكبيرات في السن، مُضافاً إليهن ربع الرجال الذين يقعون في فئة كبار العمر أو المتقاعدين وغير العاملين. يقود ذلك إلى نتيجة مفادها أن المتبقي من الإماراتيين المنوط بهم مهمة الإدارة العامة للبلد ومواجهة تحدياته لا يتجاوز الربع مليون. من هؤلاء نسبة عالية في الجيش والأمن العام والسلك الدبلوماسي المتواجد خارج البلاد، وهؤلاء قد يصل عددهم إلى خمسين ألفاً في الحد الأدنى. ويعني ذلك أن هناك ما يُقارب المئتي ألف هم من يبقى لإدارة دفة البلاد مدنيّاً في قطاعات السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والاستثمار وسوى ذلك، هذا بفرض أن هؤلاء يمتازون بكفاءة إدارية عالية وفعالة. وتمثل هذه الشريحة الرقيقة أقل من 2% من مجموع السكان في الإمارات. تشير هذه التقديرات السريعة والتقريبية إلى عمق الأزمة السكانية في الإمارات، وهي ذاتها تقريباً تنطبق على دولة قطر، وبدرجات أفضل نسبيّاً في البحرين والكويت، تبعاً لنسب الوافدين إلى المواطنين في البلدين. يقود ذلك إلى تأملات عديدة وربما موسعة ليس هذا مكانها، لكن يكفي مقارنة أعداد الغربيين، النصف مليون، بالمئتي ألف إماراتي الفاعلين إداريّاً.

وفي ضوء ذلك، ومع التطبيع الدافئ مع إسرائيل وفتح الحدود والتسرع في تسهيل استقبال الاستثمار الإسرائيلي والمستثمرين الإسرائيليين، لنا أن نتوقع ونتخيل سرعة النفاذ في تلك التركيبة الديموغرافية والإدارية الهشة. يُضاف إلى العنصر الإسرائيلي المتوقع توقعات بقدوم الكثير من الغربيين الذين يحملون جوازات سفر غربية إسرائيلية مزدوجة، أو الغربيين اليهود الذين سوف تغريهم البيئة السياسية والاقتصادية والدينية الجديدة في الإمارات. لم يحدث هذا في حالتي التطبيع السابقتين بين إسرائيل ومصر والأردن، حيث لم يكن بإمكان إسرائيل بكل وسائلها اختراق البنية السكانية للبلدين، بسبب ضخامة عدد السكان في حالة مصر، والتماسك الديموغرافي في الحالتين.

وربما يتمثل أحد التحديات الرئيسة لمآلات التطبيع في الإمارات والخليج في الحفاظ على الكتلة العربية والفلسطينية من الوافدين، وعدم تسربها من هذه البلدان، وعدم إخاء مواقعها لصالح الوافدين الجدد.

رابعاً: هشاشة المسوغ الإقليمي (عملية الحرب)

السياق الإقليمي العريض الذي اندفع في إطاره التطبيع الإماراتي والبحريني، ويريد أن يجر إليه بلداناً أخرى مثل عُمان والسعودية، هو سياق حشد هذه البلدان مع إسرائيل ضمن حلف واحد ضد «الخطر الإيراني». تطور العمل على هذا الخطر وتضخيمه والمبالغة فيه بهدف إخافة دول الخليج ودفعها إلى الحضن الإسرائيلي بعد حرب العراق سنة 2003 والتخلص من قوته العسكرية، وما نتج عنه من بسط للنفوذ الإيراني في العراق ثم تالياً في المنطقة. ترافق تزايد ذلك النفوذ مع أمرين: الأول هو الملف النووي الإيراني وانتقاله إلى موقع متقدم على الأجندة الإقليمية، والثاني هو ترهات الخطاب الإيراني الذي أشعله الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد حول إبادة إسرائيل، بما عزز التوظيف الإسرائيلي لفكرة «الخطر الإيراني». وقد تصاعدت الهيمنة الإيرانية في المشرق بشكل متسارع مع الربيع العربي وتدخل إيران في سوريا ثم اليمن، بما عزز نظرية «التهديد الإيراني» الذي تم تصويره على شكل «خطر وجودي» على إسرائيل وعلى دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات والبحرين. ويمكن القول إن هذا التهديد واستثماره تحول إلى «عملية حرب» تزعم إسرائيل من خلالها أنها القوة الوحيدة التي توقف إيران، وسوف تقود حرباً عليها. «العملية» أو في هذه السيرورة هي المسألة المهمة التي من خلالها يتم حصد ثمار ومنجزات عديدة، بينما «الحرب» نفسها لم تكن عمليّاً على الأجندة الإسرائيلية ولا حتى الإيرانية. تماثل «عملية الحرب» هذه ما رأيناه في «عملية السلام» التي استمرت فيها العملية، لكن السلام لم يتحقق ولم يكن أصلاً هو المقصود. خلال «عملية» السلام، أنجزت إسرائيل أهدافاً كبيرة وعديدة، من ضمنها إعادة تأهيل صورتها عالميّاً وبناء علاقات دبلوماسية مع عشرات الدول، بما فيها دول كانت من المناصرين التقليدين لفلسطين (مثل الهند والصين ودول أفريقية عديدة) بدعوى أن السلام مع الفلسطينيين قيد الحدوث. وعلى نفس المنوال، فإن عملية الحرب المزعومة ضد إيران حققت لإسرائيل اختراقات كبيرة في الوضع العربي، بمسوغ أن إسرائيل تقف مع دول عربية في نفس المعسكر ضد إيران، وأن إسرائيل سوف تحارب، أو هي من تستطيع أن تحارب، إيران.

بطبيعة الحال، يعرف الجميع أن إسرائيل لن تحارب عن الآخرين، وأن استخدامها لـ«الخطر الإيراني» يأتي في سياق التوظيف الإقليمي وتمهيد الأرض لاختراقات أخرى في الجسد العربي. كما أن الأنظمة الخليجية نفسها تعرف على الأغلب أن هذا هو جوهر السياسة الإسرائيلية، ومع ذلك، فإن هذه الأنظمة تستخدم نفس نظرية «عملية الحرب» لتنفتح على إسرائيل، ولتحقق ما تظن أنها أهداف خاصة بها. وعلى رأس هذه الأهداف، في حالة الإمارات، الحصول على أسلحة أميركية متقدمة، مثل الطائرة المقاتلة F35، وتعزيز ما تظنها الريادة الإقليمية لها في المنطقة، والحفاظ على موقع متقدم في التحالف مع واشنطن، إضافة إلى اعتبارات إستراتيجية أكبر لها علاقة بالنفوذ الصيني التجاري في المحيط الهندي، والمعركة الصامتة حول الموانئ الإستراتيجية، بما فيها موانئ اليمن والصومال وقوادر في الباكستان وغيرها.

يمثل المسوغ الإقليمي، أي «عملية الحرب»، ورغم هشاشته الجوهرية، واحداً من أكبر التحديات في مواجهة التطبيع الخليجي، لأنه ينقل الخطاب إلى مستويات «التهديد الوجودي» خاصة إزاء إيران، وإنزال خطاب بمثل هذه الوطأة في قلب النقاش التسويغي يهدف بطبيعة الحال إلى إسكات المعارضين، ولجم أي مقاومة شعبية داخلية أو خارجية، لكنه يظل بحاجة إلى مواجهة وتفكيك عميقين وضروريين