خبر الأسير المحرر رامي أبو معمر.. فرحة منقوصة بالإفراج ممزوجة بحزن على استشهاد الأحبة

الساعة 12:20 م|05 مارس 2009

فلسطين اليوم:غزة (تقرير خاص)

ثمانِ سنوات قضاها الأسير المحرر رامي أبو معمر (30 عاماً) من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كانت كفيلة أن تغير صورة مكان منشأه ولتعطي لمدينته ملامح جديدة رسمتها الطائرات والدبابات الإسرائيلية خاصةً بعد عدوان غزة الأخير.. لتمزج بين فرحته بالإفراج عنه بحزنه وألمه على ما ألًم برفاقه وذويه.

 

فأكثر من 9000 أسير يقبعون خلف القضبان..يحلمون بالعودة إلى ديارهم وينتظرون الحرية بفارغ صبرهم، فيما نال آخرون كـ"رامي" حريتهم بعد صبر طويل, ولكن ثمن حريتهم كان غالياً دفعوها بسنوات طوال عانوا خلالها من ممارسات إدارة السجون التعسفية، وبقتل ودمار وخراب انتظرهم في الخارج جراء حرب وعدوان متواصل على أبناء شعبنا لتقتل فرحتهم وتنغص عليهم سعادتهم.

 

قبر صديقه ماجد أبو معمر كان المكان الأول الذي أصَر "رامي" على زيارته ليوفي بعهد قطعه على نفسه داخل سجنه، حيث استشهد ماجد ومازال "رامي" في سجنه، لتكون دموع حزنه على فراق صديقه وهو يقف أمام قبره هي شاهد آخر على معاناة أبناء شعبنا.

ظروف الاعتقال

الخامس من شهر فبراير 2001 كان "رامي" على موعد مع سلب حريته والاعتقال، حيث اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة بئر السبع التي زارها قبل بدء انتفاضة الأقصى الثانية بعام.

 

يستذكر أبو معمر ظروف اعتقال في سجن نفحة الصحراوي لـ"مراسل فلسطين اليوم"،:" كنت مقيم في البلدة القديمة في بئر السبع، وبعد قيام انتفاضة الأقصى كنت موكل بالتنسيق مع الشهيد عمرو أبو ستة للقيام بعملية داخل إسرائيل , وفي تمام الساعة الحادية عشر من هذه الليلة ذهبت لأستلم بعض المعدات من أشخاص لا أعرفهم في المدينة, وعند اقتراب السيارة من المكان لاحظت وجود ما يقارب ستة حواجز غريبة والجيش الإسرائيلي يسيطر على المكان بشكل كامل وتم إطلاق النار على السيارة التي أستقلها ومن ثم اعتقلت".

 

وأضاف أبو معمر، أن المحاكم الإسرائيلية حكمت عليه بالسجن لمدة ثمان سنوات بتهمة التخطيط والشروع في تنفيذ عملية داخل إسرائيل, مشيراً إلى أنه كان موظف في السلطة الوطنية وفُصل عام 1996م بسبب نشاطه العسكري.

الظروف المعيشية داخل السجون

وحول الظروف المعيشية داخل السجون، أكد أبو معمر أن ظروف الأسرى داخل سجن نفحة الذي وصفه بأنه مركز لأسرى قطاع غزة, صعبة للغاية، حيث أنهم يعانون من انقطاع الزيارات ومنع وصول الأموال والمساعدات "الكنتينة" مشيراً إلى أنه تحرر وحاملا معه ما يقارب 400 رسالة من الأسرى ليسلمها لذويهم.

الأسرى المرضى

وفي سياق الحديث أكد الأسير المحرر أبو معمر، وجود نسبة كبيرة من الأسرى المرضى والجرحى داخل السجن لا سيما الأمراض المزمنة كالسكر والضغط وكان آخر أسير استشهد قبل ما يقارب شهرين "أبو إسماعيل الكيالي" من مخيم شعفاط من مدينة القدس المحتلة.

 

وأضاف أبو معمر، أن الأسير ناهض أبو خماش أصيب بالجلطة داخل السجن وتوفي على إثرها, ولم تقتصر المعاناة على الأسرى داخل السجن فقط بل أصيبت أيضاً أم أسير يقبع في سجون الاحتلال بالجلطة وتوفت على إثرها دون أن تتمكن من احتضان ابنها.

 

ونوه، إلى أن مصلحة السجون قامت بوضع أجهزة مكعبة الشكل تعمل على تشويش وتبديد الإرسال كالجوال والراديو، ومنذ ذلك الوقت أصبح الأسرى يشكون من الصداع المزمن خاصةً مع قرب السجن من المفاعل النووي.

