خبر صراع الديموغرافيا والجغرافيا في القدس...حي البستان: 1500 مقدسي على موعد مع نكبة جديدة

الساعة 07:31 ص|28 فبراير 2009

 

القدس المحتلة: فلسطين اليوم

لا تزال ذكريات نكسة سقوط ما تبقى من القدس تجول في ذهن العم طالع الشويكي (أبو ضياء)، عندما أجبر والده وعائلته ذات ليلة على الخروج تحت أزيز الرصاص وعلى وقع صرخات الضحايا من حي "البقعة" في الجزء الغربي للمدينة عام 1948، والهروب خوفا إلى حي البستان شرقا..

اليوم، يكرر أبو ضياء وعدا يقطعه على نفسه، ويعيده على أبنائه وأحفاده، بأن لا يتكرر مشهد اللجوء والطرد حتى "لو كان على جثثهم"، وإن كان لا بد من الخيمة، "فلنقمها على أنقاض بيوتنا" هكذا يقسم.

أبو ضياء الشويكي واحد من 1500 مواطن فلسطيني مقدسي، يعيشون اليوم هاجس طردهم من منازلهم وأراضيهم بقرار إسرائيلي صدر وعمم على مدار السنوات الأربع الماضية، وأعيد بثه إلى سكان الحي شفويا وعبر ممارسات بلدية الاحتلال في القدس.

ويوضح الشويكي أنها أكبر عملية ترحيل وطرد جماعي يتعرض لها المواطنون المقدسيون منذ نكسة عام 67 والتي أدت إلى تشريد وترحيل عشرات الآلاف عن منازلهم ومناطقهم، بعضهم إلى الجزء الغربي من المدينة، وآخرون كثر إلى الدول العربية أو خارج حدود المدينة المقدسة.

يقول أبو ضياء الشويكي: إن القرار بترحيلنا ومصادرة بيوتنا وأراضينا في حي البستان في هذه المرحلة بالذات هو عبارة عن قرارات شفوية وليست تحريرية، حيث لم يتسلم الأهالي مجددا أية أوراق رسمية، إلا أنهم تسلموا قرارات من هذا النوع منذ عام 2005 وفي عام 2007 وأخرى عام 2008.

الذي جرى مؤخرا، وحسب الشويكي، قيام طواقم متعاقدة مع بلدية القدس ومختصة في أعمال الهدم بالحضور إلى الحي والقيام بعمليات قياس لمساحات البيوت في الحي، تمهيدا لهدمها في وقت قريب.

مئة ومنزلان

وحسب البيانات الرسمية، فقد وصل عدد المنازل المهددة بالهدم وطرد سكانها إلى 102، ويوضح الشويكي ان بعض هذه البيوت مكونة من أربع شقق، أي يسكن بها أربع عائلات على الأقل، ووصل عدد الناس المهددين بالطرد إلى أكثر من 1500 مواطن مقدسي.

وعن مبررات الاحتلال في مصادرة المنازل وهدمها وطرد سكانها منها، يؤكد أبو ضياء وهو أحد المتحدثين باسم أهالي الحي، ان سلطات الاحتلال أصدرت مؤخرا خريطة هيكلية لحديقة أسموها "حديقة الملك داوود" وبموجبها تقتلع أكثر من 200 منزل جميعها قائمة قبل عام 67.

ويؤكد أن الحجة التي تدعي إزالة البيوت بسبب عدم الترخيص واهية وكاذبة، ويتلخص الهدف الأساسي في السيطرة على الأرض وليس العقار القائم، بمعنى أنهم "لو هدموا المنازل لن يتركوا الأرض لأصحابها وإنما سيقيمون عليها مشروع الحديقة للترفيه على المستوطنين والسيطرة عن الأرض".

لن نترك منازلنا

ويبدي أبو ضياء استياءه من حديث سلطات الاحتلال عن تعويض العائلات المزمع طردها بمنحها مساكن في مناطق أخرى، حيث يقول: إن العائلات كاملة في حي البستان ترفض مبدأ مغادرة المكان، ولا أحد يوافق على التنازل عن بيته مهما كان التعويض المادي أو العقاري.

وتساءل أبو ضياء: أين سيكون التعويض؟ ثم يجيب مستهجنا: بالطبع على أراض مصادرة من مواطنين آخرين... لن نترك بيوتنا حتى لو دمروا المنازل سنقيم عليها خياما ونعيش فيها.

ومثل الكثيرين ممن تهددهم بلدية الاحتلال الجديدة في القدس بالطرد، يمتلك أبو ضياء الشويكي أرضا بمساحة دونم، ومقام عليها متجر ومخازن وفرن قديم (بيت نار عربي) وبجانبه مشروع خاص للمستحضرات الطبية من الأعشاب، وكله مهدد بالمصادرة. وفي حي البستان أيضا، يمتلك أبو ضياء بيتا مكونا من ثلاثة طوابق فيه أربع شقق، ويسكن فيها 35 فردا هم أبناؤه الخمسة وزوجاتهم وأبناؤهم.

