خبر المطلوب خطوة من أبو مازن وفتح إلى الوراء وخطوة من حماس إلى الأمام ..هاني المصري

الساعة 06:45 م|03 مارس 2009

ـ الأيام الفلسطينية 3/3/2009

لم تكد الأجواء الايجابية الاحتفالية لجلسة الحوار الوطني الشامل التي عقدت بالقاهرة أن تخيم على الأجواء، حتى طالعتنا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عشية زيارتها للمنطقة بتصريحات محبطة للغاية. فكلينتون قالت إن أية مصالحة فلسطينية لن تأتي بنتيجة إلا إذا وافقت "حماس" على الاعتراف بإسرائيل وشروط دولية أخرى، وقامت بشرح هذه الشروط وهي: الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والإرهاب والتقيد بالالتزامات التي عقدتها المنظمة مع اسرائيل.

هذه التصريحات ليست مفاجئة، ولكن توقيتها يعني أن إدارة اوباما تضع العصا في دواليب الحوار الفلسطيني، وتقول للفلسطينيين أن أية حكومة فلسطينية قادمة لا تعترف بشروط اللجنة الرباعية الدولية لن يتم التعامل معها، وستتعرض للمقاطعة الدولية مجدداً.

إن خطورة الموقف الأميركي المبكر تنبع من كونه سيلقي بظلاله السوداء على المواقف الدولية الأخرى، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي. لقد ظهر أثناء العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة وبعده، إن هناك بداية تحركات أوروبية، وبوادر مواقف أوروبية جديدة مختلفة عن المواقف السابقة، لدرجة أن وفد الاتحاد الأوروبي عالي المستوى والذي ضم عدداً من أبرز قيادات دول الاتحاد الأوروبي حاول إقناع ايهود اولمرت بالحاجة الى تغيير شروط اللجنة الرباعية، لأنها لم تساعد على إسقاط "حماس" ولا على تغيير موقفها، وأدت الى إضعاف السلطة الفلسطينية وما يسمونه "المعتدلين الفلسطينيين". لقد برزت آراء اوروبية خصوصا فرنسية وأسبانية حول الاكتفاء بأن تلتزم "حماس" بالتفاوض وعملية السلام وحل الدولتين، أو القبول بمبادرة السلام العربية، وذكرت الأنباء التي غطت زيارة الوفد الأوروبي لإسرائيل أن اولمرت عارض المطلب ولكنه وعد بدراسة الأمر. الموقف الأميركي سيقفل الباب أمام مراجعة الموقف الأوروبي، طبعا يمكن أن تتخذ فرنسا أو أسبانيا وغيرهما من الدول الأوروبية مواقف جديدة، ولكن يصعب الآن على الاتحاد الأوروبي أن يتخذ موقفاً جديداً متصادماً مع الموقف الأميركي.

ولاحظنا كيف أن الموقف الأوروبي يمكن أن يأخذ شكلاً فظاً على لسان بعض الدول الأوروبية كما لاحظنا كيف أن وزير الخارجية البريطاني لا يكتفي بالحديث عن شروط اللجنة الرباعية بل يتدخل في الشأن الفلسطيني عندما يرى أن حكومة التكنوقراط هي الحكومة المناسبة. وطبعاً اسرائيل لم تتردد بأن تدلي بدلوها، فقالت على لسان مسؤوليين حاليين، وعلى لسان بنيامين نتنياهو بأنها لن تقبل بحكومة تشارك بها "حماس" بدون أن تعترف بالشروط الإسرائيلية التي أصبحت دولية. هذا الموقف الإسرائيلي يعني أن الحكومة إذا لم ترض عنها اسرائيل لا تستطيع العمل في الضفة، ولن تستطيع العمل بسهولة في غزة. فآخر ما تريده اسرائيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية مهما كان شكلها لأنها تحرم اسرائيل من مزايا الانقسام الهائلة، وتقوي الموقف الفلسطيني وتجعله أكثر تماسكا ومناعة.

إن الحكومة الفلسطينية مفترض فيها أن تعبر عن المصالح والأهداف الفلسطينية وتحوز ثقة الشعب الفلسطيني، وبعد ذلك ترى كيف ستسوق نفسها أميركياً ودولياً. أما إذا فصلت نفسها على المقاس الأميركي الإسرائيلي فهذه وصفة مؤكدة لاستمرار الانقسام وتعميقه وتحوله الى انفصال دائم.

