خبر الكيان الصهيوني حكومة جديدة وأزمة مستمرة/ فايز أبو راس

الساعة 07:45 ص|27 فبراير 2009

تشكيل الحكومة الصهيونية الجديدة بقدر ما هو أمر سهل ومتيسر إلا أنه في الحقيقة أمر صعب ومتعسر, وليست المشكلة في وجود الكتلة البرلمانية القادرة على تشكيل الحكومة لكنها في المطالب الأنانية وغير المتفقة لكل حزب من الأحزاب المشاركة وفي نوعية الكتلة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة كونها تمثل الاتجاه الأكثر تشددا وعدمية وعدوانية داخل الكيان والتي تستند في خطابها الى التوظيف الديني ألتوراتي أكثر من ذي قبل بما يؤشر الى الاتجاه الذي يسير نحوه الكيان والتفاعل الذي  يجري داخله, لأن وجود حكومة كهذه اختصاص لصناعة الأزمات وليس لحلها, هذا من جهة ومن جهة أخرى هنالك مشكلة في الشعارات الانتخابية غير القابلة للتحقيق التي رفعتها الأحزاب الصهيونية على الجانبين والتي تتمحور حول امتلاك كل طرف للحلول الناجعة للمسألة الأمنية وهذا ليس بمقدور أحد داخل الكيان أن يحققه ما دام هنالك مقاومة والمقاومة باقية ما بقي الاحتلال.    

 

التبدلات والمتغيرات في الحياة السياسية والتراجع في نسبة المصوتين في الانتخابات البرلمانية داخل الكيان تشير بكل وضوح الى أن مقاومة الشعب الفلسطيني هي مصدر الأزمة داخل الكيان , لأن هذا الكيان منذ النشأة وحتى انطلاقة المقاومة عاش مرحلة استقرار سياسي حيث سيطر حزب العمل على غالبية مقاعد البرلمان وشكل الحكومات المتعاقبة ولم تظهر ملامح السخط أو التذمر على سياسة حكومات العمل من جمهور المستوطنين رغم شظف العيش والأزمات الاقتصادية التي عايشها هؤلاء في البدايات لكن التذمر بدأ يظهر عندما أصبح لدى الكيان مشكلة أمنية بانطلاقة الثورة الفلسطينية وعجز حكومات الكيان عن حلها, ووصل الأمر حد الذروة بعد حرب تشرين 1973م حيث بدأنا نشهد مظاهر هذه الأزمة بشكل واضح وجلي للعيان, وكلما تصاعد عمل المقاومة كلما تعمقت أزمة الكيان وبرزت الى السطح أكثر فأكثر, كذلك هو حال المشاركة في التصويت الذي بدأ في أول كنيست بنسبة تقارب (التسعين في المئة)  فقد انخفض في الانتخابات الأخيرة الى حدود (الستين في المئة) مما يؤشر الى انعدام ثقة جزء كبير من المستوطنين بالدولة والمؤسسات السياسية وبأنها قادرة على إيجاد الحلول لمشكلتهم الأمنية, لذلك فقد أصابت حمى  تبديل الرهانات على القوى والأحزاب التي تعد بحل المشكلة الأمنية جمهور المستوطنين الذين سيصلون في النهاية الى القناعة بأن هؤلاء المرشحين الذين انتخبوهم لم يبيعوهم غير الوهم.

 

الإفلاس هو المسمى الحقيقي للوضع الذي تعيشه الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني أمام المقاومة صاحبة الحق المغتصب في فلسطين, ولم تعد الرواية الصهيونية التي تتحدث عن أرض بدون شعب لشعب بدون أرض قابلة للتصديق, ولم تعد مقولة الجيش الذي لا يقهر في وصف الجيش الصهيوني قائمة اليوم بعد أن كسرت المقاومة جدار الزجاج الذي اختفت خلفه كل الهزائم العربية على مدار السنين, فقد أثبت شعب فلسطين عن طريق الثورة والمقاومة المسلحة بعد أن تحررت إرادته بأنه جدير بهذه الأرض وبالانتماء لها وأَسمعَ بدمه صوت الحق  الفلسطيني كل أرجاء المعمورة ولم تفلح الدعاية الصهيونية رغم كل وسائل القوة والدعم الدولي  غير المحدود في الاستمرار في تغييب هذا الصوت, وأصبحت فلسطين وشعبها ومقاومتها حاضرة في كل مكان وعصية على الإلغاء, وكل يوم يزودنا الواقع بالكثير من الحقائق التي بقيت غامضة لسنين والتي تنفي عن جيش الغزو الصهيوني صفة البطولة والتفوق والانتصار, لأن هذا الجيش يتوقف دائماً عند حدود المكان الذي يصمد فيه المقاومون وعنده يثبُت خط الجبهة, ولا يتقدم إلى ما وراءه  إلا إذا تم إخلاؤه والانسحاب منه , الجيش الصهيوني في الحقيقة وعلى الرغم من كل سلاحه القوي والمتطور هو جيش تعبئة الفراغ ولا يتقدم إلا على الفراغ حيث يبني خطوطه على النقاط التي يخليها له الجيش الذي يواجهه وهذه مرحلة من تاريخ الأمة قد انتهت على يد المقاومة في جنوب لبنان وفي فلسطين خلال معركة غزة وهذه المرحلة لن تعود مرة أخرى وعلى هذا الجيش أن يتوقع من المقاومة الصمود و أن ينتظر المزيد.   

 

 الكيان الصهيوني يعيش أزمة لا تتعلق بالأمن فقط بل بالوجود وهذه الأزمة لا يحلها تشكيل الحكومة ولا الانتخابات وليس بمقدور حزب أو ائتلاف أحزاب أن ينهي هذا الصراع لصالحه لأن متطلبات إنهاء الصراع غير متطلبات التسوية السياسية التي يسعى العديد من الدول والأطراف الى فرضها على الشعب الفلسطيني تحت دعاوى ومسميات وصيغ مختلفة , وهي في جوهرها تسعى الى تأجيل هذا الصراع ومنح الكيان الصهيوني فرصة أطول للحياة والاستمرار عن طريق إلغاء المقاومة أو محاصرتها وتحييدها, وسواء نجحت هذه المساعي أو لم تنجح , تشكلت حكومة أم لم تتشكل جرت انتخابات صهيونية أم لم تجر فان المشكلة قائمة وأزمة الكيان تتعقد أكثر فأكثر والصراع مستمر ولن يُحل إلا حسب القوانين التي حكمت كل الصراعات المشابهة في الكون وعلى مدار التاريخ وهي لصالح شعبنا وأمتنا.