خبر من يُعلن الولاء لمن؟../ زهير أندراوس

الساعة 06:55 م|06 مارس 2009

06/03/2009  10:09 

 

بادئ ذي بدء، علينا التوضيح بشكل غير قيل للتأويل بأنّ نعت المأفون أفيغدور ليبرمان بالفاشي، لا يعني بأيّ حال من الأحوال أنّ باقي الأحزاب الصهيونية هي أحزاب ليبرالية ومتطورة وديمقراطية، بل نرى من واجبنا التأكيد على أنّ من يشارك في الجرم فهو مجرم وفق كل المعايير القانونية والأخلاقية.

 

بمعنى آخر، من جلس مع ليبرمان في حكومة أولمرت المنصرفة، مع ستين ألف "سلامة"، يوافق ضمناً على أفكار وأراء هذا المستجلب من الاتحاد السوفيتي سابقاً، بما في ذلك حزب "العمل" الإسرائيلي بقيادة وزير الحرب إيهود باراك.

 

نشير هنا إلى أنّ مفهوم الفاشية أضفى على الحياة بأنها صراع أبدي- أضفى عليها طابعًا مضطربًا وتوسعيًّا، وأنه لا يمكن زرع الصفات القوية - القومية إلاَّ بالصراع، ولا يمكن إظهارها إلا بالنصر والفتح (ليبرمان: التهديد بقصف سد أسوان والمطالبة بإلقاء القنابل النووية على غزة). علاوة على ذلك، شهدت القوى الفاشية نموًّا للقومية كشعور وهوية، ولا تدعو القومية الفاشية إلى احترام الثقافات المختلفة أو التقاليد القومية؛ بل تؤكد تفوق أمة أو عنصر على جميع الأمم الأخرى. وجاء هذا التعبير صريحًا وجريئًا في الإيمان بتفوق الجنس الآري الألماني، والاعتقاد بأن الألمان هم عنصر الأسياد (ليبرمان: يجب التعامل مع العرب باللغة التي يفهمونها أي القوة، واللافت أنّه عندما أحرز الإسرائيلي يوسي بن عيون، الذي يلعب في نادي ليفربول الإنجليزي هدفاً في مرمى ريال مدريد الإسباني الأسبوع الماضي عنونت جميع الصحف الإسرائيلية الخبر بالرأس اليهودي).

 

بالإضافة إلى ذلك، تسعى الفاشية إلى دعم ما هو أكثر من الوطنية وحب الوطن، فهي ترمي إلى خلق شعور كثيف وعسكري بالهوية القومية، وهو ما عُرِف بـالقومية المتكاملة، وتجسد الفاشية شكلاً من أشكال الرأسمالية المتعصبة والأمل في انبعاث القومية وميلاد الكبرياء القومي من جديد.

 

مضافاً إلى ما ذكر، فقد كان نظام الفاشية هو النموذج الديكتاتوري المتمثل في خضوع الفرد التام للدولة، وجذبت الدولة الفاشيين بشدة حيث إنهم رأوا فيها أداة للتحديث، ولم تسمح الفاشية بوجود مجتمع مدني ولا ديني قوي ورأت في ذلك تهديدًا لقوة الدولة، وسحقت المعارضة سحقًا، وعرف نظامها الداخلي قبضة بوليسية حديدية (ليبرمان على خلاف شديد مع الأحزاب الدينية حتى اليهودية التي ترفض السماح بالزواج المدني كما يطالب حزبه ويطالب بملف الأمن الداخلي وتعيين البروفيسور دانئيل فريدمان وزيراً للقضاء بسبب محاولاته المتكررة للحد من سلطة المحكمة العليا).

 

الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أسفرت، كما هو معروف، عن فوز الأحزاب المصنفة إسرائيلياً يمينية ويمينية متطرفة، وحزب إسرائيل بيتنا، الذي فاز بـ15 مقعداً ركّز في دعايته الانتخابية على كره العرب في الدولة العبرية، وقال بدون ولاء لا تمنح الجنسيات للعرب في إسرائيل.

 

أولاً، نقول لهذا المستجلب الفاشي إننّا نحمل الجنسيات الإسرائيلية من منطلق (مكره أخاك لا بطل)، نحملها من أجل الحفاظ على أرضنا وعرضنا ووطننا المسلوب، ولو كان أمامنا خياراً ثانياً للبقاء في أرضنا بدون الجنسية، لفعلنا ذلك دون تردد.

