خبر الرئيس السوري يعرب عن تفاءله في المصالحة

الساعة 10:21 م|08 مارس 2009

فلسطين اليوم: الخليج الاماراتية

أكد بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية على العلاقة المتميزة بين دولة الإمارات وسوريا، لافتاً إلى أنها كانت جيدة دائماً، لكنها قطعت في السنتين الأخيرتين شوطاً بعيداً، عبر زيارات متبادلة بين قيادات البلدين. وقال الرئيس الأسد في حوار شامل ل “الخليج” إن موقف سوريا من قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران واضح، وهي مع موقف الإمارات ومع الإمارات في ضرورة الحل السلمي، وأوضح أن سوريا تستطيع الآن من خلال علاقاتها الجيدة مع إيران وكذلك مع الإمارات وبقية الدول العربية أن تساعد على حل النقاط المتصلة بمواضيع هي محل خلاف.

وتحدث الرئيس الأسد باستفاضة عن المصالحة العربية، وقال إن القمم العربية يجب أن تعقد إذا كنا مختلفين، لكن المقاربة لدينا خاطئة، حيث تمنعنا الخلافات من اللقاء، فيما الاتفاق حول كل شيء غير منطقي، و”الإخوة في المنزل الواحد لا يتفقون”.

وفيما اعتبر زيارة وزير الخارجية السعودي الأخيرة إلى دمشق حلقة من حلقات "إدارة الخلافات العربية" وأنها حققت تقدماً في موضوع المصالحة، أشار إلى أن العنوان الكبير هو أن هناك قضايا يمكن أن نختلف عليها، وهناك قضايا لا يمكن أن نختلف عليها، وعبّر عن أمله في إنهاء القضايا التي بدأها مع الوزير السعودي في خلال لقائه المرتقب مع العاهل السعودي، لكنه قال إنه لا يمتلك معلومات بشأن إمكان التحاق الرئيس المصري حسني مبارك ب”قمة الرياض”، مؤكداً تفاؤله بنجاح عملية المصالحة التي، بسبب من طبيعتها، ستأخذ وقتاً.

وشدد الرئيس بشار الأسد على شروط المفاوضات المباشرة مع “إسرائيل”، وأولها أن عودة الأرض خارج التفاوض، مشككاً في صدقية المسؤولين “الإسرائيليين”.

وقال إنه إذا قدمت كل الشروط المطلوبة لسوريا، فمن البديهي أن توافق سوريا على توقيع اتفاقية، مفرّقاً بين توقيع الاتفاقية والسلام نفسه، ف”اتفاقية السلام ورقة توقع، وهذا لا يعني تجارة وعلاقات طبيعية أو حدوداً أو غير ذلك، وشعبنا لن يقبل هذا”.

وأشار إلى وجود بادرة حسن نية من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة أوباما، فالمقاربة أكثر قبولاً، بالمقارنة مع الإدارة السابقة، سواء بالنسبة إلى تصريحاته عن سوريا أو إعلان موقف محدد من العراق، “لكننا نريد كلاماً واضحاً دقيقاً”.

وتناول الرئيس الأسد في حواره الشامل مع “الخليج” جملة من القضايا الداخلية في مقدمتها قضية الإصلاح السياسي والاقتصادي في سوريا، وفي ما يلي نص الحوار:

 

"الخليج" : نبدأ، فخامة الرئيس، من حيث يجب أن نبدأ. العلاقة المتميزة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية العربية السورية، حاضر هذه العلاقة وأفقها، خصوصاً أنها تستند إلى ما يتجاوز التاريخ والعاطفة، ويصل إلى التعاون الاقتصادي في عالم يتطلب مثل هذا بقوة. هل من كلمة تلخص المراد؟

الرئيس الأسد: العلاقة مع الإمارات بطبيعة الحال كانت دائماً جيدة، لكنها في السنتين الأخيرتين قطعت شوطاً بعيداً، واتخذت خطوات مختلفة عن كل ما سبقها، وقد قمت شخصياً بزيارتين إلى الإمارات، وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات زارنا مرتين، وكان لي لقاء غير مرة، مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، كما قام الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بزيارة لدمشق منذ شهر وبضعة أسابيع، أي منذ أقل من شهرين. هذه اللقاءات أعطت دفعاً معنوياً للقطاعات المختلفة المؤهلة أو المرشحة للتعاون بين البلدين، لكن العلاقة بشكل عام تخضع أيضاً للتطوير وآلية التطوير في كل بلد، وما من شك في أننا قمنا بخطوات تطويرية ملموسة في سوريا والإمارات “قطعت” بشكل أبكر وأسرع في هذا المجال.

"الخليج" : تقصدون مجال البيئة الاستثمارية؟

الرئيس الأسد: البيئة الاستثمارية. نعم. هذا بشكل عام، لكن ربما من الأنسب القول “البيئة الإدارية”، فهذا التعبير أشمل. هناك اتفاقيات بين البلدين، وهناك ضعف في المتابعة.

"الخليج" : في الإطار الوزاري؟

الرئيس الأسد: في الإطار الحكومي إجمالاً، وفي أي قطاع يخضع لآلية عمل الدولة. الأكثر حساسية هي الاستثمارات في حد ذاتها، وفي الوقت الراهن بدأ لدينا في البلاد العربية توجه نراه ينمو ويكبر، مؤداه ضرورة خلق جسور من الإسناد المتوازن والحقيقي بين القطاع الحكومي وقطاع رجال الأعمال أي القطاع الخاص. هذا مثلاً انعكس إيجاباً على الاستثمارات المشتركة بين الإمارات وسوريا. واليوم أعتقد أن من أكثر المشاريع التي بدأت في خلال العامين الماضيين وقبل ذلك قليلاً، رسوخاً وإمكان نجاح، ماجاء كثمرة لتعاون البلدين.

