خبر المؤسسة الملكية..هآرتس

الساعة 10:55 ص|27 فبراير 2009

بقلم: امير اورن

هو لم يحب شمعون بيرس، وفضل انتصار بنيامين نتنياهو عليه في الانتخابات ولكنه سرعان ما ندم على تأييده لنتنياهو. من المثير ان نعرف ما الذي كان ليقوله في هذا الاسبوع لو علم بان الرئيس بيرس قد كلف نتنياهو بتشكيل الحكومة. قبل سنوات من التقاء ايهود اولمرت بموشيه تلانسكي، تلقى من الامريكيين في مغلفات بنية، مئات الاف الدولارات ولكنه لنبله لم يفتحها ابدا حتى يعد المال الموجود فيها بوجود رجل السي اي ايه. هو كان رجل العالم الفسيح والمملكة الصغيرة، مناور ابدي في صراعات بقاء لا تنتهي. لذلك كشف في السياق لجمال عبد الناصر سر حرب حزيران ولغولدا مئير سر حرب يوم الغفران.

حسين ملك الاردن مات في مثل هذا الشهر قبل عشر سنوات في الثالثة والستين من عمره حيث جلس على كرسي الملك في المملكة الهاشمية طوال اربعة عقود ونصف وكان رئيسا لتلك الدولة عندما كان فتى تحت سن التصويت للانتخابات. قائد قطعة الارض المصطنعة اكثر من كونها ملوكية والتي حفرها البريطانيون من وسط الصحراء العربية من اجل احتياجاتهم.

قد كتب الكثير عن الملك حسين في حياته وقد اضيف الكثير بعد مماته، ولكن هناك اسرار لا تكشف الا الان. نايجل اشتون، محاضر بارز في لندن في كلية الاقتصاد البريطانية، كان مقربا من العائلة الملكية في عمان وكانت لديه امكانية نادرة للوصول الى ارشيف الملك حسين الخاص. هو لم يطالب صراحة بضمان وجود عناية ايجابية متعاطفة مع سيرة الملك حسين السياسية، ولكن الرجل الشهم يدرك ذلك من تلقاء نفسه. اشتون حاول حماية الملك وترك للقارىء او لمؤلف اخر مهمة تحليل ستار الحقائق المتدحرج. الملك حسين كان مصابا بنوبة ال – اس – دي عابرة (ليندا كريستيان التي وصفت كنجمة من هوليود وضعت في احد حفلاته مخدر هذيان لدرجة انه احتاج معالجة طبية) وقرار حاسم مصيري – توقيت الهجمة على الثوار الفلسطينيين في ايلول الاسود في عام 1973 – وفقا لنصيحة نسيبته في لندن.

هذه امور هامشية. اشتون تعمق في وثائق الملك حسين والتوثيقات البريطانية والامريكية واجرى مقابلات مع مقربي الملك خصوصا المقربة منه زيد الرفاعي، والمسالة الاساسية في فيض الاسرار التي يكشفها هي مسالة سياسية، وعسكرية واستخبارية. ربما كان الاكتشاف الاكثر اثارة للصدى هو سر القرار الاسرائيلي بالشروع في الحرب ضد مصر في الخامس من حزيران 1967 الذي تسرب من خلال الملك حسين للرئيس المصري جمال عبد الناصر. مصدر التسريب ولشدة الذهول، كان رئيس الموساد مئير عاميت وليس غيره. ليس عن سوء نية لا سمح الله، وانما على طريق الاسرار التي تنطلق من مخابرات الى اخرى ومن دولة الى اخرى في الدروب المعوجة.

