خبر غزة: أصحاب المنازل المهدمة يفترشون الأرض رغم البرد القارص بانتظار إعادة الإعمار

الساعة 02:44 م|27 فبراير 2009

فلسطين اليوم : غزة

رغم انتهاء الحرب الصهيونية التي شنت على غزّة إلا ان هناك آلاف من الاسر لا زالت تفتقد الى المأوى بعد ان حولت آلة الحرب الصهيونية منازلها الى اكوام من الحجار, ومعها انضمت هذه الاسر الى قائمة طويلة من المشردين في مشهد يعيد للذاكرة نكبة العام 48.

عين على المنزل المدمّر

الحاجة "أم سهل" سعاد عبد ربه لم تجد امامها إلا خيمة من القماش تسلمتها من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الانروا وذلك ضمن مخيم لجوء اقامته الانروا في شمال قطاع غزّة لإيواء عشرات الاسر كبديل لمنازل باتت من الذكريات.

وعلى بعد امتار قليلة من منزلها المدمّر اختارت ام سهل خيمتها ومن امام بابها ترصد الحاجة كل من تقترب خطواته من منزلها المدمّر, وهناك تعود الذاكرة بالحاجة ام سهل الى ما كان بالامس منزلا يلم شمل اسرتها التي باتت مشردة وسط خشية من اطالة امد اللجوء والتشرد وتقول نومة ولا أحلى ولكن إلى متى يعلم الله، أتمنى أن أعود لبيتي في اقرب وقت ممكن ولكن بحالته المدمّرة وقد قلبه الاحتلال رأسا على عقب لا يمكنني ذلك.

منزلها الذي كان الأقرب للخيام في نهاية شارع عزبة عبد ربه بدا وكأنه علبة كبريت انقلبت من أعلى لأسفل او ما يشبه مكعبات الأطفال وقد خرج منه شاب يحمل بعض الطعام أعده في نصف غرفة تبقت على قيد الحياة، وقد ساهم الأقارب في إعداد سلم خارجي ليصعد الأهل لتلك الغرفة ويعدوا ما يريدون من طعام للمدمرة منازلهم.

وتضيف ام سهل في تلك الخيام لا يمكن البقاء طويلاً في ظل الظروف المعيشية الصعبة فقد داهمت الامطار تلك الخيام واقتلعتها العواصف لنجد انفسنا على وقع تشريد جديد قبل ان نعود ونقوم برفع الخيمة مرة اخرى.

مخيم الكرامة

المخيم الجديد للاجئين الجدد والذي تقيم فيه ام سهل يحمل اسم "الكرامة" عدد من الخيام تجاوزت 54 أنشئت خصيصا لعائلات منطقة عزبة عبد ربه وهناك تقطن عشرات العائلات.

والى جانب خيمة ام سهل كان أكرم عبد القادر أبو سلطان (46 عاماً) عائد من تفقد منزله المدمر، حاملاً معه مفتاح ما كان يسمى سابقاً منزلاً.. غاب الهيكل وبقي الأثر شاهداً، فعاد أدراجه كما عاد أسلافه على أمل العودة ولا زالوا، وبيده الأخرى حصان خشبي لطفله سامر (3 سنوات) تهللت أساريره حين رآه, فهو لا يدرك بعد معنى الحرب!

ويصر ابو سلطان على البقاء في الخيمة على مقربة من منزله لكن نفس السؤال الممزوج بالخشية ردده وهو يشير إلى 35 فرداً يشاطرونه وزوجه وأمه ومسناً أفقده داء السكري بصره، نفس الخيمة إلى متى سيبقى هذا الحال؟!

متى العودة

وفي خيمة ثالثة كانت ندى ابنة الثمانية اعوام تكرر نفس السؤال على مسامع امها "ماما هل سنبقى طويلاً في الخيمة".. الام والتي تلوذ بصمت حزين.. تود لو تخبرها أن وجعهم لن يطول، لكن وعوداً لا تحمل في طياتها أية ضمادات لجرحهم الكبير يجبرها على عدم التفوه بأي أحلام للصغيرة.

"ندى" وهي ترسم على لوحة بيضاء منزلاً جميلاً تصافحه الشمس، قالت :"هكذا كان بيتنا"، فجأة تباغتنا بسؤال تظن أننا نحمل إجابته :"متى سيعاد بناء البيت ويذهب هذا الركام؟؟".

