خبر في مقال لمستشارة الرئيس السوري للشؤون السياسية تتساءل: من يدعم الشعب الفلسطيني؟

الساعة 02:48 م|09 مارس 2009

فلسطين اليوم : بثينة شعبان

كانت متابعة مؤتمر المانحين في شرم الشيخ، الذي قيل إنه من أجل إعمار غزة، تجربة فريدة على أكثر من مستوى. إذ رغم تواجد زعماء ومسؤولين على مستوى عالٍ لكنهم بدوا وكأنهم لا علم لهم بأسباب الدمار الذي حلّ في غزة، إذ لم يذكر أحد منهم طبيعة هذا العدوان، الذي دمّر «البنى التحتية» عن قصد وسابق إصرار، وقتل وجرح آلاف الأطفال والأمهات والمدنيين، بل تمت الإشارة إلى إعادة الإعمار بمعزل مطلق عن سبب الخراب ومرتكبيه، وكأن شيئا من القوانين والشرعة الدولية لم يُنتهك، كما أنه لم يتم التطرق إلى كيفية وصول المواد والمعدات إلى منطقة محاصرة برا وبحرا وجوا منذ سنين، ولا تتمكن من الحصول على غذاء أطفالها أو دواء جرحاها عبر المعابر المغلقة بإصرار. فكانت الدعوة إلى فتح المعابر منفصلة تماما عن «ضرورة» رفع الحصار، كي يكون تنفيذ هذه الالتزامات ممكنا، هذا إذا ما التزم المانحون فعلا بالمبالغ التي وعدوا بها، إذ إن التجارب الماضية لمؤتمرات المانحين تدعو إلى اليأس.

والنقطة الأهم من هذا وذاك هو أن كل هذا النشاط السياسي تحول إلى حدث خيري لا علاقة له بالسبب السياسي لهذه الكارثة الدموية الكبرى، التي أنزلها الجيش الإسرائيلي بالمدنيين الفلسطينيين، التي تمر هذه المرة ككل مرة منذ ستين عاما دون عقاب. وهكذا تتحول الأحداث السياسية بامتياز إلى حفلات خيرية، ليظهر الغرب بمظهر المتحضّر الحريص على ضحاياه من النساء والأطفال واللاجئين، بينما الحقيقة هي أن الواقع المأساوي الذي قدموا لمعالجته ناجم بالدرجة الأولى عن تقصير مريع في اتخاذ المواقف السياسية العادلة. والغريب أن هذا ما شكا منه بعض الأوروبيين بأنهم يتبرعون للبناء مرة تلو أخرى بينما «يعاد هدم» ما يقومون ببنائه، ويستخدمون من أجل ذلك صيغة المبني للمجهول، لأنهم لا يريدون القول إن إسرائيل تقوم بهدم ما يبنونه، لأن مثل هذا القول يتضمن تحميل المسؤولية لإسرائيل، وهذا ما لم تجرؤ أي دولة غربية على القيام به إلى حد الآن.

والأدهى من ذلك هو أن بعض المسؤولين الغربيين أعطوا أنفسهم الحرية في تقرير من يمكن أن يتوصل إلى نتائج من الفلسطينيين، ومن يمكن أن يتصدى لقيادة الشعب الفلسطيني، وكأن هذا قرارهم وليس قرار الشعب الذي مارس الديمقراطية وفق الأسس الغربية، ومع ذلك لم يتم الاعتراف بنتائج انتخاباته.

حاولت أن أتخيل شعور المفترشين الأرض والملتحفين السماء في غزة، الذين دمّرت إسرائيل منازلهم، وقتلت أطفالهم، وهدمت مدارسهم ومصانعهم ومزارعهم ومساجدهم، وهم يسمعون عن مليارات يتم التعهد بها، ولكن بشرط ألا تصل إليهم، وألا تصل إلى ضحايا العدوان، وألا يكون لهم ولإخوانهم الحق في اختيار من يبني. بل أغلب الظن أن هذه المليارات ستدفع لشركات الكيان نفسه، الذي هدم وقتل ودمّر، لأنه الوحيد القادر على السماح بإدخال المواد إلى غزة إذا ما تمّ شيء من هذا القبيل. وبهذا المعنى أصبح مؤتمر المانحين فرصة لتبرئة إسرائيل، التي ارتكبت في غزة جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية، بل ومكافأتها على عدوانها ماديا ومعنويا، بحيث أصبح هذا المؤتمر، والمؤتمرات الصحفية التي تحدثت بها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في المنطقة، مناسبة لتأكيد الالتزام الأميركي المطلق بأمن إسرائيل، دون أي ذكر لأمن الفلسطينيين، وذلك لما يجمع البلدين من «قيم مشتركة» و«ديمقراطية» ومطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل دون أن تعترف إسرائيل بحقهم في الحرية.