ناصر لم يصدق

قضية زيارة اللواء احتياط عاميت لواشنطن في اواخر ايار 1967 لاصلاح ما اعطبه وزير الخارجية ابا ايبان خلال اتصالاته مع الرئيس لندون جونسون ووزرائه معروفة. عاميت عاد مع انجاز محترم ومؤثر. في الواقع تاكد ( مع وزير الدفاع روبرت مكنمارا واخرون) ان لا جدوى من مواصلة انتظار التحرك الدولي لكسر اغلاق المصريين لمضائق تيران وضمن الجناح الامريكي من الحرب. ولكن بما ان عاميت لم يسمع فقط وانما اسمع ايضا، حدث ان كبير المسؤولين عن المصادر والمعلومات الاستخبارية قد تحول بنفسه الى مصدر للمعلومات الاستخبارية بالنسبة لمحادثيه، وبصورة غير مباشرة لمن يحادثونهم، وغير مباشرة لغير المباشرة لمحادثي هؤلاء المحادثين.

في مذكرة سرية وحساسة صدرت في الثاني من حزيران 1967 وسمح بنشرها كاملة في الشهر الماضي وليست مشمولة في الكتاب، اخبر رئيس السي اي ايه ريتشارد هولمز جونسون بخلاصة محادثاته مععميد في وكالة الاستخبارات. "عميد يعتقد بان الاسرائيليين سيكرروا الهجوم. وبالنسبة لنتائج الحرب قال عميد انه يتوقع انتصارا اسرائيليا خلال ثلاثة حتى اربعة اسابيع مع اربعة الاف اصابة في الجيش الاسرائيلي. اسرائيل ستتضرر من القصف وبارجات الصواريخ المصرية، ولكن عاميت قال ان اسرائيل ايضا تمتلك عدة مفاجأت. عندما علم باليوم الذي امر فيه هو والسفير (في واشنطن افراهام) هيرمن بالعودة للوطن ، قال عاميت لاحد كبار المسؤولين من اتباعنا انه يشعر بان الامر يعني ان الوقت قد حان لقرار اسرائيلي حكومي حاسم. وصرح بان الحسم يجب ان يتخذ خلال ايام".

هولمز اوضح لجونسون، ولمكنمارا ووزير الخارجية دين راسك ومستشار الامن القومي روستاو ان "من شبه المؤكد ان عاميت يشاطر الجنرال ديان وزير الدفاع الجديد الافكار بسبب تقاربهما الكبير طوال سنوات. كلاهما من مواليد اسرائيل ومساراتهما كانت متقاربة جدا. من ملاحظات عاميت يظهر بوضوح ان الاسرائيليين المتشددين الذين لم ينسوا ابدا بانهم محاطون بالعرب المعادين، يدفعون من اجل حل بالقوة، في مواجهتنا ومواجهة حكومتهم ذاتها. تعيين ديان واستدعاء عاميت وهيرمن يمكن ان يفسر كاشارة تنذر بالسوء. هذا مع اخذ قدرة الاسرائيليين على الضرب في الموعد الذي يختارونه من دون انذار بالحسبان. مع ذلك عبر عاميت عن رأيه بان اسرائيل قد فقدت لحظة المباغتة عندما لم توجه ضربتها في الاسبوع الماضي والمح ان هذا عامل هام جدا وفهم من اقواله ان الاسرائيليين سيمارسون خدعة ما حتى يخدروا العرب".

 

مغلفات مالية للملك

كملحق للمذكرة طرحت مواقف عاميت بصورة موسعة مرة اخرى. في سياق ذلك قال رئيس الموساد لاعضاء السي اي ايه في الاول من حزيران ان "اسرائيل لا تستطيع الانتظار اكثر من ايام قلائل او اسبوع" وان الاقتصاد الاسرائيلي يرزح تحت عبء استدعاء الاحتياط. "ليس هناك عمال في الحقول والحصاد ما زال قريبا، ولكن من الافضل الموت في ارض المعركة على الموت جوعا". ادارة جونسون لم ترغب بالبوح بالسر الاسرائيلي لناصر. ولكن هذا ما حدث عندما سارع جونسون لتحذير الملك حسين، الذي كانت الخشية من سقوطه، بسبب التآمر المصري او السوري او بسبب عملية انتقامية اسرائيلية ضد الارهاب الفلسطيني من الحدود الاردنية، مسألة مركزية في السياسة الامريكية حينئذ.

