خبر للفلسطينيين وحدهم يدفع المانحون أكثر!! ..ياسر الزعاترة

الساعة 08:20 م|08 مارس 2009

 

في شهر ديسمبر من العام 2007، أي بعد ستة شهور على الحَسْم العسكري الذي نفَّذته حركة حماس في قطاع غزة، وتخلُّص السلطة من عبء الشراكة مع حماس المرفوضةِ من "المجتمع الدولي" واستفرادها دون رقيب بالضفة الغربية، عُقد مؤتمر للمانحين في باريس، وتقدّمت السلطة بطلب الحصول على معونات بمقدار 5.6 مليار دولار، فكانت النتيجة أن منحها المؤتمر 7.4 مليار، بزيادة قدرها 32 في المائة.

 

قبل أيام، وفيما كانت التقديرات بشأن كلفة إعادة الإعمار لما دمَّرته الحرب على قطاع غزة تتراوح بين مليارين وثلاثة مليارات، قدّم المشاركون في مؤتمر شرم الشيخ حوالي 4.5 مليار دولار، تضاف إلى مبالغ أخرى سابقة ليصل الرقم إلى 5.2 مليار.

 

لا يحدث مثل ذلك بالطبع مع أية جهة أخرى في العالم؛ إذ غالبًا ما يدفع المانحون أقلّ مما تطلبه الجهات المنكوبة، أكانت نكبتها نتاج حرب أم نتاج كوارث طبيعية، لكن الجهة المستهدفة اليوم ليست الفلسطينيين بالطبع، وإنما الكيان الصهيوني- حبيبة الغرب المُدَلَّلة- ولعلّ مشهد الرئيس الفرنسي ساركوزي وهو يُخَصّص جزءًا من كلمته في شرم الشيخ لمواطنه الفرنسي الأسير "جلعاد شاليط" يفضح هذه اللعبة القذرة التي يمارسها هذا الغرب الذي يتساءل بعد ذلك كله لماذا نشعر بالتناقض معه؟!

 

كيف لساركوزي أن يتحدث عن شاليط كما لو كان سائحًا وليس جنديًا إسرائيليًا كان يمارس قتل الفلسطينيين، وكيف له أن لا يلتفت إلى مشاعر الفرنسيين أنفسهم الذين يتابعون اهتمام رئيسهم بحياة شاليط على هذا النحو، فيما يتجاهل أن هناك 11 ألف أسير فلسطيني يقبعون خلف قضبان سجون الاحتلال، من بينهم من يحملون جوازات سفر أمريكية وأوروبية، وربما فرنسية كذلك؟!

 

أي عالم مجنون وظالم هذا؟ كيف تغدو حياة جندي واحد أهم من حياة 11 ألف إنسان، بل كيف يتورّط في التأمين على هذه اللعبة زعماء ينتمون لهذه الأمة، ويطالبون حماس بالمرونة في صفقة الإفراج عنه؟!

 

ليس هذا موضوعنا، ولكن القهر يفرض نفسه لا محالة، وما يَهُمّنا هو هذا السخاء الأمريكي الغربي الذي تُشارِك فيه دول من ذات المنظومة مثل اليابان وغيرها، والذي لا يستهدف بحال مساعدة الفلسطينيين على تجاوز جِراحهم، بقدر ما يريد التغطية على ممارسات الجلاد.

 

لن نركّز كثيرًا هنا على حقيقة أن جزءًا كبيرًا من أموال الدعم التي يتبرع بها المانحون ما تلبث أن تتحول إلى الخزينة الإسرائيلية تبعًا لسيطرة الكيان الصهيوني العملية على الاقتصاد الفلسطيني، وتبعًا لحقيقة أن مواد إعادة الإعمار ستأتي من الجانب الإسرائيلي. لن نركز كثيرًا على هذا البُعْد؛ لأنه لم يكن مقصودًا لذاته، فالدعم المالي والاقتصادي لذلك الكيان يأتي من الغرب بوسائل أخرى كثيرة، بدليل رفع الاتحاد الأوروبي مستوى التعامل التجاري معها إلى مستوى الشراكة.

 

الأهم من ذلك كله بالطبع هو ما تنطوي عليه تلك المعونات للفلسطينيين من دعم سياسي وأمني للاحتلال، فهذه الأموال لها شروطها المعروفة، وعندما يقف رئيس السلطة الفلسطينية بنفسه أمام مؤتمر شرم الشيخ متحدثًا عن ضرورة وفاء حكومة الوفاق المقترحة بالاتفاقات الدولية، يعني شروط الرباعية، فذلك هو ما يريده الكيان الصهيوني، وبذلك تتحول المنح- كما تحوَّلت منذ انطلاقة أوسلو ومسيرة هذه السلطة البائسة- إلى سيف مُسَلّط على رقاب الفلسطينيين لكي يتحولوا إلى شرطيّ يعمل لحساب الاحتلال ويقبلوا بالفتات الذي يعرضه عليهم، وفي حال لم يعجبهم عليهم أن يواصلوا التوسل من دون أن يستخدموا "العنف"، وإلا فإن التجويع هو مصيرهم؛ معطوفًا على الموت والاعتقال.

 

هذه المعادلة (الأمن والسلام للإسرائيليين مقابل المنح والمعونات) للفلسطينيين هي التي كرّسها أوسلو، ويراد لها اليوم أن تكون الحاكم على حياة الفلسطينيين، وبالطبع بعد أن مَنّ الله عليهم بقيادة لا تُؤْمِن بالعنف سبيلاً لتحصيل الحقوق. أما الذين يؤمنون بالمقاومة فستستمر مطاردتهم حتى تعود الراية إلى "قيادتها التاريخية"!!

 

في مقال نشر لها في صحيفة هآرتس (4/3) قالت الكاتبة الإسرائيلية اليسارية عميرة هس: "كلُّ فِلْس يُدْفع للفلسطينيين؛ من أجل ميزانية حكومة رام الله أو العلاج الطبيعي للأطفال الذين جرحهم الطيارون وجنود المدرعات الإسرائيليون، هو إشارة لإسرائيل بأنها قادرة على مواصلة مساعيها لفرض تسوية استسلامية على النُّخبة الفلسطينية".