خبر معضلة الخيار السياسي للشعب الفلسطيني ..ياسر الزعاترة

الساعة 11:58 ص|25 فبراير 2009

 

ـ الدستور الأردنية  25/2/2009

منذ الانتخابات، ثم بعد ذلك الحسم العسكري وقصة الانقسام هي المهيمنة على أحاديث النخب السياسية العربية، وبعض الفلسطينية لدى الحديث عن القضية وتحولاتها، لكأن ذلك الانقسام هو الدواء الشافي لكل العلل التي تعاني منها القضية.

أصحاب هذا الطرح في معظمهم يقرون بأن المفاوضات لم ولن تأتي بنتيجة مقبولة، بينما يضيف بعضهم قائلاً: ولا المقاومة في ظل ميزان القوى الحالي، ما يحتم علينا وعلى المعنيين بهذا الهم الرد والتوضيح حتى لا يعمّى على الحقيقة، حتى لو كررنا ذلك مراراً وتكراراً ما داموا يكررون كلامهم دون توقف.

من الضروري أن يتواصل التأكيد على وجود برنامجين في الساحة الفلسطينية، الأول يؤمن بالمقاومة سبيلاً لتحصيل الحقوق، بينما يؤمن الثاني بالتفاوض، والتفاوض وحده سبيلاً لذلك، فكيف يمكن حل هذه المعضلة عبر المسار المقترح ممثلاً في إنهاء الانقسام ما دامت حركة فتح في ظل قيادة سبق أن حاولت الانقلاب على ياسر عرفات بهدف تثبيت برنامجها المشار إليه؟، ألا يحق لنا السؤال عن ماهية الضرر الذي أصاب القضية من جراء الانقسام، اللهم باستثناء جولة عابرة من الاقتتال الذي فرضه الطرف الذي رفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وأصر على تسليم الحكومة لحماس من دون صلاحيات أمنية ولا مالية ولا إعلامية، بينما كان يعد العدة لانقلاب عسكري بالتنسيق مع الجنرال دايتون؟، مع الضرر الذي يعنونه ليس ما ذكرنا، ولا حتى ممارسات السلطة في رام الله القمعية ضد حماس.

لقد صعدت القضية خلال الأسابيع الماضية إلى أعلى المستويات، ولم يبق مكان في العالم إلا وعاش تجلياتها، بينما كانت اللعنات تصب على رؤوس المحتلين بكل اللغات، وفي كل ركن من أركان العالم. وعندما يقطع عشرات الناشطين البريطانيين آلاف الأميال في رحلة تمتد عشرين يوماً من أجل الانتصار لفلسطين، فذلك يؤكد أن العدو هو الذي عزل وليس القضية.

لقد حدث ذلك بسبب المقاومة والصمود والتضحيات، وليس بسبب بطولة المفاوض الفلسطيني العظيم، والقبلات التي طبعها على خدود المسؤولين الإسرائيليين، ثم يأتي من يطالبنا بالانحياز للخيار الثاني، والموافقة على اعتبار الأول شكلاً من أشكال العبث والتضحية المجانية بأرواح الناس، مع العلم أنه لم يأخذ فرصته كاملة، وحين أخذها في لبنان حقق الانتصار وطرد المحتلين ربيع العام 2000.

لقد ذهب المفاوض الفلسطيني حراً طليقاً إلى طاولة المفاوضات من دون انقسام ما بين 93 و2000، ثم فعل ذلك بعد 2004 وحتى الانتخابات، ثم فعله كذلك بعد الحسم العسكري بعد تخلصه من رقابة الذين فازوا في الانتخابات، وفي كل تلك الجولات لم يعد لنا بما يحفظ ماء الوجه.

لقد آن أن يقولوا لنا ما الذي يريدونه بالضبط، وكيف ستكون الانتخابات هي الحل، وقد كانت من قبل سبب الانقسام، وهل سيقبلون النتائج في حال فوز حماس، وما قيمة أن يقبلوا ما دام "المجتمع الدولي" لا يقبل، وكيف سيحل إشكال المعونات بعد ذلك؟، كيف سيصار إلى معالجة مؤسسة أمنية نشأت في الضفة الغربية على أسس معروفة، وهل سيقبلون تسليمها لحماس في حال فوزها في الانتخابات، أم سيكررون ما فعلوه من قبل؟ ليس ثمة ضمانات بأنهم لن يكرروا الموقف بدعوى المحافظة على مصالح الشعب الفلسطيني بوصفهم قيادة منظمة التحرير التي هي قيادته الشرعية الوحيدة، لن يختلف المسار في حال فازت فتح في ظل اختطافها من قبل الفئة التي ورثت ياسر عرفات بدعم الأمريكان والإسرائيليين والوضع العربي الخاضع للإملاءات الأمريكية، أي أن مسار السلطة ذاتها سيتواصل، فإما أن تبقى سنوات طويلة على حالها، وإما أن تقبل بصفقة بائسة، في تجاهل تام لحقيقة أن فلسطينيي الضفة والقطاع هم أقل من نصف الشعب الفلسطيني. إنها جميعاً أسئلة السلطة وصيغة "الاحتلال الديلوكس" الذي منحته للمحتلين.

كيف نحل هذه المعضلة؟ لا حل إلا بتعاون الشرفاء لاستعادة حركة فتح، ولن يتم ذلك إلا بإعادة تشكيل منظمة التحرير على أسس ديمقراطية، وعندها يمكن للمخلصين من أبناء الحركة أن يعودوا إلى شعبهم وخياره المقاوم، أما المسار المقترح فلن يفضي، في حال نجحت المصالحة، إلا إلى رحلة تيه جديدة وانقسام أسوأ: هذا إذا لم يفض إلى صفقة بائسة سنقضي وقتاً طويلاً في مواجهتها ومواجهة تداعياتها.