"الخليج" : مشاريع بوجود (كونكريتي) على الأرض؟

الرئيس الأسد: نعم، وبتمويل معلوم وخطة مدروسة. لدينا، مثالاً مشروع مع (إعمار)، وآخر مع (دبي القابضة) متصل بتطوير وإدارة الموانئ أو ما نسميه هنا (المرفأ). التوجه، في المجمل والتفاصيل، قائم. لكنني تحدثت هنا عن الرغبة وعن الاندفاع. كمّ كبير نسبياً من الشركات التي قدمت إلى سوريا هي شركات إماراتية، والنتائج بدأت تعطي مفعولها، خاصة في ظل التطوير في سوريا والتطوير في الإمارات. وأستطيع أن أقول إن معظم الجهود تنصب في المجالين العقاري والسياحي. التطوير العقاري “الرقم واحد” في تعاوننا الاقتصادي، والجانب الآخر يتمثل في نسبة الزائرين الإماراتيين إلى بلدهم سوريا. نحن لا نقول (السياح) لأن هذه الكلمة توحي بأن الزائر أجنبي، ونسبة الزائرين من الإمارات ارتفعت بشكل كبير. هذان المؤشران هما في تقديري الأهم.

موقفنا واضح

"الخليج" : جميل. الآن بصفتكم وباعتبار سوريا شقيقة لدولة الإمارات، وفي الوقت نفسه صديقة، وصديقة متميزة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ما الدور الذي يمكن لسوريا أن تلعبه بالنسبة إلى قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران: طنب الكبرى وطنب الصغرى و”أبو موسى”؟

الرئيس الأسد: موقفنا في هذا الموضوع واضح. نحن منذ بداية الحديث عن هذا الموضوع، أي منذ عقود، نحن مع الإمارات. موقفنا واضح، لكننا نقول دائماً، وهذا هو موقف الإمارات أيضاً، إن الحل يجب أن يكون سلمياً، ومن خلال الحوار، ومجدداً من خلال ما نسميه الحلول السلمية. هنالك الحوار المباشر وهنالك طرق أخرى تندرج تحت هذا العنوان. لدينا، إلى ذلك، هذا المبدأ: إيران جوار وتركيا جوار، وأي جوار سيؤثر فيك سلباً أو إيجاباً، والعلاقة مع الجوار يجب أن تكون علاقة جيدة دائماً، حتى ولو كان هناك خلاف. لنأخذ العلاقة بين سوريا وتركيا مثالاً. كان هناك خلاف عمره ثمانون سنة، وقد سُئِلتُ السؤال نفسه من صحافي تركي قبل زيارتي إلى تركيا في العام ،2004 قلت له إننا نركز على نقاط التوافق، ثم نوسع هذه النقاط بحيث تطغى على نقاط الخلاف، ويأتي يوم تحل فيه القضية. كيف؟ هذا يمكن أن يطرح حتى للأجيال إذا لم نتمكن نحن من حله. إذن، سوريا تستطيع الآن من خلال علاقاتها الجيدة مع إيران وعلاقاتها الجيدة مع الإمارات وبقية الدول العربية أن تساعد على حل النقاط التي لها علاقة بمواضيع هي محل خلاف أو سوء تفاهم.

"الخليج" : التصريحات التي تطفو على السطح من حين إلى آخر ومعظمها استفزازي في محيط لديه رغبة صادقة في توثيق العلاقة بناء على مقدمات التاريخ ونتائج الحاضر. هل من دور لكم في إيجاد أجواء من “الطمأنة” وبالتالي الطمأنينة والثقة؟

الرئيس الأسد: في موضوع البحرين الذي تناولته تصريحات أخيرة، اتصلت بالملك وأعلنّا تضامن سوريا مع البحرين، وفي الوقت نفسه، تحدثنا مع المسؤولين الإيرانيين الذين زاروا سوريا وعددهم أكثر من واحد في الأسابيع القليلة الماضية. قلنا لهم حلوا هذا الموضوع، وهم كانوا متفقين على أن هذه التصريحات غير مقبولة.

"الخليج" : ثم كانت زيارة وزير خارجية البحرين إلى إيران؟

الرئيس الأسد: تماماً. إذن، سوريا تستطيع أن تلعب دوراً في التوافق بين دولة جارة وبقية الدول العربية.

على طول الخط

"الخليج" : هذا يقودنا، فخامة الرئيس، إلى موضوع المصالحة العربية الذي هو الأكثر إلحاحاً. في المشهد الميداني، الأمير سعود الفيصل كان في دمشق قبل أيام وكان هنا أيضاً العطية مبعوثاً من الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر. هنالك في المدى القريب جداً قمّتكم في الرياض، ثم القمة العربية في الدوحة، وهذه ربما يفترض أن تجمع مصر أيضاً. هل هناك أجواء حقيقية للمصالحة؟ ويرتبط هذا السؤال في الحقيقة، بسؤال أعمق: من هذا الظاهر على السطح، ألا يمكنكم كقادة عرب تنتظر أمتكم منكم الكثير، التوصل إلى خلق آلية للمصالحة الدائمة؟ مفهوم المصالحة في حد ذاته مفهوم ملتبس، وعبارة المصالحة العربية استفزازية بما لا يقاس، فهي تدل مباشرة على أجواء غير تصالحية.

الرئيس الأسد: صحيح.

"الخليج" : متى نستطيع مثلاً الوصول إلى قمم منتظمة معلومة الوسائل والأهداف، ومعلومة الحد الأدنى من المنافع على الأقل؟ متى يكون للجامعة العربية دور أكبر وأبعد تأثيراً؟ هل لديكم مشروع؟

الرئيس الأسد: القمة هي انعكاس لما بين القمتين، ولذلك فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن قمة بشكل منعزل. هذا خطأ، والمشكلة أننا كعرب نترك كل المشاكل للقمة وهذا خطأ آخر. النقطة الثانية: إننا إذا اختلفنا قبل القمة نفترض بعد ذلك أن القمة يجب ألا تعقد، فيما العكس هو الضروري والمطلوب والصحيح. (ضاحكاً) يجب أن تعقد القمة إذا كنا مختلفين. نحن لدينا المقاربة خاطئة. المشكلة ليست في الخلاف، ومن غير المنطقي أن نتفق حول كل شيء. الإخوة في المنزل الواحد لا يتفقون، ولو عدت إلى زيارة الأمير سعود الفيصل أمس، فكنا نستطيع أن نقول: “تحدثنا بالعلاقات الأخوية وإلى آخره”، لكن المواطن ليس غبياً. المواطن العربي ذكي، وأنت تقول كلمة استفزازية. لماذا؟ لأننا نتحدث عن شيء ولا نحلّه.

