خبر الواقع الإسرائيلي بعد الانتخابات .. ناجي شراب

الساعة 09:21 ص|27 فبراير 2009

بقلم: ناجي شراب

في انتخابات “إسرائيلية” غير مسبوقة، جاءت نتائج انتخابات الكنيست لتؤسس لواقع سياسي جديد، وترسم خريطة حزبية مغايرة تماماً للخريطة الحزبية التي عرفتها “إسرائيل” منذ قيامها عام 1948. لقد جاءت هذه الانتخابات التي دعت إليها تسيبي ليفني قبل موعدها بنتيجة غير متوقعة بالنسبة إليها. ولعل السبب وراء دعوتها، فشلها في تشكيل حكومة بعد استقالة أولمرت في اعقاب ملفات الفساد التي لحقت به، ثم رفضها الخضوع لابتزار حزب شاس. ومن هنا جاءت دعوتها لانتخابات مبكرة على أمل أن تحقق نتائج إيجابية حاسمة، ولذلك جاء قرار الحرب على غزة ومحاولتها ضرب حركة حماس والمقاومة على وجه الخصوص، بنتيجة عكسية استفاد منها حزب الليكود واليمين عموماً.

ويلاحظ من قراءة نتائج الانتخابات تراجع واضح في دور الأحزاب الكبيرة وتنامي دور الأحزاب الصغيرة، فمن قبل تراجع دور حزب العمل مؤسس الدولة في “إسرائيل”، والذي ظل مسيطراً على الحياة السياسية حتى عام ،1977 عندما كسر حزب الليكود هذا الاحتكار، واليوم نجد المصير نفسه يلقاه حزب العمل الذي تراجع من 19 مقعداً في الانتخابات السابقة الى 13 مقعداً في هذه الانتخابات، في الوقت الذي ارتفع فيه نصيب معسكر اليمين من 51 مقعداً في انتخابات الكنيست ال 17 إلى 65 مقعداً، وهي نسبة مرتفعة قد تعيد معها دور ووزن حزب الليكود إلى موقع الحزب المسيطر في انتخابات قادمة مع تصاعد الاتجاه اليميني، وفي السياق نفسه ارتفاع نصيب حزب ““إسرائيل” بيتنا” إلى 15 مقعداً لتجعل منه الحزب الثالث وتجعل منه الحزب القاعدة لأية حكومة “إسرائيلية”، ويتوقف على مشاركته شكل أي ائتلاف حكومي.

أما بالنسبة لحزب كاديما، ورغم فوزه في هذه الانتخابات بفارق مقعد واحد، عن الليكود بحصوله على 28 مقعداً بخسارة مقعد واحد إلا أن هذه النتيجة قد تكون إيجابية لهذا الحزب، وقد تؤكد استمرار دوره على الخريطة السياسية الحزبية في “إسرائيل”، وحتى في حال عدم مشاركته في أي حكومة فقد يلعب دوراً مهماً كمعارضة سياسية. ويلاحظ في هذه الانتخابات تراجع واضح لدور أحزاب اليسار مثل ميرتس من 5 مقاعد إلى 3 مقاعد، ما يعني ضعف دور اليسار عموماً وضعف دور قوى السلام أيضاً. ويلاحظ كذلك تراجع نسبي في دور الأحزاب الدينية لصالح أحزاب اليمين، لكن ما يلفت الانتباه في هذه الانتخابات بروز دور حزب “البيت اليهودي” الذي حصل على 4 مقاعد ما قد يزيد من احتمالات دوره مستقبلاً.

أما الأحزاب العربية فما زالت على نفس قوتها ووزنها، فقد حصلت مجتمعة على 11 مقعداً بزيادة مقعدين عن الانتخابات السابقة، هذا رغم إمكانية حصولها على عدد أكبر من المقاعد يتناسب مع عدد الناخبين العرب، وهذا قد يعزى إلى تشتت الصوت العربي من ناحية، وعدم توحد القوائم العربية في قائمة واحدة، لكنها عموماً تكتسب دوراً رئيسياً أكبر في ظل تراجع الأحزاب الكبيرة، خصوصاً ما يتعلق بدعم قضايا سياسية محددة كالانسحاب من الاراضي الفلسطينية ودعم استئناف المفاوضات. وعموماً يلاحظ في هذه الانتخابات التي شاركت فيها قوائم 25 حزباً تزايد دور الأحزاب الصغيرة، ويعزى هذا إلى طبيعة النظام الانتخابي “الإسرائيلي” النسبي.

ومن المظاهر اللافتة للاهتمام غياب الشخصيات التاريخية وتراجع دور الجنرالات وزيادة دور السياسيين، ويلاحظ في هذه الانتخابات أيضاً أنها انتخابات بين الزعامات السياسية والعسكرية أكثر منها بين أحزاب سياسية، حيث الفوارق تكاد تكون معدومة في النواحي السياسية، وخصوصاً ما يتعلق بقضية السلام والمفاوضات مع الفلسطينيين.

ولعل اللافت للانتباه في هذه الانتخابات نبرة التشدد والكراهية ضد العرب والفلسطينيين عموماً، وهنا يظهر تأثير التربية التوراتية والتنشئة السياسية التي تعمق الكراهية والقوة وعدم التسامح مع الآخر. وقد ظهر ذلك جلياً في التصريحات التي خيمت على الانتخابات “الإسرائيلية”، خصوصاً لدى قطاع الشباب “الإسرائيلي” الذي تستهويه مثل هذه اللغة التي استخدمت خلال الحرب على غزة.

وفي ضوء كل ذلك سيكون للحكومة الجديدة ما يقارب ال 65 مقعداً وهي نسبة تبقى قليلة وتضع الحكومة تحت رحمة الأحزاب الصغيرة. وحتى في حالة مشاركة حزب العمل الى جانب حزب ““إسرائيل” بيتنا” أيضاً ستبقى الحكومة تحت رحمة الموقف اليميني المتشدد لليبرمان، وهذا سيصطدم بالضغوط الخارجية خصوصاً الأمريكية واتجاه التغيير الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية الجديدة. وحتى في حال تشكل الحكومة من الحزبين الرئيسيين كاديما والليكود مناصفة ومشاركة العمل واستبعاد ليبرمان، ستبقى أيضاً حكومة غير متناغمة ويصعب التوفيق بين عناصرها ما يجعل عمر هذه الحكومة قصيراً.

وعلى الرغم من تعدد الخيارات أمام تشكيل الحكومة لكنها وفي جميع الأحوال ستبقى حكومة ائتلافية هشة وضعيفة، لن تكتب لها الاستمرارية طويلاً، وهذا سينعكس سلباً في جميع الأحوال على مستقبل العملية السلمية، التي قد تشهد تراجعاً وتعثراً في مسيرتها.