خبر حرب غزة تمنح « الميكانيكية » قبلة الحياة!

الساعة 05:17 م|08 مارس 2009

فلسطين اليوم: غزة

كان منهمكا في إصلاح إحدى السيارات.. ووجهه ممتلئ بغبار أسود.. ويداه ملطختان بالدهان والوقود.. يُدندن بألحان انسجم على وقع نغماتها.. أنامله تعبث بالسيارة وكأنه يعزف على نوتة موسيقية.

 

الميكانيكي أبو علي عاشور اتكأ على إحدى السيارات الجاهزة للانطلاق وبدأ حديثه لـ"إسلام أون لاين" قائلا: "الحرب كانت مفتاح الفرج لورشتي، فقد كنت أعاني من كساد شديد وقلة الزبائن.. فكان يأتيني كل يوم ما يقارب سيارتين فقط وعائدهم لا يُسمن ولا يُغني من جوع.. وكان يراودني في بعض الأحيان أن أغلق المحل بدلا من دفع إيجار لا يُدخل علي أي رصيد يُرتجى".

 

وهو يمسح ذرات العرق المتساقط على جبينه تابع قائلا: "بعد الحرب امتلأت الورشة بالسيارات المتُعطلة.. فبدلا من سيارتين بات يدخل أروقة الورشة أكثر من 8 سيارات في اليوم الواحد، منها ما نستطيع إصلاحها، والبعض الآخر لا يوجد لها قطع غيار في غزة وننتظر أن تُفتح المعابر حتى تتوفر تلك القطع".

سيارات قطع غيار

ويعود سبب ازدياد عدد السيارات المعطوبة في قطاع غزة إلى كثرة الحفر الموجودة في الشوارع الرئيسية والتي تربط بين مدن القطاع وتسلكها السيارات بفعل عمليات التجريف التي صاحبت مرور الجرافات الإسرائيلية في تلك الطرق، كما أن سقوط الأمطار بشدة خلال الأيام القليلة الماضية أدى إلى امتلاء هذه الحفر بالمياه مما قلص قدرة السائقين على رؤيتها.

 

الفني محمد الدبس صاحب إحدى ورش تصليح السيارات وسط مدينة غزة قال ": "أعمل في هذه المهنة منذ ما يُقارب 8 سنوات بعد أن فقدت عملي في الأراضي المحتلة منذ انطلاق انتفاضة الأقصى.. ولم يزدهر (كراجي) بهذا الشكل منذ 4 سنوات".

 

وبعد أن مسح ما علق على وجهه من اللون الأسود تابع قائلا: "أغلب قطع الغيار تكلفتها عالية جدا؛ ولذلك نشتري السيارات التي أصيبت بأعطال كبيرة بسبب الصواريخ التي انهالت عليها، ونستخدم بعض أجزائها كقطع غيار".

حل جزئي

إلا أن أحمد خميس العامل في إحدى ورش صيانة السيارات يرى أن هذا الحل لا يجدي مع كثير من الأعطال، وقال: "نحتاج لقطع غيار لبعض الأعطال، لكن لا نجدها".

وبرغم ذلك لا يخفي خميس سعادته بالعودة للعمل، وبينما كان مستغرقا في تغطية بعض الثقوب التي أحدثتها شظايا صاروخ إسرائيلي بإحدى السيارات، قال وهو يحاول مسح هالة من الدخان الأسود تكسو وجهه: "فقدت عملي منذ عام ونصف.. فالورشة التي كنت أعمل بها أغلقها صاحبها لتدهور الأحوال.. وبعد الحرب مباشرة فوجئت به يتصل بي فهو قد أعاد افتتحاها من جديد لكثرة الطلب على تصليح السيارات وصيانتها".

 

وعن طبيعة الأضرار في السيارات أضاف:"أغلب الأعطاب تكون في المُحرك وتحتاج إلى ميكانيكي أو هيكل السيارة بسبب شظايا الصواريخ أو القذائف المدفعية.. ويوجد العديد من السيارات متهشمة تماما ولا تصلح حتى كخردة أو تُباع كحديد".

و"السمكرية" أيضا

وطالت حالة الرواج "سمكرية" السيارات أيضا، فلا تكاد ورشة السمكري أبو حمزة غزال الواقعة شرق مدينة غزة تخلو من مرتاديها، سواء بالليل أو النهار منذ وقف إطلاق النار الذي أعقب الحرب الإسرائيلية على غزة قبل شهر والتي أدت إلى دمار واسع في القطاع. وبات صوت محركات السيارات كالموسيقى ينساب في أرجاء الورشة معلنا عودتها للحياة من جديد.

وفيما كان يمسك بيده مطرقة خاصة بمهنة سمكرة السيارات قال غزال: "السمكرة أعشقها ولا أستطيع تخيل نفسي بمهنة أخرى فهي تسري في عروقي كمجرى الدم.. محلي الفارغ قبل شهور أصبح يعج بالسيارات المعطلة وأحيانا لا أجد متسعا لها فأضعها أمام المحل".

 

وأردف قائلا: "صحيح أن الحرب خلفت دمارا هائلا في كل شيء ولكنها أنعشت مهنتنا ورجع زبائننا من جديد.. هذا غير رجوع الكثير من العمال إلى أحضان مهنتهم بعد توقفهم عن العمل بسبب عدم وجود فائض".

 

وبنبرات ملؤها الحيوية تابع حديثه: "كنت أعمل بمفردي في ورشتي، ولكن بعد الحرب جلبت ثلاثة عمال آخرين.. فكثرة عدد السيارات التي تحتاج للصيانة اضطرتني إلى زيادة عدد العمال في الكراج".

 

وتبقى مشكلة غزال كسابقيه، وهي توفر قطع الغيار، فهل تتسبب عن قريب في رجوعهم لحالة الركود؟.. الجميع يحدوه أمل في انفراج قريب.