"لقاء بيروت رام الله من زاوية مختلفة"

الساعة 09:51 ص|14 سبتمبر 2020

كتب: الاسير إسلام حامد سجن عوفر

أحيانا يشعر المتابع للشأن الفلسطيني بعجزه التام أمام التناقضات غير المحدودة، شهور عدة من ترتيب واتصال بين الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وجبريل الرجوب أمين سر حركة فتح –ومناصب أخرى- من أجل عقد لقاء بيروت رام الله مؤخرًا وإنجاحه كما هو الظاهر من نوايا الرجلين.

من نكتة القدر في القضية الفلسطينية يعتبر اللقاء بحد ذاته انتصارًا على كل التناقضات كما يتمنى منظموه كونها -أي التناقضات- قائمة أصلاً دون مفر، فالمشاركون لا ينظرون إلى الاختلافات بحسب تواجدها بل إلى الزاوية الناتجة عن خلفية كل مشارك، هذا إن لم يكن لنا أن نحكم على اللقاء من أيامه الأولى، فما زلنا نعيش نشوة السكرة إلى حين حضور الفكرة، حينها قد يتبين للجميع أن هز الماء لن ينتج زبدًا. وفي الغوص قليلاً في حيثيات اللقاء حتى لا نغرق في العدم،  بذل الرجلان سابقا الذكر كل ما في وسعهما من أجل جمع من اجتمع من قيادات العمل الوطني والإسلامي تحت مظلة رئيس حركة فتح محمود عباس، بإدارة ما تبقى من حضور القضية الفلسطينية على مختلف الساحات، ومع شدة التنسيق والترتيب لهذا اللقاء لم يتم ضبط سياق الكلمات التي صدرت من كلا قطبي الساحة الفلسطينية حماس وفتح، وعلى الفور خرج تناقض المبدأ على السطح مع المحاولات الشديدة لتلطيف العبارات والمصطلحات، فمن جانب تحدث موضحًا بحسب خلفيته المعروفة رئيس حركة فتح عن السياق السلمي للمقاومة –إن كان هناك مقاومة أصلًا في أبجدياته -الذي سيوصله إلى طاولة المفاوضات بحلةٍ جديدة، ومن الجانب الآخر برز التحدي والإقدام علة تطوير المقاومة المسلحة في قطاع غزة ونقلها إلى الضفة العربية في كلمة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، هذا التناقض الواضح يعبر عن حقيقة لا يمكن الهروب منها –اختلاف المشاريع-  يقودنا إلى التساؤل هنا المهم؛ حول إذا ما كانت هناك إمكانية لجمع التناقضات في مشروع مقاوم والذي هو بحاجة إلى كل الدعامات السليمة التي لا تقودنا بالتأكيد إلى انهياره، التساؤل يطرح حتى يتم الإجابة عليه من قبل عموم المتابعين، لكن لي الحق هنا أن أختصر الطريق على نفسي أولاً قبل المتابعين بأن الماء لا يختلط بالزيت حتى وإن تم تحريكه، في الصميم ليس التناقض فقط نابع من اختلاف المشاريع بل في أيديولوجيا المتناثرة بين الفريقين .

(مأسسة المقاومة لتشيدها وإنجاحها)

لا غرابة في مأسسة المقاومة كجزء متقدم لإدارتها كنموذج قطاع غزة، قامت فصائل المقاومة بإعادة ترتيب الهياكل  السياسية وعملياتية –الغرفة المشتركة– حتى أصبحت بالشكل والمضمون قريبة من ترتيب الجيوش النظامية بل وأفضل من بعضها فلا إشكال في ما ذكرنا آنفاً، الإشكال هنا حول تشكيل مجموعات تنظيمية بالمسارات المختلفة بإدارة مشروع المقاومة، وإن كانت سلمية في الضفة الغربية، تحت مظلة ومتابعة ومراقبة الأجهزة الأمنية في رام الله، وعليه وإن كان الحديث عن المقاومة السلمية إلا أننا نقف عند كل مشروع يلقى ترخيصا وقبولا من قبل أجهزة أمن رام الله، كيف لا، والجميع يعلم أبجديات هذه الأجهزة؟ القائمة منذ نشأتها حتى اليوم على تثبيت أركان الاحتلال ومساعدته على البقاء في عموم الأرض الفلسطينية؛ من خلال مقاومة المقاومة، وتسليم الناشطين بكل السبل والوسائل، وإحباط الأعمال المقاومة للاحتلال الصهيوني، تحت مظلة محاربة الإرهاب، ولا يتم ذلك إلا عن طريق التنسيق الأمني المقدس- ولا يتم إلا عند أصحابه طبعًا-عدا عن كل ذلك تفاخر هذه الأجهزة بمنجزاتها في محاربة المقاومة، لما يقودنا هنا من جديد إلى التساؤل القائم على حقائق في الميدان: كيف يتم مأسسة هذه المقاومة الوليدة والسياق الحاضن لها غير سليم؟

(السياق الاخير)

على ما يبدو اليوم أن هناك تقاربًا وطنيًا حاصلًا قائمًا على الرغبة في التغيير، ورفع مستوى المواجهة مع العدو الصهيوني، من منظور آخر قد يكون أقرب أو موافق للحقيقة المرة، والتي تدل على أن التقارب الحاصل اليوم نابع من    مشروع فتح في الضفة الغربية، ومحدودية مشروح حماس في قطاع غزة، النقاش الداخلي في عقل حركة فتح قائم على عودة حضور المقاوم السلمي تحت السيطرة؛ من أجل دفع عملية السلام المتعثرة، مشروع بنت فتح نفسها عليه بعد فشلها في سائر المشاريع التي قدمتها على مدى التاريخ الفلسطيني المعاصر، هذا من جانب الظاهر لكن المخفي أخطر بكثير، والذي يتضمن النظرة الأمنية للآخرين من عناصر حركة حماس الذين شكلوا بصمودهم في وجه الضربات الأمنية والملاحقة التي لم تنقطع على مدار الساعة، الصورة الدائمة على العقل الأمني في رام الله، وعليه من خلال إخراج من يمكن إخراجه إلى السطح لتتمكن أجهزة رام الله من إعادة السبل والطرق الأكثر نجاعة في المسارات التي ستقود إلى إنهاء أو إضعاف حركة حماس في المستقبل القريب على مدى انتشارها في الضفة الغربية، في حين تبحث حماس عن نافذة أو شكل من أشكال الحضور في الضفة الغربية بعد سنوات القمع العجاف التي لم تنتهِ حتى اليوم، والتي أيضًا في صميمها أهلكت الجمهور الحمساوي والشكل التنظيمي للحركة في الضفة الغربية، وهنا ليس المقام للحديث عن عدم وجود الرؤيا للرأي المستقبل القريب الممكن في الضفة الغربية، تشكل حركة حماس حضورا قويا فيه بقدر اللحظة الراهنة والتي في شكلها كالغريق الذي يبحث عن القشة التي ستنقذه، لكن في حقيقة الأمر عندما يصل إليها قد يكون استنفد كل الفرص، وأوشك على الهلاك حينها، قد يكتب على شاهد القبر لا يضر الغريق شيء قليل من الماء.

السؤال الختامي هنا للسطور هل سيتم ضبط السياق المقاوم لحركة حماس في الضفة الغربية من خلال مشاريع ذات طابع سلمي تحت مظلة اللجان المشتركة التي تم الإعلان عنها في لقاء بيروت رام الله مؤخرا، تبقى هذه السطور الزاوية المختلفة للقاء بيروت رام الله وعسى أن نكشف الحقيقة الواضحة قبل فوات الأوان.