خبر اجتمـاع القـادة وأبواب جهنم ..بقلم: د. إياد السراج

الساعة 09:22 م|08 مارس 2009

اجتماعكم اليوم في القاهرة يضعكم أمام التاريخ حكماً عليكم ويضع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في مفترق الطرق، فالقضية هذه لم تعد نزاعاً سياسياً بل أصبحت مسألة وجودية، فالخطة الصهيونية ماضية لتهويد القدس واستيطان الضفة وتهجير غزة وطرد بقية الفلسطينيين من أرض 48، فأين مشروع التحرير الفلسطيني؟

 

لقد وضعتنا دولة العدوان العنصرية ووضعت العالم أمام هذه التحديات العظيمة واجتماعكم اليوم يؤكد على أننا شعباً يمتلك العزيمة والإرادة لينهض ويؤسس لمجتمع العدالة والسلام، مجتمع المساواة والرخاء، مجتمع الحرية والقانون، مجتمع الإنسانية وتواصل الحضارات، مجتمع ينأى بنفسه عن العنصرية والعصبوية، مجتمع يبتعد عن آثار النكبات والهزائم، يتطلع إلى مستقبل غانم ظافر، مجتمع كل من فيه يشترك في بناء الصرح الحضاري، مجتمع تشتبك فيه مقاومة الاحتلال مع الإبداع في البناء.

 

علينا أن نعترف أولاً بفشلنا على مدى ستون عاماً حيث تراجعنا كثيراً وتقدمت إسرائيل وكأننا أضعنا من عمرنا ستون عاماً نلهث وراء شعارات دون خطط ولا ثقافة.

 

يجب أن نبدأ من جديد وكأن نكبة 48 عمرها يوم واحد، لقد اتضحت صورة الصراع الآن بم لا يستعصي على التأويل، هناك أجندة أمريكية تهدف إلى عزل التيار الإسلامي أو احتوائه أو تدميره، وهناك مخطط إسرائيلي لإبقاء الانقسام بين الضفة وغزة، فهل جاء مؤتمر شرم الشيخ محاولة لاستكمال ما بدأه الحصار والحرب لتشمل اليوم استعمال المال السياسي؟

 

الخطر الأكبر ليس في ذلك وحده ولكن في محاولة إسرائيل ربط البعض بالاحتلال من أجل تنفيذ المخططات الإسرائيلية في التطويع وتمديد الاستيطان والإبقاء على الانقسام بين الضفة وغزة.

 

إننا جميعاً – كل الفلسطينيون – أصحاب مشروع مقاومة الاحتلال والعنصرية كلنا ننتمي إلى المقاومة، لأنه طريق الانعتاق من عبودية الاحتلال وقهر الأغلال، إن المقاومة ليست حكراً على السلاح ولكنها عملاً وفكراً دءوبا وقدرة على استشراف المستقبل، وبناء الآتي من الأجيال وتطوير قدرات المجتمع وتمكين الإنسان من الصمود، وتطوير العلاقات الإنسانية والتضامنية مع كل الشعوب، طريق المقاومة يبدأ بالبندقية لكنه يمتد ليشمل كل مجالات الحياة والصمود على الأرض وتطوير الاقتصاد المحلي والزراعي ليصبح المستقبل ملكاً لنا وليس رهناً علينا بالاعتمادية على الغير.

 

إن أمامكم تحدي كبير وهو صياغة برنامج فلسطيني تحرري جديد، يقدر الجيل الجديد عليه يبدأ بالبناء في غزة وينشر الالتزام بالقيم الوطنية والإنسانية ويبشر بحركة جماهيرية مدنية تتحرك في كل الدنيا ضد العنصرية وضد الظلم، ومن أجل العدالة واحترام الإنسان علينا أن نكتب الرواية الفلسطينية بأنفسنا وأن نقرر جميعاً كيف نكتبها وكيف يقوم كل واحد منا بدوره فيها حسب ما تراه مصلحة الأمة وليس ردود أفعال على رواية صهيونية تكتب أدوارنا ونمارسها بكل وطنية!

 

إن المقاومة اللاعنفية قد أثبتت فعاليتها حين تكون جزءاً من منظومة قيم واستراتيجية عمل، فالمقاطعة ضد دولة الاحتلال العنصرية ووقف الاستثمار والتعامل التجاري معها ووقف العلاقات الأكاديمية وكشف الجرائم وملاحقة المجرمين هي كلها أجزاء كثيرة تصب في خانة المقاومة الشرعية حيث أنها مسئولية وطنية وإنسانية لتخليص الإنسان أينما كان من العنصرية والاستغلال والظلم.

 

وأرجو أن تبدأوا في مناقشة وبحث إعادة اعمار غزة بعد حرب دولة الاحتلال والعنصرية عليها فإن هذه هي المقدمة نحو بناء المجتمع القادم، إنكم تضعون اللبنات الأساسية لتصور استراتيجي لما نريده لبلادنا.

 

فليس الأمر قاصراً على مجرد إعادة بعض الإنشاءات ولكن التحدي الأكبر هو أن يكون هذا الأمر جزءاً من نظرية شمولية تخطط للمستقبل ينتقل بنا تدريجياً إلى الاعتماد على النفس، يحافظ على النظام البيئي ويحمي المجتمع من التلوث، يطور القدرات الذاتية والتواصل والمشاركة مع العالم.

 

الموضوع اليوم أكبر من مجرد الاتفاق على تشكيل حكومة أو كيف تصرف الأموال..الموضوع هو وجودنا على الأرض الفلسطينية ومستقبلنا على هذه الأرض.

 

ولابد للقادة المجتمعون في القاهرة أن يدركوا أنهم باتفاقهم قد يفتحون الأفق، وإنما بتخاصمهم على بعض الفتات فإنهم يفتحون أبواب جهنم.