خبر حوارات القاهرة هل من طريق؟ ..د. محمد إبراهيم المدهون

الساعة 09:14 ص|07 مارس 2009

الشأن الفلسطيني الداخلي لا ينفك عن تدخل أطراف العالم قاطبة فيه دون مواربة أو مداراة... وهو الشأن ذاته الذي استمر طويلاً دون الوصول إلى قواسم مشتركة أو اتفاقات تُلزم الجميع. وإلزام الجميع تلك الوصفة السحرية لفشل حوارات الشأن الفلسطيني في ظل تناقضات الرؤى الفلسطينية وكثرة اللاعبين!!  حيث هناك من لا يريد الالتزام بنتائج الحوارات التي تقلل من مساحة المناورة لديه أو تنتقص من مطامعه أو يعتقد مخطئاً أنها حقوق مكتسبة ورثها كابراً عن كابر في قضية أصبحت لدى البعض ميراثاً.

 

والاتفاق للأسف ليس الهدف في النهاية وإن كان البعض يعلن رغبته في الاتفاق مع ملاحظة مجافاة القول الفعل. بل ربما هدف البعض إلى عدم الاتفاق وذلك بفرض أجندته الخاصة وإلا فالإعلان عن عدم الاتفاق جاهز وإلا كيف نفسر التصريحات المتزايدة والتي تحمل الاشتراطات المسبقة، وربما كانت الحوارات لتمرير حالة داخلية أو سياسية معينة أو لترحيل مشكلة داخلية وما يصاحب هذه الحوارات من أجواء عدم الثقة والشكوك والظنون ومن هنا كانت نتائج الحوارات غير نافذة ولا تحقق النتيجة المرجوة بل تترسخ أجواء الشك وسوء الظن، علاوة على أن هناك من يجعل الحوار يجري في دائرة مفرغة من حيث الحرص على تحديد النصيب الخاص من تفاحة الوطن بغض النظر عن نتائج الانتخابات وواقع القوى في الشارع.

 

ورغم الإدراك بالاحتلال والحصار والإرهاب الذي يعانيه شعبنا، فإن الحوارات تجرى على مستوى القمة فقط مما يوفر أسباب الفشل منذ الانطلاقة وعدم وصولها لحالة نجاح مرجوٌ أو اتفاق الحد الأدنى الذي يُطبق ميدانياً بينما يغيب قادة وجند الميدان الأقرب إلى نبض الشارع عن حالة الاتفاق والتفاهم. وكان يمكن استدراك ذلك بالتواصل الفاعل بين القيادة والقاعدة ولكن؟!

 

وكان من الممكن مراكمة نجاحات جزئية في حوارات الوطن التائه، ولكن لم يتم حتى المحافظة على الحد الأدنى من الإنجازات الحوارية حتى غدا الشعب ينظر إلى هذه الحوارات كأنها أكذوبة تفقد دلالاتها. ويقوم البعض بالتغاضي عن بعض نقاط الاتفاق والإصرار على نقاط اتفاق أخرى فبينما يتم الإصرار على حكومة الوفاق يتم التغاضي والتهرب عن إعادة بناء منظمة التحرير.

 

هذا بالإضافة إلى كون جزء من هذه الحوارات كان بناءً على مقتضيات التدخل الخارجي سواء عربي، إسرائيلي، أو أمريكي، أوروبي من أجل الجذب إلى البرامج السياسية المختلفة دون مراعاة لمبادئ وبرامج الآخرين ورصيدها الشعبي والتاريخي.

 

إن صعود حماس اليوم لموقع القيادة السياسية الأولى للشعب الفلسطيني خاصة بعد الحصار الظالم والمحرقة ومنع الاعمار والاحتقان الداخلي. وعدم تنفيذ بنود اتفاقات الحوارات السابقة وآخرها اتفاق القاهرة واعتماد وثيقة الوفاق الوطني واتفاق مكة ووثيقة صنعاء كمرجعية للجميع بعد الاتفاق عليها من الجميع يدخل الشعب الفلسطيني في نفق لا نرى نوراً في نهايته خاصة ونحن نرى قوى العبث بمقدرات شعبنا ترومه مصيراً سيئاً عبر التنسيق الأمني والفتنة وتعمد الإساءة لشعبنا وسجله المشرف وتاريخه الوضاء. علاوة على الاستغلال السيئ لقوى الأجهزة الأمنية لتكون جزءاً من الاحتلال بدلاً من كونها صمام أمان وعلامة استقرار للمجتمع الفلسطيني.

 

ومن هنا كان النظر بعين الشك والريبة إلى تسليح أمريكيا وإشراف دايتون على الأجهزة الأمنية علاوة على تدعيم صفوفها بالرجال عبر السماح بإرفادها بقوات جديدة بالإضافة إلى توفير ميزانية وتمويل خاص بها يصل إلى هذه الأجهزة دون غيرها على الرغم من أن القليل من أموال الشعب الفلسطيني يصل إلى الشعب الفلسطيني.

 

كل ذلك وشعبنا يعاني حصاراً مالياً خانقاً تشارك فيه أطراف عدة وتضغط قوى داخلياً وخارجياً من أجل أن يعود الشعب الفلسطيني إلى مربعه الأول حيث اليد العليا في شؤون الوطن لمن يتحقق عنهم الرضا في المحافل الدولية والإسرائيلية.

 

أن تأجج حالة الصراع وانتقالها إلى مراحل الحسم العسكري يشير إلى أجواء جد قاسية ومرعبة ومن هنا كانت الأجواء السائدة لا توفر مقدمات تزف لنا البشرى بنهاية آمنة.

 

وثمة مؤشرات كثيرة لا تسمح بنجاح حوارات توقفت وتعثرت منها تصريح الرئيس أبو مازن واستمرار الاعتقالات. وكذلك استمرار الحصار المالي وإعادة الاعمار المتعاون عليه محلياً من أجل إسقاط الحكومة الفلسطينية.

 

الأمل أن ينجح حوار القاهرة الحالي والأمل أكثر أن نتجاوز ولو لمرة واحدة الفشل المؤكد الذي لازم الحوارات السابقة جميعها لمصلحة الجميع. والجميع هنا هو الوطن بأكمله.. ولكن أنى لجولة الحوار النجاح والألغام فوق طاولة الحوار تتفجر الواحدة تلو الآخر في عملية محسوبة بدقة لإفشال الحوار وصولاً لتحقيق النخبة المتضررة لمآربها في قلب الطاولة بمن حولها وبما فوقها وبالوطن كله تمهيداً واندفاعاً نحو تفتيت الثوابت الوطنية وتحويلها إلى متغيرات يمكن التفاوض حولها بأريحية أكبر. وذلك بسوء تقدير البعض بتضرره بوصول حماس وعن طريق الانتخاب الشرعي. وأنّى! للحوار النجاح وقد انقسمت الطاولة بين رام الله وغزة وبين الداخل والخارج وبين حماس وفتح وبين الثوابت والتغيرات وبين اليمين الإسرائيلي واليمين الوسط وبين الحقائق والسراب.. لقد اختلطت الأوراق جميعها بانكشاف أهداف البعض التي يسعى لتحقيقها بتمرير خططهم لإسقاط الوطن مرة أخرى.

 

آمل أن جولة الحوار القادمة في القاهرة تتوفر لها أسباب النجاح وألا تسقط في هوة المآرب الشريرة التي تكشفتها الأيام والساعات وما يزال يتكشف المزيد كل يوم وذلك بتجاوز كل المحاذير سالفة الذكر التي ثبتتها الوقائع السابقة وآمل أن يدير حوارات المرحلة القادمة رجل رشيد.