"الخليج" : ولأن الوضع الطبيعي أن المصالحة قائمة على طول الخط؟

الرئيس الأسد: تماماً. إذن، عن ماذا تحدثنا؟ تحدثنا عن إدارة الخلافات العربية. أنا طرحت مصطلحاً أمس هو إدارة الخلافات العربية. المشكلة ليست في الخلاف. المشكلة في “كيف تدير الخلاف”. أوروبا اختلفت بعد حرب العراق، وانقسمت انقساماً كاملاً مع حضور حرب العراق الأخيرة أو ما يمكن أن نسميه “الغزو”، لكنها أوجدت طريقة لحل المشاكل، وعادت إلى بعضها بعضاً، بغض النظر عما يقال عن غياب أوروبي بعد ذلك. هذا موضوع آخر. نحن العرب لدينا إدارة سيئة للخلاف، وأنا أعتقد أننا بحاجة إلى منهجية لإدارة الخلاف. مثلاً، إذا اختلفنا في الرأي، هل معنى هذا أن نتحول إلى خصوم وأعداء؟

"الخليج" : لا طبعاً.

الرئيس الأسد: طيب. هذه نقطة من النقاط. نختلف في الرأي، لا توجد مشكلة. هناك ظروف في كل الدول. الإمارات ليست سوريا، وسوريا ليست مصر، ومصر ليست السعودية ولا المغرب، فإذا احترمت كل دولة هذا المبدأ، فسننتقل من الخصام إلى التكامل، ويتحول الاختلاف إلى تكامل.

لا أوافق

"الخليج" : العبارة التي قيلت أمس عن لقاء الفيصل إنه ممهد أو لبناء الثقة. أليست هناك خطوة أبعد من ذلك؟

الرئيس الأسد: لا. أنا لا أتفق مع عبارة “بناء ثقة”. بناء الثقة يحصل بين شخصين، في العلاقات الشخصية. وفي العلاقات بين الدول لا توجد علاقة شخصية، وهذا خطأ آخر في العلاقات العربية  العربية. العلاقة الشخصية على أي مستوى خصوصاً القمة تأتي لدعم العلاقة المؤسساتية، لكنها لا تحل محلها.

"الخليج" : كم حصل من تقدم في المصالحة مع زيارة الفيصل؟ كم يحصل من تقدم، هذه الأيام، عبر اتصالاتكم؟ هل تلمسون تقدماً؟

الرئيس الأسد: نعم. التقدم هو في الصراحة أولاً. التقدم هو نتيجة لعدة لقاءات. زارنا الأمير مقرن آل سعود، والوزير وليد المعلم زار السعودية، وفي كل زيارة هناك تقدم. كل زيارة تحصد الخطوات التي تمت من قبل. التقدم يتمثل، مثلاً في أننا تحدثنا عن وجوب مساعدة الفلسطينيين. اتفقنا، ولنبدأ بالعناوين الكبيرة. العنوان الكبير هو أن هناك قضايا يمكن أن نختلف عليها، وهناك قضايا لا يمكن أن نختلف عليها. بدأنا نضع الأسس. نحن الآن في عملية مصالحة، وهذا لا يتأكد بالقول إنه لا يوجد بيننا خلاف. الأفضل القول إن هذه بداية، وهذه ليست نهاية. نحن بدأنا بما قاله الملك عبدالله بن عبد العزيز في القمة الاقتصادية في الكويت، وبنى على ذلك ما صرح به الأمير سعود الفيصل حين قال إن ما كان قد “طمرناه” أو “قبرناه” أو “بهذا المعنى”. هذه بداية، والنهاية لا تتم إلا عندما نصل إلى المنهجية. في كل لقاء ناقش الموضوع الفلسطيني ونحن لا نريد أن نكون مع طرف ضد طرف، وكعرب يجب أن نتفق حول هذه النقطة. تحدثنا مع القطريين عن فكرة الصندوق وكيف يمكن أن تستخدم أموال إعمار غزة للمصالحة وليس للانقسام. هذه أمثلة، وطبعاً التفاصيل كثيرة ولم ننهِها. أمس تلقيت دعوة من الأمير سعود وربما ننهيها مع الملك.

"الخليج" : الرئيس حسني مبارك سوف يلحق بكم في الرياض؟

الرئيس الأسد: لا توجد لدينا معلومات في هذا الإطار. ما يجب أن أقوله علينا أن نفترض أن المصالحة ستتم في لقاء. ليس بالضرورة أن تتم خطوة كبيرة في لقاء، وإنما طرح الموضوع الواحد قد يستغرق لقاءات عدة. وعملية المصالحة هي عملية طويلة ومستمرة. هي مثل المخطط البياني تصعد وتهبط وتصعد وتهبط، لكننا نحن العرب نتركها حتى تهبط إلى القعر. فكيف نصعد بها فجأة إلى القمة؟ هذا مستحيل.

أنا متفائل

"الخليج" : هل أنتم متفائلون؟ وإلى أي حد؟

الرئيس الأسد: نعم. أنا متفائل. أنا إنسان عملي أتوقع النتائج من خلال الوقائع.