 

ثانياً، يكفينا فخراً واعتزازاً أنّه في الوقت الذي يطالب فيه هذا المأفون بقوننة الولاء، تنشر صحيفة (هآرتس) العبرية، الخميس (الخامس من آذار (مارس) الجاري) تحقيقاً صحافياً مدعماً بالأدلة والقرائن مفاده أنّ ليبرمان نفسه مشتبه بأنّه حصل على رشاوى بقيمة 850 ألف شيكل عندما كان وزيراً للتهديدات الإستراتيجية في حكومة أولمرت، وكان أيضاً نائباً لأولمرت، المتهم هو الأخر بالعديد من ملفات الفساد وخيانة الأمانة والرشا وما إلى ذلك من الاتهامات التي أدت إلى إبعاده عن المشهد السياسي الإسرائيلي. ما نريد قوله إنّ ليبرمان هو أول من يُطالب في دولة ديمقراطية بحق وحقيقة إثبات ولائه للدولة العبرية وعدم السرقة، وفق الشبهات، من خزينتها الخالية.

 

ثالثاً وللمقارنة فقط قدّم وزير الاتصالات في المكسيك، الأربعاء، استقالته من منصبه بعد أن قام مجهولون بتسجيل مكالمات هاتفية أجراها مع سياسيين محليين انتقد فيها الرئيس المكسيكي السابق، كما وجّه انتقادات لاذعة لعدد من الوزراء في الحكومة، وبسبب الضغط الشعبي فقد اضطر الوزير إلى تقديم استقالته. بكلمات أخرى، الوزير المكسيكي لم يسرق خزينة الدولة، بل أسمع انتقادات ضد الوزراء، وعلى الرغم من أنّ القانون المكسيكي لا يجبره ولا يلزمه بالاستقالة، إلا أنّه قدّم الاستقالة، بعد أن بات عبئاً على حزبه، كما أفادت وكالات الأنباء العالمية، هذه الديمقراطية مع أل التعريف، أما الديمقراطية اليهودية الإسرائيلية فتسمح لمشتبه بسرقة وتبييض الأموال، أي ليبرمان، بأن يواصل مهامه كالمعتاد، وأكثر من ذلك، فقد تحّول هذا الفاشي إلى مُتّوج رئيس الوزراء في الدولة العبرية، وقريباً سيُعيّن وزيراً للخارجية في حكومة السيد بنيامين نتنياهو، وبالعامية نقول: "هيك مزبطة، بدها هيك ختم"!

 

وعود على بدء: نحن مع قوننة الولاء في الدولة العبرية، ولكنّ السؤال المركزي الذي نطرحه في هذه العجّالة: من يُعلن الولاء لمن؟ فحسب نظريات العلوم السياسية اللبرالية فإنّ الأكثرية ملزمة بإعلان الولاء للأقلية، ووفق هذه النظريات أيضاً، فإنّ الدولة العبرية على جميع أذرعها ملزمة بإعلان الولاء لفلسطينيي الداخل، وليس بالعكس. منذ إقامة إسرائيل على أنقاض شعبنا العربي الفلسطيني الذي شُرّد من أرضه في النكبة، تعاملت معنا حكومات إسرائيل المتعاقبة بشكل عنصري ممنهج ومدروس، وحاولت تقسيم العرب إلى عربين، وحاولت تقسيمنا إلى طوائف وملل وما إلى ذلك من الابتكارات الإسرائيلية الممجوجة والتي باتت لا تنطلي على أحد.

 

سياسة الحكومات كانت وما زالت عنصرية، ولكنّ والأخطر أنّ الحكومة القادمة ستعمل على تأجيج النزاع القائم أصلاً بين الأكثرية اليهودية والأقلية العربية، وبالتالي لا نستبعد أن يُقدم نتنياهو وحكومته على سن القوانين التي تُلزمنا بالاعتراف بالدولة العبرية بأنّها دولة صهيونية ويهودية وديمقراطية. وبالتالي علينا، نحن أبناء الأرض الأصلانيين، التكاثف والتعاضد والترفع عن الخلافات بيننا، لكي نتصدى لهذه الحملة الشرسة ولنقول لكل من تُسّول له نفسه بالإقدام على خطوة من هذا القبيل: لن نخضع ولن نركع، ولن نُوقّع على قوانين عنصرية من مدرسة الفاشي ليبرمان، تتناقض جوهرياً مع فكرنا وعقيدتنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.