اشتون يفضل في كتابه ومحادثة في مكتبه في لندن، عدم ذكر اسم قناة التحذير، ولكن الاستنتاج الذي يطرح نفسه انه كان جاك اوكونيل، رئيس بعثة السي اي ايه في عمان. اوكونيل كان مسؤولا عن تفعيل الملك حسين ودفع له الدولارات (وفقا لرواية متعاطفة، المال كان موجها لتمويل جهاز الامن التابع للملك حسين قبل اقامة جهاز المخابرات الاردني، وبعد ذلك لاستئجار شركة يمتلكها ابن الرئيس جيرالد فورد لحراسة ابناء الملك حسين، بما في ذلك خليفته في الملك عبدالله الثاني خلال دراستهم في الولايات المتحدة).

يتبين ان الملك حسين كان يحب رجال المخابرات الاجانب بصورة خاصة، ومن الافضل ان يكونوا ناطقين بالانكليزية كلغة الام: اوكونيل ومن اتوا بعده في السي اي ايه، ورئيس بعثة الاستخبارات البريطانية في عمان ام اي – 6 ، بيل سبيرس (اسم الشيفرة: ماري) وزوجته باغي وافرايم هليفي من الموساد. عضو السي اي ايه السابق ربط خطا هاتفيا مباشرا بين مكتبي حسين وغولدا مئير.

المفاجأة الساحقة للعملية الجوية "موكيد" في صبيحة الخامس من حزيران تحققت، وان ناصر لم يصدق الملك حسين. هو اشتبه بوجود خدعة ترمي الى دفعه الى التراجع، كما اشتبه حسين بوجود مؤامرة من عبد الناصر ضده شخصيا (سجنه عندما ياتي في طائرته الى القاهرة) وضد الاردن.

مهزلة التاريخ هي انه بعد ست سنوات وربع في ايلول 1973، وجد حسين نفسه في وضع مشابه في مواجهة غولدا: هو كشف لها خطة الهجوم التي اعدها انور السادات وحافظ الاسد ضد اسرائيل، الا انها تمترست في رفضها التصديق بان الحرب وشيكة فعلا. احد الدروس من هذه القضايا هو ان قيمة الاستخبارات ستبقى محدودة جدا دائما. من السهل الوقوع في غرام المعلومات الاستخبارية واعتبارها كل شيء، ولكن القادة حتى ان استوعبوا وهضموا المعلومات على علاتها، او استخدموا قناة سرية لاتصالات خفية مع العدو، يتخذون قراراتهم في سياق واسع وسياسي.

خيبة، امل، خيبة

قبيل انتخابات تشرين الاول 1973، حيث كان خط الحزب الحاكم في اسرائيل يفيد بانه بفضل هذا الحزب يخشى العرب من شن الحرب، لم تكن اية معلومات ياتي بها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "امان" ايلي زعيرا لجولدا او لديان لتقنعهما. وحتى لو جاء السادات او الاسد بجلالتهما لمقر الموساد ليوفرا على الملك حسين عناء هذه المسالة للالتقاء بغولدا، لشككت ايضا بصحة هذا السر.

من المعروف منذ زمن ان للاردن مصدرا هاما للمعلومات في الجيش السوري. اشتون يتقدم خطوة اخرى لكشف هويته ويقول ان ضابط جمع المعلومات الاستخبارية التي جنده كان عبود سالم، طيار في سلاح الجو العراقي الذي كان ضابط استخبارات وفر للاردن. احد اقارب زوجته كان قائد فرقة في الجيش السوري ومطلعا على سر الخطط الميدانية والعمليات ضد اسرائيل. سالم حصل منه على خطة الحرب.