"الخليج" : نريد أن نستطرد، فخامة الرئيس، في موضوع المصالحة، ومثلما تفضلت، فالموضوع ليس “علاقات شخصية” بقدر ما هو اختلاف أو اتفاق في النظرة إلى القضايا. المشكلة، ونحن نحاول حل قضايا قائمة بيننا، أن الأحداث لا تتوقف، وتتواصل، وعلى سبيل المثال، فإن المصالحة الفلسطينية  الفلسطينية قد تتعرقل لا لأسباب موضوعية خاصة بالعرب، وإنما لأسباب خارجية. كيف سيؤثر هذا، مثلاً، في عملية المصالحة؟ مذكرة التوقيف التي صدرت الأسبوع الماضي بحق رئيس عربي، قد يكون لها تأثيرات كبيرة في العلاقات العربية  العربية. القوات الأمريكية ستنسحب ولن تنسحب من العراق. كيف يؤثر هذا في استقرار العراق، وبالتالي في استقرار المنطقة؟ هل هناك مقاربة لمعالجة مثل هذه المستجدات؟ ألا يجدر بنا أن نتفق على المقاربة إن لم نتفق على القضايا نفسها؟

الرئيس الأسد: نحن، في تاريخ القضايا العربية  العربية، إذا اختلف طرفان على قضية، فإنهما ينقلان الخلاف إلى قضايا أخرى حتى ولو لم يكن عليها خلاف في الأساس. هذا يعيدنا إلى فكرة المنهجية في التعامل مع القضايا، وتتحول القضية إلى قضية شخصية بين بلدين تعتمد على مسؤولين اثنين في مستوى معين، فيريد أحدهما أن يثبت نجاحه أو يفشل الآخر في قضايا أخرى، لا يوجد تضارب مصالح. هذا أولاً، وثانياً لو نظرت إلى تاريخ العلاقات العربية  العربية، فستجد أنه لا يوجد اختلاف حقيقي في المصالح، وإنما يوجد اختلاف في وجهات النظر. كلنا، مثالاً شاهداً، لنا مصلحة في المصالحة الفلسطينية. على هذا العنوان نحن متفقون لكن الخلاف هو في الطريقة. بالنسبة إلى القضية العراقية، فكلنا متفقون على وحدة العراق ورفض الطائفية وما يتعلق بالعملية السياسية، ولا يوجد خلاف في الجوهر. نختلف على التفاصيل في موضوع السلام وإلى آخره. نحن ننقل المشاكل من موضوع إلى آخر. إذا ربطنا المشكلة الأولى مع الثانية مع الثالثة مع غيرها من القضايا، فإن الرابط أو العقدة بينها هي العقلية العربية في التعامل مع المشاكل، ولو تغيرت العقلية لاختلف الرابط، بمعنى أن حل المشكلة سيدفع إلى حل مشكلة أخرى. بالنسبة إلى ما حصل بشأن السودان فهذا موضوع كبير، ويختلف عن تفاصيل المصالحة الفلسطينية. هو سيؤثر في الوضع العربي. إذا انقسمنا تجاهه فسيقودنا ذلك إلى المزيد من الانقسام وإلى تكريس واقع الانقسام. وإذا اتفقنا بشأن هذا الموضوع فسنتفق بشأن القضايا الأخرى.

"الخليج" : هل هناك بوادر اتفاق؟

الرئيس الأسد: الموضوع صدر أمس. صدر قريباً، ومن المبكر أن أعطي جواباً بالنسبة إلى هذا الموضوع، لأنه لم يطرح حتى الآن في نقاش عربي  عربي. طبعاً سوريا أدانت الموضوع، وهناك إدانات وبوادر إدانة من أطراف عديدة، فهو بشكل عام غير مقبول. يبقى كيف نصل إلى القمة العربية القريبة في خلال بضعة أسابيع، بموقف موحد. هذا ما يجب أن نعمل عليه الآن. هذا موضوع مستجد.

مفاوضات.. لا مفاوضات

"الخليج" : نريد أن ننتقل إلى بُعد آخر مهم بالرغم من أن المصالحة العربية هي البعد الأساسي لأنها تلقي بأثرها في كل جانب. في قضية الصراع العربي  “الإسرائيلي” محطات أساسية كثيرة، وفي ما يخص سوريا تحديداً كانت هناك مفاوضات غير مباشرة في تركيا ثم توقفت، وقيل قبل العدوان على غزة، إنها ستنتقل إلى مرحلة ثانية وهي المفاوضات المباشرة، وإنه سيعقد اجتماع، كما صرح اولمرت، يضمكما في تركيا، وتلكم أقاويل ولا نأخذها أو نصدقها إلا إذا جاءت من أصحابها؟

الرئيس الأسد: ومن البديهي ألا تأخذ أي جواب جدي من مسؤول “إسرائيلي” (ضاحكاً). ولذلك أستطيع أن أقول جواباً على القسم الأخير من السؤال، بأنه كان هناك اتفاق على اللقاء إن هذا غير صحيح. كيف نقفز إلى الأخير ونحن لم ننه الأمور الأساسية التي لها علاقة بالمفاوضات المباشرة، خصوصاً عودة الأرض وتوقيع الاتفاقية. هذا اللقاء يمكن أن يتم بعد أن يوقع الاتفاق النهائي ويتم الانسحاب بشكل كامل، وساعة إذٍ يمكن أن نفكر، ولا نقول نعم منذ الآن. إذن، الموضوع غير مطروح من الأساس. أما بالنسبة لما حصل في تركيا، فإن فكرة المفاوضات غير المباشرة هي عملية جس نبض. لعدم ثقتنا ب “إسرائيل” ونتيجة الاعتداءات على فلسطين ولبنان في مواقف متعددة، كان يجب أن نعود إلى ما قبل مؤتمر مدريد، عندما كان يتحرك بيكر بين سوريا و”إسرائيل” لمدة ستة أشهر. نحن قلنا لنختصر هذه المرحلة، وهي فعلياً، من الناحية العملية، من الخطأ أن تسمى مفاوضات. هي ليست مفاوضات، وبيكر عندما كان يتنقل بين سوريا و”إسرائيل” كان يبحث عن أرضية مشتركة للانطلاق إلى المفاوضات المباشرة. نحن قمنا بالعملية نفسها لكن بشكل معكوس: بدلاً من أن يأتي الوسيط التركي ويتحرك اختصرنا الزمن، فأرسلنا مفاوضاً سورياً إلى تركيا، و”إسرائيل” أرسلت، وكان الوسيط التركي يتحرك في نفس المدينة بين فندقين، فهي عملية لوجستية، أطلقت عليها تسمية مفاوضات غير مباشرة لا مانع، لكنها تسمية خاطئة. المهم أنه كان المطلوب في اليوم الأخير الذي تحدث عنه أردوغان أن نحدد نقاطاً معينة، ففصلنا ما بين الترسيم والتوصيف. ترسيم الخط هو الشيء النهائي الذي تحدد به خط 1967 نقطة بنقطة كما هو حال أية حدود، أما التوصيف فهو تحديد عدد من النقاط، وقد اخترنا ست نقاط في مواقع معينة، في طبريا والنهر ومواقع غيرها. كي نتأكد من جدية “إسرائيل” في عملية التوصيف. طبعاً “إسرائيل” كما هي العادة، تراوغ، تضع التسميات المبهمة وتتركها للمفاوضات. بالنسبة إلينا الأساس للانطلاق إلى المفاوضات المباشرة هو أن نلغي الإبهام ونثبت هذه النقاط. بقي اولمرت يناور في تركيا، ونحن لم نقبل ولن نقبل إلا الكلام الواضح فقط. وقال اولمرت لأردوغان: سنتابع لاحقاً. لكنه تابع الحرب على غزة. هذا ما حصل.

