قال عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين ومسؤول الدائرة السياسية الدكتور محمد الهندي، إن المعارك والمحطات الفاصلة في تاريخ أي أمة تعتبر بمثابة إعلان عن حيوية الأمة واستحقاقها للنصر والتقدم، أو فشلها وهزيمتها وضياعها.
وأضاف د.الهندي في حديث له خلال ملتقى صلاح الدين الأيوبي الفكري الدولي الثاني في أسطنبول: "إن المعارك ليست حوادث منفصلة معزولة عن السياق العام، وعن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية التي تعيشها الأمة، وعن التحديات التي تواجهها واستجابتها لها".
وأكد أن "حطين كانت نصراً حاسماً على مملكة الصليبيين في بيت المقدس لكنها كانت جزءاً من كفاح متواصل على مدى قرن من الزمان، والتحديات لم تكن في ميدان المعارك الحربية، بل إن ميدان المعركة الحربية كان بمثابة إعلان عن مدى استجابة الأمة لهذه التحديات"، مشيرًا إلى أن الدولة العباسية عانت طويلاً من الانقسامات وإمارات الطوائف.
وتابع د. الهندي: "التحديات تراكمت بأواسط القرن 12م، في الدولة الفاطمية بمصر حيث كانت في سعي متواصل لمد نفوذهم في مناطق العباسيين والسلاجقة، أما الصليبيون تحت غطاء الصليب وبدافع الطمع أقاموا إمارات على طول ساحل شرق المتوسط من أنطاكية حتى سيناء على مدى قرن من الجرائم والغدر، فضلا عن الأتابكة في شمال العراق وسوريا، إلى جانب الفرق الباطنية وأخطرها الحشاشين التي تعتمد الاغتيال للأمراء والعلماء ولها حصون ومواقع منيعة على امتداد بلاد الشام.
وأوضح د. الهندي، أن مواجهة هذه التحديات كانت أساساً في ميدان العقيدة والفكر، وبدأت بالمدارس النظامية التي أنشأها الوزير نظام الملك في حواضر العالم الإسلامي، والتي خرجت علماء ودعاة وقادة وولاة تصدوا لانحراف العقائد والأفكار وقادوا الأمة في مواجهات مع الأعداء.
وأشار إلى أن المدارس النظامية كانت مشروعاً ملهماً للدول التي نشأت في الشرق الإسلامي بعد السلاجقة، سواء الدولة الزنكية، أو الأيوبية، أو المملوكية.
وتابع د. الهندي: "في عام 552 هجري وعمره 26عاماً دخل صلاح الدين مصر مع جيش عمه أسد دين شركوه الذي أرسله نور الدين محمود (زنكي) استجابة لاستغاثة وزير مصر شاور، ثم عاد مع جيش عمه مرة أخرى بعد ثلاث سنوات في 1167م، لمواجهة تحالف الوزير شاور مع الصليبيين، ومرة ثالثة عام 1169م حيث قتل الوزير شاور وتم تعين أسد الدين شركوه وزيراً لمصر، لصدقه وطهارة نفسه ويده وشجاعته وتواضعه اختاره الله لهذا الدور العظيم: توحيد الامة الإسلامية في مواجهة التفتيت والاقتتال الداخلي والغزو الصليبي الخارجي، بعد شهور قليلة توفي عمه شركوه واسندت وزارة مصر لصلاح الذي نجح في وأد المؤامرات الداخلية واستمر في جهود الإصلاح والاحياء السني فاستبدل القضاة واسس في الفسطاط المدرسة الناصرية والمدرسة الكاملية".
وأردف: "في سبتمبر 1171م تم الدعاء للخليفة العباسي في صلاة الجمعة وبعد أيام قليلة فارق الحياة العاضد أخر خليفة فاطمي وانتهت الدولة الفاطمية بعد 262عاما، وأصبح صلاح الدين حاكم مصر القوي ومنذ توليه الوزارة عام 1169م وعلى مدار حوالي 30 عاما حتى وفاته في مارس 1193م وهو في جهاد على جبهتين، الأولى الجبهة الصليبية حيث استهلّ الصليبيون حملتهم بعد توليه مباشرة في حصار دمياط في 25 أكتوبر 1169م اعتقادا بقلة خبرة صلاح الدين، أما الثانيةوالجبهة الداخلية لتوحيد الطوائف والممالك وبقايا أمراء الدولة الزنكية".
وأكمل حديثه: "مرة أخرى يأتي دور قدر الله بوفاة نور الدين محمود في 1174م بعد أن مكن صلاح الدين لنفسه في حكم مصر فانساح يملأ الفراغ في الشام وتمكن في النهاية من توحيد مصر مع بلاد الشام في مشروع مواجهة مع الممالك الصليبية.
وقال الهندي: "إنه قائد مملوء بالأيمان والتقوى والزهد ما أورثه العزيمة والإصرار والثبات ليتوج عند الامة موحداً لها ومعيدا لمجدها ومحررا قدسها وعند الأعداء رمز للفروسية والشجاعة، و في ليلة الاسراء 27 رجب الموافق 2/10/1187م مصحوبا بالعلماء والقرّاء وفي مقدمتهم قاضي دمشق، دخل فاتحا بيت المقدس التي مثلت له دوماً هدفا للقتال وبوصلة للجهاد، فكانت فرحة عارمة عمت العالم الإسلامي أجمع، وغصة في حلق الصليبين الذين تجمعت فلولهم في صور مركزاً لحملاتهم اللاحقة، التي قضى صلاح الدين بقية حياته في مجاهدتهم حتى توفي عن 55عاماً، ولم يخلف ملكاً ولا داراً وهو الذي ملك مصر والشام والحجاز واليمن ولم يكن في خزانته ما يكفي لجنازته وجدو دينار واحدا و47 درهم".
وأضاف: "نحن تظلنا ذكرى تحرير بيت المقدس، ما أشبه اليوم بالبارحة فعلى امتداد القرن الماضي واجهتنا تحديات تفتيت دولة الخلافة وتقسيم الوطن الإسلامي بمشرط سايكس– بيكو الى عشرات الدويلات الغارقة في نزاعات قومية وعرقية ومذهبية وعشائرية مرتهنة للغرب ينهب ثرواتها ويمنع نهضتها ويتحكم بثقافتها وعلومها عبر تغريب نخبها وتعيين حكامها وقهر شعوبها".
وتابع في كلمته: "حتى تكتمل حلقة القهر والتحكم، يقيم في قلب الامة المملكة الصليبية الثانية - إسرائيل - ويمدها بالمال والسلاح والخبرات كذراع طويلة له تخنق أي محاولة لنهضة الامة واستقلالها ولأن فلسطين – كما كانت دوما – عنوان لنهضة الامة ووحدتها فان حصار شعبها ومقاومتها لم يتوقف".
وشدد في قوله: "ليس حصار غزة فقط بل الأخطر هو محولة حصار وعي الامة وتزييفه وترويج رواية العدو للصراع عبر موجات السقوط والتطبيع لأمراء الطوائف في محاولة بائسه لتتويج المملكة الصلبية - إسرائيل - قائدة لحلفهم في مواجهة أي محاولة نهوض للأمة".
وأكد أن "مسؤوليتنا في فلسطين اليوم مضاعفة، لأننا نمثل مقاومة الأمة في الخندق الأول للحفاظ على شعلة المقاومة متقدة".
وشدد د.الهندي، على دور علماء وقادة الفكر للامة في التصدي للموجة الجديدة للتطبيع مع العدو والاستسلام له، والتي تستهدف قلب وعقل الامة.