"كورونا" يشتت عائلة أبو شربي.. "فادي" ودع زوجته الحامل وطفلتيه "شام وسارة" مرتين

الساعة 09:38 ص|24 أكتوبر 2020

فلسطين اليوم

انقلبت حياة فادي رأسًا على عقب، وتحول البيت إلى كابوس مرعب، أسرته وأطفاله الصغار (سارة وشام) ينظرون إلى غرفته المغلقة بريبةٍ وخوف شديدين، يحصل على طعامه وشرابه من نافذة صغيرة وسط احتياطات مكثفة خشية من انتقال فيروس كورونا إلى أسرته.

هذه إحدى المشاهد المؤلمة التي أثرت سلبًا على حياة المواطن "فادي أبو شربي" (32) عامًا من سكان شارع المنصورة في حي الشجاعية شرق غزة، فهو لم يستطع على مدار 9 أيام خلال فترة الحجر المنزلي أن يحتضن طفلتيه الصغيرتين أو يسلم على زوجته أو يقبل والديه أو يجلس قرب أشقائه.

حالة "فادي" النفسية تدهورت بشكل كبير على مدار الليالي والساعات التي قضاها وحيدًا في غرفته؛ فهو لم يعتد الجلوس في بيته ساعة واحدة بهدف البحث عن مصدر رزقه الوحيد الذي فقده خلال أزمة تفشي فيروس كورونا فهو عامل (طوبار) في مدينة غزة.

بدأت أعراض فيروس كورونا تظهر على "فادي" بنهاية شهر (سبتمبر) 2020، حيث شعر بصداع شديد وآلم في المفاصل؛ لكنه لم يتوقع مطلقًا أنها أعراض كورونا، ذهب على الفور إلى "الصيدلية" وحصل على العلاج المتعارف عليه للفلونزا وهو إبرة "ديكورت ودكلوفين"، لكن الآلام لم تذهب وحالته الصحية تتدهور فحصل على إبرة أخرى وبعد ثلاثة أيام حصلت المفاجأة.

"فادي" الذي كان يتناول الطعام بنهم فقد شهية الطعام وفقد حاستي "الشم والتذوق" فلم يعد قادرًا على تمييز الطعام، حينها أدرك أنه أصيب بفيروس كورونا، إذ اشتدت الآلام والصداع كثيرًا وبدأ يشعر بالتعب الشديد والارهاق.

وأبلغ "فادي" الطب الوقائي بما حصل معه ليبلغه متلقي الاتصال بالإجراءات المطلوبة وحجر نفسه في المنزل حتى وصول سيارات الطب الوقائي إلى منزله وأخذ عينة فحص منه، التزم فادي بالتعليمات وحبس نفسه بالغرفة وأمر زوجته بضرورة تنظيف الشقة وعدم الاختلاط مع أحد وحماية كل من "سارة وشام" طفلتيه المدللتين.

استعان "فادي" بألعاب طفلتيه سارة وشام للتخفيف من الوحدة والضيق والملل، وبدأ يتحدث مع اصدقائه وأهله عبر منصات التواصل في محاولة لإزالة الآثار النفسية الصعبة التي تعرض لها منذ أن علم بإصابته بكورونا.

جلس فادي وحيدًا في غرفته ينظر إلى زوجته وأطفاله من النافذة بحزن وآلام شديدة تعتصر قلبه، كلما أراد أن يأكل أو شرب مد يديه المغلفتين بقفازات من النافذة يُمسك الصينية من زوجته التي تشعر بغصة كبيرة.

استعمل "فادي" للشراب والطعام صحون وكاسات بلاستيكية لإلقائها في القمامة مباشرة عند الانتهاء من استخدامها، كان الحزن والأسى قاسيًا على فادي فينظر بعينيه الدامعتين على طفلتيه وهما تجلسان أمام غرفته تنتظران منه قبلة ترسم البسمة على وجههن أو الذهب إلى السوبرماركت لشراء الحاجيات.

تكررت المشاهد القاسية والمؤلمة وزادت علامات التوتر والقلق تسيطر على فادي الذي ينتظر الطب الوقائي لإجراء عينة فحص له، لكن مناشداته لم تستجاب واستمرت معاناته لمدة 7 أيام متتالية شعر فيها بآلام كبيرة جدًا "آلام الوحدة وآلام الحسرة على عدم قدرته من احتضان طفلتيه".

الحالة النفسية الصعبة التي تعرض لها فادي وعدم وصول الطب الوقائي لبيته دفعه آسفًا لكسر الصمت وكسر حلقات الأسى التي يجدها في عيني طفلتيه وزوجته فالذهاب لمستشفى الشفاء واختلط بالناس.

وصل مستشفى الشفاء بمعاناة شديدة جدًا وعرض نفسه لطاقم الاستقبال دون اهتمام منهم فأرسلوه لمركز الصوراني في حي الشجاعية، هناك كانت المفاجأة عندما قالوا له "نحن غير مخولين لفحص كورونا" اضطر للذهاب إلى عيادة الرمال وأصر هناك على اجراء فحصًا مخبريًا لفيروس كورونا.

عاد فادي منهكًا ومتعبًا إلى بيته ممسكًا لعبة "سارة وشام" ليقضي ما تبقى من يومه حزينًا على ما وصل به الحال، وفي اليوم التالي ظهرت النتيجة (ايجابية)، واتصل به الطب الوقائي لتجهيز نفسه ونقله لمركز الحجر في خانيونس.