لا يوجد تنسيق

"الخليج" : على افتراض حصول المستحيل كما يبدو من هذا الطرح: نجاح المفاوضات بين قوسين، وموافقة “إسرائيل” على عودة الحقوق السورية في الجولان والأرض. كيف يحقق هذا الاتفاق الافتراضي مستقبل جوهر الصراع؟

الرئيس الأسد: لو كان هناك تنسيق للمسارات بشكل متلازم كما طرحنا في بداية عملية السلام لتغيرت الأمور. كنا قلنا منذ البداية إذا لم تتحرك “إسرائيل” بالتوازي على المسارات الثلاثة فلن نقبل بالتحرك. لو تم ذلك بالأسلوب المرجو لكنا حسمنا الموضوع نحو موقف عربي قوي، بحيث يستفيد كل مسار من المسارين الآخرين. على نقيض هذا، فما حصل أن العرب تفككوا، وكل جهة صارت في جانب. الفلسطيني في جانب والسوري اللبناني في جانب آخر، مما أضعف موقفنا، والآن لا يوجد هذا التنسيق. إذا قدمت كل الشروط المطلوبة لسوريا، فمن البديهي أن توافق سوريا على توقيع اتفاقية، لكن أنا أقول لكل من ألتقي بهم خاصة في الغرب: هناك فرق بين اتفاقية سلام والسلام نفسه. اتفاقية السلام هي ورقة توقع، وهذا لا يعني تجارة ولا يعني علاقات طبيعية، أو حدوداً أو غير ذلك، وشعبنا لن يقبل بهذا، خصوصاً مع وجود نصف مليون فلسطيني في بلدنا لم تحل قضيتهم، ولذلك فمن المستحيل أن يكون، وفق هذه الرؤية، سلام بالمعنى الطبيعي. سيكون هناك ربما سفارة وأشياء شكلية. إذا كنتم تريدون سلاماً فيجب أن يكون شاملاً. نحن نضعهم بين خيار السلام الشامل واتفاقية سلام ليس لها قيمة عملية على الأرض. هم يقولون نحن نريد سلاماً شاملاً، فنقول لهم إذا أنتم بحاجة إلى السلام الشامل، وفي مثل هذه الحالة فعلى المسار الفلسطيني أن يستفيد من المسار السوري، ونحن نعتقد بأن “إسرائيل” إذا وقعت مع سوريا فإنها ستصفي القضية الفلسطينية في يوم من الأيام. لذلك فإن من مصلحة المفاوض الفلسطيني أن ينسق مع المسار السوري، ومن دون هذا فنحن لا نستطيع أن نقوم بدور تجاههم. الفكرة التي تطرحها هي الصحيحة.

حتى بوش

"الخليج" : فخامة الرئيس، قبل أيام، والرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما يعلن خطة الانسحاب من العراق، تكلم عن “علاقة ممنهجة” أو يتمنى أن تكون ممنهجة مع كل من سوريا وإيران. كيف تقرأون هذا التصريح؟

الرئيس الأسد: “ممنهجة يعني كلمة عامة”. ما هي المنهجية؟ بوش كان لديه منهجية، ولكن منهجية أيديولوجية تدميرية تخريبية، وقد وضع هذه المنهجية في إطار الحرب الاستباقية، لكننا ولكي نقيّم الإدارة الأمريكية الجديدة، فلابد من أن نسمع كلاماً واضحاً دقيقاً.

"الخليج" : تريدون كلاماً واضحاً دقيقاً؟

الرئيس الأسد: نعم، وحتى الآن لم نسمع الكلام الواضح. نرى بادرات حُسن نية جيدة، أو لنقل نرى مقاربة أكثر قبولاً، بالمقارنة مع الإدارة السابقة، ولكن المقاربة لا تكفي. ما هي السياسة؟ ما هي النتائج المتوخاة؟ ما هي المصالح التي تحددها الإدارة الأمريكية؟

"الخليج" : ألم يحصل أي شيء بينكم في الفترة الأخيرة، مما لم ينشر؟

الرئيس الأسد: لا، كما قلت لك. حصلت لقاءات وكلها قيلت بشكل علني، ونحن ضد أي تعامل سري في سياستنا. نريد الأمور شفافة، وفي الشأن التفاوضي مع “إسرائيل” كانوا يريدون مفاوضات سرية، وقضوا سنة كاملة وهم يفاوضون الأتراك على مفاوضات سرية. قلنا لهم إذا أردتم تسميتها ب”السرية” فلا مانع، لكن في اللحظة التي ستبدأ فيها نحن سنعلن. لذلك جعلوها علنية. مبدأنا المفاوضات العلنية، وكما قلت هي مقاربات، وأنا أعتقد أن الإدارة الأمريكية عمرها فقط شهر واحد وبضعة أيام، ومن المبكر أن نتوقع منها إعلاناً عن شيء قبل شهرين أو ثلاثة أشهر كما هي عادة الإدارات الأمريكية. أعتقد أنهم الآن في مرحلة الاستطلاع، وما أتانا من وفود فهي وفود استطلاعية لآفاق الحلول في المنطقة، ومن بعد ستبني الإدارة الأمريكية سياستها بناء على هذه الآفاق.