وفقا لرواية حسين التي يطرحها اشتون، كان هدف اللقاء مع غولدا اصطياد المعلومات التي حصلت عليها من مصادرها المصرية منها، بان الاردن تردد في الوثوق بتقديراته المبنية على المصدر السوري وحده مهما كان نوعيا. حسين، الذي خشي من اظهاره كعميل لاسرائيل، لم يرغب في تحسين التحضيرات الاسرائيلية للحرب، بصورة تحافظ على الوضع القائم، وانما لمنع نشوب الحرب من خلال ابراز مدى الخطورة وبصورة تحث اسرائيل على القيام بخطوات سياسية. تحذير قائد الفرقة السوري نقل لسي اي ايه في المقابل، من خلال رئيس بعثة السي اي ايه في عمان، الا ان هولمز المخضرم وصاحب الصلات الكثيرة لم يكن في واشنطن في ذلك الوقت.

قبيل حرب يوم الغفران كان على رأس السي اي ايه رئيس جديد وضعيف هو الثالث خلال نصف عام وهو ويليام كولبي التقرير الذي حصله عليه هنري كيسنجر منه لم يتسبب باهمية كبيرة. مساعدو كيسنجر توماس بيكرنغ، حدث اشتون بانه مع حلول نهاية ذلك الاسبوع السابق للحرب كان كيسنجر مهتاجا وسأل مرارا مساعده ان كانت قد وصلت معلومات جديدة من الشرق الاوسط بسبب التحضيرات المتزايدة للحرب. ولكن عبثا. احدى المعلومات التي نقلها قائد الفرقة السوري للمسؤولين عن تفعليه في الاردن كان موعد البدء باطلاق النار. هذه المعلومة اثارت حيرة الملك حسين وافترض ان "الساعة اثنتين ظهرا في يوم الغفران" موجهة نحو مساء يوم الغفران، حيث يكون الشعب الاسرائيلي في طريقه الى البيت وتكون الفوضى عارمة. مع مرور يوم الجمعة ذاك من دون هجوم تساءل حسين ان كان القرار قد الغي.

علاقات حسين مع السياسيين والضباط والمسؤولين في اسرائيل، تغص بفصول طويلة ووثائق كثيرة موجودة في الارشيف الملكي. هو تحدث عن الكرامة الا انه كان معجبا بالقوة. من كانوا يشيرون في نظره الى الرجولة والبطولة عوملوا بصورة خاصة، وليس دائما بصورة ودية. خصوصا موشيه ديان واسحاق رابين. بيرس اذاقه المرارات الى ان "تحرك من وراء الكواليس لصالح نتنياهو" في انتخابات 1969 اخيرا وفرح بانتصاره و "ضغط على قادة عرب اخرين لاتاحة المجال له للاستمتاع من الشك"، كما كتب اشتون، ولكن امله خاب ووجد غاية اخرى لاماله: ايهود باراك.

من كل اسرار حسين يمكن القول ان السر الاكثر اثارة يتعلق بمغازلة رابين السرية لصدام حسين في مطلع صيف 1995 على حد قول اشتون رابين طلب من حسين بان يقوم صدام بدعوتهما معا لزيارة بغداد. "هدفه من خلال اقامة العلاقات مع العراق كان زيادة الضغوط على الاسد، عدو صدام حتى يقبل شروط اسرائيل للسلام. رابين اعتبر العراق مفتاح شرق العالم العربي وحاجزا امام التهديد الايراني ضد اسرائيل".

اتصالات رابين مع حسين جرت بواسطة افرايم هليفي ورئيس ديوان الملك حسين علي شكري. في حزيران 1995 ارسل حسين لصدام اقتراح زيارة رابين لبغداد، في رسالة سرية سلمها وزير البلاط مروان قاسم. صدام رد برفضه اجراء الاتصالات غير المباشرة وبمستوى منخفض، الا انه لم يستبعد تماما الاتصالات مع رابين. هذه المبادرة لم تتواصل