وبما أنه لاشيء يحدث عن طريق الصدفة فقد اختار الكيان الإسرائيلي يوم مؤتمر المانحين ذاته لإعلان بناء 73 ألف وحدة استيطانية سكنية في الضفة الغربية، والقيام بهدم منزلين في حي سلوان في القدس، كجزء من عملية هدم تطال آلاف الأشخاص وعشرات الأسر. وحين سئلت وزيرة الخارجية الأميركية في الضفة الغربية عن رأيها في مثل هذه الجرائم، أجابت «يجب أن نرى هذه الأمور في إطار أهم». أي أن تحقيق أهداف الكيان من تهجير وقتل السكان الأصليين وتنفيذ الخطط الاستيطانية أهم من حقوق هؤلاء الناس في أرضهم وديارهم. وفي فجر اليوم ذاته اعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة عشر فلسطينيا في الضفة الغربية وواصلت فرق الموت الإسرائيلية اغتيالاتها.

بعد كل هذه الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، التي لم يتم ذكرها على الإطلاق تشدد وزيرة خارجية الولايات المتحدة على أن السلام لن يتحقق إلا بعد توقف «عمليات إطلاق الصواريخ». أما ما يحدث للبلدات والقرى والمدن الفلسطينية من قصف بالصواريخ الإسرائيلية واغتيالات ومداهمات فهو أمر لا يعني هؤلاء المجتمعين في المنتجع الجميل بشرم الشيخ، مع أنهم يؤكدون على «تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني»، دون التطرق إلى معالجة أسباب هذه المعاناة، ألا وهو الاحتلال. والملاحظ أن المطالبة بإعادة الحقوق والأرض تحولت إلى «تخفيف المعاناة» بحيث يبدو وكأن القضية خيرية وليست قضية سيادة وحقوق وكرامة وحرية.

وفي كل ما قيل نلحظ محاولة دق الأسافين بين أبناء الشعب الواحد من خلال دعم البعض، والتحدث عن دورهم الجوهري، وإلغاء البعض الآخر إلى حين الاعتراف بإسرائيل، مع أن إسرائيل لا تعترف بهم إلا كإرهابيين. وفي هذا استمرار لسياسات الغرب، التي دأب من خلالها إلى اختصار بلداننا إلى مجرد أشخاص، إما يشن الحرب لإزالتهم، وإما يشن الحروب لدعمهم، في اعتراف مكشوف بالهيمنة على إرادة ومستقبل هذه الأمة. ولا أعلم كيف يمكن أن يفرح البعض إذا تم تضخيم دورهم على حساب دور شعوبهم، الذي ينمّ تقويضه أثناء العملية. والقارئ للخارطة السياسية بعد إصدار حكم محكمة الجنايات الدولية باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، بينما لم تطل هذه المحكمة أيا من مجرمي الحرب، التي شنت ضد الأطفال والنساء والمدنيين في غزة، يدرك أن الخجل من الكيل بمكيالين لا مكان له بعد اليوم في الغرب، وأن تبرير المخططات الدموية المعادية للعرب قبل، وأثناء، وبعد المحرقة موجودة، وأن الغرب لا يرى شعوب هذه المنطقة، بل يرى أرضها وثرواتها، ويخترع الأساليب التي تمكنه من امتصاص هذه الثروات، بينما يبقى أهل الديار مشردين وفقراء. ولكنّ السؤال الجوهري هو منذ متى كان المحتلون والمستوطنون يتعاملون مع حقوق الشعوب سواء أكان الأمر في أفريقيا أو اليوم في فلسطين، أولم يمتص الغرب ثروات أفريقيا ويترك أهلها في فقر مدقع بعد أن عملوا في استخراج مناجم الذهب وغيرها، التي لم تغير من حياتهم شيئا، وعادت بالازدهار على شعوب هناك في البعيد.

 من أين افترضنا أن الغرب عادل ومنصف وملتزم بالقوانين والشرعة الدولية؟ حقيقة الأمر هي أن الغرب صاغ القوانين الدولية التي تزيده قوة، وصاغ الاقتصاد الذي يزيده ثروة، وصاغ أساليب التسلح التي تزيده هيمنة، فلماذا نفترض أنه قادم لإحقاق الحق ونصرة المظلوم؟ لقد كشف مؤتمر المانحين وما تلاه أن هذا الافتراض وهم، وأنه يجب الاعتماد على الذات للدفاع عن شعوبنا، ورفض الظلم، والهيمنة، والاحتلال، مهما طال أمد التضحيات لأن البديل هو هدر للكرامة والحياة الحرة. لم يجتمع هؤلاء لنصرة الشعب الفلسطيني بل لتمزيقه وتكبيله، ولم يتخذ القرار ضد البشير لنصرة دارفور الغنية بالنفط واليورانيوم، بل لتمزيق السودان ونهب خيراته.

الولايات المتحدة أكدت التزامها بأمن إسرائيل، أي باستمرار الاحتلال والاستيطان اليهودي لفلسطين وشعبها، فمن إذاً يجب أن يلتزم بأمن المدنيين الفلسطينيين؟ وأين هو «التغيير» الذي سمعناه في الخطب الرنانة التي لن تحرر الشعب الفلسطيني من قيود الاستعباد الإسرائيلي؟ لقد تخلت الولايات المتحدة، وأوروبا منذ ستين عاما وما زالت عن أمن الشعب الفلسطيني، وحرمته من حقه في الحرية، فأين هو «التغيير»؟ سؤال يطرحه الأطفال الشهداء في غزة!