ماذا تريدون؟

"الخليج" : هنالك بعض اليهود الأمريكيين، مثل تشومسكي على سبيل المثال، ونشتغتاين وغيرهما، يقولون حول الحل أو التسوية بالأحرى في الصراع العربي  “الإسرائيلي” إن الولايات المتحدة كانت دائماً هي التي تعيق، وحتى عندما كانت “إسرائيل” تميل إلى تسوية كانت الولايات المتحدة تفضل أن تدير الصراع على أن تنهيه. هل يمكن أن يتبدل هذا مع الإدارة الأمريكية الجديدة؟

الرئيس الأسد: مع إدارة بوش الوضع مختلف. إدارة بوش لم تكن تدير الصراع، وكانت تقول وبشكل معلن تقريباً، إنها غير مهتمة بعملية السلام، وهذا كلام نسمعه من إدارة للمرة الأولى وهي إدارة بوش. وثانياً، إذا كانت هناك توجهات لدى بعض “الإسرائيليين” من أجل التحرك باتجاه السلام، فإن تلك الإدارة تمنعهم من التحرك، وهذه سابقة لم توجد من قبل. إدارة بوش إدارة شاذة بكل المعايير عن سياق الأمور في الولايات المتحدة، أما الآن بالنسبة لإدارة الصراع، فها نحن نقول لهم الكلام نفسه، هل تريدون سلاماً أم تريدون عملية سلام؟ عملية السلام تخدم ربما الانتخابات مثل “أنابولس”. أنابولس عبارة عن مؤتمر من أجل بوش، ولم يكن مؤتمراً من أجل السلام. هناك مسؤولون يفكرون في عملية السلام، لكي يقدم الواحد منهم لشعبه انتخابياً بأنني أنا جدي في عملية السلام، وإذا لم يعط ذلك نتائجه فالسبب الأطراف. هذا الموضوع ربما يكون موجوداً، لكننا لا نعرف عن هذه الإدارة، والشيء المنطقي والبديهي يقول إن تطور الأحداث في خلال السنوات القليلة الماضية يثبت أن السلام أصبح مصلحة ضرورية للجميع، بمن فيهم أنصار “إسرائيل”. فالغريب أن أنصار “إسرائيل” خصوصاً من اللوبي اليهودي أصبحوا يأتون إلى المنطقة والبعض يقول نحن كنا مقتنعين وكنا ندعم حروب “إسرائيل” كلها، لكن بعد حرب 2006 في لبنان اقتنعنا بأن السلام فقط يحمي “إسرائيل” وليس الحرب. هذا تغيّر في المنهج، فهل تعلّم منه أحد؟ وإلى أي مدى انتقل إلى الأمريكيين، خصوصاً الإدارة الحالية؟ لا نعرف، ونتمنى أن يكون انتقل، لكن لم يأت مؤشر من الإدارة، ونحن نفصل بين الكونجرس والإدارة الأمريكية، حتى لو أتى كل شيء بالتنسيق بينهما، فإن عضو الكونجرس يقول لك أنا عضو كونجرس وحسب، لكنه يعود بعد ذلك ويرفع تقريراً.

حية أم تحتضر؟

"الخليج" : عطفاً على ما سبق، أي المبادرة العربية للسلام في ضوء خطوات المصالحة ووجود الإدارة الجديدة، هل تبقى مدفونة؟ هل هي حية، ميتة، أم تحتضر؟

الرئيس الأسد: كلامي كان واضحاً في قمة الدوحة. قلت إن شارون قتلها، لكننا نفرق ونستخدم المصطلح بشكل مطلق. روح الميت عند الله، والميت بالمعنى المتداول لا يعيش، لكن الموت المعني هنا مجازي وهو من صناعة الإنسان. إذا انكسرت الطاولة فهي ميتة ونستطيع أن نلصق أجزاءها ونضمها إلى بعضها بعضاً فإذا هي طاولة من جديد (ضاحكاً). فهي ليست قضية روح، وميتة بالمعنى السياسي تعني “غير فاعلة على الأرض”. نقول أحياناً “فلان ميت” تقصد أنه لا يتحرك، ولا تقصد بأنه لا يعيش. من هنا فعندما نقول إن المبادرة العربية ميتة، فالقصد ينصرف إلى أنها غير فاعلة، وهي كذلك لأنه لا يوجد شيء تستند إليه حالياً ليمنحها الفعل والحياة. الصراع في حاجة إلى شريك، إلى طرفين، والآن هناك طرف عربي فقط، فكيف تكون المبادرة موجودة من الناحية العملية. نحن نحاول إقناع أنفسنا بأنها موجودة، لكن من اليوم الأول “إسرائيل” رفضتها، ومازالت، بغض النظر عما قيل مؤخراً.

خطأ

"الخليج" : فخامة الرئيس، كم تعوّلون على تغيير الحكم داخل “إسرائيل”، وعلى بقاء الحكومة أو ذهابها في المطلق وفي الراهن؟ وضع الحكم في “إسرائيل” هل يؤثر في كل هذا الذي تقولون؟

الرئيس الأسد: لا، طبعاً، وهذا خطأ يقع فيه العرب دائماً: الرهان على هذا، فأنت تراهن على سيئ وأسوأ. “يعني كلاهما سيئ”، في موضوع الحقوق لا يوجد سيئ وأسوأ. الحقوق يجب أن تعود وإن لم يكن هناك جيد فلا رهان. إذن، اليمين يمين واليسار يمين، واليمين يقتل العرب واليسار يقتل العرب، فلا قيمة لكل هذه الرهانات. عندما يطرح معنا هذا الموضوع نقول إن هنالك أسساً لعملية السلام، ومن يأتي في “إسرائيل” ضمن هذه الأسس فنحن نتفاوض معه، ولا قيمة لليمين واليسار.

"الخليج" : تراهنون على ماذا إذاً؟

الرئيس الأسد: على الشروط والأسس التي وضعت لعملية السلام: عودة الأرض كاملة بناء على مرجعية مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام وقرار 242 وعودة الجولان. عودة الأرض هذا مبدأ لا نقاش فيه.

