حزب الله و"إسرائيل".. الطّريق إلى الحرب مليئة بالعقبات

الساعة 10:35 ص|25 يوليو 2020

فلسطين اليوم

بقلم : حسن لافي

كاتب فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي

هل باتت الطريق مفتوحة لتدحرج الأوضاع إلى حرب بين حزب الله و"إسرائيل"؟

شهد الأسبوع الأخير ازدياد حالة التوتر بين "إسرائيل" وحزب الله في الجبهة الشمالية، إثر القصف الإسرائيلي في سوريا، والَّذي استشهد جراءه أحد كوادر حزب الله، مع تصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي في البلاد، في مسعى إسرائيلي جاد لفرض معادلات جديدة، ليس تجاه حزب الله فقط، بل تجاه محور المقاومة بكامله في سوريا، مفادها أن لا حصانة لأحد داخلها، وفي المقابل، ارتفاع جدية التهديدات من قبل حزب الله تجاه "إسرائيل"، فهل باتت الطريق مفتوحة لتدحرج الأوضاع إلى حرب بين حزب الله و"إسرائيل"؟

انتهت حرب تموز 2006 بقناعة إسرائيلية مفادها أن لا قدرة لـ"إسرائيل" على تحقيق النصر الحاسم على حزب الله، بل على العكس، أثبتت تلك الحرب أنَّ حزب الله قوة عسكرية لا يمكن إزالتها من خارطة التهديدات الإسرائيليّة.

لذا، لجأت المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة إلى استراتيجية التعايش مع خطر حزب الله، شرط أن تبقى حالة الاشتباك في الحد الَّذي يمكن تحمّله إسرائيلياً، وفي الوقت ذاته، لا يغير في ميزان التفوّق الإسرائيلي على حزب الله في المدى الاستراتيجي، من خلال زيادة العوائق أمامه في تطوير قواه العسكرية، والعمل على نزع شرعيته السياسية خارجياً وداخلياً. الحلّ الذي أوجدته "إسرائيل" للموازنة بين أهدافها والأخطار التي تواجهها، هو الحفاظ على إدارة صراع محدود منخفض الوتيرة مع حزب الله تحت ما يطلق عليه استراتيجية "المعارك ما بين الحروب".

تهدف استراتيجية "المعارك ما بين الحروب" إسرائيلياً إلى:

·  العمل على تأخير المدة الزمنية لاندلاع الحرب المقبلة قدر المستطاع، مع الحفاظ على الهدوء النسبي الذي يسمح لـ"إسرائيل" بالتعايش معه وتحقيق أهدافها.

·  الحفاظ على قوة الردع الإسرائيلي والسعي إلى تعظيمها، رغم إدراكها أن هناك معادلة ردع متبادلة بينها وبين حزب الله تحكمها قواعد مقبولة لدى الطرفين.

· السعي إلى تكريس شرعية "إسرائيل" دولياً، والعمل على ضرب شرعية أعدائها في حال ذهابها إلى أي مواجهة مقبلة.

·بناء القوة والاستعداد للحرب دفاعاً وهجوماً من الجهة الإسرائيلية. وفي المقابل، العمل على منع مسار حصول حزب الله على سلاح كاسر لميزان القوة الإسرائيلي، وزيادة قوته، والعمل على عرقلة ذلك.

· توليد شعور لدى حزب الله بالملاحقة من "إسرائيل"، من خلال مجموعة من الأعمال العسكرية والأمنية العلنية والخفية، ما يؤدي إلى حرف انتباه حزب الله إلى أموره الداخلية.

انتقال "إسرائيل" من استراتيجية "المعارك ما بين الحروب" ذات الصراع المحدود مع حزب الله إلى حالة الحرب، يتطلَّب من تلك الحرب أن تحقّق هدفين، الأول إزالة العنف الحالي ضدها أو إيقافه، وهو هدف آني. أما الثاني، فهو هدف بعيد المدى، وظيفته خلق شروط عسكرية وسياسية لفترة طويلة هادئة قدر المستطاع ما بعد الحرب.

بالتأكيد، إنَّ درجة العنف الحالية بين حزب الله و"إسرائيل" ما زالت في إطار العمليات المحدودة، وعلى فترات متباعدة زمنياً، لكن المؤسَّسة العسكرية والأمنية تعتبر مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله خطراً حقيقياً لا يمكن التغاضي عنه، ويحتاج إلى معالجات سريعة فاعلة، لما يملكه من تداعيات استراتيجية سلبية على ميزان القوة الإسرائيلية في أي مواجهة قادمة مع حزب الله.

على المقلب الآخر، لا يمكن للمؤسسة العسكرية غضّ الطرف عن وضع الكيان الإسرائيلي العام في ظلّ أزماته الداخلية المتنوعة، بدءاً من جائحة كورونا، وليس انتهاء بالأزمة الاقتصادية الخانقة، ناهيك بانخفاض مستوى الشرعية الداخلية للحكومة الإسرائيلية، بل خروج التظاهرات اليومية ضد فساد رئيس وزراء الحكومة بنيامين نتنياهو، الأمر الذي ينعكس سلباً على شرعية اتخاذها قرار الحرب، بكل ما يحمله من تداعيات على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لكن يبقى السؤال الأهم في هذا السياق: ما هي درجة استعدادات الجيش للدخول في حرب مع حزب الله قد تتّسع لتصبح حرب الشمال الأولى؟

هنا، تكفي الإشارة إلى أنَّ الجيش الإسرائيلي منذ ما يقارب عامين غير قادر على توفير موازنة خطة "تنوفا" المتعددة السنوات لرئيس أركانه أفيف كوخافي، والتي أعدَّها لاستيفاء قدرات الجيش على تحقيق النصر في أي حرب مقبلة.

من الممكن قراءة السلوك العسكريّ الإسرائيليّ تجاه حزب الله في سوريا بأنه محاولة إسرائيلية لاستغلال الإشكاليات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية في الساحة اللبنانية، وما يعانيه محور المقاومة بقيادة إيران من أزمة اقتصادية جراء سياسات العقوبات الأميركية المتصاعدة في عهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لإجبار حزب الله على قبول رفع مستوى القوى العسكرية الإسرائيلية المستخدمة ضده، بمعنى خلق توازن قوى جديد في إطار استراتيجية المعارك بين الحروب أكثر راحة لـ"إسرائيل"، ويمنحها هامشاً من الفعل العسكري والاستخباراتي أكثر اتساعاً عما سبق، من دون أن يؤدي ذلك إلى تدهور الأمور إلى حرب مفتوحة معه، مستثمرةً ما تبقى لترامب في البيت الأبيض، في ظل احتمالات كبيرة لنجاح المرشح الديموقراطي جون بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لكن إشكالية استراتيجية المعارك بين الحربين تحمل في طياتها دائماً مخاطر تدهور الأوضاع إلى حرب، وخصوصاً أن التاريخ يقول لنا إن كثيراً من الحروب اندلعت من دون أن يكون لطرفيها رغبة في ذلك.

 

كلمات دلالية