فرص التعليم

وبالانتقال لموضوع التعليم بين أبو معمر، أن مصلحة السجون تضع العراقيل في وجه الراغبين بإكمال مسيرتهم التعليمية وتمارس الابتزاز ضدهم, وأن الكثير من الأسرى يتقدموا بطلب لدى مصلحة السجون لإكمال التعليم وتأتي الموافقة بعد حين وتكون نسبة المتقدمين كبيرة جداً إلا أن نسبة المسموح لهم لا تعادل شئ بالنسبة للمتقدمين بالإضافة إلى أنه عند آخر سنة دراسية يمنع من الإكمال ولا يمنح الشهادة بالإضافة إلى زهد التكاليف.

 

أما في موضوع الثانوية العامة فقال رامي:"حتى عام 2004 كان الأسرى يدرسون مادة الثانوية العامة المقررة من التربية والتعليم ولكن بعد هذه السنة أصبحوا يدرسون مادة مخصصة وامتحان خاصة بهم"، مشيراً إلى أن إجراءات التسجيل طويلة وتأخذ وقت طويل حيث يتوجب على عائلة الأسير أن تسجل له في وزارة الأسرى، وبعد ذلك يسجل الأسير في مصلحة السجون وحينها ينتظر الموافقة أو لا.

فترة الحرب على غزة

وفيما يتعلق فترة الحرب والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وصف أبو معمر حالة الأسرى في فترة الحرب الأخيرة على القطاع بالصعبة حيث ساد التوتر كافة السجون فيما كان الأسرى يلهثون بشغف لمتابعة  الأحداث على التلفاز والراديو على مدار 24 ساعة.

 

وقال أبو معمر:"إن النظام اختلف في السجن فأصبح السجانون يلبسون الدروع ويكلبشون أي أسير يتم نقله أو نزوله إلى مكان آخر وذلك خوفاً من ردة فعل تأتي من الأسرى"، مشيراً إلى أن معاناة الأسرى تزايدت بعد تضرر بيوت الكثير منهم وفقدان أقاربهم أو أصدقائهم، فضلاً عن مشكلة عدم توفر اتصال مع الأهل وعدم قدرتهم على الاطمئنان على أهاليهم وذويهم.

 

ونوه أبو معمر إلى الأسير المحرر إياد زنون من مدينة رفح الذي كان موعد الإفراج عنه خلال الحرب ورفض الخروج من السجن وفضل البقاء داخله لأنه علم أنه سيخرج لا يلقى له مكاناً يأويه بعد أن قصفت الطائرات الإسرائيلية منزله وانتقال عائلته إلى إحدى المدارس، ولكن تم الإفراج عنه بعد أيام قليلة.

تقصير ومطالبات حثيثة

وشدد أبو معمر في حديثه، على أن هناك تقصير كبير من التنظيمات الفلسطينية بحق أبنائها الأسرى المناضلين, حيث لا تصل إليهم أي أموال أو مساعدات مالية، داعياً المؤسسات المختصة إلى زيادة الاهتمام بشؤون الأسرى ووضع قضيتهم على سلم قضايا الحوار.

مواقف لا تنسى

وبتنهيدة طويلة كانت أقوى من الكلمات أخذ أبو معمر يستذكر مواقف لا ينساها داخل سجنه، منها فقدانه لصديقه الشهيد ماجد أبو معمر، قائلاً: " عندما علمت باستشهاد ماجد بكيت عليه فترة طويلة, ونذرت قبل دخولي بيتي أن أزور قبره", كما كان حزنه شديداً لفراقه وفقدانه القائد الشهيد عمرو أبو ستة.

 

كما استذكر أبو معمر موقفاً لا ينساه حصل مع أحد الأسرى حيث كانت تزوره زوجته وطفلتها الرضيعة على يديها وبعد تسعة عشر عاما زارته ابنته التي كانت رضيعة وابنتها الصغيرة على يديها.

 

وفي موقف آخر مع الأسير حسن الكحلوت قال أبو معمر :" إن حسن كان يعلم باستشهاد أخ له  وهو بالسجن ولم يقل لأحد من أصدقائه بالسجن وعندما عرف الأسرى أن أخيه استشهد كانوا وقتها في جو من الفرح وعندما جاءهم الخبر ولم يأتيهم من الأسير حسن صمتوا ولم يعرفوا ما يقولون, فاقترب منهم حسن وقال لهم: أنا أعرف وجاءني الخبر وعندما سألوه لماذا لم تخبرنا!؟, أجاب: رأيتكم في حالة سرور وانبساط ولم أحب أن أنكد عليكم وأعكر جوكم.!

 

وأكد أبو معمر على روح المحبة والأخوة هي السائدة داخل السجون الإسرائيلية وكثير من المواقف تظهر الأخوة والشراكة في الأفراح والأحزان وتنشأ علاقات قوية وكبيرة بين الأسرى.