مفصلية، مفصلي، ومفاصل

"الخليج" : يعتبر الفرقاء اللبنانيون أن الانتخابات اللبنانية القريبة مفصلية، وفي الأحوال كلها، قد تترتب عليها نتائج مهمة جداً في ما خص، تحديداً، مستوى العلاقات السورية  اللبنانية في إطارها أو طورها المستجد، فكيف تنظرون بالضبط إلى الانتخابات النيابية كونها تؤثر، شئنا أم أبينا، في مستوى العلاقة؟

الرئيس الأسد: صحيح هي مفصلية، لكننا لا نأخذها بشكل منعزل. هي ضمن سياق السنوات الأخيرة. إذا كانت الانتخابات مفصلية فما حصل في 7 أيار مفصلي، وكذلك غير ذلك من الأحداث، وكل هذه “المفاصل” تدلك على شيء وحيد. حين نقول “مفصلي” فهل نعني أن الشيء مفصلي إيجابي أو مفصلي سلبي؟ المفصلي، عادة، يأخذ اتجاهين. إذا كانت هذه المفاصل المختلفة تدفع باتجاه التوافق فهذا أفضل بالتأكيد. لبنان يعيش على التوافق وينفجر بغياب التوافق وليس بالانتخابات. الانتخابات لا تجلب الاستقرار ولا تذهب بالاستقرار. التوافق هو الذي يجلب الاستقرار وعدمه يذهب بالاستقرار، فمفصلية هذه الانتخابات تتحدد في هذا الاتجاه: هل الطرف الرابح في الانتخابات سيأخذ لبنان نحو الوفاق أم العكس. إذا ذهب إلى الوفاق بمعنى التوافق على كل شيء فأنا أعتقد بأن هذا مفصل مهم سيخلق الاستقرار للبنان، وإذا كانت هناك قوى تريد أن تسحب التوافق تحت عنوان “أنا رابح” بغض النظر عمن تكون أو من أي طرف، فالنتيجة واحدة وهي تخريب الوضع في لبنان، والعودة باتجاه اللا استقرار بعد مرحلة من الاستقرار حصلت في أعقاب اتفاق الدوحة. بهذه المنهجية ننظر إلى الانتخابات في لبنان.

لا اطمئنان

"الخليج" : هناك احتلال عسكري أمريكي للعراق يستمر مبدئياً لثلاث سنوات مقبلة. هل أنتم مطمئنون إلى أن الولايات المتحدة قد لا تكرر ما حصل في منطقة “البوكمال” السورية، وهل في الاتفاقية الأمنية بين الاحتلال والحكومة العراقية ما يشكل ضماناً كافياً لسوريا؟ هل ترى أن إدارة أوباما ستمارس أسلوباً مختلفاً في العلاقة مع سوريا عما استخدمته إدارة بوش مع سوريا تجاه العراق؟

الرئيس الأسد: طالما هناك احتلال يجب ألا يكون اطمئنان بغض النظر عن أية إدارة. الشيء الذي نستطيع أن نقول إنه أفضل ويقلل من القلق ويعطي المزيد من الاطمئنان من دون أن نقول إن هناك اطمئناناً كاملاً أو غياباً للقلق هو أنهم أعلنوا مبدأ الانسحاب وحددوا له الزمن. هذا شيء مهم جداً لم تقم به الإدارة السابقة. حتى يتم هذا الموضوع هناك جانب آخر لا يطمئن، فما هي العملية السياسية التي تجلب المزيد من الاستقرار للعراق؟ لكي نطمئن إلى هذه العملية السياسية داخل العراق يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً: ما هو المدى الذي سيعطى للعراقيين لكي يديروا شؤونهم بأنفسهم؟ الجواب هنا يعوّل عليه، فإذا كانت الأمور تسير بهذا الاتجاه نحو المزيد من الصلاحيات للعراقيين تتيح لهم إدارة أنفسهم (طبعاً أنا أقول بشكل كامل ولا أدري إذا كان هذا الشيء ممكناً) فنستطيع أن نقول إن الأمر يطمئننا. بالنسبة إلى الاتفاقية، فقد زارنا وزير خارجية العراق قبل التصديق عليها، وبعد العدوان على “البوكمال” بأيام، وتحدث في هذا الموضوع، وقال نحن وضعنا بنوداً واضحة تمنع أن يكون العراق من خلال هذه الاتفاقية منطلقاً لأي عمل عدواني ضد أية دولة. هذا شيء جيد إذا كان سيطبق.

التدخل مرفوض

"الخليج" : ألا تعتقدون أن الإصلاح السياسي كان ضرورياً لتعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة ما تتعرض له سوريا. وهل هناك خطوات في مجال التعددية السياسية والحريات العامة، خصوصاً الحريات الصحافية؟ هل في نيتكم إطلاق سراح مثقفين معارضين نزولاً عند رغبة منظمات حقوقية محلية ودولية، في إطار إغلاق نافذة يتم استغلالها ضد سوريا؟