سابقة احتلالية

وفي سياق الحملة التي تشنها بلدية الاحتلال في مدينة القدس، يؤكد المحامي أحمد الرويضي، مسؤول وحدة القدس في السلطة الفلسطينية، أن طرد نحو 1500 مقدسي من حي البستان في القدس، قرار خطير جدا وغير مسبوق بسوى القرار الذي جاء بعد احتلال الجزء الشرقي من القدس عام 67 حيث طرد الاحتلال 5500 مواطن مقدسي من حي المغاربة وأقيم حي يهودي على أنقاض منازلهم.

ويضيف أن المشهد ذاته يتكرر اليوم في حي البستان بسلوان، وهو جزء من المخطط الذي يستهدف منطقة وادي حلوة جنوب المسجد الأقصى مباشرة لإزالة كل المواطنين الفلسطينيين منها في إشارة لإقامة ما يطلق عليه "حديقة الملك داوود" لخدمة اليهود المستوطنين، غير آبهين بوضع السكان الفلسطينيين.

ويوضح المحامي الرويضي، ان ما تخطط سلطات الاحتلال له هو عبارة عن عملية نقل سكان في منطقة محتلة بصورة غير مشروعة، واستقطاب يهود للإقامة مكانهم، بشكل يمثل جريمة حرب، ليس فقط بموجب اتفاقيات جنيف الرابعة، وإنما أيضا بموجب قانون اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية التي تضم نصا واضحا بخصوص تجريم أي محاولة لتغيير معالم منطقة محتلة ديموغرافيا وجغرافيا.

وفي تفاصيل قضية حي البستان، يوضح الرويضي أنه وبرغم حصول أهالي الحي على اتفاق مع بلدية القدس المحتلة عام 2005 يسمح لهم بتقديم مخطط تنظيمي وتُوقَف بناءً على ذلك إجراءات الهدم بحق منازلهم، إلا أن إسرائيل استبقت الأحداث وتعاملت مع القضية بشكل سياسي.

وحسب مسؤول وحدة القدس في السلطة، فإن هناك قناعة تزداد يوميا ان القضاء الإسرائيلي الذي يخضع المقدسيين لسلطته، يعمل وفق مصلحة المستوى السياسي، والمطلع على قضية حي البستان يدرك أن قرار طرد الفلسطينيين سياسي بالدرجة الأولى، ويفتقد أية مقومات أو دعائم قانونية.

أعلى كثافة سكانية

ويمتد حي البستان إلى الجنوب من المسجد الأقصى المبارك في ضاحية سلوان، وتتجاوز مساحته 170 دونما، فيما تخطط سلطات الاحتلال في المدينة لمصادرة أكثر من 350 دونما تشمل الحي ومناطق واسعة من سلوان، ومن ثم إخلائها كاملة من المقدسيين، وإقامة مرافق ومساكن للمستوطنين اليهود.

ويبلغ عدد سكان الحي المهدد بالمصادرة كاملا، أكثر من 2800 نسمة معظمهم من اللاجئين الذين طردوا من الجزء الغربي لمدينة القدس، بينما يعيش في ضاحية سلوان كاملة نحو 75 ألف مقدسي، وهي بهذه المساحة الضيقة تعد رابع أعلى مكان كثافة سكانية في العالم، بعد مخيم جباليا في غزة ومدينة القاهرة في مصر والعاصمة طوكيو في اليابان.

وتبعا لروايات السكان، يعد حي البستان، وهو المتنفس الجنوبي لمدينة القدس والحرم القدسي الشريف، من أجمل مناطق المدينة، وحتى سنوات ليست بعيدة، كانت غالبية العائلات المقدسية تنزل إلى بساتين سلوان وينابيعها للاستجمام والاستمتاع بالطبيعة الخضراء وعيون المياه التي تنتشر فيها، حيث تنخفض المنطقة عن المسجد الأقصى بمستوى 300م.

وكانت سلوان تضم ثلاثة ينابيع هي (عين سلوان الفوقا والتحتا وبير أيوب وعين اللوزة)، ولكن بلدية الاحتلال في القدس قامت بشفط مياه عين بير أيوب وعين اللوزة وتحويل مجراها إلى أحياء مصادرة لمصلحة اليهود. أما عين سلوان، فلم تستطع سلطات الاحتلال كشف مكان النبع بقدرة الله تعالى، كما يروي السكان...

وفي حي البستان خاصة، تنتشر كروم التين الفلسطيني العريق، وهو من أشهر أنواع التين وأجودها في فلسطين كلها، وذلك لقربه من المسجد الأقصى أولا ولطعمه المميز ثانيا.

بؤرة ثقافية

وبرغم حملات التهجير المستمرة في القدس، ومحاولات محو حي البستان وضاحية سلوان كاملة، إلا أن أهالي الحي، وكما يؤكد أبو ضياء الشويكي، يخططون لتحويل هذا المكان إلى "بؤرة ثقافية" تدلل على معاناة المقدسيين وتؤكد في الوقت ذاته على صمودهم، على أن يشهد المكان نشاطات واسعة ضمن فعاليات القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009.

وينهي أبو ضياء حديثه بالقول: نحن نعيش تحت واقع استيطاني استعماري ليس له نظير في العالم، والصراع بيننا وبين الاحتلال الإسرائيلي صراع ديموغرافي بشري، فهم يريدون أرضا بلا شعب، ولكننا كشعب باقون في هذه الأرض..".