خبر ماهر رجا يكتب : ألغام أخرى.. في طريق الحوار الفلسطيني

الساعة 12:30 م|09 مارس 2009

 

الحوار الفلسطيني الذي بدأ برعاية القاهرة في الخامس والعشرين من شباط الماضي، محاط بالكثير من الأمنيات،  لكنه مسور أيضاً بكم مقابل  من المحاذير والأسئلة والاعتبارات الخاصة الإقليمية والدولية التي يمكن لبعضها أن يدفع به إلى الإخفاق.

من نافل القول أولاً  أن العنوان العريض للحوار الفلسطيني في القاهرة هو توحيد الساحة الفلسطينية واتجاهيها السياسيين المتعارضين. وقد أظهرت مؤشرات الجولة الأولى أن المتحاورين بدؤوا بخطوات عملية بالفعل في سبيل التوصل إلى اتفاقات بشأن القضايا الخمس الرئيسية:  تشكيل حكومة وحدة في الضفة والقطاع،  وإعادة بناء منظمة التحرير،  وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية،  وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية وتحقيق المصالحة الفلسطينية على قاعدة ثوابت تشكل الحد الأدنى المشترك للجميع.

ويبدو أن الرياح مواتية لمطلب الوحدة والمصالحة الوطنية الفلسطينية،  وهي تهب من جهات مختلفة محلية وإقليمية ودولية، ولأسباب ليست كلها محملة بالنوايا الطيبة لقضية فلسطين.  فإذا كان  الفلسطينيون في مختلف أماكن تواجدهم يعتبرون اليوم وحدة فصائلهم المختلفة خشبة الخلاص في وجه التحديات القائمة وما بعد محرقة غزة، وأمام تفاقم مخاطر الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية وفي وجه محاولات تهويد القدس التي اتسعت في الأونة الأخيرة، فإنه من المفارقات أن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروربي ودول عربية، كل هؤلاء يرفعون اليوم أصواتهم مطالبين بوحدة الفلسطينيين بل وبعملون على ذلك، في متغير يستحق التأمل!

خلال الحرب على غزة كان لاعبون إقليميون ودوليون يتوقعون أن يتمكنوا من جني  حصاد سياسي  وفير في نهاية الحرب. في إسرائيل كانوا يحلمون بسحق المكانة السياسية والعسكرية لقطاع غزة وإسدال الستار على موقعها في الصراع، وفي السلطة كان هناك كثيرون ممن أملوا في "الضارة النافعة"، أي أن تنتهي الحرب الصهيونية على القطاع إلى هزيمة للمقاومة، وحماس تحديداً، بما يؤدي إلى انعطاف حاد في  الساحة الفلسطينية ينعكس  على أحجام القوى المتقابلة وتنافس خيارين سياسيين ويرجح كفة وحضور طرف على آخر. وفي المنطقة، فكر  بعض الاتجاه الرسمي العربي المسمى بفريق الاعتدال بالطريقة نفسها التي فكرت فيها كوندليزا رايس في عام 2006، واعتقدوا  أن الحرب على غزة ستفتح الطريق أمام مرحلة جديدة تطرح فيها التسوية الشاملة مجدداً على أساس المبادرة العربية، ورأى بعضهم أن هذا قد يكون منصة انطلاق ملائمة لسياسة الإدارة الأميركية الجديدة في "الشرق الأوسط".

لكن حساب الحقل لم يكن كحساب البيدر، وحتى ما اعتبره الصهاينة إنجازات، بدأ يتلاشى (كما جاء في تصريحات لضباط كبار في الجيش الإسرائيلي ونشرت في يديعوت أحرونوت في 1/مارس الجاري). وهنا بالضبط بدأ الحديث الدولي والإقليمي عن الوحدة الفلسطينية وضرورات الحوار برعاية القاهرة، ما يشير إلى أن هذه الدعوات لم تكن في حقيتها سوى استرتيجية استدراك لما يعتبرونه المتبقي من إنجازات الحملة الصهيونية على غزة.

بالنسبة للفلسطينيين الوحدة أكثر من ضرورة، لكن مشكلة البرنامج السياسي الفلسطيني الذي ينبغي أن تقوم هذه الوحدة على أساسه، تبقى الأمر الأهم في جدوى وأهمية هذه الوحدة، وقد تكون واحداً من أهم العوامل التي قد تقلب طاولة الحوار... وبهذا المعنى، ترى أوساط فلسطينية ، أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفريق الاعتدال العربي يريدون وحدة فلسطينية كي يسوقوا الفلسطينيين (موحدين) إلى مذبح أوسلو والتسوية السياسية وعلى برنامج استسلام لم تتمكن إسرائيل من تحقيقه في ساحة الحرب، وبحيث يُسقط هذا البرنامج حق المقاومة ويقدم اعترافاً مجانياً بإسرائيل كشرط مسبق لأي حراك سياسي على سكة ما تسمى بالعملية السياسية. وتعتبر المصادر ذاتها أن السلطة في رام الله منسجمة تماماً مع هذا التصور، ومن هذا الموقع جاءت تصريحات السيد محمود عباس عقب جلسة الحوار الأولى  والتي طالب فيها حركة حماس بالاعتراف بإسرائيل كشرط للوحدة الفلسطينية.

يعني ذلك أن الحوار الفلسطيني سيكون ملغماً بأكثر من خطر وحسابات أو إرادات خارجية، ذلك أن الأيدي الأميركية والأوروبية والعربية التي تدفعه،  تريد له نتائج سياسية تجعل منه ترساً آخر في عربة الحرب على فلسطين.