خبر تجميع الوزن الفلسطيني .. حسام عيتاني

الساعة 09:36 ص|27 فبراير 2009

بقلم: حسام عيتاني

الحوار الفلسطيني الذي بدأ في القاهرة امس، يندرج ضمن الاتصالات الجارية لتطويق الانقسامات والصراعات العربية. وهو مثلها، قليلاً ما يمكن التعويل عليه في معالجة أزمات اكبر من حجم العاملين على معالجتها.

الفصائل التي اجتمعت في القاهرة، تمثل الاكثرية الساحقة من الشعب الفلسطيني (مع استثناء اربعة فصائل احتجت على عدم توجيه الدعوة اليها)، لكنها في الوقت ذاته تمثل الاستعصاء الذي تواجهه القضية الفلسطينية. استعصاء تعاني منه منظمة التحرير والسلطة الوطنية وكل فصيل بمفرده من الفصائل المشاركة. واذا كانت المشكلات الضخمة التي تعيق تفعيل عمل المنظمة وعجز السلطة عن العثور على وجهة تسير فيها بعد الاعلان المتكرر لموت عملية السلام مع اسرائيل، معروفة ومتداولة، فإن المآزق التي تواجه القوى الاخرى لا تقل صعوبة.

فهذه حركة «حماس»، على سبيل المثال، تعود الى مصر التي جعلتها شريكة في العدوان الاسرائيلي عليها، بعدما تبين أن ليس في وسع الحركة، بالحصيلة الكارثية التي حصدتها من الحرب الاسرائيلية على غزة، الاستثمار في مجال الانتصارات. فلا النتائج الميدانية تجيز ذلك، ولا الإخفاق السياسي والدبلوماسي. ومن دون ادنى رغبة في استئناف حديث الانتصارات والهزائم الممجوج، يتعين القول انه لو كانت نتائج العدوان على غزة مختلفة، لرأينا سلوكا «حمساويا» مختلفا في العاصمة المصرية، حيال المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل وحيال استئناف الحوار الوطني.

أما المواضيع التي تبحث على مائدة الحوار، فتليق بجدول اعمال قمة رؤساء قوى عظمى تخوض حربا باردة في ما بينها. من السذاجة الاعتقاد في ان الصراعات الفلسطينية التي دخلت عليها العديد من العناصر الخارجية ودمرت تماما «القرار الوطني المستقل» لحساب محاور وتحالفات تسعى الآن التي المصالحة في ما بينها، يمكن ان يتم تجاوزها في سياق حوار مهما كان جديا وعميقا.

فالاعتقاد بلا شرعية المرجعية الفلسطينية الحالية، من قبل هذا الطرف او ذاك، والرد عليه بمحاولة الاقصاء والالغاء، لا يُنتج فقط جراء ضغوط ومتطلبات من وراء الحدود، بل يقوم اولا على رؤى محددة لموازين القوى التي يقول كل من فريقي الانقسام الكبيرين انه يستند اليها.

الرد باللجوء الى الديموقراطية (سواء «ديموقراطية البنادق» على طريقة ياسر عرفات، أو الديموقراطية التوافقية على الطريقة اللبنانية)، أثبت من خلال الانهيارات المتعاقبة لحكومات الوحدة الوطنية، ولطرد اجهزة السلطة من غزة، انه لا يستجيب تماما للوضع الفلسطيني في المرحلة الراهنة. وإجراء انتخابات تشريعية او رئاسية الآن، من المرجح ان يعيد إنتاج صورة مشابهة لتلك التي أنتجتها انتخابات العام 2006، مع بعض التغييرات الطفيفة. فحركة «حماس» خسرت الكثير من السمعة التي كانت تتمتع بها قبل ثلاثة اعوام وأظهر اسلوب ادارتها لقطاع غزة الذي تنفرد بالسيطرة عليه انه ليس لديها لتقدمه للمواطن الفلسطيني المحاصر سوى المزيد من الحصار، ناهيك عن الفشل في ادارة الشؤون اليومية للقطاع الذي ليس من المعروف، على سبيل المثال، كيف ستعالج قضية اعادة اعماره.

أما حركة «فتح» فلم تبرأ بعد من صدمة خسارتها الانتخابية ولم تنجح قيادتها في الاجابة عن الاسئلة الصعبة التي طرحها العدوان الاسرائيلي على غزة في كانون الاول وكانون الثاني الماضيين. يضاف الى ذلك ان الخلافات الداخلية في الحركة وتفاقم التناقضات بين الاجنحة المختلفة وعدم وجود قيادة لا نزاع حول شرعيتها لتنظيم هذه الخلافات، عوامل تساهم في منع انعقاد المؤتمر الحركي المنتظر منذ حوالى عقدين.

ومن المريح إبداء التفاؤل في ان تنجح اللجان الخمس التي انبثقت عن جولة الحوار امس، في انجاز مهماتها (تشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وهيكلة الاجهزة الامنية على اسس مهنية واعادة هيكلة منظمة التحرير لضم حركتي حماس والجهاد الاسلامي اليها ولجنة المصالحات الداخلية). لكن من المحبط ان تكون هذه اللجان نسخات مكررة عن لجان سابقة سعت الى تحقيق المهمات ذاتها ولم يكن من نتائج لها سوى تعميق الصراعات والانقسامات.

المشهد يأخذ أبعاده كاملة عندما يوضع على خلفية الحالة الاسرائيلية. مبرر تماما القول ان أي تقدم يحققه الفلسطينيون في المصالحة، سيعيد تشكيل ميزان القوى بينهم وبين اسرائيل، لكن مشكلة هذا التقييم تكمن في ان الوزن الفلسطيني حتى لو تجمع من شتاته وشرذمته الحاليين، سيكون اقل من ان يوازي الموجة الاسرائيلية المتطرفة الحالية، هذا من دون الحديث عن المشاركين في خلق الموجة هذه.