ما بعد فيضانات التّطبيع.. فرصة فلسطينيّة.. بقلم حسن لافي

الساعة 06:38 م|22 سبتمبر 2020

فلسطين اليوم

أعتقد أنّ الشَّعب الفلسطيني يجب أن لا ينظر إلى فيضانات التطبيع على أنها تهديد لقضيته الفلسطينية فقط، بكل ما يحمله ذلك من حقيقة، إلا أنّ من واجبه أيضاً النظر إليها من زاوية الفرصة لانطلاقة جديدة على أسس سليمة في صراعه مع المشروع الصهيونيّ.

فيضانات التطبيع العربي مثل أيّ فيضان يحصل من خلاله إغراق تام لكل ما هو موجود فوق الأرض، لكن عندما ينحسر الماء، يبقي خلفه أرضاً خصبة صالحة للزراعة من جديد. لذلك، رغم ما تحدثه الفيضانات من كوارث، فإن خبراء البيئة يؤكّدون أنّ لها آثاراً إيجابية تتمثّل في 3 نقاط رئيسيّة، من الجيد محاولة إسقاطها على واقع المشهد السياسيّ الفلسطيني في ضوء اتفاقيات التّطبيع مع "إسرائيل".

أولاً، يؤكّد خبراء البيئة أنّ الفيضان يعمل على إزالة نفايات النظام البيئي من مجرى المياه. بناءً على ذلك، يجب على الفلسطيني إعادة تعريف الذات السياسيّة، وتحديد طبيعة المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية، من أجل بناء استراتيجية فلسطينيّة وطنيّة لمواجهة التحدّيات الأميركية الإسرائيلية، الهادفة إلى شطب الحقّ الفلسطينيّ بكلّ جوانبه الحضارية والسياسية والتاريخية على أرض فلسطين.

لقد بُني النظام السياسي الفلسطيني في الربع قرن الأخير على اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بـ"إسرائيل"، وأنشأ السلطة الفلسطينية كنتاج من اتفاق أوسلو، الذي كان ولادة رهان قيادة المنظمة في لحظة تاريخية من الضعف الفلسطيني الرسمي آنذاك، أثناء مرحلة إعادة بناء الخارطة الدولية بقيادة الولايات المتحدة كقطب واحد وحيد يتحكم بالسياسة الدولية برمتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وما رافق ذلك من شروخ في المنظومة العربية بعد حرب الخليج الأولى، ناهيك بقصر النفس لدى البعض الفلسطيني الذي تعجَّل في قطف الثمار السياسية لانتفاضة الحجارة في الداخل الفلسطيني، متأثراً بصدمة خروجه من بيروت، التي ما زالت تلقي بظلالها على إيمانه بالقدرة على الصمود والعائد المرجوّ منه.

المنظومة السياسية الفلسطينية التي بُنيت على فرضية أن هناك عملية تسوية مع "دولة" الاحتلال على أساس "حل الدولتين" الذي سيطر على استراتيجية النظام السياسي، انتهت بالفعل في اللحظة التي أقرَّت الإدارة الأميركية "صفقة القرن"، ووافقت عليها دول التطبيع العربي، وتم التطبيع مع "إسرائيل" على أساسها، ولا بدّ من اجتثاثها من الواقع الفلسطيني السياسي والاجتماعي والاقتصادي، من خلال العودة إلى مربع التحرر الوطني بكل أبعاده، وعلى كل مستويات الفعل الفلسطيني الرسمي والشعبي والدبلوماسي.

ثانياً، من أهم إيجابيات الفيضانات صرف مسبّبات الأمراض الموجودة في الأرض، وإلقاؤها في البحر بلا رجعة. لذا، التطبيع العربي تحت مظلة "صفقة القرن" فرصة حقيقية لا يمكن إضاعتها لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإنهاء حالة الانقسام، الأمر الذي يستوجب من الكل الفلسطيني (فصائل، قوى، منظمة التحرير الفلسطينية، سلطة) التخلّي عن أساس الانقسام المتمثّل بالتنافس على قيادة السّلطة والنظام السياسي الفلسطيني، رغم اختلاف المقاربات الفلسطينية لهذه السلطة، إلا أنَّها لا تنفي حقيقة أنها تحت مظلّة أوسلو ومشروع "حل الدولتين" في نهاية الأمر.

يبدو أنَّ الفلسطينيين بدأوا بخطوات إيجابيَّة في هذا المسار، انطلاقاً من حالة الإجماع الرافضة لـ"صفقة القرن"، وليس انتهاء باجتماع الأمناء العامين، وأهم مخرجاته تشكيل قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية. ما زالت الطريق طويلة وشاقة للوصول إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس برنامج وطني فلسطيني يسترجع المطالبات الفلسطينية مرة أخرى إلى مربع الحقوق الكاملة، والتأكيد أن نهج المقاومة هو الخيار الأصوب، مع الحفاظ على التوافق العام على طبيعة المقاومة الأجدى في هذه المرحلة العصيبة، وعدم إغفال حق الفلسطيني في ممارسة كل أنواع المقاومة، لمنع الاحتلال من التعدي على ثوابت القضية الفلسطينية، بما فيها الكفاح المسلّح.

ثالثاً، تعمل الفيضانات على تغذية خزانات المياه الجوفية. ومن أجل إعادة الزخم إلى القضية الفلسطينية، وإرجاعها القضية المركزية للأمّة، لا بدَّ من توفر الحاضنة العربية والإسلامية الداعمة لفلسطين وللحق الفلسطيني، مع إدراك الأمة التام أنه في اللحظة التي يتم فيها التخلّي عن فلسطين، ستصبح الأبواب مشرعة أمام انتصار المشروع الصهيوني التوسعي على حساب كل دول الأمة وشعوبها ومصالحها ومستقبلها، من الرباط حتى جاكرتا.

لحظة الحقيقة تلك تتطلّب من الفلسطينيين بكلّ توجهاتهم السياسية والإيديولوجية إعادة بناء خارطة تحالفاتهم السياسية الخارجية من جديد، بحيث يصبح الاقتراب من معسكر فلسطين والابتعاد عن معسكر "إسرائيل" الأساس في إقامة التحالفات والتعاون، حيث قسَّم التطبيع العربي المنطقة بشموليتها إلى معسكرين متناقضين بنظرتهما إلى القضيّة الفلسطينيّة من دون مساحيق تجميلية، فمن كان مع "إسرائيل" لا يمكن له أن يكون مع فلسطين.

انتهى الوقت الذي يمكن فيه قبول أن تضع بعض الدول قدماً في معسكر "إسرائيل"، والقدم الأخرى في معسكر فلسطين. بالتأكيد، هذه النوعية من الدول يجب أن تحدد مواقفها، فالحياد في هذه الظروف التي تمرّ بها القضية الفلسطينية خيانة لها، فكما باتت فيضانات التطبيع العلنية والمعلنة تضع الفلسطيني أمام لحظة الحقيقة في مواقفه السياسية، فإنها تضع الجميع في المنطقة بالدرجة ذاتها أمام لحظة حقيقة مواقفهم من فلسطين وقضيتها، فهل هي فعلاً مواقف حقيقية متجذّرة تصبّ في مصلحة فلسطين كقضية مركزية للأمة، أو هي مواقف مصلحيّة تتغطّى بفلسطين وقضيّتها لتحقيق مصالح مرحليّة لذلك النظام أو تلك الدولة؟

كلمات دلالية