جهز فادي حقيبته، وعيونه تكاد تبكي حرقة لعدم قدرته على تقبيل طفلتيه "سارة وشام" وتوديع زوجته ووالديه وأهله فكان الوداع الأول حزين ومؤلم أثر كثيرًا على نفسيته.

ذهب فادي إلى مركز الحجر في خانيونس وبدأت أطقم الطب الوقائي بأخذ العينات من أسرته لتكتشف بعد يومين اصابة جميع افراد العائلة ويبلغ عددهم (17 فردًا).

فور توارد المعلومات لـ"فادي" بإصابة زوجته ووالدته ووالده بفيروس كورونا شعر بالأسى والحزن عليهم ومما زاد خوفه أن زوجته حامل في شهرها السابع؛ لكنه أوكل الأمر إلى الله عز وجل.

ومما زاد من الأسى والألم على فادي أن جميع افراد عائلته اصيبوا بالفيروس إلا طفلتيه شام وسارة وذلك ضمن المسحة الأولى للعائلة، وبدأ تفكير فادي وزوجته خشية من نقل العائلة وترك الطفلتين وحيدتين في البيت.

وبعد وقت طويلٍ من التفكير الصعب أمر فادي زوجته بنقل طفلتيه معها إلى مكان الحجر رغم أنهما غير مصابات بالفيروس.

قضى فادي ليلته الأولى وهو في حالة صعبة جدًا من حيث التفكير بزوجته الحامل وأطفاله وأهله، وكان ينتظرهم في مركز الحجر بخانيونس بفارغ الصبر ليرفع من معنوياتهم ويقبل طفلتيه الصغيرتين بعد ايام صعبة جدًا.

فجأة قام الطب الوقائي بنقل زوجته وجميع أفراد عائلته إلى مركز بيت حانون شمال القطاع وهنا تفرق شمل العائلة، غضب فادي كثيرًا وقرر المجازفة بنفسه وطلب من الطب الوقائي بنقله لمكان زوجته وأهله.

كانت دعاء وبناتها سارة وشام في مركز الشمال بوضع نفسي صعب من جميع النواحي والدهم بعيدًا عنهم وحجزوا في "كرفانات" لا تترقى للمستوى الادمي.

وصل فادي إلى مركز بيت حانون بالتنسيق مع وزارة الصحة دون أن تعلم زوجته وعائلته، اثناء ذلك كانت زوجته في الغرفة تداعب طفلتيها كان همها أن يأتي زوجها ويساعدها في رفع معنوياتها لا سيما وأنها حامل في شهرها السابع وأن يمسك طفلتيه "شام وسارة".

فجأة كسر حالة التفكير القاسي لدى "دعاء" طرق الباب،  فتحت الباب فاذ بالمفاجأة الكبيرة زوجها فادي يطرق عليها الباب، هنا تحولت أجواء الحزن والأسى إلى أجواء فرح وسرور حيث احتضن أطفاله وزوجته وقبل والديه لأول مرة بعد نحو 12 يومًا.

وفيما يتعلق بالطعام المقدم لهم ومعاملة الجهات المسؤولة عن مراكز الحجر الصحي فقد أكد فادي أن المعاملة من الجهات المسؤولة "ممتازة جدًا" من حيث التعامل والطعام المقدم الذي يحتوى على الفيتامينات والنظافة المستمرة.

لكن فادي اشتكى فقط مكان حجر بيت حانون شمال القطاع، فالحجر كما أكد فادي لا يرقى للعيش الأدمي مطلقًا فهو مكان مليء بالذباب ومساحة الغرفة قليلة جدًا لا تتسع لأسرة من اب وزوجة وابناء.

ووفقًا لبروتوكول وزارة الصحة فمن يقضي 14 يوما في مركز الحجر وشعر بتحسن وتم فحصه وظهرت نتيجته سلبية يتم نقله من مركز الحجر إلى الحجر المنزلي في بيته وهذا ما حدث مع فادي فقد انتهت مدة حجره وعادت إليه حاستي الشم والتذوق.

غادر فادي مركز بيت حانون بعد قضاء 8 ايام تاركًا زوجته وطفلتيه "سارة وشام" ووالديه وبعضًا من أشقائه وأبناء عمومته.

وصل فادي إلى بيته وحيدًا حزينًا مثقلًا بالهموم والتفكير بحال زوجته وأطفاله، لكن الأمل كان يحذوه بشكل أكبر لأن فترة انتهاء حجر زوجته اقتربت على الانتهاء، وفجأة زادت فترة حجرها 14 يومًا اضافيًا عقب ظهور نتائج ايجابية لفحص ابنته شام البالغة من العمر (عامين) المصابة بفيروس كورونا.

اضطرت دعاء للبقاء في حجر بيت حانون 14 يومًا اضافيًا مع طفلتيها، أما فادي الذي عاد لمنزله برفقة عدد من أفراد اسرته فقد زاد الألم والأسى إلى قلبه.

يُشار إلى أن دعاء تتلقى العلاج الطبي بشكل مستمر ودوري في مستشفى الأوروبي، حيث قدم فادي شكره الجزيل للجهات الطبية التي تتعامل بروح عالية ومميزة داخل مركز الحجر.

وقدم فادي نصيحة لأبناء شعبنا بأن يستمعوا لوصايا وتعليمات الطب الوقائي لأن فيروس كورونا خطير، قائلًا: "بعض الناس لا يستطيعون العيش في الظروف التي عشتها مطلقًا فوالله انها ايام صعبة لا اتمناها لأحد أن يجربها".

 

كلمات دلالية