هيلاري كلينتون تتصرف من خلال هذا التصريح وكأن "حماس" هزمت بالحرب الأخيرة وأن عليها أن تقدم فروض الاستسلام، وذلك من خلال الموافقة على شروط كانت قد رفضتها سابقاً. "حماس" صحيح أنها لم تنتصر ولكنها حتماً لم تهزم، والكلام النهائي في هذا الأمر سيكتب بعد عدة أشهر، بعد معرفة الى أين ستسير الأمور فلسطينياً على مختلف المستويات وفيما يتعلق بكافة الملفات خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية. وبالتالي "حماس" لن تقبل بحكومة تقر بشروط اللجنة الرباعية الدولية. وإذا كان الرئيس ابو مازن مصراً على ضرورة قيام حكومة تلتزم بشروط "الرباعية"، أو بعبارة أخرى حكومة تفك الحصار، عليه أن يكف عن الجهود الرامية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

المطلوب من ابو مازن أن يتراجع خطوة سياسية هامة الى الوراء سياسياً، من خلال وقف المفاوضات وفقاً لمسار "انابوليس" وخارطة الطريق، والكف عن المطالبة بالالتزام بشروط اللجنة الرباعية، وخصوصاً أن اسرائيل الآن ستحكمها حكومة غير ملتزمة باتفاق أوسلو ولا بجميع الاتفاقات التي عقدتها المنظمة مع اسرائيل، حكومة أكثر عدوانية وتوسعية وتطرفاً من أية حكومة إسرائيلية سابقاً.

والمطلوب من "حماس" أن تتقدم خطوة سياسية هامة الى الأمام، من خلال تأكيد الالتزام بضرورة أن تكون الحكومة القادمة ملتزمة بالشرعية الدولية على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بعيدا عن شروط اللجنة الرباعية الدولية، أي أن تقبل ببرنامج "م.ت.ف" المقر قبل اتفاق اوسلو وعلى أساس مبادرة السلام الفلسطينية التي اطلقت عام 1988.

بدون الإقدام على خطوة من هنا وخطوة من هناك، سيكون الحوار الوطني الفلسطيني معرضاً للانهيار أو لأن يصبح حوار طرشان يطول ويطول بدون نتائج حاسمة، أو يقفز عن القضايا الأساسية، وهي البرنامج السياسي الواضح، والأساس الديمقراطي للنظام السياسي الفلسطيني، والشراكة الوطنية بعيداً عن المحاصصة الفصائلية، وعن اقتسام المصالح والمناصب والمراكز والنفوذ، وهذا يؤدي، إن حدث، وفي أحسن الأحوال، الى مصالحة مؤقتة معرضة للانهيار عند أي خلاف أو مستجد أو عند مواجهة أي مأزق.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة وإلحاح هو: هل هناك إرادة وطنية فلسطينية حاسمة نحو إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة؟ إذا كانت مثل هذه الإرادة متوفرة عندها سيتم التوصل بسرعة لاتفاق يحقق المصالح والأهداف الفلسطينية، بعد ذلك يكون ممكناً أن يعمل الفلسطينيون معاً وموحدين من أجل فرضه على العالم كله. ان حكومة فلسطينية لا تلتزم شروط "الرباعية" يمكن أن تسبب مشاكل كبيرة في البداية، ولكن العالم لا يستطيع أن يقاطع الفلسطينيين جميعا، والعرب الذين يجب أن يرعوا الحوار ويضمنوا الاتفاق من الصعب أن يتركوا الفلسطينيين لمواجهة الحصار وحدهم.

إن الأموال التي حصل عليها الفلسطينيون أيام حكومة "حماس" وحدها التي شكلت بعد الانتخابات التشريعية 2006 أكثر من الأموال التي حصلت عليها الحكومات السابقة رغم الحصار والمقاطعة، والفارق كان أن الأموال لا تحول عن طريق السلطة ولا تصب في خدمة موازنة السلطة ولتغطية نفقاتها التشغيلية، ولا يجب أن نهمل طبعاً احتجاز اسرائيل للأموال العائدة للفلسطينيين من حصيلة الجمارك على البضائع الواردة عن طريق اسرائيل.

لذا يمكن لحكومة وفاق وطني، مهما كان شكلها، حكومة وحدة وطنية أم حكومة تضم الكفاءات الوطنية المستقلة، أن تشق طريقها، بصعوبة في البداية، ولكنها ستفرض نفسها، خصوصاً أن البدائل عنها جربت وفشلت. فالوحدة أولوية وهي ضرورة وليست خياراً شرط أن تكون على أساس وطني ديمقراطي وتجسد الشراكة الوطنية.

يكفي أن يشرب العرب حليب السباع، ولو لمرة واحدة، ويقروا في قمة عربية أو في أحد اجتماعات الجامعة العربية أنهم ملتزمون بسد النقص في موازنة حكومة الوحدة، حتى لا يستطيع الحصار والمقاطعة إسقاطها.
بل إن بلداً عربياً نفطياً واحداً يستطيع أن يقوم بذلك، وهذا بحاجة الى إدراك عربي لأهمية إنهاء الانقسام الفلسطيني، ليس للفلسطينيين فقط وإنما للعرب جميعا، وهناك بعض البوادر العربية المشجعة!!.