الرئيس الأسد: في أي إصلاح لا يوجد إصلاح جزئي وإنما إصلاح كامل. الإصلاح هو عملية شاملة لكل المسارات على الصعد السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. لا يمكن أن تقول أنا أصلح في هذا المجال ولا أصلح في المجال الآخر، ولكن هناك أولويات، وتعتمد هذه الأولويات على مرتكزين، أولهما معيار “الأكثر إلحاحاً” بالنسبة إلى الناس، وثانيهما معيار السرعة وفي أي مجال تستطيع أن تتحرك أسرع. في المجال الذي ترى فيه عقبات كثيرة تبطئ وتركز جهودك عليه. النقطة بالنسبة إلى رغبة أو طلبات أو تدخلات المنظمات، فبالنسبة لنا حتى لو كانت عن حق وفي مكان صحيح فهي مرفوضة لأن مبدأ الحديث في شؤوننا الداخلية مرفوض، وقلنا لهم “قد نكون نحن مائة في المائة خطأ وأنتم مائة في المائة صح” في ما تطرحونه، لكن لأن الطرح يأتي من قبلكم وأنتم في الخارج فهذا كلام مرفوض. أما إذا أردنا رؤية الأمور في سياقها العام فنحن نقول أين هذه المنظمات من 1500 شهيد في غزة وأين هم من مليون وخمسمائة ألف شهيد عراقي تقريباً كنتيجة لحرب ظالمة؟ فالمصداقية مضروبة، وأنا قلت هذا الكلام لمسؤولين أوروبيين كانوا يتحدثون معنا في هذا الموضوع. نقول لهم موضوع المصداقية طالما أنه مضروب فلا حق لكم أن تتحدثوا. القضية هي قضية داخلية نناقشها داخلياً، فهل نحن بحاجة إلى إصلاح؟ طبعاً، لكن لنسأل أنفسنا هذا السؤال: في الظروف الصعبة التي مرت بها سوريا، وهي لم تكن ظروفاً طبيعية باعتراف الكثيرين، لو لم يكن لدينا وضع سياسي جيد، هل كنا تجاوزنا هذه الأزمة؟ إذن، الوضع جيد، وجيد لا يعني أنه ممتاز، وجيد لا يعني أن المطالب تقف، فهي عملية مستمرة، وإذا كان الهدف بعيداً نظرياً، أو فلنقل مثلاً على مسافة 100 كيلو متر، فإنه في الشهر المقبل سيكون على مسافة 200 كيلو متر، حيث إن عملية التطوير عملية مستمرة كما هو الاقتصاد والتخطيط. طموحاتنا دائماً متحركة إلى الأمام، فإذاً نحن نقوم بعملية إصلاح، لكن هذه العملية تأثرت وتتأثر بالظروف التي مررنا بها، والأولويات تختلف، إذا كانت الأولوية بالنسبة لنا هي الإصلاح الاقتصادي وثانياً الإصلاح السياسي، وقد رتبت هذا عندما بدأت في مهمتي، فإنه لاشك في أن الظروف خلقت الاستقرار، فاستقرار سوريا مستهدف، ودور سوريا مستهدف، كل وضع سوريا مستهدف، فأصبح الاقتصاد ثانياً، والإصلاح السياسي ثالثاً. أقول هذا وأعلنه ليكون كل شيء واضحاً. أما بالنسبة إلى كلمة مثقفين أو معارضين، وأنا دائماً أريد أن أدقق على المصطلحات، فأولاً القانون لا يفرق بين مثقف وغير مثقف.

"الخليج" : فخامة الرئيس، تقصد أن هؤلاء ليسوا معتقلي رأي؟

الرئيس الأسد: لا، لا، لا،.. لا، الرأي متاح تماماً في سوريا. أنت تستطيع أن تجول في سوريا الآن وتسمع انتقادات لها أول وليس لها من آخر (مبتسماً)، الشعب السوري معروف عنه أنه شعب صعب في الجانب السياسي. شعب مسيّس، ولا تستطيع أن تأتي دولة وتمنعه عن التعبير عن رأيه، ولكن نحن أيضاً، ولنكن واضحين، لدينا قوانين صارمة في هذا الموضوع. القوانين الصارمة أتت في ظروف معينة. هل هي الآن صالحة أو غير صالحة، فهذا موضوع الآن نناقشه، وكما قلت، ليس أولوية الآن لأن أولوياتنا كانت مختلفة. الشخص الجائع أولويته أن يأكل، وأولويتنا أن نؤمّن صحة للناس. لدينا زيادات في المدارس، و.. و.. و.. إلى آخره. ارتفع عدد طلابنا وليست لدينا إمكانات كافية في المدارس تحت الحصار. هذه أولوياتنا، وهذا لا يعني في الوقت نفسه، أننا توقفنا، وحين نتحدث عن حرية في الأساس لم تكن هناك صحافة خاصة في سوريا. الآن الصحافة الخاصة بدأت في عام 2002 وعمرها اليوم حوالي ست سنوات، وقد بدأنا ندرس كيف نطوّر قانون العقوبات نسبة للعمل الصحافي، وفي المقابل لدينا الصحافة الإلكترونية ليس لها ضابط، ومعنى هذا أنك تستطيع القيام بأي عمل وليس من قانون يحاسبك، فنحن في حالة تطوير. نحن في مرحلة تطوير، والمشكلة أننا في التطوير نفترض أنك إذا امتلكت الفكرة فأنت تمتلك الحل. لا حتى إذا امتلكت الفكرة فإن الحل في حاجة إلى متطلبات تأخذ وقتاً. نحن نسير، وبكل تأكيد لا نسير بسرعة، ولست من النوع المتسرع.

القطاع العام السوري

"الخليج" : على ذكر التطوير، فخامة الرئيس، في شأن التطوير الإداري الداخلي، فمن الملاحظ التغير في الشارع السوري انفتاحاً وحركة نحو التجديد، لكن على مستوى آخر، تناول مجلس الشعب السوري قبل أيام قليلة موضوع تطوير القطاع الحكومي، وشهد المجلس مداولات في هذا الجانب، بالمقارنة مع القطاع الخاص، وكان هنالك كلام عن تعثر..

الرئيس الأسد: صحيح.

"الخليج" : وطرحت فكرة لإنشاء هيئة لتطوير القطاع العام.. هل نتكلم في هذا؟

الرئيس الأسد: طبعاً القطاع العام في سوريا قطاع كبير جداً ونحن قمنا بسياسة دعم القطاع الخاص لكن ليس على حساب القطاع العام. هذه سياستنا في سوريا في خلال السنوات الماضية. جزء كبير من الاقتصاد السوري يعتمد على القطاع العام، وحين لا تدعم هذا القطاع فأنت تخسر جانباً كبيراً. الحقيقة أننا في هذا الجانب تعثرنا ضمن التعثر الإداري بشكل عام. أنا أقول إننا طورنا في قطاعات مختلفة ولكن أضعف قطاع طورنا فيه هو، تحديداً، القطاع الإداري، وهذا ينعكس على القطاع العام، وبالتالي ما يعنيه من خسائر وهدر وفساد وما شابه. قضية طرح الفساد بشكل قوي مؤخراً من خلال الكشف عن حالات عدة في سوريا أعادت طرح إصلاح القطاع العام، ومن دون الإصلاح الإداري فأنت لا تستطيع أن تكافح الفساد فعلياً. هنا أعيد طرح الموضوع لتخفيف الهدر خاصة في ظل ظروف اقتصادية معينة ولمكافحة الفساد التي تعثرت في مراحل سابقة.