خبر عالم بلا حماس.. أم عالم بلا إسرائيل؟ .. عادل القصار

الساعة 06:46 م|03 مارس 2009

عادل القصار ـ القبس الكويتية 3/3/2009

"طعنة العدو تدمي الجسد... وطعنة الصديق تدمي القلب"

في مجلة فورين بوليسي (عدد يناير/فبراير 2005)، احدى أهم المجلات الأمريكية المتخصصة في الشؤون الخارجية الأمريكية .. كتب جوزيف جوف Josef Joffe مقالا تحت عنوان: عالم بلا اسرائيل... A World without Israel حاول من خلاله باسلوب مراوغ ومخادع تبرئة اسرائيل من المصائب والحروب التي يدعي العرب ان اسرائيل كانت هي السبب والعامل الرئيسي من ورائها.

ربما حمل رأي الكاتب جوف بعض جوانب الصحة - كما يبدو لبعض المغفلين - في قوله:

إن وجود إسرائيل ليس هو السبب في العداوات داخل المنطقة العربية، لأن العداوات قائمة أصلاً من دون أي علاقة لإسرائيل بذلك. فالحرب الأهلية في لبنان، وإبادة صدام للشيعة، ومذابح سوريا للإخوان المسلمين، وأعمال الإرهاب ضد المسيحيين في مصر، والصدامات المصرية - الليبية وغيرها لا علاقة لها بإسرائيل.

نعم ربما يبدو ذلك ليس له علاقة باسرائيل، ولكن ربيبة اسرائيل الولايات المتحدة الاميركية هي التي ساهمت بحماية تلك الانظمة العربية، والعمل على تأجيج الصراعات فيما بينها، وتخويفها والعمل معها سويا لقمع وتقويض كل حركة اصلاحية اسلامية تتطلع الى الاسهام في تنمية مجتمعاتها وانهاء مطامع ومصالح الغرب في بلدانها. هذه وغيرها الكثير من السيناريوهات التي رسمها جهاز البنتاغون الاميركي في منطقة الشرق الاوسط.. جميعها كان يصب في مصلحة تهيئة الاجواء اللوجستية لاسرائيل كي تتفرغ لإحكام سيطرتها وتنفيذ مخططاتها الاستعمارية والاستيطانية على ارض فلسطين الاسلامية.

لو لم يكن لاسرائيل وجود في المنطقة العربية هل كان لاميركا وحليفها الاوروبي من خيار آخر لبيع وتسويق منتجات مصانع اسلحتمها وطائراتهما ومعداتهما الحربية في عالمينا العربي والاسلامي ؟. قد شاهدنا بوضوح كيف يلحق ويتبع كل عملية تأزيم سياسي تهيئ له او تصنعه اميركا سواء في ما بين الدول العربية او بين العرب واسرائيل.. نجد تسابق الدول العربية لاعلان عقد صفقات السلاح بمليارات الدولارات مع اميركا والدول الاوروبية . يأتي ذلك من اجل تصريف ترسانة الاسلحة التي تزخر بها مصانعها وضمانا لدعم اقتصاداتها ومن أجل ايجاد وسيلة مقنعة لشفط عوائد البترول المتورمة في ميزانيات بعض الدول العربية المنتجة للنفط، فلو لم يكن لاسرائيل وجود في المنطقة لما حققت الولايات المتحدة الاميركية في اطار تحالفها مع الاتحاد الاوروبي سبيلا لتنفيذ مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة العربية.

انها منظومة دولية مصلحية متوالية نحن فريستها وضحيتها الاولى... وبطلتاها اميركا واوروبا لتعزيز استخدام اسرائيل كوسيلة ابتزاز ديني سياسي اقتصادي ..والرابح في هذه المنظومة الغربية الجائرة هو لمعيار القوة وليس لمعايير العدالة والحرية والمساواة التي يتبجح بها الغرب بدساتيره وقوانينه الحضارية.

نعم التخويف من "عالم.. بلا اسرائيل" يساوي ـ حسب مفهوم الكاتب جوف ـ عالما بلا تحقيق المصالح الغربية الامبريالية في منطقة الشرق الاوسط... وبلا احتفاظ بعض الانظمة العربية بكراسي حكمها حتى يومنا هذا . وليس كما ذهب الكاتب.

***

في المقابل من العبط والسخرية وروح الانهزام، بعد هذه النكبات وبعد مأساة غزة الاخيرة، ان يدفع بعض المتخاذلين لتهيئة الاجواء "نحو عالم.. بلا حماس" وبلا مقاومة. فبعد ان انكشف فشل مخطط ابادة حركة حماس في الحرب الاخيرة تفرغت بعض الابواق التضليلية لتشويه صورة "حماس" على انها حركة "ارهابية .. فاشستية" لا يمكن ان يتحقق الاستقرار والسلام بوجودها وامتدادها الشعبي المزعج وانتمائها الايديولوجي المتغلغل.

هذا المنطق المعوج اصبحنا اليوم ـ وللاسف الشديد ـ نسمعه حتى على ألسن بعض الانظمة العربية وبعض قيادات فتح وخصوم حماس التقليديين، لمحاولة عزل حماس، ولتغطية حالة الفشل السياسي الداخلي الذريع الذي تعانيه تلك الانظمة والقيادات، وحالة الرفض الشعبي لسياساتها الاستسلامية.. هؤلاء ممن اسمينا البعض منهم في مقال سابق ب‍‍ "اذناب البقر..." وفقا لتعريف الحديث النبوي الشريف كناية عن الالتهاء بالحرث.. يفضلون القضاء على حماس واحلال الاستقرار على ان تتعرض مصالحهم التجارية والاقتصادية للكساد بسبب الحرب.

يحدث ذلك التهميش العربي لحركة حماس في الوقت الذي تسابق فيه دبلوماسيون غربيون كبار لازالة هذا الغبش في رسالة بعثوا بها الى صحيفة التايمز البريطانية في عددها الصادر 26 فبراير 2009 موضحين فيه فشل سياسة عزل "حماس".. مطالبين فيها ـ وكما نشر في موقع الاسلام اون لاين ـ بضرورة الإصغاء للدعوات التي تصاعدت مؤخرًا بإشراك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين.

وقد اكد هؤلاء الدبلوماسيون ان حماس باتت أمراً واقعاً، ولم يعد بالإمكان أن تختفي سواء شئنا أم أبينا.. لقد فازت في انتخابات ديموقراطية عام 2006، واستطاعت أن تحافظ على مكانتها لدى الشعب رغم المحاولات الجادة لتشويه صورتها، وإبعادها بالوسائل المتعددة والتي كان على رأسها الحصار الاقتصادي.

وللعلم ان من بين الموقعين الدبلوماسسيين على هذه الرسالة شلومو بن عامي وزير خارجية إسرائيل الأسبق.. بينما لا يجرؤ على مثل هذا الكلام اليوم بعض وزراء الخارجية العرب... هزلت.

* آخر العنقود:

تزامن فشل مخطط عزل حماس مع اعتراف المراقبين الفرنسيين بان "معركة غزة" التي خرجت فيها حماس جاءت لتعبر عن ان "حماس" اصبحت أكثر قوة مما كانت عليه في السابق.

وعليه، فليوفر الرادحون الغوغائيون من خصوم حماس العرب والمسلمين مساعيهم الخائبة التي يجري فيها تزييف الرأي العام وتشويهه. يكفي ان نتأمل حكمة مقولة صدر المقال. "فهل من مدكر..؟"