يفترشون الارض بانتظار الاعمار

"أم محمود نعيم" في عقدها السابع من العمر: قالت :"أنا أفترش وأسرتي الأرض ونلتحف السماء"، وبصوت واهن تمنت أن تسرع الدول العربية في إعمار غزّة وألا تضع شروطا تعرقل بناء ما دمره الاحتلال.

ام محمود تشير بيدها إلى أرضها الجرداء والشجر المخلوع من جذوره، تلتفت إلى منزلها الذي لم تعد تعرف ملامحه، وتخبرنا أنها لم تعد تكترث بما تسمعه من أرقام قادمة ستتكفل بإعمار غزّة ووقوفها على أقدامها من جديد، وتشيح بوجهها قائلة :"هذا الركام والدمار سيبقى طويلا.. ووعود العرب ستتأخر كثيرا".

نجلها الأكبر "عصام" رأى أن المدينة الجريحة ستتحول إلى مخيم كبير، ويقول :"أخشى أن يبقى هذا المشهد لسنوات قادمة، ما دام العرب قد أصروا على ربط ألمنا بالسياسة".

المخيمات الجديدة تحمل اسماء متنوعة ولكنها جميعا تدور حول نتائج الحرب وما رافقها وما سبقها كالكرامة والصمود والحرية وبعضها حمل اسماء لأهالي المنطقة التي سيقطنونها مثل مخيم السلاطين كناية عن منطقة السلاطين شمال القطاع وكذلك مخيم العطاطرة فيما تحمل مخيمات ثالثة اسماء الجهات التي تعدها لا سيما ان كانت مؤسسات خيرية محلية ليست كالاونروا والصليب الاحمر مثل مخيمات جمعية الاوفياء الخيرية وجمعية الفلاح الخيرية.

محاولة لتسيير الحياة

الشيخ صالح معروف الناطق باسم اهالي احد المخيمات شمال قطاع غزّة قال ان المخيم الملاصق لمدرسة عمر بن الخطاب ببلدة بيت لاهيا انشئ ليضم قرابة 110 أسر أي ما يعادل 600 نسمة من المواطنين الذين دمرت منازلهم وانه مخيم بلا مرافق ولا خدمات عامة مشيراً الى أن الاطفال بالمخيم لم يتناولوا وجبة الافطار حتى وصلت "معا" الى هناك في تمام الحادية عشر قبل الظهر.

 

وقال: "هنا بعض النساء المرضعات والحوامل ولكن بالاغلب ان النساء يقدمن مع ساعات الصباح من بيوت اقربائهن ويغادرن قبل حلول الظلام".

لجان العمل الصحي قامت بوضع عيادة مستقرة بمنطقة عزبة عبد ربه ارتادها معظم الاهالي وهناك اجريت عمليات صغرى مجانا للمواطنين الذين ذاقوا وبال الحرب كما وزعت عليهم المضادات الحيوية والادوية بلا مقابل مادي.

خسائر الحرب

وقد قدر جهاز الإحصاء المركزي أن الخسائر الاقتصادية في المباني والبنية التحتية المباشرة في قطاع غزّة بلغت 1.9 مليار دولار نتيجة للحرب التي استمرت 23 يوما.

وتشير التقديرات الأولية إلى أن 4100 مسكن دمرت بشكل كامل وكذلك مقرات للحكومة والأجهزة الأمنية إضافة إلى 17 ألف مسكن آخر دمرت بشكل جزئي كما لحقت أضرار بعدد من المدارس والجامعات والمستشفيات إلى جانب وجود دمار كبير في البنية التحتية.

سكنت أصوات المدافع، وهدير الطائرات، وأزيز الرصاص، لكن لوحات الدماء، والخراب لا تزال ماثلة أمام آلاف اللاجئين الجدد في الخيام، لوحات أعادت بشكل أو بآخر صور لاجئين لازالوا يطالبون بحق عودتهم بعد 60 عاماً، لكن هؤلاء لا يريدون هجرة جديدة ويصرون على المكوث بين حرثهم الهشيم، ونسلهم الوليد في الخيام.