خبر باراك في الطريق الى الخارج..هآرتس

الساعة 10:57 ص|06 مارس 2009

بقلم: يوئيل ماركوس

كاتب دائم في الصحيفة

يوم السبت، 4 تشرين الثاني 1995، ايهود باراك وأنا كنا في نيويورك، وبشكل مصادف تماما – في ذات الفندق وفي ذات الطابق. وعندما عدت في ذاك اليوم في ساعات ما بعد الظهر الى الفندق من مناسبة ما نظمتها القنصلية، رايت باراك ومساعديه يحتشدون في مدخل جناحهم. "ما الذي تحتفلون به؟"، سألت. باراك، متجهم الوجه، نظر الي نظرة مباشرة وسألني: "ماذا، الم تسمع؟ رابين اغتيل".

بعد الصدمة والاسئلة، كيف حصل هذا، ماذا ومن، طلب باراك ان ادخل الى غرفته وسألني اذا كنت أعرف ما هو حكم الحكومة في مثل هذا الوضع. هل تصبح حكومة انتقالية لا يخرج منها ولا يدخلها احد، واذا كان كذلك هل يمكن نقل وزير من حقيبة ما الى حقيبة اخرى. لاسفي لم يكن لدي اجابة – ولكن ما فهمته من سؤاله هو أنه بينما كان جثمان رابين في ايخلوف فانه يفحص اذا كان بوسعه ان يتلقى حقيبة الدفاع بدلا من حقيبة الداخلية. التتمة معروفة. بيرس بقي رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع وفي الانتخابات التي اجريت بعد نحو نصف سنة بيبي انتصر. وبعده باراك الذي هزمه بدوره شارون باغلبية ساحقة.

ايهود باراك عاد رجلا ثريا، بدل زوجة، بدل شقة، وفي ظل كديما عاد الى حزب العمل الذي كان في عملية نزاع موت. مع 19 مقعدا حققها متسناع وبيرتس، جسد المخلص حلمه في قيادة الحزب وانزله في هذه الانتخابات التي تسبب بتقديم موعدها الى درك اسفل من 13 مقعدا بينما ارتفع الليكود من 12 مقعدا الى 27 مقعدا. بين العائدين بيبي قدر الوضع على نحو اسلم من باراك.

الرجل الذي وصفته سكرتيراته في مكتب رئيس الاركان باسم نابو (نابوليون) ليس بسبب قامته، بل بسبب غروره؛ الرجل الذي قيل عنه انه يعرف كيف يفكك ويركب الساعات، ليس مبنيا للجلوس في المعارضة. معارفه يدعون بانه لا يفهم ما هو الحزب. فهو ليس مبنيا لان يجلس ليال طويلة للبحث في مسألة من يعين كسكرتير الحزب في فرع كرميئيل. ومنذ كان رائدا ومع الايام قائد سييرت متكال، تواجد الى جانب رؤساء الوزراء والوزراء الكبار الذين يتخذون قرارات مصيرية في غرف مليئة بالدخان. ولا غرو انه طور لديه طموحات بموجبها معد هو للعظائم.

ولكن الرجل الذي قيل عنه بان لديه مستوى ذكاء عالٍ ظهر غير مرة كمن لا يفهم شيئا في السياسة. لديه الكثير من الكيفيات ولكن لسانه وقلبه لا يتطابقان دوما. فقد أعلن بان "الشعب قال قولته في أن نكون في المعارضة" وبعد ذلك عمل على الانضمام الى حكومة الليكود. كان بوسعه ان يقول لحزبه هيا نجري بحثا ونصوت اذا كنا سنذهب الى المعارضة أم الى حكومة وحدة مع كديما. كان بوسعه حتى ان يعلن "فشلت وانا أستقيل"، ولكن مثلما في المقطع الذي استهل به هذا المقال، فانه في كل وضع يقلق لذاته اولا وقبل كل شيء. وهذا ليس بالضبط سلوك الزعيم. ولكن اذا كانت نفسه تطيب لان يكون وزيرا للدفاع لدى بيبي فانه على الاقل ملزم بان يعيد المقعد في الكنيست الى العمل.

في اعلانه الاول قال باراك انه مسؤول عن الفشل و "انا سأبقى في الحزب وسأبذل كل ما في وسعي لاعادة بنائه كمحفل سياسي هام في اسرائيل". ولكن سلوكه فيما هو يحرص على جلدته كوزير دفاع في الليكود، القى بظلال ثقيلة على استقامته. ليس صدفة ان مساعديه، في اثناء توليه منصب رئيس الوزراء، فتكوا به. فهو رجل متلوٍ جدا، كما قال احدهم، غير قادر على أن يمد خطا مباشرا بين نقطتين. من اليوم الذي اصر فيه على رأيه السياسي لم يتخذ قرارا لا لبس فيه: "متردد، يتشاور مع مائة شخص قبل أن يسافر في سكودا او في فيات". مساعدوه المخلصون جدا في ولايته كرئيس للوزراء كفوا عن تصديقه، وذلك لانه لا يطور التزاما تجاه احد. ايهود اولمرت كرئيس لبلدية القدس قام في حينه ببادرة طيبة نحو باراك حين وعد في بث انتخابي في التلفزيون بان "باراك لن يقسم القدس". وكـ "جائزة" على هذه البادرة الطيبة لم يتمكن اولمرت من ان يستقبل على مدى نصف سنة لحديث لدى رئيس الوزراء باراك.

المسؤول عن تقديم موعد الانتخابات الان هو باراك، الذي طلب مطالب متنوعة كشرط لاقامة حكومة استمرار دون انتخابات، حتى نفد صبر تسيبي لفني. حتى الان لا يفهم ما الذي لم يكن على ما يرام. كان يمكن ان نتوقع منه على الاقل ان يوصي الرئيس بتكليف لفني بتشكيل الحكومة. هكذا على الاقل كانت هناك فرصة لحكومة وحدة بدلا من الحكومة اليمينة التي في الافق.

اسم باراك يسير أمامه كعبقري أمني، وهو على أي حال يبني أمله على هذا في كل وضع في ان يكون هو رجل الساعة. ولكن حتى وزير الدفاع يجب أن يكون اولا وقبل كل شيء سياسيا، اذ انه لو كان كذلك لكان ينبغي له أن يفكر كيف لا ينفذ عملية عسكرية على هذا القدر من النجاح، توقع علينا العالم بأسره وتجعل حماس الارهابية هدفا للتضامن العالمي جديرا بالمساعدة المالية – فيما تتواصل الصواريخ في التساقط.

باراك هو رجل لامع، بلا ريب، ولكن هناك احتمال عالٍ في أن يكون في الطريق الى الخارج.