كيف تحوّل حسين الشيخ بانتصاره التاريخي إلى كبير المفاوضين؟

الساعة 09:15 م|20 نوفمبر 2020

فلسطين اليوم

إبراهيم الفارس

بدا حسين الشيخ في مقابلته على تلفزيون فلسطين خلال إعلانه عن عودة العلاقات مع دولة الاحتلال، كما لو أنه الخبير بفنون الدبلوماسية والتقاط الرسائل وكرر مصطلح "الشرعية الدولية" في حديثه وكأنه يستوحي من صديقه الراحل، خبير التفاوض صائب عريقات، كلامه وسياقاته وحتى أوهامه. ويبدو أن السلطة الفلسطينية التي جاءت كنواة مشروع دولة، كما يروّج منظّروها، عرّاها الشيخ في مقابلته، التي أراد منها عكس ما أحدثت من وقع في الشارع الفلسطيني.

سر انتصار الشيخ كان ـ كما قال ـ أن تبعث حكومة يترأسها نتنياهو رسالة تؤكد اعترافها بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهو يؤكد بذلك أن السلوك السياسي لنخبة السلطة السياسية مرتبط ارتباطا وثيقا بمزاج القائد والمسؤول الإسرائيلي وبالتالي بالمزاج الإسرائيلي العام بدون التفكير حتى ببناء مشروع فلسطيني حقيقي أو استراتيجية لتحقيق أهداف إنشاء السلطة. وبالفعل، في الوقت الذي كانت فيه حماس وفتح تجتمعان في القاهرة، كانت السلطة تتجه نحو الأكسجين الإسرائيلي الذي لا يريدها ميتة أو حية وإنما عاجزة سياسيا، فاعلة إداريا وأمنيا إلى الحد المسموح به.

وبالعودة للمفردات السياسية القانونية والدبلوماسية التي استخدمها الشيخ، فقد جاءت في ظرف غياب كبير المفاوضين الفلسطينيين، وشغور هذا المنصب، الذي تتجه له عيون المحيطين بالرئيس محمود عباس لسبب واحد فقط. يدرك الشيخ أن هذا المنصب يعني تحميل المسؤولية عن الفشل، وبالتالي النقد، وهكذا كان صديقه عريقات الرمز الأهم في هذا المجال، الاسفنجة التي امتصت نسبة مهمة من فشل السلطة ومشروعها، في حين أنه لم يكن صاحب قرار فعلي وفي كثير من المراحل اشتد الخلاف بينه وبين عباس، لأن الأخير كان يرفض اتخاذ إجراءات أكثر حدة على الساحة الدولية، بما في ذلك توقيع اتفاقيات الانضمام للمؤسسات الدولية وملف لاهاي.

في السنوات الأخيرة أفرغت إسرائيل ومعها حسين الشيخ مبدأ المفاوضات السياسية من مضمونها، وهذا يعني أن الدائرة المعنية بالتفاوض مع إسرائيل في منظمة التحرير، كانت عبارة عن دائرة بطالة مقنعة، من رئيسها إلى أصغر موظف فيها، ليس لأن الشيخ ذكي واختطف صلاحيات المنصب بدون مسمى، بل لأن إسرائيل لم تعد تفاوض السلطة إلا من خلال ضباط الجيش، الحكام الفعليين في الضفة، وحتى الاجتماعات التي كانت تُعقد مع وزير المالية الإسرائيلي، موشي كحلون، كانت تناقش بالأساس قضايا مرتبطة بالمال بدون أي بعد سياسي، حتى أنه حين ترك كحلون المنصب، كتب أحد الصحفيين المعروفين في إسرائيل أن قيادات السلطة ستشتاق للقاء سياسي إسرائيلي بعد اليوم ولن يروا في الاجتماعات إلا البدلات العسكرية.

إذا، فالشيخ هو كبير مفاوضي السلطة التي لم توقف التفاوض السياسي كجزء من مشروع السياسي، بل لأنها تقزّمت في الرؤية الإسرائيلية إلى حارس حارة وبوابة لا يمتلك مفتاحها، وكما كان عريقات اسفنجة مشروع السلطة، فإن السلطة نفسها اسفنجة المشروع الإسرائيلي، لكن الفارق أنها تمتص نجاحات المشروع الإسرائيلي من استيطان وغيره وتخرجها من الجهة الأخرى رواتب لترطيب مزاج الشارع المثقل بالهم الخاص في مرحلة ما بعد أوسلو. لذلك، يبدو الحديث عن صراع لتولي المنصب هو صراع على ممر قد يأخذ صاحبه إلى مربع آخر، وهو الرئاسة، أما المنصب بحد ذاته، فلا يستحق كل هذا العناء، لأن كبير المفاوضين لن يقوم أكثر من الدور الذي يقوم به الشيخ، ولأن السياسي الفلسطيني فقد تواصله مع السياسي الإسرائيلي، والجيش هو العنوان.

داخل فتح ومعسكراتها، تتجه العيون لخطوات حسين الشيخ، الذي أصرّ أن يكون مطاردا في الانتفاضة الثانية حتى "لا يزايد أحد عليه" واليوم وقد أصرّ أن يكون محل شبهة ونقد ومزايدات حتى من جنرال التنسيق الأمني محمد دحلان، فالكل في فتح يتساءل عن الثمن الذي قد يجنيه من اللعب في السيرك الخطر بهذه الجرأة؟ حتى الرئيس صاحب القرار الفعلي لم يصدر تصريحا حول انتصار الشيخ، واختار الحديث عن المصالحة والوحدة الوطنية وكذلك محمد اشتية الذي صرّح بعد إعلان الشيخ بأن رواتب الأسرى خط أحمر، ثم لحق بهم الشيخ بيومين للحديث عن الوحدة كخيار استراتيجي، فهل كان هو بحد ذاته الثمن وليس جاني الثمن؟..

في السلطة، التي يؤمن كبار قادتها أن النظرية المنظمة للعلاقات الداخلية فيما بينهم، أن لا صديق حقيقي وكذلك لا عدو حقيقي، لم يجد الشيخ أحداً يدافع عنه على السوشيال الميديا إلا أفرادا من عائلته الكبيرة وموظفون يعملون تحت إمرته، أما الآخرون فقد آثروا الصمت وانتظار تحويل الأموال التي جاء بها "كبير المفاوضين الجديد الشيخ".